خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد حرز
بتاريخ 22 شعبان 1446هـ ، الموافق 21 فبراير 2025م

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 22 شعبان 1446هـ ، الموافق 21 فبراير 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 فبراير 2025م بصيغة word بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 فبراير 2025م بصيغة pdf بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 21 فبراير 2025م بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ .
أولًا: الرفقَ الرفقَ عبادَ اللهِ.
ثانيًا: التشددُ والتنطعُ والغلوُّ ليس مِن الدينِ في شيءٍ.
ثالثــــًا وأخيرًا: العملُ التطوعيُّ شرفٌ كبيرٌ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 21 فبراير 2025م بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: ((إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ))
د محمد حرز بتاريخ: 22 شعبان 1446هــ – 21 فبراير 2025م
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْأَخْلَاقَ مِنَ الدِّينِ، وَأَعْلَى بِهَا شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ بِمَكَارِمِهَا أَقْوَامًا فَكَانُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ، الْحَمْدُ للهِ الرَّفِيقِ بِعِبَادِهِ، اللَّطِيفِ بِخَلْقِهِ، أَمَرَ بِالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ، وَنَهَى عَنِ الفَظاظةِ وَالْعُنْفِ، ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ كَانَ مِنْ أَجَلِّ أَخْلاقِهِ التَّلَطُّفُ وَالْحِكْمَةُ، وَأَمَرَ أَتْبَاعَهُ بِالرِّفْقِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ، القائل عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَلان الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ(، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
عبادَ الله: (إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا .
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: الرفقَ الرفقَ عبادَ اللهِ.
ثانيًا: التشددُ والتنطعُ والغلوُّ ليس مِن الدينِ في شيءٍ.
ثالثــــًا وأخيرًا: العملُ التطوعيُّ شرفٌ كبيرٌ.
أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنَا عن: ( إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ)، وخاصةً ونحنُ نعيشُ أزمةَ أخلاقٍ دمرتْ الأخضرَ واليابسَ مِن قِيمِنَا ومبادئِنَا وأخلاقِنَا، نعيشُ وقتًا عجيبًا فسدتْ فيهِ الأخلاقُ، وانتكستْ فيهِ الفطرةُ عندَ الكثيرينَ مِن الناسِ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي ، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انتشرَ فيهِ التشددُ والغلوُّ والتنطعُ بصورةٍ مُخزيةٍ وانعدمَ الرفقُ واللينُ واليسرُ بينَ الناسِ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، وخاصةً والتشددُ والغلوُّ مرضٌ عضالٌ، وشرٌّ ووبالٌ، داءٌ يفرِّقُ القلوبَ، ويوغرُ الصدورَ، ويُذكِّي نارَ الفتنِ، إنّهُ داءُ الغلو في الدين، مرضٌ خطيرٌ، وشرٌّ مستطيرٌ، لا يخلُو منهُ زمانٌ ولا مكانٌ، ولم يسلمْ مِن شرِّهِ أفرادٌ ولا أُسرٌ ولا مجتمعاتٌ ولا مقدساتٌ، وخاصةً وإِنَّ هذا الدِّينَ مَتِينٌ صَلْبٌ، فَسِيرُوا فِيهِ بِرِفْقٍ من غَيْرِ تَكَلُّفٍ، ولا تُحَمِّلُوا أَنْفُسَكُم مَا لا تُطِيقُونَ، فَتَعْجِزُوا وَتَتْرُكُوا العَمَلَ، وَتَكْرَهُوا الطَّاعَةَ بِسَبَبِ المَشَقَّةِ فتندموا على الإفراط والتفريط خاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا انتشرَ فيهِ التكفيرُ والتبديعُ والتفسيقُ بصورةٍ مخزيةٍ، خاصةً بينَ انتشارِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي، ودخلَ التكفيريونَ إلى بيوتِنَا وإلى أولادِنَا عن طريقِ الشبكةِ العنكبوتيةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ،ولله در القائل
لم أرَ مِثلَ الرفقِ في لينهِ *** أخرجَ للعَذْراء من خِدْرِها
من يَسْتعِن بالرفقِ في أمرهِ *** قد يُخرجُ الحيَّةَ من جُحرِها
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد حرز
أولًا: الرفقَ الرفقَ عبادَ اللهِ.
أيها السادة: الرِّفْقُ هو لينُ الجانبِ بالقولِ والفعلِ والأخذُ بالأسهلِ وهو ضدُّ العنفِ. والرفقُ من الترفُقِ، تلطُّفٌ في القولِ والفعلِ، تسهِيلٌ وتيسيرٌ، مُدارةٌ وتُؤدَةٌ، صبرٌ وسِعةُ صدرٍ، قال جلَّ وعلا في محكمِ التنزيلِ: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وفي “صحيح مُسلم”: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ ،قال الغزاليُّ -رحمه اللهُ-: اعْلَمْ أَنَّ الرِّفْقَ مَحْمُودٌ وَيُضَادُّهُ الْعُنْفُ وَالْحِدَّةُ، وَالْعُنْفُ نَتِيجَةُ الْغَضَبِ وَالْفَظَاظَةِ، والرفقُ في الأمورِ ثمرة ٌلا يثمرهَا إلّا حسنُ الخلقِ، وَلَا يَحْسُنُ الْخُلُقُ إِلَّا بِضَبْطِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وقوةِ الشهوةِ وحفظهمَا عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ.
والرِّفْقُ خُلُقُ مِنْ أَعْظَمِ الأَخْلاقِ وَأَسْمَاهَا، وَأَجَلِّ الصِّـفَاتِ وَأَعْلاهَا؛ لأَنَّهُ دَلِيلُ وَفْرَةِ الْعَقْلِ، وَهُدُوءِ النَّفْسِ، وَتَوَافُرِ الْحِكْمَةِ، بِهِ تُدْرَكُ عَظَائِمُ الأُمُورِ، وَعَنْ طَرِيقِهِ تُفْتَحُ مُغْلَقَاتُ الأَبْوَابِ، مَنْ حَالَفَهُ كَانَتِ السَّلامَةُ مَحَلَّهُ، وَمَنْ رَافَقَهُ كَانَ التَّوْفِيقُ قَرِينَهُ، قال النَّبِيِّﷺ: (مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلاَّ زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ)، فَالرِّفْقُ – مَا كَانَ فِي شَيْءٍ إِلاَّ وَزَيَّنَهُ بِأَبْهَى الْحُلَلِ وَأَجْمَلِهَا، فَسَحَرَ النَّاسَ بِحُسْنِ حِلْيَتِهِ، وَتَقَبَّلُوهُ لِجَمَالِ طَلْعَتِهِ، وَمَا نُزِعَ الرِّفْقُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ صَارَ بِالْقُبْحِ مَوْصُوفًا، وَبِالدَّمَامَةِ مَعْرُوفًا، فَحَرِيٌّ بِالأَنْفُسِ السَّوِيَّةِ أَنْ تَعَافَهُ، وَبِالطِّبَاعِ السَّـلِيمَةِ أَنْ تَنْفِرَ مِنْهُ.
فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: (يَا عَائِشَةُ: إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)، فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الرَّفيقُ بِخَلْقِهِ، اللَّطِيفُ بِهِمْ، يُرِيدُ بِهِمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِهِمُ الْعُسْرَ، فَلا يُكَلِّفُهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، إِذْ “لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ” البقرة 286، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّفْقَ أَقْوَى الأَسْبَابِ الْحَسَنَةِ كُلِّهِا وَأَوْثَقِهَا؛ ذَلِكَ لأَنَّ الرِّفْقَ بِهِ انْتِظامُ خَيْرِ الدَّارَيْنِ وَاتِّسَاقُ أَمْرِهِمَا، وَفِي الْعُنْفِ ضِدُّ ذَلِكَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَبَيَانِ سَبَبِ نَجَاحِ دَعْوَتِهِ: ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ” ( ال عمران 159 )
بل إِنَّ دَعْوَةَ النَّاسِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ مُحْـتَاجَةٌ إِلَى التَّرَفُّقِ، وَإنَّ تَعْـلِيمَ النَّاسِ الْخَيْرَ مُحْـتَاجٌ إِلَى التَّلَطُّفِ؛ لِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى مَنْ يَدْعُونَ إِلَى سَبِيلِهِ أَنْ تَكُونَ دَعْوَتُهُمْ سَالِكَةً سَبِيلَ الْحِكْمَةِ وَالرِّفْقِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” النحل (125) ، بَلْ إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا عِنْدَمَا أَمَرَ مُوْسَى وَهَارُونَ – عَلَيهِمَا السَّلامُ – أَنْ يَذْهَبَا إِلَى دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ – وَهُوَ مَنْ هُوَ فِي طُغْيَانِهِ وَكُفْرِهِ – أَمَرَهُمْ جَلَّ وَعَلا أَنْ يَتَرَفَّقَا بِهِ؛ فَيَقُولا لَهُ الْقَوْلَ اللَّيِّنَ: ” اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) طه ” فَالتَّلَطُّفُ وَالْقولُ اللَّيِّنُ لَهُما تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ في نُفُوسِ الْمَدْعُوِّينَ، إِذْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لانْشِرَاحِ صُدُورِهِمْ لِلْحَقِّ وَتَقَبُّلِهِمْ لَهُ وَاطْمِئْنَانِهِمْ إِلَيْهِ. وكيف لا ؟ وإِنَّ خُلُقَ الرِّفْقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَاضِرَا بَيْنَنَا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِنَا، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا وَتَعَامُلاتِنَا. فَفِي تَعَامُلِنَا مَعَ أَهْـلِنَا يَنْبَغِي أَنْ تُرَفْرِفَ الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ عَلَى رُؤُوسِنَا، فَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْـلِهِ، وَفِي تَعَامُلِنَا مَعَ أَطْفَالِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَشِعَّ الرِّفْقُ وَاللُّطْفُ بِنُورِهِمَا فِيمَا بَيْنَنَا، وَعَنْدَمَا نَتَعَامَلُ مَعَ والِدَيْنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّلَطُّفُ وَالرِّفْقُ حَاضِرَيْنِ فِي أَعْظَمِ تَجَلِّيَاتِهِمَا: ” فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ )) الاسراء(24)، أَمَّا فِي تَعَامُلِنَا مَعَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ معنا، فَإِنَّهُ لا بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ حَذِرِينَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ بِفَظاظةٍ وَعُنْفٍ وعَلَيْنا أَنْ نَحْرِصَ عَلَى الْعَفْوِ وَالْمُسَامَحَةِ وَالتَّلَطُّفِ وَالرِّفْقِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنَ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَفِيهِ اقْـتِدَاءٌ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ فِي تَعَامُلِهِ مَعَ مَنْ يَخْدِمُهُ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: (خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّ قَطُّ، وَلا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلاَّ فَعَلْتَ كَذَا؟)، وَلَمْ يَحُثَّ الإِسْلامُ عَلَى الرِّفْقِ بِالْبَشَرِ فَحَسْبُ، بَلْ حَثَّنا ديننا عَلَى الرِّفْقِ بِالْحَيَوَانِ عن عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ -رضي اللهُ عنهما- أنَّ النبيَّ ﷺ دخلَ حائطاً لرجلٍ مِن الأنصارِ، فإذا جملٌ، فلمَّا رأىَ النبيَّ ﷺ حَنَّ وذَرَفَتْ عيناهُ، فأتاهُ النبيُّ ﷺ فمسحَ ذِفْرَاهُ فسكتَ، فقال: «مَن ربُّ هذا الجملِ؟ لمِن هذا الجملُ»؟ فجاء فتًى مِن الأنصارِ، فقال: لـِي يا رسولَ اللهِ، قال: «أفلا تتقِي اللهَ في هذه البهيمةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إيَّاهَا، فإنَّهُ شكَا إليَّ أنّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئبُهُ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ))
فالرفقَ الرفقَ عبادَ الله :هكذا كان نبيُّنَا ﷺ، فدعاءُ النبيِّ ﷺ لأمتِهِ وبكائِهِ شفقةً عليهم ورفقًا بهم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-رضي اللهُ عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: تَلاَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ -عليه السلام-: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» الآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى -عليه السلام-: «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى» فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ»؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عليه السلام- فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: «يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ، وَلاَ نسوؤك»، قال النوويُّ -رحمَهُ اللهُ: هذا الحديثُ مشتملٌ على أنواعٍ مِن الفوائدِ منها: بيانُ كمالِ شفقةِ النبيِّ ﷺ على أمتِهِ واعتنائِهِ بمصالحِهِم واهتمامِهِ بأمرهِم، وعَنْ جَابِر -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي»، وكيف لا؟ واللهُ جلَّ وعلا وصفَ رحمةَ نبيِّهِ ﷺ ورفقَهُ بأمتِهِ بقولِهِ: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» [التوبة: 128]. وكيف لا ؟ وفي أحلكِ الظروفِ، عندمَا شُجَّ رأسُهُ الشريفُ، وكُسِرتْ رباعِيَّتُهُ في غزوةِ أحُدٍ، فقِيلَ لهُ في هذا الحالِ العصيبِ: ألَا تدعُو على المشركين!! فغلبت رحمتُهُ على غضبِهِ فقال: “اللهُمَّ اهدِ قومِي فإنّهُم لا يعلمون” (رواه البيهقي في شعب الإيمان ،وكيف لا؟َ وانْظُروا إِلَى حَالِ هَذَا الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ الَّذِي تَمَنَّى أَنْ يَقْبَلَ الرِّفْقَ النَّبَوِيَّ فِي العِبَادَةِ، وَنَدِمَ أَنْ حَمَّلَ نَفْسَهُ فَوْقَ طَاقَتِهَا، يَقُولُ سَيِّدُنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بن العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ لِي رَسُولُ الله ﷺ: «يَا عَبْدَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟» فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجَكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإَنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ لَكَ بِكُلَّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، قَال عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَشَدَّدْتُ؛ فَشُدَّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ نَبِيَّ الله دَاوُدَ -عليه السلام-وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ» قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيَّ الله دَاوُدَ -عليه السلام-؟ قَالَ: «نِصْفَ الدَّهْرِ» ، وكيف لا ؟ والرفقُ خُلقٌ عظيمٌ، ومسلكٌ كريمٌ، وصفةٌ رائعةٌ نبيلةٌ مِن صفاتِ الكُمَّلِ مِن الرجالِ، وخِصلةٌ راقيةٌ جميلةٌ، جامعةٌ لمحاسنِ الأقوالِ والأفعالِ، صفةٌ لها ما بعدَهَا، مَن رُزقهَا رُزقَ الخيرَ كُلَّهُ، ومَن حُرمهَا حُرمَ الخيرَ كُلَّهُ، صفةٌ محبَّبةٌ مميزةٌ، وصفَهَا المصطفَى ﷺ بأنّهَا ما تكونُ في شيءٍ إلّا زانتهُ، ولا نُزعت مِن شيءٍ إلّا شانتهُ. الرفقُ صفةٌ ساميةٌ جليلةٌ، يكفِي أنَّ اللهَ تعالى أحبَّها واتَّصفَ بها، ففي الحديث الصحيح: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ)). وللهِ درُّ القائلِ:
المرءُ يجمعُ والزمانُ يُفَرِّقُ *** ويَظَلُّ يَرقَعُ والخُطوبُ تمَزِّقُ
إنَّ الترَفُّقَ للمقيمِ مُوافقٌ *** وإذا يُسافِرُ فالترفقُ أوفَقُ
لو سارَ ألفُ مُدَجَّجٍ في حاجةٍ ***لم يَقضِها إلّا الذي يَتَرفَّقُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد حرز
ثانيًا: التشددُ والتنطعُ والغلوُّ ليس مِن الدينِ في شيءٍ.
أيُّها السادةُ: إنَّ اللهَ جلّ وعلا وضعَ قواعدَ دينهِ الذى شرَعَهُ لعبادِهِ وجعلَ مبناهَا على التيسيرِ والرفقِ واللينِ، فلم يرد اللهُ بالناسِ إلّا الخيرَ فيمَا شرعَ وأمرَ حتى يسهلَ عليهم أنْ يستقيموا ويستجيبوا لأمرِ خالقِهِم سبحانَهُ جلَّ وعلا، قالَ سبحانَهُ: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» [الحج: 78]، وقالَ سبحانَهُ: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» [البقرة: 286] وَعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ».
لذا قالَ النبيُّ ﷺ كما في حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ».وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَنْ تَنَالَهُمَا شَفَاعَتِي: إِمَامٌ ظَلُومٌ، وَكُلُّ غَالٍ مَارِقٍ». لذا فأَنَّ الغُلُوَّ آفَةٌ خَطِيرَةٌ، وَدَاءٌ فَتَّاكٌ مُسْتَطِيرٌ، لِذَا حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ من الغُلُوِّ والتَّشَدُّدِ، وَصَاحِبُ الغُلُوِّ مَحْرُومٌ يَوْمَ الدِّينِ من شَفَاعَةِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فالإسلامُ دينُ السلامِ، دينُ الوسطيةِ، دينُ الاعتدالِ، ليس دينَ التطرفِ والإرهابِ، ليس دينَ التكفيرِ والغلوِّ والتشددِ، ليس دينَ التساهلِ إنَّمَا دينُ الوسطيةِ والاعتدالِ فلا إفراطَ ولا تفريطَ، ولا غلوَّ ولا تقصيرَ، ولا مبالغةً ولا ميوعةً، قال جلَّ وعلا في حقِّ أمةِ الإسلامِ { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، وأقرَّ النبيُّ ﷺ قولَ سلمانَ لأبِي الدرداء رضي اللهُ عنها: ( إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ”. قَالَهَا ثَلَاثًا. وكيف لا؟ فنحن أمةٌ وسطٌ، أمرنَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنْ نستقيمَ على أمرهِ الذي شرعَهُ لنا، كما قال جَلَّ جَلاَلُهُ مخاطبًا نبيَّهُ ﷺ: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112]، فالشرعُ لم يُوكل إلى عقولِنَا، ولا إلى أهوائِنَا، ولا إلى اجتهاداتِنَا، بل اتباعٌ لِمَا جاءَ في الكتابِ والسنةِ وكفى، وفهمهمَا الفهمَ الصحيحَ، فهمَ الصحابةِ والسلفِ الصالحِ، جاءَ ثلاثُ رهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النبيِّ ﷺ، يَسأَلونَ عن عبادةِ النبيِّ ﷺ، فلما أُخبِروا كأنهم تَقالُّوها، فقالوا: أين نحن منَ النبيِّ ﷺ؟ قد غفَرَ اللهُ له ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأخَّر، قال أحدُهم: أمّا أنا فإنِّي أُصلِّي الليلَ أبدًا، وقال آخَرُ: أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطِرُ، وقال آخَرُ: أنا أعتزِلُ النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا، فجاء رسولُ اللهِ ﷺ فقال: (أنتمُ الذين قلتُم كذا وكذا؟ أمَا واللهِ إنّي لأخشاكُم للهِ وأتقاكُم له، لكنِّي أصومُ وأُفطِرُ، وأُصلِّي وأرقُدُ، وأتزوَّجُ النساءَ، فمَن رغِبَ عن سُنَّتِي فليسَ منِّي) رواه البخاري. وكيف لا؟ وإِنَّ الإِقْبَالَ عَلَى التَّدَيُّنِ بِحَالِ المُبَالَغَةِ وَالتَّشَدُّدِ يَقْذِفُ فِي القُلُوبِ الكِبْرَ وَالعُلُوَّ عَلَى خَلْقِ اللهِ، فيَنْبُتُ التَّكْفِيرُ وَالتَّطَرُّفُ وَالإِرْهَابُ، كَحَالِ ذِي الخُوَيْصِرَةِ وأَصْحَابِهِ، الَّذِي بَلَغَ بِهِ الاسْتِعْلَاءُ أَنْ يَظُنَّ نَفْسَهُ صَاحِبَ مِيزَانِ الحُكْمِ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى عَلَى الجَنَابِ المُعَظَّمِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ»، فَقَالَ لَهُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «وَيْلَك! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ»، ثُمَّ قَالَ ﷺ: «فَإنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَأُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، فَكَانَ الخُسْرَانُ وَالخَيْبَةُ لِكُلِّ ذِي خُوَيْصِرَةٍ. فلقد ظهرَ الخوارجُ وخرجُوا على عثمانَ ذي النورينِ الذي تزوجَ بنتَي رسولِ اللهِ ﷺ، الخليفةِ الراشدِ بعدَ أبي بكرٍ وعمرَ رضي اللهُ عنهم، الذي شهدَ لهُ النبيُّ ﷺ بالجنةِ، وقتلوهُ زاعمينَ أنّهُ كافرٌ! وهم يزعمونَ أنَّهُم بذلك يأمرونَ بالمعروفِ وينهونَ عن المنكرِ!. لذا قال المصطفَى ﷺ كما في حديثِ ابنِ عباسٍ: (إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ).
وكيف لا؟ التشددُ والتنطعُ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ، ما فشَا في أمةٍ إلَّا كان نذيرًا لهلاكِهَا، و ما دبَّ في أسرةٍ إلّا كان سببًا لفنائِهَا، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ، والتنطع ُ والغلوُّ آفةٌ مِن آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ ،مدمرٌ للقلبِ والأركانِ، يفرقُ بينَ الأحبةِ والإخوةِ، يحرمُ صاحبَهُ: الأمنَ والأمانَ ،ويدخلُهُ النيرانَ، ويبعدُهُ عن الجنانِ، فالبعدُ عنهُ خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ. والتكفيرُ ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ ، والغلو داءٌ يقتلُ الطموحَ، ويدمرُ قيمَ المجتمعِ، ويعَدُّ خطرًا مباشرًا على الوطنِ، ويقفُ عقبةّ في سبل البناءِ والتنميةِ ، يبددُ المواردَ، ويهدرُ الطاقاتِ .فالغلوُّ في الدِّين في بنِي آدمَ قديمٌ منذُ قِدَمِ الأديانِ، وإنْ كان يَختلفُ في نوْعِهِ، لكن يجمعُ البشرَ اشتراكُهم في أصلِهِ، قال ابنُ عبَّاسٍ في قولِهِ تعالى: {وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}، “أسْماءُ رِجَالٍ صَالِحينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهمْ أنِ انْصِبُوا إلى مَجالِسِهِم الَّتي كانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا، وسمُّوهَا بِأسْمائِهمْ، ففَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إذا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ. فغلت طائفةٌ مِن قومِ نوحٍ في هؤلاءِ الصَّالحين حتَّى عبدوهُم، ولا زالَ الغلوُّ في بنِي آدمَ مِن بعدِ ذلك، وممَّا أخبرنَا بهِ ربُّنَا عزَّ وجلَّ في غلوّ مَن سبقنَا قولُه تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ}[النساء: 171]
لذا نهانَا دينُنَا عن التشديدِ في العبادةِ؛ رفقاً بالنفسِ: فعن عائشةَ – رضي اللهُ عنها أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (يا أَيُّهَا النَّاسُ! خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ، وَإِنْ قَلَّ)، وعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ – رضي اللهُ عنه – قال: دَخَلَ النبيُّ ﷺ فإذا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بين السَّارِيَتَيْنِ فقال: (مَا هذا الْحَبْلُ؟)، قالوا: هذا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فإذا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فقال النبي ﷺ: (لاَ، حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فإذا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ)، وأمرنَا دينُنَا بالتخفيفِ في الصلاةِ؛ رِفقاً بالناسِ، فعن أبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ مِنْهُمْ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)، و عن أبي قَتَادَةَ – رضي اللهُ عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: (إِنِّي لأَقُومُ في الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فيها، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ في صَلاَتِي؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ) و عن أبي مَسْعُودٍ الأنصاريِّ – رضي الله عنه – قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فقال: إنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلاَةِ في الْفَجْرِ؛ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلاَنٌ فِيْهَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ؛ فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ).
فالغلوُّ والتشددُ والتزيُّدُ في دينِ اللهِ هو مِن سبيلِ الشيطانِ، وهي ركضةٌ يركضُ بها عدوُّ اللهِ في بعضِ المؤمنينَ المطيعينَ للهِ ليصرفَهُم عن طاعةِ اللهِ جلّ وعلا، ولا يزالُ عدوُّ اللهِ ينصبُ حبائلَهُ ويضعُ مصائدَهُ ويبثُّ جنودَهُ ليظفرَ مِن المؤمنينَ بأحدِ الأمرينِ . وتأملُوا رعاكُم اللهُ هذا الحديثَ عن النبيِّ ﷺ وهو مخرَّجٌ في صحيحِ ابنِ حبان بإسنادٍ ثابتٍ مِن حديثِ أبي موسى الأشعرِي رضي اللهُ عنه قال : قال رسولُ اللهِ ﷺ: (إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ ، فَيَقُولُ: مَنْ أَضَلَّ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاجَ، قَالَ: فَيَخْرُجُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَبَرَّ، وَيَجِيءُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى أَشْرَكَ فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيَجِيءُ، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى زَنَى فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيَجِيءُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَ فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ )، وتأملُوا – عبادَ الله – كيف يتنافسُ جنودُ إبليس وأعوانُهُ في تحقيقِ غاياتِهِ ومراداتِهِ في صدِّ الناسِ عن دينِ اللهِ وصرفهِم عن طاعةِ اللهِ إمّا بالعقوقِ والقطيعةِ، أو بالإفسادِ والإضلالِ، أو بالقتلِ والتدميرِ، أو غيرِ ذلكَ مِن المسالكِ التي هي مَن تزينُ الشيطان، فالحذرَ الحذرَ، الانتباهَ الانتباهَ قبلَ فواتِ الأوانِ والندمَ على ما فات.
إلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ أهلاً ***وَ لاَ اَقْوَي عَلَي النَّارِ الْجَحِيْمِ
فَهَبْ لِي تَوْبَةً وَ اغْفِرْ ذُنُوْبِي*** فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ
وَ عَامِّلْنِي مُعامَلةً الْكَرِيْمِ ***وَ ثَبِّتْنِي عَلَي النَّهْج الْقَوِيْم
وأرجئُ بقيةً الحديثِ إلى ما بعدَ جلسةِ الاستراحةِ . أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا له وبسم اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……………وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد حرز
ثالثــــًا وأخيرًا: العملُ التطوعيُّ شرفٌ كبيرٌ.
أيُّها السادة: نحن على أعتابِ شهرِ رمضانَ الكريمِ المبارك، ومصرُنَا بل والعالمُ كلُّهُ يمرُّ بأزماتٍ متلاحقةٍ وعديدةٍ، فنحن في حاجةٍ إلى العملِ التطوعِي ليشدَّ بعضُنَا بعضًا وللهِ درُّ القائلِ :
إنَّ الرجـالَ وإنْ قـلًّـتْ ، مَعَادنـهَا ذَهَبًـا ***عنـدَ الشدائدِ تطلبهَا في الحالِ تلقـاهَـا
تحـمـلُ إليـكَ الخـيـرَ أينمَـا رحـلـتْ ***وتـذودُ عنكَ صِعابًا كنـتَ تخشاهـَ
والعملُ التطوُّعيُّ – ليس له حدٌّ ولا ينتهِي بزمنٍ ولا نظرة فيهِ للأُجرةِ والمِنَّةِ فهو تطوُّعيٌّ في أوجهٍ للخيرِ ومُمتدٌّ باتِساعِ مفهومِ الخيرِ مُبادَرةٌ قبلِ الطلَبِ، ومُحصِّلَتهُ بذلُ المعروفِ للناسِ، احتِسابًا لِمَا عندَ اللهِ برغبةٍ وترضِي)، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[الإنسان: 9(، لذا حثَّنَا الإسلامُ أنْ نكونَ أيادِيَ خيرٍ وبناءٍ وسدادٍ، ونشعُر بالآخر لا نصُمُّ عنه ونعمَى؛ فقال ﷺ: “على كلِّ مُسلمٍ صدقةٌ” قيل أرأيتَ إن لم يجِد؟! قال: “يعملُ بيدَيْه، فينفعُ نفسَه ويتصدَّق” قيل أرأيتَ إن لم يستطِع؟! قال: “يُعينُ ذا الحاجَةِ الملهُوفِ” قيلَ له أرأيتَ إن لم يستطِعْ؟! قال: “يأمُرُ بالمعروفِ أو الخيرِ” قال فإن لم يستطع؟! قال: “يُمسِكُ عن الشرِّ؛ فإنها صدقةٌ” (متفق عليه)
والعملُ التطوعيُّ مطلبٌ منشودٌ وأجرٌ مقصودٌ في الإسلامِ وعلامةٌ للقيمِ والأخلاقِ ودليلٌ على صفاءِ معدنِ صاحبِهِ ونخوَتِهِ وعاطفتِهِ ولُطفِهِ، يريدُ الأجرَ مِن اللهِ لا رياءً ولا سمعةً وأثرهُ عظيمٌ. وكيف لا؟ دينُنَا دينُ التكافلِ والعملِ التطوعِي والتعاونِ والمحبةِ والأخوةِ والتكاتفِ، ونبيُّنَا ﷺ علَّمَ الدنيا كلَّهَا التكافلَ والتعاونَ وكيف لا ؟ وكان مِن هديهِ ﷺ أنَّهُ يُعينُ على نوائبِ الحقِّ أي يساعدُ الناسَ في الأزماتِ والنكباتِ فلقد قالتْ له خديجةُ رضي اللهُ عنها عندمَا رجعَ إليهَا مِن غارِ حراءٍ يرجفُ فؤادُهُ قالتْ لهُ: كَلَّا أَبْشِرْ فَوَ اللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ )، والعملُ التطوعيُّ بينَ المسلمين بصفةٍ عامةٍ وفي الأزماتِ بصفةٍ خاصةٍ واجبُ الوقتِ، فهو مطلبٌّ ربانِيٌّ، ومنهجٌ إيمانِيٌّ، وواجبٌ وطنِيٌّ، وعملٌ إنسانِيٌّ، وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ ،ومقصدٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ الغراءِ، أمرنَا بهِ المولَى جلَّ وعلا في كتابهِ الكريمِ حيثُ قالَ )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2، والعملُ التطوعيُّ في قضاءِ حوائجِهِم فضلٌ كبيرٌ وشرفٌ عظيمٌ، وكيف لا ؟ وعندَ نزولِ المصائبِ، وحلولِ الكوارثِ، وحدوثِ الفتنِ والشدائدِ، فإنَّ الأمرَ يكونُ أوجب، والأجرَ يكونُ أعظم، و مِن أهمِّ سِماتِ المُجتمعاتِ الراقيةِ أنْ تكونَ مترابطةً متماسكةً في بنيانِهَا، يشدُّ بعضُهَا بعضًا، وصدقَ النبيُّ ﷺ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)، ففي الشدائدِ تظهرُ معادنُ الرجالِ، والأزماتُ تتطلبُ التراحمَ وليسَ الاستغلال ، فالمجتمعُ في حاجةٍ إلى التعاونِ والتكافلِ والتكاملِ والترابطِ، ففي صحيحِ البخارِي ومسلمٍ مِنْ حديثِ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ)، وكيف لا ؟ و الجزاءُ مِن جنسِ العملِ، فمَن أعانَ أخاهُ أعانَهُ اللهُ لحديثِ النبيِّ المختارِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال : قال ﷺ: ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَإِنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَادَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) صحيح ابن حبان، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ] الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ]. فيجبُ أنْ يكونَ المسلمونَ متظاهِرِينَ كاليدِ الواحدةِ في الأزماتِ والنكباتِ، ففي سننِ البيهقِي مِن حديثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :(( الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ،( ومِن صورِ التكافلِ والعملِ التطوعِي: جَبْرُ خواطرِ المكروبين والمحتاجين كما جاء في حديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَـأ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي. فأينَ نحنُ مِن أحبِّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ العمل التطوعي، سرورٌ تُدخلهُ على مسلمِ أو تكشفُ عنه كربةً أو تقضِي عنه دينًا أو تطردُ عنه جوعًا ، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ اللهِ ﷺ فقالَ: يا رسولَ اللهِ أيُّ الناسِ أحبُّ إلى اللهِ؟ فقال الرسول ﷺ أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنه كُربةً ، أو تقضِي عنه دَيْنًا ، أو تَطرُدُ عنه جوعًا ، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا)) رواه الطبراني بسند حسن
وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورى رجلٌ ***تُقضَى على يدهِ للناسِ حاجاتُ
لا تمنعَنَّ يدِ المعروفِ عن أحدٍ*** ما دمتَ مقتدرًا فالعيشُ جناتُ
قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم*** وعاشَ قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ
حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف