خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 1 ذو الحجة 1445هـ ، الموافق 7 يونيو 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 يونيو 2024م بصيغة word بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 يونيو 2024م بصيغة pdf بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 7 يونيو 2024م بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة .
أولًا: أيامُ العشرِ خَيْرُ أَيَّامِ العَامِ عَلَى الإِطْلَاقِ
ثانيــًــا : طاعاتُ العشرِ خيرٌ وبركةٌ.
ثالثًا :بادِرْ قبلَ أنْ تُبَادَر.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 7 يونيو 2024م بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة : كما يلي:
أفضلُ أعمالِ العشرِ الأولِ مِن ذِي الحجةِ ، د/ مُحمد حرز
بتاريخ: 1 ذي الخحة 1445هــ 7 يونيو 2024م
الحمدُ للهِ الذي خلقَ الشهورَ والأعوامَ ..والساعاتِ والأيامَ .. و فاوتَ بينهَا في الفضلِ والإكرامِ وربُّكَ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ ،الحمدُ للهِ الذي فضَّلَ عشرَ ذي الحِجَّةِ على سائرِ الأيامِ، وجَعَلَهَا موسمًا لعِتقِ الرِّقابِ ومغفرةِ الذنوبِ والآثامِ وخصَّهَا دونَ غيرِهَا بالحجِّ والطاعاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، أولٌ بلا ابتداء، وآخرٌ بلا انتهاء، الوترُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ كما في حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه: ( ما أَهَلَّ مُهِلٌّ قطُّ إلَّا بُشِّرَ ، ولا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قطُّ إلَّا بُشِّرَ ، قيل : بالجنةِ ؟ قال : نَعَمْ) رواه الطبراني بسند صحيح ،فاللهمَّ صلِّ وسلم وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ خير مَن صلَّى وصامَ وتابَ وأنابَ ووقفَ بالمشعرِ وطافَ بالبيتِ الحرامِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (أل عمران :102)
عبادَ اللهِ : ((أفضلُ أعمالِ العشرِ الأولِ مِن ذِي الحجةِ ))، عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
أولًا: أيامُ العشرِ خَيْرُ أَيَّامِ العَامِ عَلَى الإِطْلَاقِ
ثانيــًــا : طاعاتُ العشرِ خيرٌ وبركةٌ.
ثالثًا :بادِرْ قبلَ أنْ تُبَادَر.
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن أعمالِ وفضائلِ العشرِ الأوائلِ مِن ذي الحجة، وخاصةً وإِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ أَنْ يَسَّرَ لَهُمْ مَوَاسِمَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَاتِ، وَبَلَّغَهُمْ إِيَّاهَا لِتُضَاعَفَ الْحَسَنَاتُ وَتُكَفَّرَ السَّيِّئَاتُ وتُقالَ العَثَراتُ، وتُستَجابَ فيها الدَّعَواتُ، فَالسَّعِيدُ مَنِ اغْتَنَمَهَا وَحَرَصَ عَلَيْهَا، وَالْخَاسِرُ الْمَغْبُونُ مَنْ فَرَّطَ فِيهَا وَتَكَاسَلَ عَنْهَا، وَمِنْ هَذِهِ الْمَوَاسِمِ الْمُبَارَكَاتِ وَمِنْ أَفْضَلِ أَوْقَاتِ الْقُرُبَاتِ مَا نَحْنُ فِيهِ ومقبلون عليه في هَذِهِ الْأَيَّامَ، وَهِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، أَيَّامٌ يَتَسَابَقُ فِيهَا الْمُتَسَابِقُونَ، وَيَتَنَافَسُ فِيهَا الْمُتَنَافِسُونَ، ويستكثرونَ فيها مِن الخيراتِ، ويتداركونَ فيها ما فاتَ مِن نفحاتِ الرحمنِ، ويستغفرُ فيها المذنبونَ ويندمُ فيها المفرطونَ ويتوبُ اللهُ جلَّ وعلا على مَن تابَ، وخاصة فِي زَمَنٍ تَعَطَّشَتِ الأَفئِدَةُ فِيهِ إلى مَا يُلَيِّنُهَا، وَيُضِيءُ جَوَانِبَهَا، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ بِطَلَبِ رَحْمَةِ اللهِ وَاستِغفَارِهِ، وَصِدقِ اللُّجُوءِ إِلَيهِ، وخاصة وذنوبُنَا كثيرةٌ تحتاجُ إلى غسلٍ ومحوٍ وجاءتْ أيامُ غسلِ الذنوبِ ومحوِ السيئاتِ، وخاصةً وعشرُ ذي الحجةِ نفحةٌ، ويومُ عرفةَ نفحةٌ، ويومُ الجمعةِ نفحةٌ، وثلثُ الليلِ الأخيرِ نفحةٌ، وبينَ الأذانِ والإقامةِ نفحةٌ، ولحظةُ سجودِكَ بينَ يدي ربِّكَ نفحةٌ، ألَا تعرضُوا لها، فقالَ ﷺ: (إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أبدًا)) رواه الطبرانيُّ. فالسعيدُ كما قالَ ابنُ رجبٍ: (فالسعيدُ مَن اغتنمَ مواسمَ الشهورِ والأيامِ والساعاتِ، وتقرّبَ فيها إلى مولاهُ بما فيها مِن وظائفِ الطاعاتِ، فعسى أنْ تُصيبَهُ نفحةٌ مِن تلك النفحاتِ، فيَسعدَ بها سعادةً يأمنُ بعدَهَا مِن النارِ وما فيها مِن اللفحاتِ)، قال ابنُ القيمِ: ( السنةُ شجرةٌ والشهورُ فروعُهَا والأيامُ أغصانُهَا والساعاتُ أوراقُهَا والأنفاسُ ثمارُهَا، فمن كانتْ أنفاسُهُ في طاعةٍ فثمرتُهُ ثمرةٌ طيبةٌ، ومَن كانتْ أنفاسُهُ في معصيةٍ فثمرتُهُ حنظلٌ). فأيُّ أنوعٍ الثمارِ تريدُ أنْ تحصدَ يا مسكينُ ؟!!!فهل مِن تائبٍ فهل مِن نادمٍ فهل مِن مستغفرٍ فهل مِن عادٍ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ قبلَ الرحيلِ .
رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوب ***ويتبِعُها الذلَّ إدمانُها
وتركُ الذنوب حياةُ القلوبِ***وخيرٌ لنفسكَ عصيانُها
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة
أولًا: أيامُ العشرِ خَيْرُ أَيَّامِ العَامِ عَلَى الإِطْلَاقِ.
أيُّها السادةُ: كُلَّمَا زَادَتْ فَضَائِلُ يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، أَو شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ، زَادَتْ أُجُورُ الطَّاعَاتِ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ، وَزَادَتِ الآثَامُ فِيهَا لِمُقْتَرِفِ الآثَامِ، لذا لَمَّا عَظُمَ قَدْرُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ عَظُمَ الافْتِرَاءُ عَلَيْهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ كَذِبَاً عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدَاً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه الشيخان . وكيف لا؟ لوَمَا عَظُمَ شَأْنُ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ عَظُمَ فِيهِ الإِثْمُ عَلَى مُقْتَرِفِهِ، قَالَ جلَّ وعلا: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. وحَرَّمَ اللهُ جلَّ وعلا عَلَى العَبْدِ أَنْ يَظْلِمَ نَفْسَهُ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَلَكِنْ شَدَّدَ عَلَيْهِ في الأَشْهُرِ الحُرُمِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ المَعْصِيَةُ في أَفْضَلِ أَيَّامِ الأَشْهُرِ الحُرُمِ؟ وكيف لا؟ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ هِيَ أَيَّامٌ اخْتَارَهَا اللهُ تعالى لِعِبَادِهِ مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ، التي خَصَّهَا اللهُ تعالى مِنْ سَائِرِ الشُّهُورِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾. ولَقَدِ اخْتَارَ اللهُ جلَّ وعلا مِنَ الزَّمَانِ هَذِهِ الأَشهر الطَّيِّبة شَهْرَ ذِي القِعْدَةِ وَذِي الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ، وَاخْتَارَ مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ أَفْضَلَهَا وَهُوَ ذُو الحِجَّةَ، وَاخْتَارَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ أَفْضَلَهُ، وَهُوَ العَشْرُ الأُوَلُ مِنْهُ ، فهِيَ خَيْرُ أَيَّامِ العَامِ عَلَى الإِطْلَاقِ، وكَمَا أَنَّ الحَسَنَاتِ تَتَضَاعَفُ لِمَنْ أَقْبَلَ فِيهَا عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ، فَكَذَلِكَ الذي يَنْتَهِكُ حُرْمَةَ هَذِهِ الأَيَّامِ بِالذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي تَتَضَاعَفُ آثَامُهُ، قال جل وعلا ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾
وكيف لا؟ واللهُ جلَّ وعلَا أقسمَ بهَا في قرآنِهِ ولا يقسمُ اللهُ إلّا بكلِّ عظيمٍ قالَ جلَّ وعلا: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}(الفجر:1-2]، قال ابنُ عباسٍ: الليالِي: هي العشرُ الأوائلُ مِن ذي الحجةِ ،وهي الأيامُ المعلوماتُ التي قال عنها ربُّنَا: ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) [الحج:27]، قال ابنُ عباسٍ رضى اللهُ عنه وأرضاه: ( أيامُ العشرِ ) فالعشرُ مِن ذي الحجةِ أفضلُ أيامِ الدنيا على الإطلاقِ وكيف لا؟ والعشرُ مِن ذي الحجةِ سوقٌ للمُتاجَرةِ مع اللهِ، وموسمٌ للرِّبحِ الأخرَوِي، إنَّها مَيْدانٌ للمُسابَقةِ إلى الخيراتِ، والإكثارِ مِن الباقِيَاتِ الصالِحاتِ، لحظاتُهَا أنفَسُ اللَّحظاتِ، وساعاتُهَا أغلَى الساعاتِ، وأيَّامُهَا هي أفضَلُ الأيَّامِ وأحبُّهَا إلى اللهِ – تعالى – ففي حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : ” مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِه ِ ” قَالُوا : وَلَا الْجِهَادُ ، قَالَ : “وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ “رواه البخاري فهي أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (فِيها أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ)، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ ﷺ: “أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا الْعَشْرُ– يَعْنِي: عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ- قِيلَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ) رواه ابن حبان.
فالعشرُ مِن ذي الحجةِ أعظمُ أيامِ الدهرِ وكيفَ لا؟ ولما سُئلَ أحدُ السلفِ أيُّهمَا أفضلُ العشرُ الأوائلُ مِن ذي الحجةِ أم العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ؟ فقال: أيامُ عشرِ ذي الحجةِ أفضلُ مِن أيامِ العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ؛ لأنَّ فيها يومَ عرفة، وليالِي العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ أفضلُ مِن ليالِي العشرِ مِن ذي الحجةِ؛ لأنَّ فيها ليلةَ القدرِ.
العشرُ مِن ذي الحجةِ أعظمُ أيامِ العامِ وكيف لا؟ وفيها يومُ عرفة :وما أدراكَ ما عرفة ؟إنَّه اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدينَ، وأتمَّ بهِ علينَا النعمةَ، وهو اليومُ المشهودُ، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة:3. ويومُ عرفةَ يومُ مغفرةِ الذنوبِ، ويومُ العتقِ مِن النيرانِ، ولو لم يكنْ في عشرِ ذي الحجةِ إلَّا يومُ عرفة لكفاهَا ذلك فضلًا وشرفًا كما قالَ نبيُّنَا ﷺ، وفيها يومُ النحرِ وهو يومُ الحجِّ الأكبرِ أفضلُ أيامِ السنةِ فعَن ْعَبْدِاللَّهِ بْنِ قُرْطٍ عَنِ النَّبِىّ ﷺ قالَ: « ِإنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْر ِثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ »رواه أبو داود والنسائي، وهو أكثرُ يومٍ يعتقُ اللهُ فيهِ الرقابَ مِن النارِ، وخيرُ الدُّعاءِ يومُ عرفةَ، وهو اليومُ الذي يُباهِي فيه اللهُ ملائكةَ السَّماءِ بعِبادِهِ في الأرضِ، روى مسلمٌ وغيرُه أنَّه ﷺ قال: (ما مِن يومٍ أكثرُ مِن أنْ يعتقَ اللهُ فيه عبدًا أو أمةً مِن النارِ مِن يومِ عرفة، وإنَّه ليدنُو ثم يُباهِي بهم الملائكةَ فيقولُ: ماذا أرادَ هؤلاء؟). وقال ﷺ: ((خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرَفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون مِن قبلِي: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير)) رواه الترمذي، وروى أحمدُ وأصحابُ السُّنَنِ أنَّه ﷺ قال: ((الحجُّ عرفة)). والسرُّ في فضلِ هذه الأيامِ كما قال ابنُ حجرٍ رحمَهُ اللهُ : أنَّها تجتمعُ فيها أمهاتُ العباداتِ، فلا يجتمعُ الحجُّ مع الصلاةِ إلَّا في هذه الأيامِ، ولا تجتمعُ الزكاةُ مع الحجِّ إلَّا في هذه الأيامِ، ولا يجتمعُ الصومُ مع الحجِّ إلَّا في هذه الأيامِ. فهذه أيامٌ وليالِي.. معدودةٌ محدودةٌ.. ساعاتٌ قليلةٌ.. الأجرُ فيها مضاعفٌ.. والإثمُ فيها مضاعفٌ.. العملُ الصالحُ فيها يحبُّهُ اللهُ أكثرَ مِن العملِ الصالحِ في غيرِهَا.. هذه الأيامُ مِن أيامِ اللهِ.. يحبُّها اللهُ…. أفلا تستحقُّ أنْ تكونَ كلُّها للهِ؟ فلنجعلْ هذه الأيامَ كاملةً للهِ تعالى.. للهِ وحدَهُ.. يجبُ أنْ لا نرتكبَ فيها أيَّ معصيةٍ فالمعصيةُ محرمةٌ في العشرِ وفي غيرِهَا.. لكنَّهَا فيها إثمُهَا مضاعفٌ.. فالبدارَ البدارَ باغتنامِهَا قبلَ فواتِ الأوانِ.
أيامُ شهرِ ذي الحجةِ ساعاتٌ ولحظاتٌ ما أسرعَ انقضاءُهَا، والمحظوظُ مَن وفقَ فيها لصالحِ القولِ والعملِ. فهي كالأرضِ الخصبةِ التي يزرعُ فيها المؤمنُ أفضلَ الأعمالِ لتنبتَ له أجرًا وثوابًا جزيلًا مِن اللهِ ربِّ العالمين وطُوبَى للعبدِ الذي استثمرَ الأيامَ العشرَ الأوائلَ مِن شهرِ ذي الحجةِ بفعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ، وبالتقربِ إلى الرحمنِ والندمِ على ما فات …. وللهِ درُّ الشافعِي
ﺩﻉْ ﻋﻨﻚ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻓﺎﺕَ ﻓﻰ ﺯﻣﻦِ ﺍﻟﺼﺒَﺎ *** ﻭ ﺍﺫﻛرْ ﺫﻧﻮﺑَـــﻚَ ﻭﺃﺑﻜِﻬَﺎ ﻳﺎ ﻣﺬﻧﺐُ
ﻟﻢ ﻳﻨﺴـﻪ ﺍﻟﻤﻠﻜــﺎﻥِ ﺣﻴـﻦ ﻧﺴﻴﺘَﻪُ* ** ﺑـﻞ ﺃﺛﺒﺘـــــﺎﻩُ ﻭﺃﻧﺖَ ﻻﻩٍ ﺗﻠﻌﺐُ
ﻭﺍﻟﺮﻭﺡُ ﻣﻨﻚ ﻭﺩﻳﻌــﺔٌ ﺃﻭﺩﻋﺘﻬَــﺎ *** ﺳﺘﺮﺩﻫَﺎ ﺑﺎﻟﺮﻏــﻢِ ﻣﻨــﻚ ﻭﺗﺴﻠﺐُ
ﻭﻏﺮﻭﺭُ ﺩﻧﻴـﺎﻙَ ﺍﻟﺘــﻰ ﺗﺴﻌَﻰ ﻟﻬﺎ *** ﺩﺍﺭٌ ﺣﻘﻴﻘﺘُﻬَـﺎ ﻣﺘـــــﺎﻉٌ ﻳﺬﻫﺐُ
ﺍﻟﻠﻴﻞُ ﻓﺎﻋﻠﻢْ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭُ ﻛﻼﻫُﻤَــــﺎ *** ﺃﻧﻔﺎﺳُﻨَـﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺗُﻌـﺪُّ ﻭﺗﺤﺴـــﺐٌ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة
ثانيــًــا : طاعاتُ العشرِ خيرٌ وبركةٌ.
أيُّها السادةُ: أَيَّامُ العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ أَيَّامٌ مُبَارَكَاتٌ، خَصَّهَا اللهُ جَلَّ وَعَلَا بِخَصَائِصَ وَمَيَّزَهَا بِمِيزَاتٍ، إِنَّهَا أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ، وَأَزْمِنَةٌ شَرِيفَةٌ، وَمَوْسِمٌ مِنْ مَوَاسِمِ الخَيْرِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَعَلَى المُؤْمِنِ – ياسادةٌ – أَنْ يَقِفَ مَعَ خَصَائِصِ هَذِهِ الأَيَّامِ، لِيُقْبِلَ بِقَلْبِهِ وَنَفْسِهِ وَجَوَارِحِهِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَاغْتِنَامِ هَذِهِ الأَوْقَاتِ المُبَارَكَةِ بِالقُرُبَاتِ.
فاغتنمُوا هذه الأيامَ والساعاتِ والأنفاسَ قبلَ أنْ يأتِيَ يومٌ لا ينفعُ فيهِ الندمُ، قبلَ أنْ يأتِيَ يومٌ ويقولُ المرءُ منَّا: أُريدُ أنْ أرجعَ إلى الدنيا فأعملَ صالحًا، فالغنيمةَ الغنيمةَ قبلَ انقضاءِ الأعمارِ والمبادرةَ المبادرةَ بالعملِ قبلَ انتهاءِ الأعمالِ، والعجلَ العجلَ قبلَ هجومِ الأجلِ، وقبلَ أنْ يندمَ المفرّطُ على ما فعلَ، وقبلَ أنْ يسألَ الرجعةَ فلا يُجابُ إلى ما سألَ، قبلَ أنْ يحولَ الموتُ بينَ المؤمِّلِ وبلوغِ الأملِ، قبلَ أنْ يصيرَ المرءُ محبوسًا في حفرتِهِ بمَا قدَّمَ مِن عملٍ.
أيُّها السادةُ: إِنَّ مِمَّا يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ فِي هَذِهِ العَشْرِ المُبَارَكَاتِ: إنْ كان مستطيعًا يملكُ الزادَ والراحلةَ فعليهِ أنْ يتعجلَ لأداءِ الحجِّ لحديثِ النبيِّ ﷺ: ( مَن أَرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ؛ فَإِنَّهُ قَد يَمرَضُ المَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعرِضُ الحَاجَة)، وصدقَ المعصومُ ﷺ فقد حالتْ الأمراضُ والأوبئةُ وكورونَا عن حجِّ بيتِ اللهِ الحرامِ ووقعَ الناس في المحظورِ، فمَنْ مَنّ اللهُ عليهِ بالمالِ والصحةِ والعافيةِ ولم يحجْ بغيرِ عذرٍ لمحرومٌ وربّ الكعبةِ عن أبي سعيدٍ الخدرِي رضى اللهُ عنه قال :قال رسولُ اللهِ إنَّ اللهَ تعالى يقولُ : إنَّ عبدًا أصحَحتُ لهُ جسمَهُ ، ووسَّعتُ عليهِ في مَعيشتِهِ ، تمضي عليهِ خمسةُ أعوامٍ لا يَفِدُ إليَّ لمَحرومٌ) رواه البيهقي وأبو يعلي بسند صحيح.
وَمما يُشْرَعُ فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ: الصيامُ عن أبي سعيدٍ الخدرِي -رضي اللهُ عنه- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: “مَن صامَ يومًا في سبيلِ اللَّهِ باعدَ اللَّهُ بذلِكَ اليومِ النَّارَ من وجْهِهِ سبعينَ خريفًا ))رواه ابن ماجه. وعَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ) رواه أبو داود وغيرُه، وقد ذهبَ إلى استحبابِ صيامِ العشرِ الإمامُ النوويُّ وقال: صيامُهَا مستحبٌّ استحبابًا شديدًا.
ومِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُشْرَعُ لِلمُسْلِمِ العِنَايَةُ بِهَا فِي هَذِهِ العَشْرِ المُبَارَكَةِ : أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا بِالصِّيَامِ وَخُصُوصًا صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الحَاجِّ، فَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهِ ثَوَابٌ عَظِيمٌ، لَا يَتْرُكُهُ إِلَّا مَحْرُومٌ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رضى اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ».
ومما َيُشْرَعُ فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ: التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ، وَهُوَ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:28]، وَهِيَ أَيَّامُ العَشْرِ، وقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ }[البقرة:203]، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، و عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُمَا كَانَا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ أَيَّامَ العَشْرِ فَيُـكَبِّـرَانِ وَيُكَبِّـرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. وَأَمَّا التَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ فَيَكُونُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ المَفْرُوضَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ – لِغَيْرِ الحَاجِّ – إِلَى صَلَاةِ العَصْرِ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فاغتنمْ هذه العشرَ بالتكبيرِ والتهليلِ والتحميدِ والتسبيحِ وذكرِ اللهِ على كلِّ حالٍ فعن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ ﷺ: ( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) رواه أحمد.
وَمما يُشْرَعُ فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ: الإكثارُ مِن الصَّلاةِ والسَّلامِ على النبيِّ المختارِ ﷺ لاسيما في يوم الجمعة، فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ )، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي اللهُ عنهما-، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ).
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة
ومِن الأعمالِ الصالحةِ ما يتعدَّى نفعُهُ، كإطعامِ الطعامِ، وعيادةِ المرضَى، واتِّباعِ الجنائزِ، ونحوِ ذلك، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ -رضي اللهُ عنه- قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ ).
وَمما يُشْرَعُ فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ: ذبحُ الأضاحِي تقربًا إلى اللهِ وإحياءً لسنةِ أبيِنَا إبراهيمَ عليهِ السلامُ ولفعلِ نبيِّنَا ﷺ كما في حديثِ عائشةَ -رضي اللهُ عنها- أنَّها قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ( مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدِّمَاءِ؛ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا ).
وَمِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَتَأَكَّدُ مَعْرِفَتُهَا فِي مُسْتَهَلِّ هَذِهِ الأَيَّامِ: مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَيَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ أَلَّا يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظَافِرِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ، وَهَذَا حُكْمٌ خَاصٌّ بِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، أَمَّا أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ وَمَنْ يُضَحِّي عَنْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُهُمْ ذَلِكُمُ الحُكْمُ مَا لَمْ يُضَحُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مُوَكَّلًا بِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ وَلَيْسَ هُوَ صَاحِبَهَا فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُهُ النَّهْيُ، وَيَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ مَا لَمْ يُضَحِّ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيُخْطِئُ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ إِمْسَاكَ المُضَحِّي إِحْرَامٌ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ الطِّيبُ وَالجِمَاعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُمْنَعُ عَلَى المُحْرِمِ، وَمَنْ أَخَذَ مِنَ المُضَحِّينَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ أَظْفَارِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ أُضْحِيَتَهُ؛ فَإِنَّ أُضْحِيَتَهُ مُجْزِئَةٌ، وَلَكِنْ يَفُوتُهُ أَجْرُ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ.
و مِمَّا يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ فِي هَذِهِ العَشْرِ المُبَارَكَاتِ: الصَّدَقَاتُ بِأَنْوَاعِهَا، وَبَذْلُ الإِحْسَانِ وَصِلَةُ الأَرْحَامِ وَالْبِرُّ بِأَبْوَابِهِ الوَاسِعَةِ، وَمَجَالَاتِهِ الشَّاسِعَةِ…. وجميعُ أبوابِ الخيرِ مفتوحةٌ أمامَك، فالأجرُ فيها مضاعفٌ والذنبُ فيها مضاعفٌ، فعليكَ بالاستغفارِ وقراءةِ القرآنِ والصدقةِ وصلةِ الأرحامِ والأقاربِ وإفشاءِ السلامِ وإطعامِ الطعامِ والإصلاحِ بينَ الناسِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ وحفظِ اللسانِ والفرجِ والإحسانِ إلى الجيرانِ ـ وإكرامِ الضيفِ ـ والإنفاقِ في سبيلِ اللهِ ـ وإماطةِ الأذى عن الطريقِ ويبقَى بابُ العملِ الصالحِ أوسعُ مما ذُكِرَ، فأبوابُ الخيرِ كثيرةٌ لا تنحصرُ، ومفهومُ العملِ الصالحِ واسعٌ شاملٌ يتضمنُ كلَّ ما يحبُّهُ اللهُ ويرضاهُ مِن الأقوالِ والأفعالِ الظاهرةِ والباطنةِ، فالعملُ الصالحُ شعارُ المؤمنين الموحدين فانتبهْ قبلَ فواتِ الأوانِ
لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الزحَامِ مُلبّيًا*** لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الحجيجِ ساعيًا لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ عبادِكَ داعيًا *** لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الصفوفِ مصليًا لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الجموعِ لعفوِكَ طالبًا **لبّيكَ ربِّي فاغفرْ جميعَ ذنوبِي أدقهَا وأجلهَا
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة
ثالثًا وأخيرًا :بَادِرْ قبلَ أنْ تُبادَر.
أيُّها السادةُ: بادرْ قبلَ أنْ تُبادرَ، بادرْ بالتوبةِ والرجوعِ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ والتخلصِ مِنْ كُلِّ الْمَعَاصِي جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا قبلَ فواتِ الأوانِ قبلَ الندمِ، فإذا اجتمعَ للمسلمِ توبةٌ نصوحٌ مع أعمالٍ فاضلةٍ في أزمنةٍ فاضلةٍ فهذا عنوانُ الفلاحِ. قالَ جلَّ وعلا: { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} (القصص:67)، وبابُ التوبةِ مفتوحٌ لا يغلقُ أبدًا في كلِّ وقتٍ وحينٍ ما لم تطلعْ الشمسُ مِن مغربِهَا وما لم تصلْ الروحُ إلى الحلقومٍ كما قال النبيُّ المختارُ ﷺ في حديثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي، و أبشرْ: فما دمتَ في وقتِ المهلةِ فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لقولِ المُصطفَي ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) رواه مسلم، ﻫﻨﻴﺌًﺎ ﻟﻤَﻦ ﻃﻠﻌﺖْ ﺍﻟﺸﻤﺲُ ﻋﻠﻴﻪِ ﻣِﻦ ﻣﻐﺮﺑِﻬَﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢٌ ﻋﻠﻰ ﻃﺎعةِ ﺍﻟلهِ، بل قال المختارُ ﷺ كما في صحيح مسلمٍ من حديثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:”أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتعالى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتعالى :عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتعالى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ). قال ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: «الغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ بِانْتِهَازِ الفُرْصَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ العَظِيمَةِ، فَمَا مِنْهَا عِوَضٌ وَلَا لَهَا قِيمَةٌ [تُمَاثِلُهَا]، المُبَادِرَةَ المُبَادِرَةَ بِالعَمَلِ، وَالعَجَلَ العَجَلَ قَبْلَ هُجُومِ الأَجَلِ، قَبْلَ أَنْ يَنْدَمَ المُفَرِّطُ عَلَى مَا فَعَلَ، قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجْعَةَ فَيَعْمَلَ صَالِحًا فَلَا يُجَابَ إِلَى مَا سَأَلَ، قَبْلَ أَنْ يَحُولَ المَوْتُ بَيْنَ المُؤَمِّلِ وَبُلُوغِ الأَمَلِ، قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ المَرْءُ مُرْتَهَنًا فِي حُفْرَتِهِ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ»، فالبدارَ البدارَ بالخيرِ والأعمالِ الصالحةِ قبل فواتِ الأوانِ، لقولِ النبيِّ ﷺ: (بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعرْض من الدُّنْيَا))رواه مسلم.
أيُّها الغافلُ احذرْ: فمَن لم يعرفْ شرفَ زمانِهِ فسيأتِي عليهِ وقتٌ يعرفُ ذلك، حينَ يقولُ: { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [الفجر: 24]، { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 99، 100].
فاللهَ اللهَ في اغتنامِ وقتِكَ، واحرصْ على مواسمِ الخيرِ، فإنَّ الثواءَ قليلٌ، والرحيلَ قريبٌ، والطريقَ مخوُفٌ، والاغترارَ غالبٌ، والخطرَ عظيمٌ، والناقدَ بصيرٌ، واللهُ تعالَى بالمرصادِ، وإليهِ الرجوعَ والمآبَ، { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى } [النجم: 39 – 41]، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7، 8]. . يَا مَنْ نَوَيْتُمُ الصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَتِلَاوَةَ القُرْآنِ وَالصَّدَقَةَ وَالأُضْحِيَةَ، كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ إِيذَاءِ المُسْلِمِينَ، وَخَاصَّةً بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانَاً وَإِثْمَاً مُبِينَاً﴾.
وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ((عِنْدَمَا ذُكِرَ أَمَامَهُ تِلْكَ المَرْأَةُ التي تُكْثِرُ مِنْ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ فِي النَّارِ» رواه أحمد فَيَا مَنْ يُؤْذِي المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا، وَيَا مَنْ يَرْمِي البُرَآءَ بِلِسَانِهِ، كُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ جل وعلا ـ إِذَا مِتَّ بِدُونِ تَوْبَةٍ، وَتَذَكَرْ قَوْلَ الله جل وعلا: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾. تَعالوا يا عِبادَ الله لِنَصطَلِحَ معَ الله تعالى، لِنَتوبَ إلى الله تعالى، لِنُصلِحَ ما أفسَدناهُ، لأنَّ ما حَلَّ بنا ما هوَ إلَّا مِن فَسادِ أعمالِنَا، قالَ جلَّ وعلا: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون﴾. ربُّنا كَريمٌ، ومن كَرَمِهِ نادانَا بِقَولِهِ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾. فالبدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوان!!! التوبةَ التوبةَ قبلَ فواتِ الأوان!!! الرجوعَ الرجوعَ إلى اللهِ قبلَ فواتِ الأوان !!!
أبتْ نفسِي أنْ تتوبَ فمَا احتيالِي*** إذا برزَ العبادُ لذي الجلالِ
وقامُوا مٍن قبورِهم سكارَى *** بأوزارٍ كأمثالِ الجبالِ
وقد نُصبَ الصراطَ لكي يجوزُوا *** فمنهم مَن يكبُّ علي الشمالِ
ومنهم مَن يسيرُ لدارِ *** عدنٍ تلقاهُ العرائسُ بالغوالي
يقولُ لهُ المهيمنُ يا ولِيّ *** غفرتُ لكَ الذنوبَ فلا تُبالِي
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف