خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اسم الله الولي ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اسم الله الولي ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 24 محرم 1445هـ ، الموافق 11 أغسطس 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أغسطس 2023م بصيغة word بعنوان : اسم الله الولي ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أغسطس 2023م بصيغة pdf بعنوان : اسم الله الولي ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 11 أغسطس 2023م بعنوان : اسم الله الولي.
أولًا: اللهُ مولانَا ولا مولَى لكم.
ثانيــــًا: كيفَ تحصلُ على ولايةِ المولَى جلَّ جلالُه.
ثالثــــًا : صورٌ مِن ولايةِ المولَى سبحانَهُ لخلقِهِ!!
رابعًا وأخيرًا: خابَ وخسرَ مَن لم يكنْ في ولايةِ المولَى.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 11 أغسطس 2023م بعنوان : اسم الله الولي : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة : اسمُ اللهِ الولِيّ
للدكتور محمد حرز ، 23 من المحرم بتاريخ 1445هـ، الموافق، 11أغسطس 2023م
الْحَمْدُ لِلَّهِ وليِّ الصالحين، ومولَى المؤمنين، سبحانَهُ الكبيرِ المتعال، ذي العظمةِ والجمالِ والجلالِ، يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وهُوَ الوَلِيُّ الحمِيدُ، ويُعِزُّ أولياءَهُ وهُوَ الغنيُّ الحمِيدُ ، ويَفْعَلُ مَا يُرِيدُ وهو سبحانَهُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ,خَلَقَ الخلائِقَ فمنهم شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، يَقْضِي بينَهُم بِحُكْمِهِ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ﴿(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ)) البقرة:257).وأشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, البشيرُ النذيرُ ,السراجُ المنيرُ , خيرُ الأنبياءِ مقامًا, وأحسنُ الأنبياءِ كلامًا , الداعِي إلي خيرِ الأقوالِ وأحسنِ الأفعالِ , فجاءَ بالدينِ الوسطِ وحذّرَ مِن الزيغِ والشططِ، وتركنَا علي المحجةِ البيضاءِ ليلهَا كنهارِهَا لا يزيغُ عنها إلُا هالكٌ، ولا يتمسكُ بها إلّا كلُّ مفلحٍ راشدٍ ،.فاللهمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102) عبادَ الله: (اسمُ اللهِ الولِيِّ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: اللهُ مولانَا ولا مولَى لكم.
ثانيــــًا: كيفَ تحصلُ على ولايةِ المولَى جلَّ جلالُه.
ثالثــــًا : صورٌ مِن ولايةِ المولَى سبحانَهُ لخلقِهِ!!
رابعًا وأخيرًا: خابَ وخسرَ مَن لم يكنْ في ولايةِ المولَى.
أيُّها السادةُ :ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن اسمِ اللهِ الولِيِّ، وخاصةً ما أجملَ أنْ يكونَ الحديثُ عن اللهِ وما أحلَى أنْ يكونَ الكلامُ عن ربِّ العالمين جلّ جلاله، وخاصةً ونحن في هذا اليومِ العظيمِ، وفي هذا المقامِ العظيمِ نتحدثُ عن موضوعٍ عظيمٍ، مِن أعظمِ الموضوعاتِ على الإطلاقِ، وكيف لا ؟ وهو يتعلقُ بأعظمِ شيءٍ في الوجودِ وهو اللهُ جلّ وعلا وهُوَ الوَلِيُّ الحمِيدُ ، وخاصةً ومعرفةُ أسماءِ اللهِ وصفاتهِ واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، فمعرفةُ المؤمنِ بربِّهِ أوجبُ الواجباتِ، وكيف لا ؟ومَن عرفَ اللهَ تعالى اتَّقاه وأحبَّه ورجاه، وتوكلَ عليه، وأنابَ إليه، واشتاقَ إلى لقائِه، وأنِسَ بقُربهِ، وأجَلَّهُ وعظَّمهُ، قال جلّ وعلا { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} سورة الأعراف180، وكيف لا ؟ ومهما بلغَ العبدُ من تمجيدِ اللهِ تعالى وتقديسِه، فإنّه لم يوفِّهِ حقَّهُ، ولم يقدِرْهُ حقَّ قدرِهِ، قالَ جلّ وعلا:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، لذا كان مِن دعاءِ النبيِّ ﷺ: ( لا أُحصِي ثناءً عليكَ) . يا رب
إنَّ ذنوبِي في الورَى كثرَتْ***** وليس لي عملٌ في الحشرِ ينجينِي
وقد أتيتُكَ بالتوحيدِ يصحبُهُ***** حبُّ النبيِّ وهذا القدرُ يكفينِي
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اسم الله الولي
أولًا: اللهُ مولانَا ولا مولَى لكّم.
أيُّها السادةُ: إنَّ العلمَ باللهِ جلّ وعلا، ومعرفتَهُ بأسمائِهِ وصفاتِهِ، هي أفضلُ العلومِ وأشرفُهَا؛ لأنّ شَرَفَ العلمِ بشرفِ المعلومِ، قَالَ جلَّ وعلا:{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}الفرقان: 59) ولمّا كانَ إيمانُ العبدِ لا يتمُّ إلّا بمعرفتِهِ بخالقِهِ جلَّ وعلا، معرفةً يصلُ بِهَا إلى اليقينِ، ويَبْلُغُ بِهَا منازِلَ المحسنينَ، وَرُتْبَةَ العُبَّادِ والصَّالحينَ، كانَ الارتباطُ وثيقًا بينَ الإيمانِ باللهِ عزَّ وجلَّ، ومعرفتِهِ سبحانَه بأسمائِهِ وصفاتِهِ. ومِنْ أسمائِهِ سبحانَهُ الْوَلِيُّ والمولي، قَالَ جلّ وعلا {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الشورى: [9]. قال جلَّ وعلا (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28]، وقال جلَّ وعلا (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) [النساء: 45]، وقال جلَّ وعلا (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج: 78]، والولِيُّ مِن أسماءِ اللهِ: وهو النصيرُ والمعينُ والظهيرُ لأوليائِه على أعدائِه, والولِيُّ هو المُتَوَلِّي والقائمُ بأمورِ العَوَالِم والخلائِق جَمْيعًا، يُدَبِّرُ أَمْرَهُمْ، ويُقَدِّرُ أَرْزَاقَهُمْ، وهُوَ النّاصِرُ لأوليائِهِ، والمُعِينُ والظُّهِيرُ لعبادِهِ، يُصلِحُ شؤونهم، ويُقيلُ عَثَرَاتِهِم، ويَغْفِرُ زَلَّاتِهِم، فهُو الدَّافِعُ والكافي لهُم، قَالَ تَعَالى {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا}الحج: [38] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}النساء: [45]. ، وولايةُ اللهِ لعبادِه تعنِي قربهُ منهم، فهو أقربُ إليهِم مِن حبلِ الوريدِ. لذا قالَ جلَّ وعلا مخاطبًا نبيَّهُ ﷺ: (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) أي قُلْ يا محمدٌ للمشركين مِن عبدةِ الأوثانِ: إنَّ وليِّي ونصيرِي ومعينِي وظهيرِي عليكم، اللهُ الذي نزلَ الكتابَ عليَّ بالحقِّ، وهو يتولَّى مَن صلحَ عملُهُ بطاعتِه مِن خلقِه. وقال جلَّ وعلا: ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) [الإسراء:111] ، قال الحسنُ بنُ الفضلِ: يعني لم يُذلْ فيحتاجُ إلى ولِي ،ولا ناصرَ لعزتِه وكبريائِه، ولقد وردَ اسمُ اللهِ (الْوَلِيّ )في السنةِ النبويةِ المطهرةِ ، في الصحيحينِ: يقولُ ﷺ: « أَلاَ إِنَّ آلَ أَبِى – يَعْنِى فُلاَنًا – لَيْسُوا لِى بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ».
ولما كان يومُ أحدٍ أشرفَ أبو سفيانَ على المسلمين فقالَ كما في صحيحِ البخارِي: (فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ يُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا . فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ ، وَقَدْ بَقِىَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ . قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ ، ثم قال أبو سفيان أُعْلُ هُبَلْ ، أُعْلُ هُبَلْ . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ قَالَ « قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ » . قَالَ إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ قَالَ « قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ » ، وكان من دعائه -صل الله عليه وسلم « اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِى شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ »، ولايةَ اللهِ عزّ وجلّ لعباده، نوعان وِلايَةٌ عَامّة، ووِلايَةٌ خَاصّة.
فالولايةُ العامَّةُ شاملةٌ لجميعِ المخلوقاتِ، فاللهُ عزّ وجلَّ هو الخالقُ البارئُ الرّازِقُ المحيي المميتُ، يدبِّرُ أمرَ الخلائِقِ، ويقضِي بأرزَاقِهِم وأعمالِهِم وآجالِهِم وهذه الولايةُ تشملُ المؤمنَ والكافرَ، والبرَّ والفَاجِرَ، وتَعْنِي أنّ العبادَ كُلهُم تحتَ ولايةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَطَوْعُ تدبيرِهِ، قال جل وعلا { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62.والولايةُ الخاصَّةُ، هي خَصِيصَةُ المؤمنين، ومَزِيَّةُ الصَّالِحِينَ، وَفَخْرُ العابِدِينَ، وشرفُ الطَّائِعِينَ، وحِصْنُ الذَّاكِرِينَ، بَأَنْ يتولّاهمُ اللهُ عزَّ وجلَّ ولايةَ توفيقٍ وهدايةٍ ونصرٍ وتأييدٍ. وتقتضِي عنايةَ اللهِ عزّ وجلّ ولطفَهُ بأوليائِهِ، وتوفيقَهُم ووقايتَهُم مِن سُبُلِ الخُسْرَانِ، وطُرُقِ الشَّيْطَان، قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: قال جل وعلا(( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)) سورة محمد 11،257.ووِلايةُ اللهِ الخاصّةُ لعبادِهِ تقتضي غفرانَ ذنوبِهم ورحمتَهم، قال تعالى: (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) [الأعراف: 155.وولايةُ اللهِ الخاصَّة لعبادِهِ تقتضِي التأييدَ والنّصرَ على الأعداءِ، قال تعالى: {أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} البقرة: 286،
اللهُ رَبّـي لَا أُرِيْـدُ سِـــوَاهُ *** هَلْ فِي الوُجُــوْدِ خالق إلَّا هو!!
الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ مِنْ آيـَاتِ قُدْرَتِهِ***وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَيْضٌ مِنْ عَطَايَـاهُ
الطَّيْرُ سَبَّـحَهُ ، وَالْوَحْشُ مَجَّدَه***وَالْمَوْجُ كَبَّرَهُ ، وَالْحُوتُ نَاجَاهُ
وَالنَّمْلُ تَحْتَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ*** وَالنَّحْلُ يَهْتِفُ حَمْدًا فِي خَلايَاهُ
وَالنَّاسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا ؛ فَيَسْتُرُهُمْ ***وَالْعَبْدُ يَنْسَى وَرَبِّي لَيْسَ يَنْسَاهُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اسم الله الولي
ثانيــــًا: كيف تحصلُ على ولايةِ المولَى جلّ جلالُه.
أيُّها السادةُ: ولايةُ اللهِ الخاصةُ لا تكونُ إلّا لأولياءِ اللهِ الصالحين وكلَّمَا زادَ العبدُ قربًا مِن ربِّه كان وليًّا مِن أوليائِه الصالحين وعبادِه المقربين ولا يحصلُ العبدُ على ولايةِ مولاهُ إلّا بأسبابٍ كثيرةٍ وعديدةٍ منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ: تقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، والإيمانُ بهِ، قالِ تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يونس: 52-63. وكلُّ أحدٍ خفتَ منهُ هربتَ منهُ إلّا اللهَ فإنّكَ إذا خفتَ مِن اللهِ هربتَ إلى اللهِ. ولا تُنَالُ الوَلايةُ إلّا بالإيمانِ الصادقِ والعلمِ الراسخِ والعملِ الصالحِ المتواصلِ الثابتِ، فبتقوَاكَ وايمانِكَ تدخلُ في معيةِ اللهِ جلّ وعلا وولايتِهِ فتسعدَ في دنياكَ وآخراكَ.
تحصلُ على ولايةِ المولَى جلَّ جلاله: بالتقرّبِ إلى اللهِ بالحفاظِ على الفرائِضِ، والإكثارِ مِن النَّوَافِلِ، ففي الحديثِ القدسيِّ: عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه، قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن عادَى لِي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتّى أُحِبَّهُ فإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)أخرجه البخاري ) أي: يحفظُهُ ويسددُهُ في جوارحِهِ ويتولاهُ بمعيتِهِ الخاصة.ومِن ذلك: الطمأنينةُ والراحةُ النفسيةُ؛ لأنَّهُ مِمّن تولاهُ اللهُ، قالَ تعالى: ))قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(( [التوبة:51(ومَن كان في ولايةِ اللهِ لا يخافُ مِن أعداءِ اللهِ مهما كان عددُهُم وعدتُهُم، قالَ تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:175)
تحصلُ على ولايةِ المولَى جلَّ جلالُه: باتّباعِ السُّنَّةِ النبويةِ المشرفةِ، وحُسنِ الاقتداءِ بهِ ﷺ، ولزومِ جماعةِ المسلمينَ وإمَامِهم المختارِ ﷺ، قالَ جلَّ وعلا {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} النساء: 115 فلا يكونُ العبدُ وليًّا للهِ إلّا مَنْ آمنَ بالنبيِّ المختارِ ﷺ ،وبمَا جاءَ بهِ، واتبعَهُ ظاهرًا وباطنًا، قالَ جلَّ وعلَا (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)آل عمران: 31، فبيَّنَ فيها أنَّ مَن اتبعَ الرسولَ ﷺ فإنَّ اللهَ يحبُّهُ، ومَن ادّعَى محبةَ اللهِ ولم يتبعْ الرسولَ ﷺ فليس مِن أولياءِ اللهِ..وجماعُ أسبابِ الوصولِ إليهَا قولُهُ تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) (الجاثية: 18- 19(
فمَن يدعِي حبَّ النبيِّ ولم يفدْ*** مِن هديهِ فسفاهةٌ وهراءُ
فالحبُّ أولُ شرطهِ وفروضهِ ***إنْ كانَ صادقًا طاعةٌ ووفاءُ
تحصلُ على ولايةِ المولَى جلّ جلالُهُ: بالاستعانةِ باللهِ جلَّ وعلا، فالاستعانةُ باللهِ تعالَى مِن أجلِّ العباداتِ وأفضلِهَا والتي أمرَ اللهُ بها عبادَهُ للحصولِ على عطائِه وكرمِه ومعيتِه وولايتِه، قال جلَّ وعلا ذاكرًا عبدَهٌ موسَى عندمَا نصحَ قومَهُ بالاستعانةِ باللهِ تعالَى ((قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)، فأمرَهُم بالاستعانةِ باللهِ في ردِّ عدوانِ فرعونَ وملأِهِ ليكونُوا في ولايةِ المولَى جلّ جلالُه ، وهذا هو المختارُ ﷺ عندما قرأَ قولَهُ جلَّ وعلَا ((وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ))(يس) مستعينًا بهِ في ردِّ كيدِ المشركين فأخرجَهُ اللهُ مِن بينِ أيديهِم سالمًا محفوظًا.فمَن أعانَهُ اللهُ فهو المعانُ ومَن خذلَهُ اللهُ فهو المخذولُ، فاطلبْ العونَ والمددَ مِن اللهِ لتكونَ مِن أوليائِه المقربين، فعنْ مُعاذٍ أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قال لهُ يا معاذُ واللَّهِ إِنِّي لأَحِبُّكَ فلا تَدعَنَّ أن تقولَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ اللَّهُمَّ أَعِنِّي على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادَتِكَ)) فالعبدُ ضَّعْفٌ، قَال تَعالَى ))وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) (النساء:28( والعبدُ في جميعِ أحوالِهِ يَحتاجُ إلى الولِيِّ الذي يَرْعَاهُ، ويُدَبِّرُ شؤونَهُ ويقضِي مصالِحَهُ، ويُقَوِّيهِ عندَ النَّوَازِلِ، ويُثَبِّتهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ فاستعنْ بمولَاكَ ولا تعجز .
تحصلُ على ولايةِ المولَى جلّ جلالُه: بذكرِ اللهِ جلًّ وعلا بالليلِ والنهارِ، فعن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، مَن أولياءُ اللهِ؟ قال: ((الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ اللهُ)) رواه البزار.
تحصلُ على ولايةِ المولَى جلّ جلالُه: بالحبِّ للهِ والبغضِ للهِ، كما وردَ في الحديثِ: (مَن أحبَّ في اللهِ وأبغضَ في اللهِ ووالَى في اللهِ وعادَى في اللهِ فإنَّما تنالُ ولايةُ اللهِ بذلك)، وروى الإمامُ أحمدُ والطبرانِيُّ عن النبيِّ قال: (لا يجدُ العبدُ صريحَ الإيمانِ حتى يحبَّ للهِ ويبغضَ للهِ، فإذا أحبَّ للهِ وأبغضَ للهِ فقد استحقَّ الولايةَ للهِ).
تحصلُ على ولايةِ المولَى جلَّ جلالُه: بالمحافظةِ على صلاتِكَ وإخراجِ زكاتِكَ قالَ ربُّنَا (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (55) المائدة .
تحصلُ على ولايةِ المولَى جلَّ جلالُه: بالدُّعَاءِ، فقد كانَ مِنْ دعاءِ النبيّ ﷺ : (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) أخرجه أبو داود، فهل سألتَ ربَّكَ يومًا ما أنْ يتولَّاكَ ويعينَكَ وينصرَكَ؟؟ فتقربْ إلي ربِّك واندمْ على ما فرطتَ في جنبِ اللهِ، وكنْ وليًّا مِن أولياءِ اللهِ الصالحينَ بأخلاقِكَ وعملِكَ وسلوكِكَ لتفوزَ بالجنانِ وبرؤيةِ الرحمنِ وبالجلوسِ مع سيِّدِ الأنامِ، قال جلَّ وعلَا ( لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 127). أي: هو وليُّهُم بسببِ أعمالِهِم الصالحةِ التي قدّمُوهَا، وتقرَّبُوا بها إلى ربِّهِم فمَا أحوجنَا -أيُّها السادةُ- إلى أنْ يتولَانَا اللهُ في جميعِ أمورِ دينِنَا ودنيانَا وآخرتِنَا فلنبذلْ الأسبابَ التي بها ننالُ ولايةَ اللهِ لنَا، فاللهُمَّ اجعلنَا مِن عبادِكَ الصالحين، وتولَّ أمرَنَا يا أكرمَ الأكرمين.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اسم الله الولي
ثالثــــًا : صورٌ مِن ولايةِ المولَى سبحانَهُ لخلقِهِ!!
أيُّها السادةُ: لو قلَّبنَا صفحاتِ القرآنِ الكريمِ وسنةِ النبيِّ العدنانِ ﷺ لوجدنَا الكثيرَ والكثيرَ مِن ولايةِ اللهِ لعبادِه المخلصين لعبادِه الموحدين لعبادِه المؤمنين ، فهذا هو سيّدُ الخلقِ وحبيبُ الحقِّ تولاهُ اللهٌ جلّ وعلا بعنايتِه في حياتِه كلِّهَا ويكفِي ما حدثَ في الهجرةِ المباركةِ عندمَا نجَّاهُ اللهُ وصاحبَهُ مِن الهلاكِ عندما كان في الغارِ وجاءَ أبو جهلٍ والقومُ معهُ ووقفُوا أمامَ بابِ الغارِ, وهنا دارَ حوارٌ هامسٌ خفيٌّ بينَ الصدِّيقِ الخائفِ على النبيِّ ﷺ أكثرَ مِن خوفهِ على نفسهِ، يا رسولَ اللهِ لو أنَّ أحدُهُم نظرَ إلى قدميهِ لرآنَا, فيردُّ عليه الحبيبُ ﷺ بلغةٍ يحدوهَا الأملُ.. ، وبقلبٍ يملأهُ اليقينُ. « يا أبَا بكرٍ ما ظنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثهُمَا » يا أبَا بكرٍ « لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنَا» رواه البخاري. اللهُ أكبرُ فو اللهِ ثمَّ واللهِ لو جمعَ أبو جهلٍ الأحياءَ كلَّهُم بل إنْ شئتَ وأخرجَ الأمواتَ مِن قبورِهِم يسحبونَ أكفانَهُم خلفَ أبِي جهلٍ يقلبونَ معه حجارةَ الأرضِ، ويزحزحونَ الجبالَ عن أماكنِهَا .، وينقبونَ في الرمالِ، ما وصلُوا إلي اثنينِ اللهُ ثالثهُمَا (إلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة، وللهِ درُّ شوقِي
فَأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُم***كَباطِلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ
لَولا يَدُ اللَهِ بِالجارَينَ ما سَلِما***وَعَينُهُ حَولَ رُكنِ الدينِ لَم يَقُمِ
وتولَّى اللهُ أمرَ سيدِنَا يوسفَ عليهِ السلامُ، فأحوجَ القافلةَ للماءِ في الصحراءِ ليذهبُوا إلى البئرِ، ثم أحوجَ عزيزَ مصرَ للأولادِ ليتبنَّى سيدَنَا يوسفَ، ثم أحوجَ الملكَ للرؤيَا وتفسيرِهَا ليخرجَهُ مِن السجنِ، ثم أحوجَ مصرَ بأكملِهَا للطعامِ ليكونَ عزيزَ مصرَ، كلُّ هذا مِن أجلِ عبدِه الذي تولَّى أمرَهُ، انظرْ إلى آخرِ سورةِ يوسفَ) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف:101]، أتممْ ولايتَكَ علىَّ في القبرِ وتوفنِي مسلمًا وأدخلنِي الجنةَ كما توليتَ أمرِي طوالَ حياتِي.
وتولَّى اللهُ موسَى عليه السلامُ عندما كان طفلًا رضيعًا فنشأَ في بيتِ فرعونَ ويرعاهُ اللهُ بعنايتِه ولمَّا كبرَ موسَي عليه السلامُ وأرادَ فرعونُ الفتكَ به وبأصحابِه عندمَا قال لهُ قومُهُ يا موسَي ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ), ها هو البحرُ مِن أمامِنَا وفرعونُ وجنودُهُ مِن خلفِنَا، فماذا قال مُوسَى قالَ لهم (كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) [سورة الشعراء: 61-62] فيأتيهِ الجوابُ مِن السماءِ (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) } لكنّهُ التوكلُ على اللهِ، والثقةُ بأنَّ مَن يتولَّى تدبيرَ أمورَ العبادِ هو اللهُ سبحانَهُ وتعالَي ، ومَن تولَّى اللهُ أمرَهُ فلن يدركَهُ أحدٌ مهمَا كان شأنهُ.
وتولَّى اللهُ أمرَ أصحابِ الكهفِ بسعةِ العيشِ الرغيدِ، وتولَّى أمرَهُم بمَا نشرَ لهُم فيهِ مِن رحمتِه، قالَ جلَّ وعلا (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً) [الكهف: 16)
وعندما رُزِقَ إبراهيمُ -عليه السلامُ- بالولدِ الأولِ إسماعيلَ -عليه السلامُ- أمرَهُ ربُّه بأنْ يهاجرَ مِن فلسطينَ مع زوجتِه هاجر وابنِه الرضيعِ إلى وادٍ لا ماءَ فيهِ ولا طعامَ ولا شجرَ، ولا يوجدُ فيه أحدٌ مِن البشرِ، حتى إذا وصلَ إلى ذلك المكانِ تركَ زوجتَهُ وابنَهُ الرضيع، وتركَ لهما قليلًا مِن الماءِ وبعضَ حباتٍ مِن التمرِ، وعادَ بأمرِ ربِّه إلى فلسطين، فتبعتْهُ أمُّ إسماعيلَ فقالت: “يا إبراهيمُ: أين تذهبُ وتتركُنَا في هذا الوادٍي الذي ليسَ فيهِ أحدٌ ولا شيءَ فيهِ؟!”، قالت ذلك مرارًا، وجعلَ لا يلتفتُ إليها حتى لا يتأثرَ بالعاطفةِ ويحنَّ عليهما وينسَى أمرَ ربِّه، فقالتْ لهُ: “آللهُ الذي أمرَك بهذا؟!”، قال: “نعم”، قالت: “إذًا؛ لا يضيعُنَا”.يا لها مِن كلمةٍ عظيمةٍ تنبئُ عن إيمانٍ عميقٍ، وتوكلٍ عظيمٍ، وثقةٍ لا حدودَ لها بالولِي خالقِ الأرضِ والسماواتِ! حتى إذا كان عندَ الثنيةِ حيثُ لا يرونَهُ استقبلَ بوجهِهِ البيتَ ثُمّ دعا الولِيَّ الذي لا يضيعُ ولا يخذلُ مَن تولَّاهُ، قال تعالى: ))رَبَّنَا إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَرْزُقْهُمْ مّنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37(وهل يعقلُ ياسادةٌ مِن إبراهيمَ -عليه السلامُ- الذي كان يتمنَّى طوالَ حياتِه هذا الولدَ أنْ يتركَهُ في هذا الوادِي بدونِ طعامٍ أو شرابٍ؟! لكنَّهُ التوكلُ على اللهِ، والثقةُ بأنَّ مَن يتولَّى تدبيرَ أمورِ العبادِ هو اللهُ سبحانَه وتعالى.
وتولَّى اللهُ أمرَ مريم بنتِ عمرانَ وهي في شدةِ الضيقِ والهمِّ والخوفِ، ))عندمَا جاءتْ برضيعِهَا إلي قومِهَا وهي التي لم تتزوجْ ومَن يصدقُهَا بأنَّ هذا ولدهَا، إنّها ولايةُ اللهِ يا سادة، فمَن تولَّى اللهُ ولايتَهُ لن يكذبَ أحد، ((فحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) [مريم:22-26]، قرِّي عينًا؛ لأنَّ الولِيَّ سبحانَهٌ هو مَن يتولَّىَ أمورَكَ. وللهِ درُّ القائلِ:
توكلْ علي الرحمنِ في الأمرِ كلِّه***ولا ترغبنْ يومًا عن الطلبِ
ألم ترَ أنّ اللهَ قال لمريمٍ *** وهزِّ إليكِ الجذعَ يُساقطُ الرطب
ولو شاءَ أدلَي الجذعَ مِن غيرِ هزِّهِ ***له ولكن كلُّ شيءٍ له سبب
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعنِي وإيّاكُم بمَا فيهِ مِن الآياتِ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية …الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. وبعدُ
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اسم الله الولي
رابعًا وأخيرًا: خابَ وخسرَ مَن لم يكنْ في ولايةِ المولَى!!!
أيُّها السادةُ الأخيارُ: السعيدُ مَن كان في معيةِ اللهِ وعنايةِ اللهِ وولايةِ اللهِ، والتعيسُ مَن ابتعدَ عن معيةِ اللهِ وعنايةِ اللهِ وولايةِ اللهِ .فازَ وسعدَ مَن تولَّى اللهُ أمرَهُ وخابَ وخسرَ مَن تولَّى الشيطانُ أمرَهُ !!! وأيُّ معيّةٍ تعدِلُ معيةَ اللهِ ؟ وأيُّ ولايةٍ تعدلُ ولايةَ اللهِ؟ وأيُّ عنايةٍ تعدلُ عنايةَ اللهِ؟ !!!إنّها الحِصنُ الحَصينُ مِن كُلِّ الغوائِلِ، والعدّةُ في كلِّ شدةٍ، والدّرعُ الواقِي مِن سهامِ البوائِقِ والشّرورِ، لكنَّ هذه المعيّةَ الخاصّةَ التي تكونُ بالتّأييدِ والتّوفيقِ والحِفظِ والمعونةِ والنّصرِ إنَّما جعلَهَا اللهُ تعالى لأوليائِهِ المتّقين المحسِنين. فمَن توكلَ عليهِ كفاهُ، ومَن فوضَ إليهِ الأمرَ هداهُ، ومَن سألَهُ أعطاهُ، ومَن وثقَ في اللهِ نجَّاهُ، ومَن صفَا مع اللهِ صافاهُ، و مَن أوَى إلى اللهِ أواهُ، و مَن فوّضَ أمرهُ إلى اللهِ كفاهُ، و مَن باعَ نفسَهُ إلى اللهِ اشتراهُ، و جعلَ ثمنَهُ جنّـتَهُ)) قال جلَّ وعلا (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 150]،فكنْ مِن أولياءِ اللهِ ولا تكنْ مِن أولياءِ الطاغوتِ وتذكرْ(( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة البقرة:257.
كُنْ مِن اتباعِ الرحمنِ ولا تكنْ مِن اتباعِ الشيطانِ وقُلْ (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 286).
كنْ مِن أولياءِ الرحمنِ وإنْ تخلَّى الناسُ عنكَ وتذكرْ ))وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ((قالَ الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ : إذا تخلَّى الناسُ عنكَ في كربٍ، فاعلمْ أنّ اللهَ يريدُ أنْ يتولَّى أمرَكَ..
يا شاكيًا همَّ الحياةِ وضيقَهَا *** أبشرْ فربُّكَ قد أبانَ المنهجَا
مَن يتقِ الرحمنَ جلّ جلالُه *** يجعلْ لهُ مِن كلِّ ضيقٍ مخرجَا
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف