أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل) ، للدكتور محمد حرز

بتاريخ 3 رجب 1446هـ ، الموافق 3 يناير 2025م

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل) ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 3 رجب 1446هـ ، الموافق 3 يناير 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 يناير 2025م بصيغة word بعنوان : فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل) ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 يناير 2025م بصيغة pdf بعنوان : فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل) ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 3 يناير 2025م بعنوان : فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل) .

 

أولًا: الأملُ هو عنوانّ الحياةِ.

ثانيًا: حَطِّمُوا اليَأْسَ بِسَيْفِ الأَمَلِ

ثالثــــًا وأخيرًا: رسالةٌ إلى أكلةِ المواريثِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 3 يناير 2025م بعنوان : فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل) : كما يلي:

 

خطبة الجمعة القادمة/  صناعةُ الأملِ

 د محمد حرز، بتاريخ 3 رجب 1446 هـ ، الموافق 3 يناير 2025 م

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَرَادُفِ آلَائِهِ وَنَعْمَائِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى سَابِغِ فَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الصَّادِقُ الْأَمِينُ وَالْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعْدُ، مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى فَرَبُّكُمْ أَحَقُّ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُشْكُرَ فَلَا يُكْفَرَ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102].

عبادَ الله: ( صناعةُ الأملِ بلْ إنْ شئتِ فقُل فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.

عناصرُ اللقاءِ:

أولًا: الأملُ هو عنوانّ الحياةِ.

ثانيًا: حَطِّمُوا اليَأْسَ بِسَيْفِ الأَمَلِ

ثالثــــًا وأخيرًا: رسالةٌ إلى أكلةِ المواريثِ.

أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن صناعةِ الأملِ بل إنْ شئتَ فقُل فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، وخاصةً ولقد جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَمُرَّ عَلَى الْإِنْسَانِ أَوْضَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَحْوَالٌ مُتَقَلِّبَةٌ، فَمَرَّةً يَجِدُ نَفْسَهُ مُرْتَاحَ الْبَالِ، وَمَرَّةً يَكَادُ الْحُزْنُ وَالْهَمُّ يُقَطِّعُ قَلْبَهُ، وَمَرَّةً يَكُونُ صَحِيحًا مُعَافًى، وَمَرَّاتٍ يَتَنَقَّلُ بَيْنَ الْمُسْتَشْفَيَاتِ يَبْحَثُ عَنِ الْعَافِيَةِ، وَفِي خُطْبَةِ الْيَوْمِ أُذَكِّرُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ نَجَا، وَزَانَتْ أُمُورُهُ مَعَ كُلِّ تَغَيُّرَاتِ أَحْوَالِهِ، وَتَقَلُّبِ أَوْضَاعِهِ، إِلَيْكُمْ أَفْضَلُ حَلٍّ وَبَيْنَ أَيْدِيكُمْ أَسْرَعُ طَرِيقٍ لِصَلَاحِ أَحْوَالِكُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَيْسِيرِهِ؛ إِنَّهُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ فَهُوَ سَبِيلُ نَجَاةٍ، وَرَفِيقُ دَرْبٍ، وَحَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ، وخاصةً  ونحنُ في بدايةِ عامٍ ميلادِيٍّ جديد كلهُ أملٌ وتفاؤلٌ وسعادةٌ وحسنُ ظنٍّ بربِّ العالمين، وخاصةً ونحنُ في شهرِ رجب، فهو شهرٌ عظيمٌ مباركٌ مِن الأشهرِ الحرمِ التي قالَ عنهَا ربُّنَا: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)، وخاصةً والواجبُ على المسلمِ مع بدايةِ عامٍ جديدٍ أنْ يحاسبَ نفسَهُ على ما قدّمَ مِن خيرٍ وما فعلَ مِن شرٍّ ليستكثرَ مِن الخيرِ وليندمَ على الشرِّ ويعزمَ على عدمِ العودةِ إليهِ مرةً ثانيةً، وللهِ درُّ القائلِ:

دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ **** إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني

فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها **** فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل)

أولًا: الأملُ هو عنوانُ الحياةِ.

أيُّها السادةُ: الأملُ يدفعُ الإنسانَ دائمًا إلى العملِ، ولولَا الأملُ لامتنعَ الإنسانُ عن مواصلةِ الحياةِ ومجابهةِ مصائبِهَا وشدائدِهَا، ولولاه لسيطرَ اليأسُ على قلبِه، وأصبحَ يحرصُ على الموتِ، لذا قِيلَ: اليأسُ سلمُ القبرِ، والأملُ نورُ الحياةِ…..والمسلمُ لا ييأسُ مِن رحمةِ اللهِ؛ لأنّ الأملَ في عفوهِ هو الذي يدفعُهُ إلى التوبةِ مهمَا بلغتْ ذنوبُهُ، لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ نهاهُ عن اليأسِ والقنوطِ مِن رحمتِه ومغفرتِه، فقالَ تعالَى: { قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(الزمر: 53).والأملُ طاقةٌ يودعُهَا اللهُ في قلوبِ البشرِ؛ لتحثَّهُم على تعميرِ الكونِ، وقد قال النبيُّ ﷺ: (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا)(رواه البخاري في الأدب المفرد)،  وقال جلَّ وعلا: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} (يوسف:87)، وللهِ درُّ الشافعي:

دع المقاديرَ تجرِي في أعَنّتِهَا***ولا تبيتنّ إلّا خالِيَ البالِ

ما بينَ غَمضةِ عَينٍ وانتباهتِهَا***يغيّرُ اللهُ مِن حالٍ إلى حالِ

قال جلَّ وعلا: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، قالَ ابنُ مسعودٍ رضى اللهُ عنه قسمًا باللهِ ما ظنَّ أحدٌ باللهِ ظنًا إلّا أعطاهُ  اللهُ ما يظنُّ؛ لأنَّ الفضلَ كلّهُ بيدِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى . قال حمَّادُ بنُ سلمةَ رحمَهُ اللهُ: (واللهِ لو خُيّرتُ بينَ محاسبةِ اللهِ إيّايَ وبينَ محاسبةِ أبويّ ﻻخترتُ محاسبةَ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ أرحمُ بِي مِن أبوي). قال جلَّ وعلا: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) فيهِ دعوةٌ إلى حسنِ الظنِّ باللهِ تعالى، وحسنُ الظنِّ باللهِ هو: رجاءُ كلِّ خيرٍ مِن قِبلِهِ سبحانهَ ُوبحمدِهِ، وهو أنْ يؤملَ العبدُ مِن ربِّهِ كلَّ برٍّ، وكلَّ إحسانٍ، فهو ربُّ كلِّ نعمةٍ، وهو صاحبُ كلِّ إحسانٍ، وهو صاحبُ كلِّ سعةٍ، كما قالَ سبحانه: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ النحل (53). وهو سبحانَهُ جلّ شأنهُ المؤملُ في تحصيلِ المطالبِ، وهو المؤملُ في كشفِ كلِّ كربةٍ وكلِّ خوفٍ. وفي صحيحِ مسلم: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ « لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». قال المناويُّ: “أي لا يموتنَّ أحدُكُم في حالٍ مِن الأحوالِ إلّا في هذه الحالةِ، وهي حسنُ الظنِّ باللّهِ تعالى، بأنْ يظنَّ أنّهُ يرحمُهُ، ويعفُو عنهُ؛  لأنّهّ إذا حضرَ أجلهُ، وأتتْ رحلتُهّ، لم يبقَ لخوفِهِ معنَى، بل يؤدِّي إلى القنوطِ، ومن ثَمَّ، كان مِن الكبائرِ القلبيةِ، قِيلَ لأعرابِيٍّ: إنّكَ تموت، قال: وإلى أين يُذهبُ بي؟ قالوا: إلى اللهِ، قال: ما أكرهُ أنْ يُذهبَ بي إلى مَن لم أرَ الخيرَ إلّا منهُ. فحسنُ الظنِّ، وعظمُ الرجاءِ، أحسنُ ما تزودَهُ المؤمنُ لقدومِهِ على ربِّهِ)، وفي الصحيحينِ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي اللهّ عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»، وحسنّ الظنِّ باللهِ تعالى ينجي صاحبَهُ في الدنيا والآخرةِ، ففي سننِ الترمذِي: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ «كَيْفَ تَجِدُكَ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ»، وفي مسندِ أحمدَ: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ مِنَ النَّارِ – قَالَ أَبُو عِمْرَانَ أَرْبَعَةٌ. وَقَالَ ثَابِتٌ رَجُلاَنِ – فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ. قَالَ فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أنْ لاَ تُعِيدَنِي فِيهَا. فَيُنَجِّيهِ اللَّهُ مِنْهَا عَزَّ وَجَلَّ ». وحسنُ الظنِّ باللهِ تعالَى مِن ركائزِ الإيمانِ، وتاجُ عبادةِ القلبِ، ومفتاحُ سلامةِ العقيدةِ، وسرٌّ مِن أسرارِ السعادةِ في الدنيا والآخرةِ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ  قَالَ: (أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).  ويقولّ ابنُ القيمِ: (ولا ريبَ أنَّ حسنَ الظنِّ بهِ إنّمِا يكونُ مع الإحسانِ، فإنَّ المحسنَ حسنُ الظنِّ بربّهِ، أنّهُ يجازيهِ على إحسانِهِ، ولا يخلفُ وعدَهُ، ويقبلُ توبتَهُ)، فإحسانُ الظنِّ باللهِ تعالى مِن أوكدِ الفرائضِ، ومِن أجلِّ الواجباتِ، وقد أمرِ اللهُ تعالى عبادَهُ بأنْ يُحسِنوا الظنَّ بهِ سبحانَه، وذلكَ في مواضعَ عديدةٍ، منهَا ما أمرَ اللهُ تعالَى بهِ في قولِهِ تعالَى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة (95). قال عكرمةُ: معناها: (أحسنُوا الظنَّ باللهِ). ومِمّا يدلُّ على وجوبِ إحسانِ الظنِّ باللهِ تعالى أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى توعدَ الذين أساءُوا الظنَّ بهِ أشدَّ وعيدٍ، فقالَ سبحانَهُ: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ الفتح (6)، وعقوبةُ هؤلاء: ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ الفتح (7) يقولُ ابنُ القيمِ: (لم يأتِ عقابٌ ولا عذابٌ ولا وعيدٌ في القرآنِ كما جاءَ في سوءِ الظنِّ باللهِ تعالى). ولذلك قال جماعةٌ مِن أهلِ العلمِ: (إنَّ أعظمَ الذنوبِ عندَ اللهِ تعالَى إساءةُ الظنِّ بهِ سبحانَهُ وتعالى) .

واللهِ ثُمَّ وَاللَّهِ مَا أَحْسَنَ عَبْدٌ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ إِلَّا كَانَ اللَّهُ عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّهِ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ بَرَكَاتِهِ فَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُمْ، وَاقْتَدُوا بِالْأَنْبِيَاءِ؛ فَهُمْ أَحْسَنُ الْخَلْقِ ظَنًّا بِاللَّهِ، هَذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْقَاهُ قَوْمُهُ فِي النَّارِ فَمَا رَدَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 173]، فَكَانَتِ النَّارُ بَرْدًا وَسَلَامًا، بِأَمْرِ اللَّهِ: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:69]، وَمِنْ إِحْسَانِ ظَّنِّهِ بِرَبِّهِ، وَالْيَقِينِ بِمَعِيَّتِهِ وَنَصْرِهِ، أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ زَوْجَتَهُ وَرَضِيعَهُ بِمَكَانٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا حَيَاةَ، مُوقِنًا بِحِفْظِ اللَّهِ لَهُمَا، قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا. وَهَذَا يَعْقُوبُ فَقَدَ وَلَدَهُ يُوسُفَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَبَكَى عَلَيْهِ حَتَّى ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ، فَقَالَ لَهُ أَبْنَاؤُهُ: ﴿ تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ [يُوسُفَ: 85]، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَلْبِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يُوسُفَ: 86].

وَهَذَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا لَحِقَ بِهِ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ فَأَصْبَحُوا مِنْ خَلْفِهِ وَالْبَحْرُ مِنْ أَمَامِهِ، قَالَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 61]، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِصَوْتِ الْوَاثِقِ بِاللَّهِ: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 62]. فَأَنْجَى اللَّهُ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ.

وَهَذَا الْحَبِيبُ لَمَّا كَانَ فِي الْغَارِ مَعَ صَاحِبِهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي اللهُ عنه: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ مَوْضِعَ قَدَمِهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ : مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

فيَا عَبْدَ اللَّهِ: إِذَا دَعَوْتَ فَأَحْسِنْ ظَنَّكَ بِاللَّهِ أَنَّهُ يُجِيبُ دَعْوَتَكَ، وَإِذَا تَصَدَّقْتَ فَظُنَّ بِاللَّهِ خَيْرًا أَنَّهُ سَيُخْلِفُ عَلَيْكَ أَضْعَافَ مَا أَنْفَقْتَ، وَإِذَا تَرَكْتَ شَيْئًا لِلَّهِ فَظُنَّ بِاللَّهِ أَنَّهُ سَيُعَوِّضُكَ خَيْرًا مِمَّا تَرَكْتَ، وَإِذَا اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ فَظُنَّ بِاللَّهِ أَنَّهُ سَيَغْفِرُ لَكَ.

وَإِنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ حَتَّى كَأَنَّنِي ********أَرَى بِجَمِيلِ الظَّنِّ مَا اللَّهُ فَاعِلُهْ

وَأَقْرَعُ أَبْوَابَ السَّمَاوَاتِ رَاجِيًا *****عَطَاءَ كَرِيمٍ قَطُّ مَا خَابَ سَائِلُهْ

والمتأملُ فيمَا تمرُّ بهِ أمةُ الإسلامِ، واستهزاءٍ بالنبيِّ الكريمِ، وسخريةٍ بالقرآنِ العظيمِ، ومحاربةٍ لكلِّ مظهرٍ مِن مظاهرِ الدينِ ، وما ذاك إلّا ليعلمَ اللهُ الذين صدقُوا ويعلمَ الكاذبين ،وكونُوا على أملٍ بوعدِ اللهِ وصدقِ نبيِّهِ ﷺ في أنَّ اللهَ ناصرٌ دينَهُ ومعزٌ أولياءَهُ، وأنَّ مَن تمسكَ بهذا الدينِ لابُدَّ لهُ مِن النصرِ والتمكينِ، وصدقَ اللهُ العظيمُ القائلُ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}(النور:55). وللهِ درُّ الشافعي:

وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى***ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ

ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها***فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل)

ثانيًا: حَطِّمُوا اليَأْسَ بِسَيْفِ الأَمَلِ

أيُّها السادةُ الأخيارُ: إَنَّ اليَأْسَ دَاءٌ قَاتِلٌ، إِذَا أَصَابَ قَلْبَ الأُمَّةِ أَرْدَاهَا كَأَنَّهَا ميتةٌ لَا حَيَاةَ فِيهَا، وإن اليَأْسَ يُورِثُ في الأُمَّةِ مَوْتَ الرُّوحِ المَعْنَوِيَّةِ ، وإِنَّ اليَأْسَ دَاءٌ عُضَالٌ للفَرْدِ وَللمُجْتَمَعِ، وَهُوَ أَشْبَهُ مَا يَكُونُ بِالسَّرَطَانِ، وَإِذَا أَصَابَ اليَأْسُ غَيْرَ المُؤْمِنِينَ فَلَا غَرَابَةَ في ذَلِكَ، أَمَّا أَنْ يُصِيبَ الإِنْسَانَ المُؤْمِنَ بِاللهِ وَبِقَدَرِهِ، وَالأُمَّةَ المُؤْمِنَةَ بِاللهِ وَبِقَدَرِهِ، فَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ. كَيْفَ تَيْأَسُ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُ وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾ كَيْفَ تَيْأَسُ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُ وَاللهُ تعالى يَقُولُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ كما في حديث  أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» رواه مسلم ،عَارٌ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَيْأَسَ، وَهِيَ تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾؟ عَارٌ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَيْأَسَ وَهِيَ تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. حَطِّمُوا اليَأْسَ بِسَيْفِ الأَمَلِ، حَطِّمُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾. حَطِّمُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾. حَطِّمُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا الإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ، بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عِلْمُنَا بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ ربنا ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ ربنا ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عِلْمُنَا عِلْمًا يَقِينِيًّا أَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، هَكَذَا فَهِمْنَا مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ كما في الحديثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» رواه الترمذي، بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه الإمام مسلم، بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا، دَخَلْتَ النَّارَ» رواه أحمد، بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا في المصائِب والْمُلِمَّاتِ، قَوْلُ ربنا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} البقرة: [214]. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عند التوبة، يُوقنُ التَّائِبُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقبَلُ توبَتَهُ، ويغفِرُ ذَنْبَهُ، متى صَدَقَ في تَوْبَتِهِ، قال ﷺ: (أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) أخرجه مسلم بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عند ضيق الرزقِ، وكدر ِالعيشِ، قال ﷺ: (من نزَلَت بهِ فاقَةٌ فأَنزَلَها بالناسِ لم تُسَدَّ فاقَتُهُ. ومَن نزَلتْ به فاقَةٌ فأنزَلَها باللهِ فيوشِكُ اللهُ لهُ برزْقٍ عاجِلٍ أو آجِلٍ) أخرجه أبو داود                                                                   

يا صاحبَ الهمِّ إن الهمَّ منفرجٌ *** أبشر بخيرٍ فإنّ الفارجَ الله ُ

إذا بُليتَ فثق بالله ِوارضَ به*** إنّ الذي يكشفُ البلوى هو اللهُ

اليأسُ يقطعُ أحيانًا بصاحبه ِ*** لا تيأسنَّ فإنّ الفارجَ الله ُ

اللهُ يُحدثُ بعد العسرِ ميسرةً*** لا تجزعنَّ فإنّ الكافيَ اللهُ

واللهِ مالك غير اللهِ من أحدٍ  *** فحسبكَ الله ُفي كلٍّ لك اللهُ

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم

الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ………… وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل)

ثالثــــًا وأخيرًا: رسالةٌ إلى أكلةِ المواريثِ.

أيُّها السادةُ: أكلةُ المواريثِ سوءُ ظنٍّ بالرزاقِ جلَّ شأنهُ، وإنَّ مِن المواضيعِ الهامةِ التي يشتكِي منهَا كثيرٌ مِن المسلمينَ والمسلماتِ ونشاهدُهَا في كثيرٍ مِن المجتمعاتِ قضيةَ الحرمانِ أو التحايلَ على أكلِ الميراثِ، فكم مِن امرأةٍ حُرمتْ مِن ميراثِهَا عيانًا بيانًا ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، واعلمْ أنَّ أكلكَ للميراثِ فيهِ تعدٍّ لحدودِ اللهِ تعالَى، وانتهاكٌ لحرماتِهِ فاللهُ سبحانَهُ بعدَ أنْ بيّنَ الأنصبةَ قال: ﴿ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾، ولا تُجاوزُوهَا، ولهذا قال: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾؛ أي: فيها، فلم يزِدْ بعضٌ الورثةِ، ولَم ينقصْ بعضًا بحيلةٍ ووسيلةٍ، بل ترَكَهُم على حُكمِ اللهِ وفريضتِهِ وقِسمتِهِ، ﴿ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 13، 14]؛
واعلمْ أنَّ التعدِّي على المواريثِ جُرمٌ عظيمٌ وإثمٌ مبينٌ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿ وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ، وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 2]. واعلمْ أنَّ أكلةَ الميراثِ أكلةُ النارِ يومَ القيامةِ يومَ الحسرةِ والندامةِ، فالذينَ يأكلونَ الميراثَ هم الذينَ وصفَهُم اللهُ تعالَى بقولِه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]. واعلمْ أنَّ أكلَ المواريثِ هو الحجبُ والحرمانُ مِن دخولِ الجنانِ: فالجنةُ هي صلةُ اللهِ التي جعلَهَا لأهلِ كرامتِهِ ولأهلِ طاعتِهِ، فإذا قطَعَ المسلمُ رحمَهُ حجبَهُ اللهُ مِن جنتِهِ، عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ»؛ يعني قاطعُ رحمٍ (مسلم)، ولفظ أبي داود: ((لا يدخلُ الجنةَ قاطعُ رحمٍ)، واعلمْ أنَّ أكلَ المواريثِ  هو الفضيحةُ الكبرَى يومَ القيامةِ: ألَا فلتعلمْ أنَّ ما أكلتَ مِن حقِّ أختِكَ – مِن مالٍ وعقارٍ – ستُطوقهُ يومَ القيامة بإذن اللهِ، لو ظلمتهَا جنيهًا سيأتِي عليك نارًا، ولو ظلمتهَا شبرًا مِن أرضِ، فسيأتِي حولَ عنقِكَ يومَ القيامة نارًا مِن سبعِ أرضين، قال الصادقُ المصدوقُ الذي لا ينطقُ عن الهوى: “مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأرْضِ، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)، واعلمْ أنَّ أكلَ الميراثِ هو الإفلاسُ يومُ القيامةِ: يا آكلًا للميراثِ، لا تظُنَّ أنَّ ذلكَ فيهِ الغنِى، كلا بل فيهِ الإفلاسُ، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].توهَّم نفسكَ وقد بُعثرِ ما في القبورِ، وحُصِّلَ ما في الصدورِ، وقد أُوتيتَ بصلاةٍ وزكاةٍ وصومٍ وحجٍّ، ولكنكَ قد أكلتَ المواريثَ، انظرْ إلى نفسِكَ في عرصاتِ يومِ القيامةِ، عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه عن النبيِّ قال: “ما تعدون المفلسَ فيكُم؟ قالوا: المفلسُ فينَا مَن لا درهمَ لهُ ولا دينار، قال: المفلسُ مِن يأتِي يومَ القيامةِ ولهُ حسناتٌ أمثالَ الجبالِ، فيأتِي وقد شتمَ هذا، وأخذَ مالَ هذا وسفكَ دمَ هذا، وقذفَ هذا، وضربَ هذا، فيقتصُّ هذا مِن حسناتِهِ، وهذا مِن حسناتِهِ، فإذا فنِيت حسناتُهّ قبلَ أنْ يُقضَى ما عليهِ، أُخذِ مِن خطاياهُم فطُرحتْ عليهِ ثُمّ طُرحِ في النارِ”، فتبْ إلى اللهِ يا ظالمٌ قبلَ فواتِ الأوانِ وردَّ المواريثَ لأهلِهِا قبلَ فواتِ الأوانِ .فبيتُكِ الحقيقيُّ ليس هنَا إنّمَا بيتُكَ الحقيقيُّ هناكَ في القبرِ.

النفس تـَبْكِي عَـلَىْ الـدُنـْيَـا وَقَـَدْ عَـلِمَتْ*** أَنَ السـَّـلامَة فـِيِهَــا تـَرْكُ مَــا فِـيْهَــا

لا دار َللـمَــرْءِ بعْـــدَ المَـــوْتِ يَسْــكـُنـُهـا*** إلّا التي كان قبلَ الموتِ يبنيهَا

فإنْ بناهَا بخيرٍ طابَ مسكنُهّ****** وإنْ بناهَا بشرٍّ خابَ بانيهَا

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين. وحفظَ اللهُ فلسطينَ مِن كلِّ سوءٍ وشرٍّ.

                                           كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه         

                                                  د/ محمد حرز

                                               إمام بوزارة الأوقاف

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »