خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أخلاقيات البيع والشراء، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أخلاقيات البيع والشراء، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 3 ربيع آخر 1444هـ ، الموافق 28 أكتوبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 أكتوبر 2022م بصيغة word بعنوان : أخلاقيات البيع والشراء ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 أكتوبر 2022م بصيغة pdf بعنوان : أخلاقيات البيع والشراء ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 أكتوبر 2022م بعنوان : أخلاقيات البيع والشراء.
أولًا: صفاتٌ محمودةٌ في البيعِ والشراءِ.
ثانيــــًا: صفاتٌ مذمومةٌ في البيعِ والشراءِ.
ثالثــــًا: احذرْ تلكَ البيوعَ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 أكتوبر 2022م بعنوان : أخلاقيات البيع والشراء : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: أخلاقياتُ البيعِ والشراءِ د.محمد حرز بتاريخ: 3ربيع الآخر 1444هــ – 28أكتوبر 2022م
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ (البقرة: 275)،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ولي الصالحين ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في حديثِ حكيمِ بنِ حِزَامٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا الْبَيِّعَانِ وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا وَيُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا». متفقٌ عليه، فاللهمَّ صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، وتابَ وأنابَ، ووقفَ بالمشعرِ ،وطافَ بالبيتِ الحرامِ، ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
عبادَ الله : ((أخلاقياتُ البيعِ والشراءِ(( عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: صفاتٌ محمودةٌ في البيعِ والشراءِ.
ثانيــــًا: صفاتٌ مذمومةٌ في البيعِ والشراءِ.
ثالثــــًا: احذرْ تلكَ البيوعَ.
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن أخلاقياتِ البيعِ والشراءِ ، وخاصةً ونحن نعيشُ في زمنِ الأزماتِ الماليةِ والاقتصاديةِ الرهيبةِ في العالمِ كُلِّهِ وليس في مِصْرِنَا وحدهَا ، وخاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا انعدمتْ فيهِ أخلاقياتُ البيعِ والشراءِ عندَ الكثيرينَ مِن الناسِ، وخاصةً هناك تجارُ الأزماتِ يستغلونَ حاجةَ الناسِ فكثرَ الجشع والطمعُ والاستغلالُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ .
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أخلاقيات البيع والشراء
أولًا: صفاتٌ محمودةٌ في البيعِ والشراءِ.
أيُّها السادةُ: اللهُ جلَّ وعلَا شرعَ لنَا البيعَ والشراءَ وذلك لِمَا فيهِ مِن مصالحَ دنيويةٍ ، وتحقيقًا لأغراضِ الناسِ العامةِ والخاصةِ فقالَ في مُحكمِ التنزيلِ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ البقرة: 275، ردًّا على اليهودِ الذينَ قالُوا: ((إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ))البقرة: 275، وقال جلَّ وعلا((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ((المزمل:20، ونَهَى اللهُ جلَّ وعلا المؤمنينَ عن أكلِ الأموالِ بالباطلِ، واستثنَى مالَ التجارةِ، فقالَ جلَّ وعلا)): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]. فأباحَ سبحانهُ وتعالى الربحَ الحاصلَ مِن البيعِ والشراءِ الذي يتمُّ عن تراضٍ بينَ البائعِ والمُشترِي، ولأهميةِ التجارةِ فإنَّ اللهَ تعالى أذنَ بها بعدَ أداءِ صلاةِ الجمعةِ، وحثَّ على الانتشارِ لطلبِ الرزقِ، قال جلَّ وعلا)) فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ((الجمعة:10، لكنَّهَا التجارةُ الحلالُ لكنَّها التجارةُ الرابحةُ لكنَّها التجارةُ التي لا غشَّ فيها ولا تدليسَ ولا كذبَ ولا احتكارَ ولا طمعَ ولا استغلالَ ولا ربَا.
ومِن المعلومِ يا سادة: أنَّ حقيقةَ المسلمِ ليستْ في هدْيٍ يبدُو على شكلهِ في صلاةٍ، أو صورةٍ ظاهرةٍ على وجههِ وملبسهِ فحسب، بل لا بدّ وأنْ يُثبتَ صحةَ إسلامهِ بسلوكهِ الراقِي في الخُلُقِ الإنسانِي عندَ التعاملِ مع الناسِ حولَهُ.كما لا يليقُ بمسلمٍ أنْ يكونَ حافظًا للأقوالِ أو مُرَدِّدًا لنصوصِ الدينِ دونَ أنْ يظهرَ أثرَ تلك النصوصِ في سلوكيّاتهِ وأخلاقياتهَ، والدينُ المعاملةُ خاصةً في البيعِ والشراءِ، فحقيقةُ الإنسانِ تظهرُ في بيعهِ وشرائهِ ومعاملاتهِ الماديةِ أكثرَ مِن صلاتهِ وصيامهِ أليسَ كذالك !، لذا وضعتْ الشريعةُ الإسلاميةُ الغراءُ أحكامًا وقيمًا وأخلاقًا وصفاتًا ينبغِي أنْ يتصفَ بها البائعُ والمشتري، مِن هذه الأخلاقِ على سبيلِ المثالِ لا الحصر:
أولُها: تَعَلُّمُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فيجبُ على التجارِ ومرتادِي الأسواقِ تعلمَ أحكامِ البيعِ والشراءِ، فكثيرٌ مِن المخالفاتِ إنَّمَا تقَعُ عن الجهلِ بأحكامِ الشرعِ فيهَا، وقد كانَ الخلفاءُ يلزمونَ الناسَ بتعلمِ الأحكامِ المتعلقةِ بالبيعِ والشراءِ كشرطٍ لدخولهِم الأسواقِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ -كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي ((السُّنَنِ))-: ))طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ(( ،وقال عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه : لاْ يَبِعْ فِيْ سُوْقِنَا إِلاْ مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِيْ الدِّيْنِ (( رواه الترمذي ،وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ يَطُوفُ بِالسُّوقِ وَيَضْرِبُ بَعْضَ التُّجَّارِ بِالدِّرَّةِ، وَيَقُولُ: لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا هَذَا إِلَّا مَنْ تَفَقَّهَ، وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا شَاءَ أَمْ أَبَى)).وقالَ النوويُّ رحمه الله : وأمّا البيعُ فيحرُمُ الإقدامُ عليه إلاّ بعدَ معرفةِ شروطِه ؛ لأن كثيرًا ما تقعُ الشبهُ في البيعِ والشراءِ، فلا يدري البائعُ كيف يبيعُ؟، ولا كيف يشترِي المشترِي؟، وبالتالي يدخل المرءُ السوقَ فيقعُ في المأثمِ ويخرجُ بالمغرمِ، وهو يظُن أنه قد باعَ واشترَى، وهو في حقيقةِ الأمرِ ليس عند الله كذلك، بل دخلَ ليتحمَّلَ مِن الآثامِ والأوزارِ ما اللهُ تعالى به عليم، لذا جعلَ اللهُ تباركَ وتعالَى للبيعِ والشراءِ آدابًا، وأحكامًا، وأخلاقًا.
ومنها: السَّمَاحَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى))رواه البخاري قَالَ الْحَافِظُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي شَرْحِهِ: ((فِيهِ: الْحَضُّ عَلَى السَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَاسْتِعْمَالُ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ، وَتَرْكُ الْمُشَاحَّةِ، وَفِيهِ: الْحَضُّ عَلَى تَرْكِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَفِيهِ: الْحَضُّ عَلَى أَخْذِ الْعَفْوِ مِنْهُمْ))
ومنها :إِنْظَارُ الْمُوسِرِ وَالْعَفْوُ عَنِ الْمُعْسِرِ، قَالَ جلَّ وعلا {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].وَعَنْ حُذَيْفَةَ ـ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ـ -كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: تَلَقَّتِ المَلائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، فقالوا: أعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شيئًا؟ قالَ: لا، قالوا: تَذَكَّرْ، قالَ: كُنْتُ أُدايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيانِي أنْ يُنْظِرُوا المُعْسِرَ، ويَتَجَوَّزُوا عَنِ المُوسِرِ، قالَ: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: تَجَوَّزُوا عنْه((
ومنها: الأمانةُ والصدقُ، فالأمانةُ والصدقُ مِن أخلاقِ الإسلامِ أمرنَا بهمَا الدينُ وتخلقَ بهمَا سيدُ المرسلين، والتاجرُ الأمينُ بجوارِ النبيينَ في جنةِ ربِّ العالمين كما قال النبيُّ الأمينُ الصادقُ المصدوقُ ﷺ كما في حديثِ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ (( رَوَاهُ الترمذي، والأمانةُ شرفٌ وعزٌّ وكرامةٌ والخيانةُ ذلٌّ وخزيٌ وعارٌ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ وكيف لا ؟ وعن إسماعيلَ بنِ عُبيدٍ بنِ رفاعةَ عن أبيهِ عن جَدِّهِ أنَّهُ خَرَجَ مع رَسُولِ اللهِ ﷺ إلى المُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ»، فَاسْتَجَابُوا لرسولِ اللهِ ﷺ وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُم وَأَبْصَارَهُم إِلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ القِيامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَن اتَّقَى اللهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ». أَخْرَجَهُ الترمذيُّ
ومنها الْإِكْثَارُ مِنَ الصَّدَقَاتِ.. لِمَاذَا؟!!لِكَيْ يُطَهِّرَ الْمَالَ مِمَّا قَدْ يَشُوبُهُ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْإِثْمِ؛ فَعَنْ قَيْسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَنَحْنُ نُسَمِّي السَّمَاسِرَةَ، فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ، قَالَ: ((يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ؛ فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وقبل هذا كله إِخْلَاصُ النِّيَّةِ لله جل وعلا : فَعَلَيْهِ أي البائع والمشتري أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لِإعْفَافِ نَفْسِهِ، وَالنَّفَقَةِ عَلَى عِيَالِهِ، وَإِعْزَازِ الْمُسْلِمِينَ بِكَثْرَةِ ثَرْوَاتِهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْجَرُ بِهِ الْعَبْدُ، وَلَا يَكُونُ هَمُّهُ جَمْعَ الْأَمْوَالِ تَكُثُّرًا وَبَطَرًا وَإِعْجَابًا فيهلك.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أخلاقيات البيع والشراء
ثانيــــًا: صفاتٌ مذمومةٌ في البيعِ والشراءِ.
أيُّها السادةُ: هناكَ أخلاقياتٌ وصفاتٌ مذمومةٌ يجبُ أنْ يتخلصَ منها المسلمُ في جميعِ معاملاتِهِ وخاصةً في بيعِهِ وشرائِهِ منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر :
أولها :عَدَمُ الِانْشِغَالِ عَنِ الطَّاعَاتِ بالبيع والشراء ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُدَاوِمًا عَلَى التَّقْوَى، وَهِيَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي تَحْصِيلِ الْأَرْزَاقِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].وَقَدْ أَثْنَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]، وَذَمَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- آخَرِينَ بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11].
ومنها: عَدَمُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فالبيعُ وقتُ أذانِ الجمعةِ حرامٌ، فَقَدْ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الجمعة: 9-10.
ومنها: اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ في البيع والشراء، فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، )) بل جاء الذَّمُّ فِيمَنْ لَا يُبَالِي مَنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ؛ مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَامٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ؛ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ))رواه البخاري..
ومنها: الغِشِّ والكذب في البيعِ والشراءِ، فلَقَدْ رَهَّبَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الغِشِّ، وَرَغَّبَ فِي النَّصِيحَةِ فِي البَيْعِ وَغَيْرِهِ. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ؛ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا؛ فَلَيْسَ مِنَّا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا, فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟!» قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إذا بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ أَنْ لَا يُبَيِّنَهُ لَهُ». أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ.
هَذِهِ آدَابُ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ قَوَاعِدُهُ: لَا غِشَّ، وَلَا خِدَاعَ، وَلَا تَدْلِيسَ، وَلَا تَزْيِيفَ.
ومنها :عَدَمُ تَرْوِيجِ السِّلْعَةِ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: الْحَلِفُ مُنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ((وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))، قَالَهَا النَّبِيُّ ﷺ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا.. مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ)) .
ومنها:عَدَمُ تَطْفِيفِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ، فَمِنْ كَبائِرِ الإِثْمِ وَعَظَائِمِ الذُّنُوبِ: تَطْفِيفُ المَكَايِيلِ وَالمَوَازِينِ. قَالَ جَلَّ وَعَلَا))وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ((الرحمن: 7-9 وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: “وَلَمْ يُنْقِصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ المَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ((
ومنها: اجْتِنَابُ الْبُيُوعِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْخَبِيثَةِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].وَقَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].وَقَالَ جل وعلا {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
ومنها: عَدَمُ التَّعَدِّي عَلَى حُقُوقِ الْآخَرِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ: نَهْيُ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ أَنْ يَبِيعَ الْإِنْسَانُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ؛ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ((متفق عليه.
ومنها: الجشع والطمع والاحتكار، فالِاحْتِكَارُ حَرَّمَهُ الشَّارِعُ وَنَهَى عَنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الجَشَعِ، وَالطَّمَعِ، وَسُوءِ الخُلُقِ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ. رَوَى مُسْلِمٌ في صحيحهِ عَنْ مَعْمَرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنِ احْتَكَرَ، فَهُوَ خَاطِئٌ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ, وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ»، فكثُرَ الطمعُ والجشعُ واحتكارُ السلعِ والمنتجاتِ ألَا فليعلمْ هؤلاء التجارُ أنَّ مَن ضيّقَ على الناسِ ضيّقَ اللهُ عليهِ، ألا فليعلمْ هؤلاءِ التجارُ مَن شدَّدَ على الناسِ شدّدَ اللهُ عليهِ …. ومَن فرَّجَ عن الناسِ فرَّجَ اللهُ عليهِ ففي الشدائدِ تظهرُ معادنُ الرجالِ، وللهِ درُّ القائلِ
إنَّ الرجـالَ وإنْ قـلّـتْ مَعَادنُـهَا ذَهَبـًا ***عنـدَ الشدائدِ تطلبُهَا في الحالِ تلقَـاهَـا
تحـمـلُ إليـكَ الخـيـرَ أينمَـا رحـلـت ***وتـذودَ عنكَ صِعابًا كنـتَ تخشاهَـا
أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللِه ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أخلاقيات البيع والشراء
ثالثــــًا: احذرْ تلكَ البيوعَ.
أيُّها السادةُ: هناكَ بيوعٌ كثيرةٌ حرّمَهَا الإسلامُ ونبيُّ الإسلامِ ﷺ وانتشرتْ في زمنِنَا هذا فلابُدَّ مِن التنبيهِ عليهَا والتحذيرِ منها حتى لا يقعُ فيها الكثيرُ مِن الناسِ وهي مِن الرّبَا المحرمِ منها :بيعُ العِينةِ: وهو قرضٌ ربويٌّ وهو ما يُسمَّي الآنَ بالحرقِ : أنْ يشتري الرجلُ السلعةَ سيارةً مثلًا بمائةِ ألفٍ قِسْطًا مؤجلًا ثمَّ يبيعهَا مرةً أخرى إليهِ أيْ إلى نفسِ البائعِ بخمسةٍ وتسعينَ ألفا مثلًا حالًا.
وهذا ما يُسمّى ببيعِ العينةِ؛ لأنَّ عينَ السلعةِ تعودُ إلى البائعِ مرةً أُخرى، أمَّا لو باعَهَا لتاجرٍ آخرٍ سُمّيَ بيعَ التورقِ، القصدُ منهُ الورقُ وهذا النوعُ أجازَهُ الحنابلةُ بشرطٍ أنْ تكونَ الحاجةُ داعيةً إلى ذلك، وبيعُ العينةِ حرامٌ، فعن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) رواه أبو داود.
ومن البيوعِ المحرمةِ: بيعُ الذهبِ بالذهبِ مع الزيادةِ، كبيعِ الذهبِ القديمِ بالذهبِ الجديدِ مع دفعِ الفرقِ، هذا رِبَا، تذهبُ المرأةُ لتبيعِ ذهبًا قديمًا، وتشتري ذهبًا جديدًا وتدفعُ الفرقَ، قد يُسمّي مصنعيه، فهذا ربا صريحٌ، بل الصحيحُ أنْ تبيعَ المرأةٌ الذهبَ القديمَ وتقبض المالَ في يدِهَا، ثم بعدَ ذلك لها أنْ تشترِي ذهبًا جديدًا شاءتْ أمْ لمْ تشأْ لحديثِ النبيِّ {الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ) رواه مسلم، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ) رواه البخاري
ومِن البيوعِ المحرمةِ: بيعُ الذهبُ بالتقسيطِ بالشيكاتِ أو بالأجلِ أي التقسيط، لماذا ؟لحديثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ)متفق عليه بل قال ﷺ ببيعُ الذهبِ بالفضةِ و الفضةُ أكثرهمَا يدًا بيدٍ و أما نسيئة فلا ) لماذا؟ لأنًّ هذا في علمِ الشريعةِ يُسمّي صرف، والصرفُ بيعُ الأثمانِ بعضهَا ببعضٍ يشترطُ فيها التقابضُ في مجلسِ العقدِ.
ومِن البيوعِ المحرمةِ: أنْ تبيعَ سلعةً لإنسانِ، وتأخذَ عليهِ شيكًا على بياضٍ ثم يتأخر المدينُ في السدادِ، فتقومَ بشكايةِ هذا الإنسانِ؛ لأنَّه تأخرَ في دفعِ الأقساطِ فتطلبَ منه زيادةً في مقابلِ التأخيرِ؛ لأنَّه ظلمَكَ فهذا ربا، والعياذُ باللهِ، أنَا أعِي يقينًا أنَّه ظلمَكَ لحديثٍ جاءَ ففي الصَّحِيحَيْنِ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال النبيُّ المختارُ ﷺ{ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } متفق عليه. وَفِي رِوَايَةٍ : { لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) لكن لا تقابلْ السيئةَ بالسيئةِ خذْ أصلَ مالِك، والظلمُ ستأخذُ حقَّكَ منهَ يومَ تقفُ بينَ قاضِي القضاةِ وجبارِ السماواتِ والأرضِ . فإياكَ والربَا وإياكَ أنْ تساعدَ على أكلِ الربَا، فالربا سببُ الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ.
ومِن البيوعِ المحرمةِ: بيعُ الدينِ، رجلٌ معهُ شيكٌ بعشرةِ آلافٍ يبيعهُ لآخر بسبعةِ آلافٍ على أنْ يتصرفَ المشترِي في هذا الشيكِ كيفَ شاء، ولا يحقُّ لهُ الرجوع على البائعِ الأولِ، حتى وإنْ كان هذا الشيكُ مزورًا.
ومِن البيوعِ المحرمةِ: بيعُ النَّجْشِ: والنجشُ : هو مدحُ السلعةِ، والزيادةُ في سعرِهَا؛ لإغراءِ الناسِ على شرائِهَا بأكثر مِن سعرِهَا، وهو خداعٌ محرمٌ، ففي صحيحِ البخارِي ومسلِم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ ، وَلاَ تَنَاجَشُوا ، وَلاَ يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، وَلاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا))، ويدخلُ في بيعِ النجشِ البائعُ الذي يقولُ عن بضاعتهِ أنَّها مستوردةٌ مِن كذا، وهي ليستْ كذلك ، أو يقولُ: لا يوجدُ مثيلهَا في السوقِ، وهي ليستْ كذلك.
ومِن البيوعِ المحرمةِ: البيعُ في المساجدِ: لأنَّ هذا يتعارضُ مع قُدسيَّتِهَا، والغرضِ الذي بُنِيَتْ مِن أجلهِ، ألَا وهو الصلاةُ وذِكرُ اللهِ تعالَى، قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 36 – 38].وروى الترمذيُّ عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: ((إذا رأيتُم مَن يبيعُ أو يبتاعُ في المسجدِ، فقولُوا: لا أربحَ اللهُ تجارتَكَ، وإذا رأيتُم مَن ينشدُ فيهِ ضالةً، فقولُوا: لا رَدَّ اللهُ عليك)).
ومِن المعاملاتِ المحرمةِ التي انتشرتْ في الآونةِ الأخيرةِ وحرمتْهَا دارُ الإفتاءِ المصرية: رهنُ الأرضِ مقابلُ الدينِ، حيثُ يشترطُ الدائنُ على المدينِ الانتفاعَ بأرضهِ إلى أنْ يسدَّ الدائنُ الدينَ الذي عليه فهذا ربا؛ لأنَّ كلَّ فرضٍ جرَّ نفعًا فهو ربا، جاءَ في المغنِي: فإنْ أذنَ الراهنُ للمرتهنِ بغيرِ عوضٍ وكان دينُ الرهنِ مِن قرضٍ لم يجزْ؛ لأنَّه يحصلُ قرضًا يجرُّ منفعةً وهذا حرامٌ.
وَمِنَ الْمَحَاذِيرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ: الظُّلْمُ، وَالْغِشُّ، وَالتَّدْلِيسُ، وَبَخْسُ الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ، وَبَخْسُ الْحُقُوقِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً؛ بِأَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ، أَوْ يُعْطِيَ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ، فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْعُقُوبَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَهْلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ الْخَبِيثَةِ، وَهَذِهِ الْمُعَامَلَاتُ الْمُحَرَّمَةُ تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: ((لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِل ((النساء: 29.
أيُّها السادةُ: احذرُوا عاقبةَ المالِ الحرامِ مِن محقِ البركاتِ وردِّ الدعواتِ، ولا يغرنَّكُم كثرةَ المالِ، فإنَّ مالًا قليلًا مع البركةِ خيرٌ مِن مالٍ كثيرٍ بلا بركةٍ بل مع سخطِ اللهِ وغضبهِ، وتذكرُوا الموتَ وبغتتَهُ، والقبرَ وظلمتَهُ، والحشرَ وخسرتَهُ ،والصراطَ وحدتَهُ، والحسابَ ودقتَهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281
دَعْ الْحِرْصَ عَلَى الدُّنْيَا *** وَفِي الْعَيْشِ فَلَا تَطْمَعْ
وَلَا تَجْمَعْ مِنْ الْمَالِ *** فَلَا تَدْرِي لِمَنْ تَجْمَعْ
فَإِنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ *** وَسُوءُ الظَّنِّ لَا يَنْفَعْ
فَقِيرٌ كُلُّ ذِي حِرْصٍ *** غَنِيٌّ كُلُّ مَنْ يَقْنَعْ
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه د/ محمد حرز
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف