خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 20 جماد أول 1446هـ ، الموافق 22 نوفمبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024م بصيغة word بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024م بصيغة pdf بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024م بعنوان : أنت عند الله غالٍ .
أولًا: الإنسانُ بنيانُ الربِّ سبحانَهُ،.
ثانيـــًا: إيَّاكَ والانتقاصَ مِن حقِّ إنسانٍ.
ثالثــــًا وأخيرًا: أسلوبُكَ مع الناسِ يعبرُ عن تربيتِكَ وبيئتِكَ فانتبِهْ!!!.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024م بعنوان : أنت عند الله غالٍ : كما يلي:
أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ
د. محمد حرز بتاريخ: 20 جمادى الأولي 1446هــ – 22 من نوفمبر 2024م
الحمدُ للهِ أكرمَنَا بالإيمانِ، وأعزَّنَا بالإسلامِ، وتفضّلَ علينَا بالقرآنَ، وهدانَا ببعثةِ سيِّدِ الأنامِ، وأدامَ علينَا الأمنَ والأمانَ، نشهدُ ألَّا إلهَ إلّا الله، وحدَهُ لا شريكَ لهُ الملكُ القدوسُ السلامُ، ونشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثَهُ اللهُ رحمةً وأمانًا للأنسِ والجانِّ، القائلُ كما في حديثِ ابنِ مسعودٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ)، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
يا خيرَ مَن دُفنتْ في التربِ أعظمهُ *** فطابَ مِن طيبهنَّ القاعُ والأكمُ
نفسِي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنهُ *** فيهِ العفافُ وفيهِ الجودٌ والكرمُ
أنتَ الحبيبُ الذي تُرجَى شفاعتُهُ *** عندَ الصراطٍ إذا ما زلتْ القدمُ
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (سورة أل عمران :102)
عبادَ الله: ( أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ)،عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا .
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: الإنسانُ بنيانُ الربِّ سبحانَهُ،.
ثانيـــًا: إيَّاكَ والانتقاصَ مِن حقِّ إنسانٍ.
ثالثــــًا وأخيرًا: أسلوبُكَ مع الناسِ يعبرُ عن تربيتِكَ وبيئتِكَ فانتبِهْ!!!.
أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنَا عن أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ، وخاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا الإنسانُ فيهِ أصبحَ بلا قيمةٍ ولا أهميةٍ عندَ الكثيرِ مِن المنظماتِ العالميةِ التي يتغنونَ بحريةِ الإنسانِ وهُم يقتلونَ الإنسانَ بدمٍ باردٍ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وخاصةً ونحنُ في حاجةٍ إلى أنْ يعتزَّ الإنسانُ بنفسِهِ ويفتخرَ بذاتِهِ ويرفعَ مِن قيمةِ نفسِهِ لإيمانِهِ وطاعتِهِ للهِ ربِّ العالمين، خاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا استباحَ فيهِ الكثيرُ مِن الناسِ إلّا مَا رحمَ اللهُ جلَّ وعلَا الأعراضَ والأنتقاصَ مِن شأنِ الناسِ والتطاولَ عليهِم بالليلِ والنهارِ وبعملِ صفحاتٍ وهميةٍ على مواقعِ التواصلِ للنيلِ مِن الناسِ وأعراضِهِم ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ. وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا يبحثُ فيهِ الكثيرُ مِن الناسِ إلّا ما رحمَ اللهُ عن عيوبِ الناسِ ولا ينشغلُ بعيبِ نفسِهِ ويتتبعُ عوراتِ الناسِ ونسَى المسكينُ مَن تتبعَ عوراتِ الناسِ تتبّعَ اللهُ عورتَهُ ومَن تتبَّعَ اللهُ عورتَهُ يفضحُهُ في جوفِ بيتِهِ. وللهِ درُّ القائلِ:
لَا تَكْشِفَنَّ مَسَاوِئَ النَّاسِ مَا سَتَـرُوا *** فَيَكْشِفُ اللهُ سِتْـرًا عَنْ مَسَاوِيكَ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أنت عند الله غالٍ
أولًا: الإنسانُ بنيانُ الربِّ سبحانَهُ.
أيُّها السادةُ: الإنسانُ قيمتُهُ عندَ اللهِ غاليةٌ بصفةٍ عامّةٍ، والمسلمُ بصفةٍ خاصةٍ، وكيفَ لا؟ لقد كرَّمَ اللهُ الإنسانَ تكريمًا كبيرًا خلقَهُ بيدِهِ ونفخَ فيهِ مِن روحِهِ وأسجدَ لهُ ملائكتَهُ وسخرَ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ جميعًا منه. وصورَهُ فأحسنَ تصويرَهُ فتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالقين، قال ربُّنَا: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا } (سورة الإسراء(70). فإذا جاءَ كائنٌ مَن كان ليهدمَ هذا البنيانَ، ويقتلَ إنسانًا، ويريقَ دمًا فكأنَّمَا اعتدَي علي اختصاصِ اللهِ وتحدَّي إرادَتَهُ سبحانَهُ الذي يقولُ عنهَا: (إنَّمَا أمرُهُ إذَا أرَادَ شَيْئا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون) سورة يس 82، لذا نرَي القرآنَ الكريمَ قد اهتمَّ اهتمامًا كبيرًا بأولِ جريمةِ قتلٍ حدثتْ علي ظهرِ الأرضِ عندمَا قتلَ قابيلُ أخاهُ هابيلَ قال ربُّنَا { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) }(سورة المائدة 27). ولم يكن جزاءُ قابيلَ القاتلِ هو الحسرةُ والندامةُ والحيرةُ والقلقُ النفسِي في حياتِه، والنارُ في آخرتِه فحسب!! بل ما مِن جريمةِ قتلٍ تحدثُ على ظهرِ الأرضِ إلي يومِ أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليهَا إلّا كان علي ابنِ آدمَ كِفلٌ منها …يا ربِّ سلمْ لماذا؟ لأنَّه أولُ مَن سنَّ القتلَ علي ظهرِ الأرضِ ومَن سنَّ سنةً حسنةً كما قال النبيُّ المختارُ ﷺ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا)، لذا قالَ النبيُّ المختارُ ﷺ كما في حديثِ عبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ)، وكيفَ لا؟ والإنسانُ خَلْقُ اللهِ وبنيانُهُ، وملعونٌ مَن هدمَ بنيانَ الربِّ سبحانَهُ … وكيفَ لا؟ وأنتَ غالٍ عندَ اللهِ جلَّ وعلا، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ كَانَ يُهْدِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الْهَدِيَّةَ فَيُجَهِّزُهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ”، قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟ ” فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا! فَقَالَ: “لَكِنَّكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ”، أَوْ قَالَ ﷺ: “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” رواه ابن حبان والترمذي.
أنتَ غالٍ عندَ اللهِ بإيمانِكَ وتقواكَ ليسَ بجاهِكَ ولا بمالِكَ ولا بسلطانِكَ ولا بشكلِكَ ولا بهيئتِكَ، قالَ جلَّ وعلا: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، وفي صحيحِ البخارِي: ” مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِس: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا -وَاللَّهِ- حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَـبَ ألَّا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَـعَ ألَّا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ ألَّا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا”، فقد يكونُ الرجلُ ذا منزلةٍ عاليةٍ في الدنيا وليسَ لهُ قدرٌ عندَ اللهِ، وقد يكونُ في الدنيا مِمَّن لا يُؤبَهُ لهُ، وليسَ لهُ قيمةٌ عندَ الناسِ، وهو عندَ اللهِ خيرٌ مِن كثيرٍ مِمَّن سواهُ، ومِمَّا يشهدُ لذلكَ قولُهُ ﷺ :” رُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمْرَيْنِ، مدفوعٍ بالأبوابِ، لو أَقْسَمَ على اللَّهِ لَأبرَّه”.، نعمْ أيُّها الأخيارُ وهل يُوزنُ الناسُ وتتفاوتُ أقدارُهُم بمَا عندَهُم مِن أموالٍ وأولادٍ؟ أو بمَا هّم عليهِ مِن حسَبٍ ونسَبٍ؟ لا وربِّ الكعبةِ: فقد ذمَّ اللهُ قومًا فقال َجلَّ وعلا: { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)[سَبَأٍ: 37]، ومِمَّا قد يغترُّ بهِ العبدُ أنْ يعطيَهُ اللهُ مِن النعمِ ويُغدقَ عليهِ وهو مقيمٌ على معاصيهِ، فيظنُّ أنَّ لهُ عندَ اللهِ قَدْرًا ومكانةً، بينمَا هو استدراجٌ، قال ﷺ: ” إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيـهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِـدْرَاجٌ”، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الْأَنْعَامِ: 44]، كمَا أنّهُ لا ينفعُ الإنسانَ حسَبُه ولا نسبُه ولا قرابتُه، وانظرْ مآلَ أبِي لهبٍ، رغمَ قرابتِهِ مِن النبيِّ ﷺ: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)[الْمَسَدِ: 1-3)
لعَمرُكَ ما الإنسانُ إلّا بدِينِه *** فلا تَترُكِ التقوَى اتكالًا على النَّسَبِ
فَقَدْ رَفَعَ الإسلامُ سلمانَ فَارِسٍ*** وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّرِيفَ أَبَا لَهَبِ
أنتَ غالٍ عندَ اللهِ بالتزامِكَ وطاعتِكَ وعبادتِكَ للهِ جلَّ وعلا: ما قيمةُ الإنسانِ دونَ التزامٍ؟ وميزانُ اللهِ الحقّ يقولُ: (أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف:179]، ما قيمةُ أصحابِ التنعمِ واللهوِ، أولئكَ الغارقونَ في عالمِ اللذاتِ والشهواتِ والتمتعِ بالدنيا على حسابِ آخرتِهِم، ما قيمتُهُم وميزانُ اللهِ يقولُ فيهِم، كما في الحديثِ الصحيحِ، عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : ” يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ!”.
فكُنْ -يا أيُّها الإنسانُ- ما شئت، كُنْ ملكًا أو عبدًا، كنْ مسؤولًا أو عاملًا، كُنْ غنيًّا أو فقيرًا، كُنْ عالمًا أو جاهلًا، كُنْ وجيهاً أو وضيعاً، كُنْ ما بَدَا لكَ في هذه الدنيا، لا ولن يكونَ لكَ قَدَرٌ عندَ اللهِ حتى تكونً ملتزماً بشرعٍ اللهِ، لا ولن يحفلَ اللهُ بكَ حتى تكونَ معظِّمًا لشرعِ اللهِ، قالَ ﷺ كما في الصحيحِ: ” إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ”، جناحَ بعوضةٍ! لا بعوضةٍ كاملةٍ!، ثُمَّ قال ﷺ: اقْرَؤوا إن شئتم: فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) [الكهف:105)، لنستمعَ إلى هذا الموقفِ الذي وقعَ في زمنِ النبيِّ ﷺ والذي يكشفُ لنَا عن شيءٍ مِن قيمةِ العبدِ الملتزمِ، ففِي صحيحِ مسلمٍ عَنْ أَبِى بَرْزَةَ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: “هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟”. قَالُوا: نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا. ثُمَّ قَالَ: “هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟”. قَالُوا: نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا. ثُمَّ قَالَ: “هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟”. قَالُوا لاَ. قَالَ: “لَكِنِّى أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ”. فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوه،ُ فَأَتَي النَّبِيُّ ﷺ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: “قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ”، هذه هي قيمةُ الإنسانِ الملتزمِ بشرعِ اللهِ، وهذهِ مكانتُهُ، إنْ لم يعلمْ بهِ الناسُ، يعلمهُ ربُّ الناسِ، وإنْ لم يقدّرهُ البشرُ، يقدّرُهُ ربُّ البشرِ، وإنْ لم يهتم بهِ أهلُ الدنيا، يهتم بهِ أهلُ الجنةِ، وإنْ لم يعترفْ لهُ بمكانةٍ اجتماعيةٍ في الدنيا الفانيةِ، فلهُ المكانةُ الرفيعةُ في الآخرةِ الباقيةِ، فَرُبَّ مغمورٍ في الدنيا معروفٌ في الآخرةِ، ورُبَّ مشهورٍ في الدنيا حقيرٌ عندَ اللهِ جلَّ وعلَا يا ربِّ سلِّم.
أنتَ غالٍ عندَ اللهِ بتواضعِكَ مع الناسِ وبحبِّكَ للناسِ: لقولِ سيِّدِ الناسِ ﷺ: « وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» رواه مسلم، فمَا أعظمهَا مِن بشارةٍ، ومَا أعظمهُ مِن وسامٍ، هكذا يرفعُ اللهُ المتواضعينَ ويُعلِي شأنَهُم، وللهِ درُّ القائلِ:
تواضَعْ تَكُنْ كالنجمِ لاحَ لِنَاظرٍ*** على صَفْحَاتِ الماءِ وهو رَفِيعُ
ولا تكُ كالدّخَانِ يعْلُو بنَفْسِه ***إلى طبَقَاتِ الجوِّ وهو وَضِيعُ.
قالَ جلَّ وعلا: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (، فهلْ أدركتَ أيُّها المؤمنُ بِمَ حُزتَ هذا الشرفَ العالِي وتلكَ المكانةَ الرفيعةَ ؟! إنَّها بأيمانِكَ باللهِ وعملِكَ الصالح، فلا ترضَ بأقلّ مِن ذلك. لِيَكُنْ همُّكَ هو تحقيقُ الإيمانِ، لتكنْ المحافظةَ على دينِكَ وإيمانِكَ وعملِكَ الصالحِ هو دأبُكَ ورأسُ مالِكِ ،إي واللهِ إيمانُكَ هو رأسُ مالِكَ، فلستَ بجنسِكَ ولا مالِكَ! ولا بلغتِكَ ووطنِكَ! ولا بمنصبِكَ وثرائِكَ! أنتَ كريمٌ بإيمانِكَ وعملِكَ الصالحِ و( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أنت عند الله غالٍ
ثانيـــًا: إيَّاكَ والانتقاصَ مِن حقِّ إنسانٍ.
أيُّها السادةُ: الانتقاصُ مِن قدرِ الناسِ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشا في أمةٍ إلّا كانَ نذيرًا لهلاكِهَا، وما دبَّ في أسرةٍ إلّا كانَ سببًا لفنائِهَا، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ، والانتقاصُ مِن قدرِ الناسِ آفةٌ من آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ، مدمرٌ للقلبِ والأركانِ، يفرقُ بينَ الأحبةِ والإخوةِ، يحرمُ صاحبهُ الأمنَ والأمانَ، ويدخلُهُ النيران، ويبعدُهُ عن الجنانِ، فالبعدُ عنهُ خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
الانتقاصُ مِن قدرِ الناسِ: شِيمَةُ المجرِمين، وطبيعةُ المخرِّبين، وعملُ المفسِدين، فيهِ ضَياعٌ للأملاكِ، وضِيقٌ في الأرزاقِ، وسُقُوطٌ للأخلاقِ، إنَّهُ إخفاقٌ فوقَ إخفاقٍ، يُحوِّلُ المجتمعَ إلى غابَةٍ يأكُلُ القويُّ فيه الضعيفَ، وينقضُّ الكبيرُ على الصغيرِ، وينتَقِم الغنيُّ منَ الفقيرِ، فيزدادُ الغنيُّ غنًى، ويزدادُ الفقيرُ فقرًا، ويَقوَى القويُّ على قوَّتِه، ويضعُفُ الضعيفُ على ضعفهِ!
لذا حَرَّمَ الإسلامُ التقليلَ مِن شأنِ الناسِ والتنمُّرَ والسُّخْرِيَةَ وَالِاسْتِهَانَةَ بِعِبَادِهِ، تَحْرِيمًا قَطْعِيًّا، قال جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11]، وَقَالَ جلَّ وعلا: ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1]، و”وَيْلٌ” كَلِمَةُ وَعِيدٍ وَوَبَالٍ، وَشِدَّةِ عَذَابٍ، لِلَّذِي يَهْمِزُ النَّاسَ بِفِعْلِهِ، وَيَلْمِزُهُمْ بِقَوْلِهِ. وَقَالَ جل وعلا ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56]، قال النَّبِيُّ ﷺ: (المسلِمُ أخُو المسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ ، ولا يَحقِرُهُ ، التَّقْوى ههُنا – وأشارَ إلى صدْرِهِ – بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرضُهُ). وصدقَ الحبيبُ ﷺ إذْ يقولُ: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) رواه البخاري ومسلم.
الانتقاصُ مِن قدرِ الناسِ: يضيعُ الحسناتِ ويجعلُكَ مُفلسًا يومَ القيامةِ يومَ الحسرةِ والندامةِ، أخرجَ الإمامُ أحمدُ في مسندِهِ مِن حديثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ .وفي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ.
الانتقاصُ مِن قدرِ الناسِ: مِن أخلاقِ الجاهليةِ ويَقبُحُ بالمرءِ أنْ يتكبَّرَ فيفخرَ بحسبِهِ، ويحتقرَ غيرَهُ فيطعنَ في نسَبِهِ، ويكفيهِ إثمًا وذمًّا أنَّ ذلكَ مِن خصالِ أهلِ الجاهليةِ، قال ﷺ: ” أَرْبَعٌ في أُمَّتي مِن أمْرِ الجاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ في الأحْسابِ، والطَّعْنُ في الأنْسابِ، والاسْتِسْقاءُ بالنُّجُومِ، والنِّياحَةُ”. وهذا هو الصحابيُّ الجليلُ أبو ذرٍ الغفارِي لمَّا عيّرَ رجلًا بأمِّهِ انتقاصًا مِن قدرِهِ، ماذا قال النبيُّ المختارُ ﷺ، ففي الحَديثِ أنَّ أبا ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه كان قدْ شَتَمَ رجُلًا وعيَّرَهّ بأُمِّهِ بقولِهِ: يا ابنَ الأعجميةِ أو يا ابنَ السوداءِ، أو نحوَ ذلِك، فلمَّا علِمَ النبيُّ ﷺ بذلِك وبَّخَه على ذلك وقال له مُنكِرًا عليه: (أعَيَّرْتَه بأُمِّه؟!» فشَتمْتَه ونَسَبْتَه إلى العارِ بأُمِّه، يا أبا ذر«إِنَّك امْرُؤٌ فيكَ جاهليَّةٌ» فالسبُّ والشتْمُ والتعييرُ صِفةٌ مِن صِفاتِ الجاهليَّةِ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أنت عند الله غالٍ
الانتقاصُ مِن قدرِ الناسِ: جعلَ ابليسَ شيطانًا رجيمًا عندمَا أمرَهُ اللهُ جلَّ وعلا بالسجودِ لآدمَ عليهِ السلامُ فماذا قالَ انتقاصًا مِن قدرِ آدمَ عليهِ السلامُ: ( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ (78) سورة ص.
الانتقاصُ مِن قدرِ الناسِ: طريقٌ مِن طرقِ الشيطانِ، قالَ جلَّ وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وفي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ جابرٍ رضي اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ. وفي روايةِ أحمدَ في المسندِ مِن حديثِ أَ،بِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالْمُحَقَّرَاتِ “.
خَلِّ الذُّنُوبَ حَقِيرَهَا ****وَكَثِيرَهَا فَهُوَ التُّقَى
كُنْ مِثْلَ مَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ**** الشَّوْكِ يحْذَرُ مَا يَرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً****إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى
الانتقاصُ مِن قدرِ الناسِ: غيبةٌ محرمةٌ لقولِ النبيِّ ﷺ أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ. قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ. فالأعراضُ أمانةٌ: فلا تتحدثْ في أعراضِ الناسِ بالغيبةِ والنميمةِ؛ لأنَّ الغيبةَ والنميمةَ تعدُّ خيانةً والعياذُ باللهِ. بل لمَّا وقعَ ماعزٌ في جريمةِ الزنَا وأقامَ النبيُّ ﷺ الحدِّ سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ فَسَكَتَ عَنْهُمَا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ فَقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَقَالَا نَحْن يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ فَقَالاَ يَا نبيَّ اللَّهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ هل يَأْكُلُ مِنْ هَذَا فقَالَ ﷺ: (أكلاكم آنِفًا مِن لحمِ أَخِيكُمَا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍما مِنْ جيفَةِ حِمَارٍ )، يا ربِّ سلِّم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغمِسُ فِيهَا)(متفق عليه)، ولم يكنْ مِن هديهِ يا سادةٌ إذا أخطأَ إنسانٌ أنْ يقولَ ما بالُ أقومٍ، إلَّا في الأعراضِ يا سادةٌ، فقالَ أينَ فلانٌ وفلانٌ ؟لماذا؟ لأنَّ الأعراضَ مصانةٌ في دنينِنَا، اللهُ أكبرُ كم لوثتْ أفواهُنَا بأكلِ لحومِ إخوانِنَا، اللهُ أكبرُ كم لوثتْ أسنانُنَا بتمزيقِ إخوانِنَا، ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، للهِ درُّ القائل:
احْفَظْ لِسَانَك أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ***لَا يَلْدَغَنَّكَ إنَّهُ ثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قتيل لِسَانِهِ ***كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ………وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أنت عند الله غالٍ
ثالثــــًا وأخيرًا: أسلوبُكَ مع الناسِ يعبرُ عن تربيتِكَ وبيئتِكَ فانتبهْ!!!.
أيُّها السادةُ: أسلوبُكَ يتحدثُ عن بيتِكَ وأنتَ لا تدرِي !!! أسلوبُكَ السيئُ يضيعُ حسناتِكَ وأنتَ لا تدرِي !!أسلوبُكَ السيئُ سوءُ أدبٍ مع اللهِ جلَّ وعلَا وأنتَ لا تدرِي !!!!أسلوبُكَ السيئُ دليلٌ على ضعفِكَ وعلى حقدِكَ وكرهِكَ للناسِ !!!
التقليلُ مِن شأنِ الناسِ بالسبِّ والشتمِ مِن سوءِ الأخلاقِ، لذا نادَي النبيُّ ﷺ قائلًا كما في حديثِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ) رواه أبو داود، فالأخلاقُ السيئةُ: هي السمومُ القاتلةُ والمهلكاتُ الدامغةُ، والمخازِي الفاضحةُ، والرذائلُ الواضحةُ، والخبائثُ المبعدةُ عن جوارِ ربِّ العالمين. وللهِ درُّ القائلِ:
وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم
فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمــًـا وَعَـــــويــــلا
فانتبهْ يا مسكينُ قبلَ فواتِ الآوانِ !!! انتبهْ قبلَ أنْ يأتيَ يومٌ لا ينفعُ فيهِ مالٌ ولا بنونَ، لذا قالَ النبيُّ ﷺ: ( مَن كانتْ لهُ مَظْلَمَةٌ لأخيهِ من عِرْضِهِ أوْ شيءٍ، فلْيَتَحَلَّلْهُ منهُ اليومَ، قبلَ أنْ لا يكونَ دينارٌ ولا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ لهُ عَمَلٌ صالحٌ أُخِذَ منهُ بقدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإنْ لمْ تكُنْ لهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ من سَيِّئاتِ صاحبهِ فحُمِلَ عليهِ) . وليعلمْ العاقلُ أنَّ الدنيا زائلةٌ، وأنَّهُ موقوفٌ ومسئولٌ بينَ يدَيِ اللهِ تعالى عن كلِّ ما اكتسبَهُ وكلِّ ما أنفقَهُ، ففي حديثَ أبي برزةَ الأسلمِي رضى اللهُ عنه قال، قال رسولُ اللهِ ﷺ: ” لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟
انتبهْ يا مسكينُ: واجعلْ مَن يراكَ يدعُو لِمَن ربَّاكَ لا يدعُوا على مَن ربَّاكَ فتجرَّ لأهلِكَ الويلاتِ والسيئاتِ وأنتَ لا تدرِي .
انتبهْ يا مسكينُ: لسانُكَ حصانُكَ لذَا قالَ ﷺ كما في البخارِي ومُسلمٍ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ ( إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ)، لذَا لمَّا سئَلَ معاذُ بنُ جبلٍ رضي اللهُ عنه أستاذَ البشريةِ ﷺ قائلًا لهُ: إِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم)، فاللسانُ هو السببُ الرئيسيُّ في كبِّ الناسِ في النارِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ. بل إنَّ جميعَ الأعضاءِ يشعرونَ بخطورةِ اللسانِ فينادونَ عليهِ في كلِّ يومٍ ويطلبونَ منهُ أنْ يسيرَ على الحقِّ والإرشادِ فيقولونَ لهُ: (اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ,وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا)، وللهِ درُّ الشافعِيِّ رحمَهُ اللهُ:
لِسَانُكَ لاَ تَذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ*** فَكُلُّكَ عَوْرَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ
وَعَيْنَاكَ إنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَايِباً*** فَدَعْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْيُنُ
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أنت عند الله غالٍ
فالحيطةَ الحيطةَ قبلَ الندمِ على ما فاتَ، والبدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ، البدارَ البدارَ قبلَ الندمِ والحسرةِ على ما فاتَ، فأصلحْ بالتوبةِ ما هو آتٍ، واندمْ يا مسكينُ على ما فات، واستعدْ لليومِ الثقيلِ والهولِ الكبيرِ والخطبِ الجليلِ والعذابِ الشديدِ ،وَعَلَينَا أَنْ نَتَأَدَّبَ بِأَدَبِ الشَّرْعِ، وَأَنْ نَعْرِضَ أَفْعَالَنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّـى لَا تَصْدُرَ أَفْعَالُنَا عَنْ عَوَاطِفَ هَوْجَاءَ وَأَهْوَاءَ مُهْلِكَةٍ، أَوْ رَغْبَةٍ فِي إِضْحَاكِ النَّاسِ، بِـمَعْصِيَةِ اللهِ، وتذكرْ قولَ المعصومِ ﷺ: “إِنَّ الرَّجُلَ لَيتكلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، يُضْحِكُ بِهَا جُلساءَهُ؛ يهوي بها مِنْ أَبْعَدَ مِنَ الثُّرَيَّا” (رَوَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً *** فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ
إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ ***فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ
ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا ***وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ
حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف