خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 20 أكتوبر 2023 م بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 5 ربيع الآخر 1445هـ ، الموافق 20 أكتوبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 أكتوبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 أكتوبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 أكتوبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 20 أكتوبر 2023 م بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض ، للدكتور محروس حفظي :
(1) حبُّ الأوطانِ والدفاع عنه مِن صميمِ مقاصدِ الأديانِ.
(2) جانبٌ من حقِّ الوطنِ علينَا جميعًا.
(3) وجوب استشعار نعمة الأمن والأمان في مجتمعنا، ووجوب الاستعداد والتأهب للعدو.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 20 أكتوبر 2023 م بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
الدفاعُ عن الأوطانِ والأرضِ والعرضِ
بتاريخ 5 ربيع الآخر 1445 هـ = الموافق 20 أكتوبر 2023 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض
(1) حبُّ الأوطانِ والدفاعُ عنهُ مِن صميمِ مقاصدِ الأديانِ:
فطرَ اللهُ الخلقَ على محبةِ الأوطانِ، والحنينِ إلى ترابِهِ، والدفاعِ عن أركانِهِ، والحفاظِ على مقدراتِهِ، ينبضُ بهِ قلبُهُ، ويجري بهِ دمُهُ، فهو مِن أجلِّ النعمِ التي يُنعمُ بهِ الخالقُ جلَّ وعلَا على الإنسانِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورُسُلِهِ، ولذا تجدُ السياقَ القرآنِيَّ قد سوَّى بينَ مصيبةِ الموتِ وبينَ الإخراجِ مِن الأوطانِ فقالَ عزَّ من قائلٍ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾، وقد ضربَ رسولُنَا ﷺ أروعَ الأمثلةِ في محبتِهِ لوطنِهِ، وتجدُ هذا جليًّا في حادثِ تحويلِ القبلةِ، وكثرةِ تقليبِ وجههِ في السماءِ رجاءً أنْ تُحولَ القبلةُ تجاهَ البيتِ الحرامِ مسقطَ رأسِهِ، وقد تكاثرتْ الأحاديثُ عنهُ ﷺ في بيانِ محبتِهِ لوطنهِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَاقِفًا عَلَى الحَزْوَرَةِ فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» (الترمذيُّ وحسنَهُ) .
ولما انتقلَ المسلمونَ من مكةَ إلى المدينةِ وبطبيعةِ الحالِ عندمَا يستقرُّ الإنسانُ في مكانٍ جديدٍ لا يتأقلمُ عليه نفسيًّا وجسديًّا – في بدايةِ الحالِ – فشكُوا حالَهُم للنبيِّ ﷺ، فدعَا لهُم أنْ يغرسَ اللهُ حبَّهَا فيهِم فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ، فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَاشْتَكَى بِلَالٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ شَكْوَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا» (متفقٌ عليه)، وكان بلالٌ رضي اللهُ عنه لشدةِ حزنِهِ على تركِهِ لوطنِهِ – رغمَ ما حدثَ معهُ مِن تعذيبٍ وإيذاءٍ فيهِ- يقولُ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ شيبةَ بنَ ربيعةَ وعتبةَ بنَ ربيعةَ وأميةَ بنَ خلفٍ كما أخرجُونَا مِن أرضِنَا إلى أرضِ الوباءِ» (البخاري)، فمحبةُ الأوطانِ غريزةٌ جبليةٌ يشتركُ فيها الإنسانُ والحيوانُ يقولُ الأصمعيُّ:«ثلاثُ خصالٍ في ثلاثةِ أصنافٍ من الحيواناتِ: الإبلُ تحنُّ إلى أوطانِهَا وإنْ كان عهدُهَا بها بعيدًا، والطيرُ إلى وكرِهِ وإنْ كان موضعُهُ مجدبًا، والإنسانُ إلى وطنهِ وإنْ كان غيرُهُ أكثرَ نفعًا»؛ ولذا تجدُ الحيوانَ أو الطيرَ يقطعُ آلالافَ الكيلُو متراتٍ، ويهاجرُ متنقلًا من مكانٍ إلى آخرٍ بحثًا عن الغذاءِ أو مِن أجلِ التكاثرِ والتزاوجِ ثم يحنُّ إلى وطنِهِ الأُم بل قد يُضحِّي بكلِّ غالٍ ونفيسٍ في سبيلِ تحقيقِ ذلك حتّى إنّ بعضَ المخلوقاتِ إذا تمَّ نقلُهَا عن موطنِهَا الأصليِّ فإنَّها تموتُ، وتذهبُ سُدى، فسبحانَ مَن دقتْ حكمتُهُ وقدرتُهُ كلَّ شيءٍ .
إنّ المسلمَ عندما يحبُّ وطنَهُ ويدافع عن أرضه وترابه إنَّما يتمثلُ في الأساسِ هديَ نبيه ﷺ بل هديَ الأنبياءِ جميعًا، فمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لما مكثَ في مدينَ فترةً من الزمنِ حنَّ للرجوعِ إلى بلدِهِ الأُم مِصرَ– وعلى جبلِ الطورِ في سيناءَ كلَّمَ ربَّهُ– رغمَ ما سيُلاقيهِ من متاعبَ ومشاقٍ، واستمعْ إلى القرآنِ وهو يحكِي ذلك: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ .
يقول ابنُ العربيِّ المالكيِّ: (قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ طَلَبَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ، وَحَنَّ إلَى وَطَنِهِ، وَفِي الرُّجُوعِ إلَى الْأَوْطَانِ تُقْتَحَمُ الْأَغْرَارُ، وَتُرْكَبُ الْأَخْطَارُ، وَتُعَلَّلُ الْخَوَاطِرُ، وَيَقُولُ: لَمَّا طَالَتْ الْمُدَّةُ لَعَلَّهُ قَدْ نُسِيَتْ التُّهْمَةُ، وَبَلِيَتْ الْقِصَّةُ) أ.ه أحكام القرآن 3/511.
وبناءً على ما سبقَ جعلَ العلماءُ حبَّ الوطنِ أحدَ «الكلياتِ الستِّ» التي أوجبتْ جميعُ الرسالاتِ السماويةِ الحفاظَ عليه، بل عدَّ رسولُنَا ﷺ مَن يُقتلُ في الدفاعِ عنهُ أو عن أرضِه صابرًا محتسبًا شهيدًا ففي حديثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (الترمذي وحسنه)، وتلك مزلةٌ عاليةٌ ودرجةٌ رفيعةٌ لا ينالهَا إلّا الخُلّصُ مِن هذه الأمةِ، أمًّا مَن يقولُ خلافَ ذلك فلا تسعفُهُ الأدلةُ ولا الفطرةُ النقيةُ ولا العقولُ الأبيةُ ولا النفوسُ العليةُ، وللهِ درُّ القائلِ:
بلادِي وإنْ هانتْ عليَّ عزيزةٌ … ولو أنَّنِي أعرَى بها وأجوعُ
ولي كفُّ ضرغامٍ أصولُ ببطشِهَا … وأشرِي بها بينَ الورَى وأبيعُ
تظُّل ملوكُ الأرضِ تلثمُ ظهرَها … وفي بطنِهَا للمجدبينَ ربيعُ
أأجعلُهَا تحتَ الثرىَ ثم أبتغِي … خلاصًا لها ؟ إنِّي إذًا لوضيعُ
وما أنَا إِلّا المسكُ في كلِّ بلدةٍ … أضوعُ وأمَّا عندكُم فأضيعُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض
(2) جانبٌ مِن حقِّ الوطنِ علينَا جميعًا:
إنَّ مِن شيمِ المؤمنِ الصادقِ الوفاءُ لوطنِهِ، وهذا الوفاءُ يجبُ أنْ يُترجمَ عمليًّا إلى أفعالٍ وسلوكياتٍ وإِلا فهو محضُ افتراءٍ وادعاءٍ، وإليكَ بعضُ ما يجبُ علينَا تجاهَ وطنِنَا:
أولًا: العملُ الجادُّ المثمرُ والتضحيةُ من أجلِ الوطنِ: فرضَ الإسلامُ علينَا العملَ، وحثَّنَا عليه، ورغبَنَا فيه لنصِلَ مِن خلالِهِ إلى أعلى درجاتِ الجودةِ، وأرقَى متطلباتِ الإنتاجِ، وأفضلِ حالاتِ الشفافيةِ، وأوجبَ علينَا استثمارَ ثرواتِ الوطنِ من أجلِ تحقيقِ نهضتهِ وازدهارهِ، ولن يتحققَ ذلكَ إلا برجالٍ مخلصين قال ربنا: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، إنَّ أغلَى وأنفسَ ما يقدمُهُ الإنسانُ لوطنِهِ هو أنْ يواصلَ عملَهُ بالليلِ والنهارِ، وأنْ نتحملَ المسؤليةَ كلٌّ في مجالِ عملِهِ وتخصصِهِ من أجلِ أنْ نرتقِي ببلدِنَا؛ لتكونَ أفضلَ البلادِ، فالتعبيرُ عن الانتماءِ للوطنِ لا يكونُ بالشعاراتِ الرنانةِ، ولا العباراتِ الفضفاضةِ الجوفاءِ، ولكنْ بالعملِ والبناءِ والدفاعِ عنهُ، وبذلِ الغالِي والنفيسِ حتَّى تظلَّ رايتُهُ عاليةً خفاقةً، وقد بشرَّ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَن يحرسُ وطنَهُ، ويجودُ بنفسِهِ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (سننُ الترمذي).
ثانيًا: تقديمُ مصلحةِ الوطنِ العامةِ على المصلحةِ الخاصةِ: يجبُ علينَا أنْ نشاركَ جميعًا في المحافظةِ على أمنِ الوطنِ وسلامتِهِ، ووحدةِ أرضهِ واستقرارِهِ، والتصدِّي بكلِّ حزمٍ لحملاتِ التخريبِ والإفسادِ، وقد وضعَ اللهُ حدَّ الحرابةِ لمَن يباشرُ إفسادَ مقدراتِ الأرضِ، ويسعى لإحداثِ الفتنةِ، فقالَ تعالى:﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا﴾، وكذا مَن يهددُ استقرارَهُ بإطلاقِ الشائعاتِ المغرضةِ التي تؤثرُ سلبًا على الفردِ والمجتمعِ قال تعالى متوعدًا مَن يقدمُ على فعلِ ذلك: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ وفي سبيلِ المحافظةِ على أمنِ الأوطانِ حرّمَ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاحتكارَ والغشَّ، والاستغلالَ في التجارةِ والمعاملاتِ الإقتصاديةِ التي فيها أكلٌ لأموالِ الناسِ بالباطلِ فعَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» (ابن ماجه)، وفرضَ التكافلَ المجتمعيَّ، وتقديمَ يدَ العونِ والمساعدةِ للجميعِ، وهذا يستلزمُ التكاتفَ والتعاونَ من كافةِ أطيافِ المجتمعِ، وأنْ نكونَ على قلبِ رجلٍ واحدٍ قال تعالى: ﴿وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾ وهذا ما نستشفُّهُ ونستلهمُهُ مِن «وثيقةِ المدينةِ» حيثُ جمع ﷺ كلَّ مَن يسكنُ المدينةَ، وعقدَ معهم معاهدةً من أجلِ الحفاظِ على المدينةِ مِن أيِّ عدوٍّ داخليٍّ أو سطوٍ خارجيٍّ، وهذه الوثيقةُ تُعدُّ أُنموذَجًا فريدًا في فقهِ التعايشِ السلميِّ بين البشرِ جميعًا على اختلافِ أديانِهِم وأعراقِهِم، وأعظمَ مثالٍ للمساواةِ وتحقيقِ مبدأِ الأخوةِ الإنسانيةِ، لذا حققتْ نجاحًا باهرًا على أرضِ الواقعِ، وهذا خلافُ ما كانتْ تعهدُهُ جزيرةُ العربِ آنذاك، فحياتُهُم قائمةٌ على الفوضَى واللامبالاةِ في جلِّ أمورِ الحياةِ.
ثالثًا: غرسُ حبِّ الوطنِ في نفوسِ الأطفالِ: يجبُ علينَا أنْ نُعززَ قيمَ الولاءِ والانتماءِ للوطنِ، وتعميقَ الشعورِ بالمسئوليةِ تجاهَ بلدِنَا الحبيب، ويبدأُ ذلك أولًا من الأسرةِ ثم المدرسةِ، ولوسائلِ الإعلامِ المرئيةِ والمسموعةِ والمقروءةِ دورٌ كبيرٌ في تحقيقِ ذلِك، وكذا مؤسساتُ المجتمعِ المدنِي، وهكذا لا بدَّ مِن اصطفافِ الجميعِ في سبيلِ الحفاظِ على مقدراتِ وطنِنَا مصداقًا لقولِهِ تعالى: ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ﴾، فالطفلُ عندمَا ينشأُ ويُربَّى على حبِّ وطنِهِ، وغرسِ ثقافةِ البناءِ والتعميرِ، والبعدِ عن الكراهيةِ والحقدِ والتدميرِ، لا شكَّ أنَّ كلَّ دعوى تواجههُ بعدَ ذلك – في سبيلِ زعزعةِ هذه القيمِ المجتمعيةِ – سيكونُ قادرًا على ردِّهَا ودحرِهَا بأيسرِ برهانٍ، وصدقَ أبُو العلاءِ المعرِي حيثُ قالَ:
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا … عَلى ما كانَ عليهِ أبُوهُ
وما دانَ الفتَي بِحِجًى ولكِنْ … يُعلمُهُ التديُّنَ أقربُوهُ
نقولُ لهؤلاءِ الذين يدَّعونَ حبَّ الوطنِ، ويتغنونَ بالوطنيةِ، ولا نجدُ في أقوالِهِم وأعمالِهِم سوى الخيانةِ الرخيصةِ، والعمالةِ المقيتةِ البغيضةِ لأعدائِهِ، وتأجيجِ الفتنِ بين أبنائِهِ، والتشكيكِ فيما تُقيمُهُ بلدُنَا وتشهدُهُ مِن تنميةٍ وازدهارٍ لا مثيلَ لهُ على الإطلاقِ، أينَ الوفاءُ للأرضِ التي عشتُمْ عليها، وأكلتُمْ من خيراتِهَا، وترعرعتُمْ في ترباهَا، واستظلتُمْ تحتَ سماهَا، وأينَ ردُّ الجميلِ، ومجازاةُ حُسنِ الصنيعِ ﴿هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ﴾، فمهمَا حاولَ هؤلاءِ وغيرُهُم ستظلُّ بلدُنَا محفوظةً بعنايةِ الإلهِ، فمصرُنَا ذُكِرَتْ في كتابِ ربِّنَا عشراتِ المراتِ تصريحًا وتلميحًا وتعريضًا، واقترنَ اسمُهَا بالأمانِ ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، وشَهِدَ بعلُوِ قدرِهَا نبيُّ السلمِ والسلامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قالَ: «إذَا فتحَ اللهُ عليكُم مصرَ بعدِي، فاتخِذُوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجندُ خيرُ أجنادِ الأرضِ، فقال له أبو بكرٍ: ولم ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ قال: إنَّهُم في رباطٍ إلى يومِ القيامةِ» . (كنز العمال)، وقال الحافظُ السيوطيُّ: «فى بعضِ الكتبِ الإلهيةِ مصرُ خزائنُ الأرضِ كلِّهَا، فمَن أرادَهَا بسوءٍ قصمَهُ اللهُ»، ويصدقُ ذلك قولُهُ تعالى على لسانِ يوسفَ عليه السلامُ: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، فتنبَّهْ وأعلمْ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدفاع عن الأوطان والأرض والعرض
(3) وجوبُ استشعارِ نعمةِ الأمنِ والأمانِ في مجتمعِنَا، ووجوبُ الاستعدادِ والتأهبِ للعدوِّ:
إنَّ نعمةَ الأمنِ مِن أجلِّ النعمِ على الإطلاقِ فبها يُعبدُ اللهُ سبحانه في أرضِه، وبها تُحفظُ الدماءُ، وبها تُصانُ الأعراضُ أنْ تُنتهكَ، والأموالُ أنْ تُسلبَ، والأرضُ أنْ تُغتصبَ، وهكذا كلُّ طاعةٍ أو عبادةٍ مردُّهَا في الأساسِ إلى نعمةِ الأمنِ، ولذا قدمَهَا السياقُ القرآنيُّ على طلبِ الرزقِ والمنافعِ الماديةِ، فقالَ عزَّ من قائل: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾، وقال في آيةٍ أخرى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾؛ لأنَّهُ بالأمنِ والأمانِ يحصلُ الاستقرارُ الذي هو سببُ البناءِ والتعميرِ في الأرضِ، وانظرْ في حالِ أيِّ بقعةٍ مِن أرجاءِ المعمورةِ إذا نُزِعَ الأمنُ منها، وحلَّ الخوفُ مكانَهَا كيف حالُهَا مِن الخرابِ والبوارِ والكسادِ في شتَّى مجالاتِ الحياةِ، والإنسانُ قد يُفتحُ عليه مِن أبوابِ الخيرِ والبرِّ، لكنَّهُ يفقدُ عنصرَ الأمنِ فلا يهنأُ ولا يستلذُّ بهذه النعمةِ، ولذا عدَّ رسولُنَا ﷺ مَن يملكُ هذه النعمةَ بأنَّهُ حازَ الخيرَ والشرفَ كلَّه، وجمعَ الفضلَ وزيادةً، قَالَ ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرِها» (الترمذي وابن ماجه)، فمتى بلغَ المجتمعُ مستوَى عاليًا مِن الاستقرارِ والسكينةِ وعدمِ وجودِ أيِّ نوعٍ مِن أنواعِ المخاوفِ حينهَا يصبحُ هذا المجتمعُ آمنًا قادرًا على أداءِ مسؤولياتِه التي خُلِقَ مِن أجلِهَا، كما قال في كتابِهِ العزيزِ:﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾، وقال أيضًا: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾.
لقد كانت نعمةُ الأمنِ مطلبُ الأنبياءِ والصالحين، فها هو سيدُنَا يوسفُ عليه السلامُ يطلبُ مِن والديهِ دخولَ مصرَ مخبرًا باستتبابِ الأمنِ بهَا قال ربُّنَا: ﴿وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ﴾، وما صارت مصرُ مركزَ توزيعِ الغلالِ للبلادِ المجاورةِ لهَا، ومحطَّ كلِّ، غريبٍ إلّا بانتشارِ الأمنِ فيها، ولذا جاء إخوتُهُ – عليه السلامُ – طالبينً الحنطةَ مِن أهلِهَا قال تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا﴾؛ ولذا كان يدعو نبيُّنَا ﷺ ربَّهُ أنْ يرزقَهُ الأمنَ حينَ يُمسِي وحين يُصبحُ، فعن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» (النسائي وابن ماجه)، ولمَّا ضربَ ﷺ أروعَ الأمثلةِ في العفوِ والصفحِ عن أهلِ مكةَ يومَ فتحَهَا أرشدَهُم إلى ما ينالون به الأمنَ المجتمعِي، فقال ﷺ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ؛ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ؛ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» (مسلم) .
مِن أجلِ ذلك يتحتمُ على العاقلِ الواعِي أنْ يحافظَ على وطنِه، ويعملَ جاهدًا على حمايتِه، والدفاعِ عنه، ويبذلَ كلَّ غالِي ورخيصٍ كي يرفعَ شأنَهُ، إذ تحملُ في جنباتِه ميراثَ آلِ بيتِ رسولِ اللهِ، ولذا نوهتْ السنةُ المشرفةُ بفضلِهِ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» أَوْ قَالَ «ذِمَّةً وَصِهْرًا» (مسلم).
وأخيرًا: يجبُ علينَا أنْ ننتبهَ ونعدَّ العدةَ مصداقًا لقولِ ربِّنَا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، ولفظُ “القوةِ” شاملٌ لجميعِ أنواعِ القوةِ كالعسكريةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والنفسيةِ والعلميةِ… إلخ فلا يعقلُ أنْ نقفَ مكتوفِي الأيدي وإلّا تخطفتْنَا الدولُ مِن حولِنَا فلنتأهبْ ولنحذرْ، قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً﴾، وقد أوجبَ الإسلامُ علينَا عندَ الاختلافِ والتنازعِ خاصةً وقتَ الأزماتِ أنْ نكلَ الأمرَ لأهلِ الاختصاصِ والخبرةِ وألّا نخوضَ ونهرفَ بما لا نعرفُ، قال ربُّنَا:﴿وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ كما أنَّ محبتَنَا لبلدِنَا تسلتزمُ مِن الجميعِ التكاتفَ والاصطفافَ معًا لمواجهةِ الأعداءِ داخليًّا وخارجيًّا، والمدوامةَ على العملِ والإنتاجِ وخدمتِهِ، كلٌّ في مِحرابِهِ، والالتزامَ بكلِّ حقوقِ الوطنِ والوفاءَ بقوانينِهِ حتَّى وإنْ كان الشخصُ لا يعيشُ في مرابعِهِ كما قالَ أميرُ الشعراءِ أحمدُ شوقي:
وطنِى لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنه … نازعتنِى إليه فى الخُلدِ نَفسي
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا الأمنَ والأمانَ، والسلمَ والسلامَ، وحسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، الَّلهُمَّ أَوْرِدْنَا حَوْض نبيك، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهُ، وَأَنِلْنَا شَفَاعَتَهُ، وَاجْعَلْنَا فِي الجَنَّةِ بِجِوَارِهِ ﷺ، واجعلْ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف