أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 16 ذو الحجة 1443هـ، الموافق 15 يوليو 2022م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 يوليو 2022م بصيغة word بعنوان : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 يوليو 2022م بصيغة pdf بعنوان : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها، للدكتور محمد حرز.

 

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 15 يوليو 2022م بعنوان :فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها.

أولًا:  بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ 

ثانيًا: فرائضُ الإسلامِ غاياتُهَا ومقاصدُهَا. 

ثالثًا وأخيرًا :الأخلاقُ هي الغايةُ الاسمَى مِن الفرائضِ والعباداتِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 15 يوليو 2022م  بعنوان : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها  : كما يلي:

خطبة الجمعة القادمة بعنوان:  فرائضُ الإسلامِ غاياتُهَا ومقاصدُهَا د. محمد حرز بتاريخ: 16 ذو الحجة 1443هـ    – 8 يوليو 2022م

الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه أولٌ بلا ابتداءٍ وآخرٌ بلا انتهاءٍ الوترُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .

فمبلغُ العلمِ فيه أنَّهُ بشرٌ   ***    وأنَّه خيرُ خلقِ اللهِ كلهمُ

أغرٌ عليه للنبوة خاتمٌ      ***     مِن نورٍ يلوحُ ويشهدُ

وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيٍّ لاسمهِ  *** إذ قال في الخمسِ المؤذنُ أشهدُ

وشقَّ لهُ مِن اسمهِ ليجلَّهُ       ***  فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

، فاللهم صلِّ وسلم وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ، خير مَن صلَّى وصامَ وتابَ وأنابَ ووقفَ بالمشعرِ وطافَ بالبيتِ الحرامِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الذين حجُّوا واعتمرُوا فكان حجُّهُم مقبولًا وسعيهُم مشكورًا وذنبُهُم مغفورًا  وسلم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ ….. فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (أل عمران :102)

 عبادَ اللهِ: (فرائضُ الإسلامِ غاياتُهَا ومقاصدُهَا) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

عناصرُ اللقاءِ :

أولًا:  بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ 

ثانيًا: فرائضُ الإسلامِ غاياتُهَا ومقاصدُهَا. 

ثالثًا وأخيرًا :الأخلاقُ هي الغايةُ الاسمَى مِن الفرائضِ والعباداتِ.

       أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن فرائضِ الإسلامِ غاياتِهَا ومقاصدِهَا، وخاصةً وقد أصبحَ الكثيرونَ مسلمينَ بلا إسلامٍ حقيقيٍ إلَّا ما رحمَ اللهُ جلَّ وعلا يشهدُ للهِ بالوحدانيةِ ولا يثقُ في وعدهِ ولا يطمئنُ إلى رزقهِ ولا يخشاهُ، و يُصلِّى ويضيعُ الأماناتِ ولا يبتعدُ عن الفحشاءِ والمنكرِ، يصومُ عن المباحاتِ ويأكلُ حقوقَ البناتِ، يحجُّ مِن مالِ الربَا ولا يُبالى، يتطاولُ على أعراضِ الناسِ ولا يستحِي مِن اللهِ  وللهِ درُّ القائلِ

إذا لمْ تخشَ عاقبةَ الليالِي ولم تستحِ فاصنعْ ما تشاءُ

فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهبَ الحياءُ

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها 

أولًا:  بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ 

أيُّها السادةُ: كلُّنَا وبلا شكٍ يعرفُ فرائضَ الإسلامِ وأركانَهُ كما في الصحيحين مِن حديثِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – :  بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ )) فكلمةُ التوحيدِ ليس كلمةً ترددُهَا الألسنةُ فحسب بل قولٌ وعملٌ، وكلمةُ التوحيدِ لا يساويهَا شيءٌ في الميزانِ يومَ القيامةِ فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمتى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ فَقَالَ إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. بل تأملْ حديثَ عبادةِ بنِ الصامتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ  وَزَادَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَيَّهَا شَاءَ) أخرجه البخاري فقولُوا  لا إلهَ إلَّا اللهُ، تنعمُوا  ف((كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) [القصص:88]. لا إلهَ إلَّا اللهُ ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ ذُو ٱلْجَلْـٰلِ وَٱلإكْرَامِ ))[الرحمن:26،  فأيُّ أمةٍ كنَّا، وأيُّ أمةٍ أصبحنَا!! وأيُّ أمةٍ سنكونُ!!. أيُّ أمةٍ كنَّا قبلَ الإسلامِ، وأيُّ جيلٍ كنَّا قبلَ الإيمانِ، وأيُّ كيانٍ نحنُ بغيرِ القرآنِ. كنَّا قبلَ لا إلَهَ إلَّا اللهُ أمةً وثنيةً، أمةً لا تعرفُ ربَّها، أمةً تسجدُ للحجرِ، أمةً تغدرُ، أمةً يقتلُ بعضُهَا بعضًا، أمةً عاقةً، أمةً لا تعرفُ مِن المبادئِ شيئًا. فأرادَ اللهُ أنْ يرفعَ قدرهَا ، وأنْ يعلِى  شأنهَا، فأرسلَ إلينَا رسولَ الإنسانيةِ . فقالَ ربُّنَا ((هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ)) [الجمعة:2]. فوقفَ  النبيُّ المختارُ وسطَ صحراءٍ تموجُ بالكفرِ والضلالِ ليعلنَ وليشهدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا الملكُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ…

فتذكرْ أيُّها الحبيبُ  فضلَ لا إلهَ إلَّا الله، وعظمةً لا إلهَ إلّا الله، وقدسيةَ لا إلهَ إلّا الله.

ومعنى لا إلَهَ إلّا اللهُ لا معبودَ بحقٍ إلَّا الله. ومعنى لا إلهَ إلَّا الله، لا مطلوبَ ولا مرغوبَ ولا مدعُو إلَّا الله، ومعنى لا إلَه إلَّا الله، أنْ تعيشَ للهِ عبدًا، فتكونَ حيًّا بقوةِ لا إلهَ إلّا الله،

ومعنى لا إلهَ إلّا الله، أنْ ترضَى باللهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا، وبمحمدٍ رسول اللهِ صلَّى اللهِ عليه وسلم قدوةً، وإمامًا، ومربيًّا، لا إلهَ إلَّا الله أخلُو بها وحدي لا إلهَ إلّا الله يغفرُ بها ذنبِي لا إلهَ إلّا الله أختمُ بها عمرِي لا إلهَ إلّا الله أدخلُ بها قبرِي لا إلهَ إلّا الله ألقَي بها ربِّي.

وَإِقَامِ الصَّلاَةِ: الصلاةُ عمادُ الدينِ، وجوهرُ الإسلامِ، وهي الفرقانُ بينَ الكفرِ والإيمانِ، وهي رأسُ القرباتِ والعباداتِ، وهي مصدرُ البرِّ، ومبعثُ الخيرِ، وطهرةٌ للقلبِ مِن أدرانِ الذنوبِ والمعاصِي والآثامِ، فبصلاحِهَا يصلحُ العملُ كلُّهُ، وبفسادِهَا يفسدُ العملُ كلُّهّ. والصلاةُ صلةٌ بينَ العبدِ وربِّهِ، الصلاةُ عمادُ الدينِ مَن أقامَهَا فقد أقامَ الدينَ ومَن تركَهَا فقد هدمَ الدينَ لحديثِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم (رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ) بل الصلاةُ تكفرُ الذنوبَ والمعاصي فإذا أذنبتَ فصلِّى لربِّك فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا).

 وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ: الزكاةُ عبادةٌ ماليةٌ فرضَهَا اللهُ سبحانه وتعالى على عبادهِ طهرةً لنفوسِهم مِن البخلِ، ولصحائفِهِم مِن الخطايا ، كيف لا ؟ وقد قال اللهُ سبحانَهُ وتعالى في كتابهِ الكريمِ (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  ( التوبة : 103 وفي المقابلِ: إذا منعِ الناسُ زكاةَ أموالِهِم كان ذلك سببًا لمحقِ البركةِ مِن الأرضِ، مصداقًا لحديثِ بريدةَ رضي اللهُ عنه:  (وَلاَ مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلاَّ حَبَسَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْقَطْرَ) ». رواه البيهقي. 

وَصَوْمِ رَمَضَانَ:  هو شهرٌ عظيمٌ مباركٌ، قد تكفلَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى لمَن صامَهُ إيمانًا واحتسابًا بغفرانِ ما مضَى مِن ذنوبهِ، ففي صحيحِ مسلمٍ  من حديث أبي هريرةَ  رضى اللهُ عنه قال أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :《مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهوروى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قَالَ  كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ ، إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ .《 

أمّا خامسُ هذه الأركانٍ : فهو الحجُّ إلى بيتِ اللهِ الحرام ، وقد فرضَهُ اللهُ في السنةِ التاسعةِ للهجرةِ، والحجُّ عبادةٌ بدنيةٌ ماليةٌ ثوابُهُ عظيمٌ ونفعُهُ للمسلمينَ عميمٌ، فرضَهُ اللهُ على المستطيعِ الذي يملكُ الزادَ والراحلةَ فقالَ جلَّ وعلا  ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ   ( آل عمران : 97 ، والحجُّ يكفرُ الذنوبَ صغيرَهَا وكبيرَهَا إلّا ردّ المظالمِ إلى أهلِهَا كما في صحيح البخاري من حديثِ أبي هريرةَ رضى اللهُ عنه سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ.

لكن أيُّها السادةُ:ما مِن فريضةٍ شرعَهَا الإسلامُ وشرعهَا الملكُ جلَّ جلاه  إلّا ولها أثرٌ عظيمٌ وكبيرٌ يظهرُ على سلوكِ الفردِ  والمجتمعِ، وهذا هو عنصرِي الثانِي مِن اللقاءِ.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها 

ثانيًا: فرائضُ الإسلامِ غاياتُهَا ومقاصدُهَا. 

أيُّها السادةُ: ما مِن فريضةٍ مِن الفرائضِ شرعَهَا اللهُ جلَّ وعلا إلّا مِن أجلِ أهدافٍ ساميةٍ وغاياتٍ نبيلةٍ ومقاصدَ عظيمةٍ يقصدُ إليها وتبتَغى مِن القيامِ بها، وهذا شأنُ جميعِ التكاليفِ الشرعيةِ؛ لأنَّها إنَّما تهدفُ إلى إصلاحِ الفردِ وإصلاحِ المجتمعِ؛ لأنَّ اللهَ- تعالى- غنيٌّ عن العالمين لا تنفعُهُ عبادةُ العابدين، ولا يضرُّه عصيانُ العاصين، وإنَّما اقتضتْ حكمتُهُ العاليةُ استخلافَ النوعِ الإنسانِي في الأرضِ؛ ليعمرَهَا ويستقرَّ فيها على أكملِ نظامٍ وأوفقِ عيشةٍ وانسجامٍ وكيف لا؟ وكلُّ شرائعهِ سبحانَهُ فيها الخيرُ العظيمُ والمنافعُ الجمةُ للعبادِ في عاجلِ أمرِهِم في هذه الدنيا، مِن صلاحِ القلوبِ، واستقامةِ الأحوالِ والرزقِ الطيبِ، وراحةِ الضميرِ، إلى غيرِ ذلك، مع ما في ذلك مِن العاقبةِ الحميدةِ، والفوزِ الكبيرِ بدارِ النعيمِ، مع النظرِ إلى وجههِ جلَّ وعلا، والفوزِ برضاه وكيف لا؟ وكلمةُ التوحيدِ مِن غايتِهَا طمأنينةُ القلبِ وراحتُه، وقناعتُه بما رزقَ اللهُ، وعدمُ تعلقهِ بغيرهِ، وهذه هي الحياةُ الطيبةُ التي قال عنها ربنا {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97 ] فهي تطمئنُ النفسَ وتريحُ الصدرَ وتذهبُ الغلَّ والحقدَ والحسدَ، قال جلَّ وعلا {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28،بل إنَّ قيامَ المدنِيّةِ، وازدهارَ الحضارةِ، وانتظامَ أمرِ الحياةِ، وطيبَ العيشِ، لمِن ثمراتِ التوحيدِ المباركةٍ، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96 وكيف لا؟ والصلاةُ مع أنَّها صلةٌ بينَ العبدِ وربِّهِ إلّا أنَّ مِن ثمرتِهَا وغايتِهَا ومقاصدِهَا الجانبَ الأخلاقِيَّ مِن غرسِ الفضائلِ، وتقويمِ السلوكِ، وتزكيةِ النفوسِ، قال جلَّ وعلا (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)، بل مِن مقاصد إقامةِ الصلاةِ على مواقيتِهَا في تعزيزِ قيمةِ احترامِ الوقتِ، قال جلَّ وعلا {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}، والصلاةُ هي الزادُ الروحيُّ الذي يطفئُ لظَى النفوسِ المتعطشةِ إلى نورِ اللهِ، فتنيرُ القلبَ، وتشرحُ الصدرَ . كما توعدَ الشرعُ الحنيفُ مَن لا يدركون حقيقةَ الصلاةِ فيتصفونَ بسوءِ الأخلاقِ، ويمنعونَ الخيرَ عن الناسِ بالعذابِ الأليمِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ.( أي غافلونَ عنها متهاونونَ بها. أي تأخيرُ الصلاةِ عن وقتِهَا سمَّاهُم مصلين لكنَّهم لمَّا تهاونُوا وأخرُوها عن وقتِهَا وعدهُم بويلٍ وهو شدةُ العذابِ، وقيل: هو وادٍ في جهنَّم لو سيرتْ فيه جبالُ الدنيا لذابتْ مِن شدةِ حرّهِ وهو مسكنُ مَن يتهاونُ بالصلاةِ ويؤخرُهَا عن وقتِهَا، إلَّا أنْ يتوبَ إلى اللهِ تعالى ويندمَ على ما فرطَ، يارب سلم ! قال جلًّ وعلا (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) سورة  مريم آية رقم (59)                                   

وكيف لا؟ والزكاةُ مِن مقاصدِهَا أنَّها تدعو إلى التكافلِ والتراحمِ والتعاونِ والتوادِّ، وتدعو إلى تطهيرِ النفسِ وتزكيتِهَا مِن البخلِ والشحِّ، وضغائنِ الأحقادِ، كما أنًّ فيها إحسانًا إلى الخلقِ، وتأليفًا بينَ قلوبِهم، وسدًا لحاجتِهِم، وإعفافًا للناسِ عن ذلِّ السؤالِ،  قال جلَّ وعلا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فالزكواتُ تُقوِّي أواصرَ الأخوةِ والمحبةِ بينَ المؤمنين وهذا هدفٌ عظيمٌ ومقصدٌ نيلٌ مِن مقاصدِ الإسلامِ دعا إليهِ الإسلامُ ونبيُّ الإسلامِ صلَّى اللهُ عليه وسلم كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) وحذرَ الإسلامُ المزكِّي والمتصدقَ مِن المنِّ والأذى والرياءِ؛ لأنَّه يحبطُ الأعمالَ قال ربُّنَا  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) وقد توعدَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى مانعِي الزكاةَ بالعذابِ الشديدِ في الآخرةِ ، فقال جلَّ وعلا(( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( آل عمران : 180 وفي صحيح مسلم عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم– : « مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ.

وكيف لا؟ والصيامُ ما شُرِعَ مِن أجلِ تجويعِ البطونِ وإنَّما مِن أجلِ غايتهِ الكُبرى ألَا وهي تقوَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) ومراقبتُهُ في السرِّ والعلنِ، قال ربُّنَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} كما أنَّه يعوِّدُ المسلمَ الصبرَ ومحاسنَ الأخلاقِ، فالصيامُ مدرسةٌ للتربيةِ على كلِّ خلقٍ طيبٍ وجميلٍ، قال نبيُّنَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائمٌ)، أمَّا مَن لا يعرفُ حقيقةَ الصيامِ، ولا يحققُ الغايةَ منه فليسَ لهُ مِن ثوابِ صيامهِ نصيب، حيثُ يقولُ نبيُّنَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ)، ويقولُ (صلَّى اللهُ عليه وسلم): (رُبَّ صائمٍ حظُّهُ مِن صيامِهِ الجوعُ والعطَشُ.

وكيف لا؟ والحجُّ مِن مقاصدِهِ أنُّه  تزكيةٌ للنفوسِ، وتربيةٌ لها على معاني العبوديةِ والطاعةِ، فضلًا على أنَّه فرصةٌ عظيمةٌ لتكفيرِ الذنوبِ، كما  في الصحيحين: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ ، فَلَمْ يَرْفُثْ ، وَلَمْ يَفْسُقْ ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ((  كما أنَّه يغرسُ في النفوسِ الفضائلَ الحميدةَ، والأخلاقَ الكريمةَ، ولا يُؤتي الحجُّ ثمرتَهُ المرجوةَ ولا يكونُ مبرورًا يعودُ الحاجُّ منه كيومِ ولدتهُ أمُّه، إلّا إذا اجتنبَ صاحبُهُ الرفثَ والفسوقَ والجدالَ، وابتعدَ عن كلِّ ما يغضبُ الله جلَّ وعلا قال ربُّنَا {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}، ومِن مقاصدِ الحجِّ أنْ يتعارفَ المسلمونَ ويتواصوا بالحقِّ ويتناصحُوا. يأتونَ مِن كلِّ فجٍّ عميقٍ، مِن غربِ الأرضِ وشرقِهَا وجنوبِهَا وشمالِهَا، يجتمعونَ في بيتِ اللهِ العتيقِ، في عرفات، في مزدلفةَ، في منَى، في رحابِ مكةَ، يتعارفُون ويتناصحّون، ويعلمُ بعضُهم بعضًا، ويرشدُ بعضُهم بعضًا ويساعدُ بعضٌهم بعضًا ويواسِي بعضُهم بعضًا، مصالحٌ عاجلةٌ وآجلةٌ، ويسمعُون مِن العلماءِ ما فيهِ مِن الهدايةِ والإرشادِ إلى طريقِ الرشادِ، وسبيلِ السعادةِ إلى توحيدِ اللهِ والإخلاصِ لهُ، إلى ما أوجبَهُ على عبادهِ مِن الطاعاتِ، وإلى ما حرَّمَ عليهم مِن المعاصي ليحذرُوها، وليعرفُوا حدودَ اللهِ ويتعاونُوا على البرِّ والتقوى .فالإسلامُ ليس مجردَ طقوسٍ أو شعاراتٍ  لا ثمرةَ لها، ولا علاقةَ لها بالواقعِ، فيخرجُ المُصلِّي مِن صلاتهِ ليغشَّ ويحتكرَ، ويؤذِي جارَهُ، أو يكذبَ أو يخونَ أو يخلفَ العهدَ أو الوعدَ. أويخرجُ الصائمُ مِن صومهِ إلى ذنوبهِ ومعاصيهِ كأنَّ شيئًا لم يكنْ أويرجعُ المزكِّي إلى بخلهِ وشحهِ كأنَّهُ ما تصدقَ. أو يرجعُ الحاجُّ مِن حجِّهِ إلى ما كانَ عليه مِن التقصيرِ، وهذا هو الافلاسُ الحقيقيُّ الذي حذرَ منه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم، فإياكَ أنْ تكونَ مِن الذين صلُّوا وصامُوا وحجُّوا واعتمرُوا وأكلُوا حقوقَ الناسِ وظلمُوا الناسَ فتكونَ مِن الهالكين الخاسرين المفلسين يومَ القيامةِ يومَ الحسرةٍ والندامةِ.

       فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال النبيُّ المختارُ صلُّى اللهُ عليه و سلم  { أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمتى مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ } رواه مسلم، بل َعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { يُحْشَرُ الْعِبَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ، فَيُنَادِيهِمْ مُنَادٍ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ : أَنَا الْمَلِكُ الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ حَتَّى اللَّطْمَةِ فَمَا فَوْقَهَا ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَعِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى اللَّطْمَةُ فَمَا فَوْقَهَا { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّك أَحَدًا } قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَإِنَّمَا نَأْتِي حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ جَزَاءً وِفَاقًا { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّك أَحَدًا } أخرجه الطبراني ، وذُكر لنبينا (صلى الله عليه وسلم) امرأة تُعرَف بكَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ فقال: (هيَ في النَّارِ)، وذُكرت له امرأة تُعرف بقِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وأنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ فقال: (هيَ في الجنَّةِ)

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم…………………..الخطبةُ الثانية 

الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  ………………………….          وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها 

ثالثًا وأخيرًا :الأخلاقُ هي الغايةُ الاسمَى مِن الفرائضِ والعباداتِ.

أيُّها السادةُ: هناك مقصدٌ عظيمٌ وغايةٌ نبيلةٌ دعتْ إليها جميعُ الفرائضِ بل كلُّ ما شرعَهُ اللهُ جلًّ وعلا بل هي بل الغايةُ الأسمَى مِن بعثتهِ صلَّى اللهُ عليه و سلم هي الأخلاقُ فقالَ كما في حديثِ أبي هريرةً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } رواه البخاري في الأدبِ المفردِ. وكيف لا ؟ نبيُّنَا هو نبيُّ الأخلاقِ, ودينُنَا هو دينُ الأخلاقِ, وشريعتُنَا هي شريعةُ الأخلاقِ, وقرآنُنَا هو قرآنُ الأخلاقِ, فبالأخلاقِ انتشرَ الإسلامُ في كلِّ مكانٍ ,ووصلَ إلى بلادِ الأندلسِ وبلادِ ما وراءَ النهرِ،  وبالأخلاقِ سادَ المسلمون العالمَ، وبالأخلاقِ  تُبنَي الحضاراتُ، فالأخلاقُ عنوانُ صلاحِ الأممِ والمجتمعاتِ، ومعيارُ فلاحِ الشعوبِ والأفرادِ.         

             إنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ  ***  فإنْ همُو ذهبتْ أخلاقُهُم ذهبُوا

           وصلاحُ أمرِكَ للأخلاقِ مرجعُه  ***  فقوِّم النفسَ بالأخلاقِ تستقمُ

             وإذا أصيبَ القومُ في أخلاقهِم  ***  فأقمْ عليهمُ مأتمًا وعويلا

لذا  قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) متفق عليه

فكلُّ هذه أخلاقٌ حسنةٌ، مِن  إكرامِ الضيفِ، وصلةِ الرحمِ، والقولِ الحسنِ، أو الصمتِ، فالإيمانُ تجسدَ في أخلاقٍ ومبادئَ وقيمٍ …وهذا كلُّهُ إنَّما هو نتاجٌ لطاعتِكَ وعبادتِكَ للهِ ربِّ العالمين …فسلْ نفسَكَ قبلَ فواتِ الأوانِ ما دمتَ في وقتِ المهلةِ هل أثرت  الفرائضُ والعباداتُ في أخلاقِنَا ؟هل تخلقنَا بأخلاقِ الإسلامِ ؟هل تخلقنَا بأخلاقِ القرآنِ؟ هل تخلقنَا بأخلاقِ المصطفَى العدنانِ؟ هل أحسنَّا إلى الناسِ في كلِّ مكانٍ؟ هل ابتعدنَا عن كلِّ ما يغضبُ الملك العلام ؟ هل تعلمنَا مٍن صلاتِنَا  وابتعدنَا عن الفحشاءِ والمنكرِ؟ هل خرجنَا مِن مدرسةِ الصيامِ بالتقوى؟ هل خرجنَا مِن الزكاةِ بتطهيرِ النفسِ مِن الحقدِ والحسدِ؟ هل تعلمنَا مِن مدرسةِ الحجِّ بعدمِ البكاءِ على الدنيا وشهواتِهَا ولذاتِهَا؟ أم أنَّ العباداتِ أصبحتْ عاداتٍ لا تسمنُ ولا تغنِي مِن جوعٍ يارب سلم، أم أنَّ العباداتِ أصبحتْ طقوسًا لا معنى لها ولا هدفَ مِن ورائِهَا يارب سلم.

فَعُدْ إلى ربِّك، واندمْ على  ما فرطتَ في جنبِ اللهِ، ما دمتَ في وقتِ المُهلةِ، واعلم أنَّ اللهَ يفرحُ بتوبتِكَ، وهو الغنيُّ عنك وعن عبادتِكَ قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ }[سورة  فاطر :آية رقم ( 15 -17]

وعن  أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) واعلمْ أنَّ اللهَ لا تنفعُهُ طاعةُ الطائعين ،ولا تضرُّه معصيةُ العاصيين، إنَّما نفعُ الطاعةِ لصاحبِهَا، وضررُ المعصيةِ لفاعلِهَا قال جلَّ وعلا ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ فصلت: 46

أبتْ نفسِي تتوبُ فما احتيالِي  ***     إذا برزَ العبادُ لذي الجلالِ
وقامُوا مِن قبورِهمُ سُكارى   ***       بأوزارٍ كأمثالِ الجبالِ
وقد نُصبَ الصراطُ       ***    لكي يجّوزوا فمنهم مَن يكبُّ على  الشمالِ
ومنهم مَن يسيرُ لدارِ      ***    عدلٍ تلقاهُ العرائسُ بالغوالِي
يقولُ له المهيمنُ يا وليِّ   ***     غفرتُ لك الذنوبَ فلا تبالِي

عبادَ اللهِ : اذكرُوا اللهَ يذكرْكُم واستغفرُوه يغفرْ لكم وأقمْ الصلاةَ

كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه          

                                         د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »