خطبة الجمعة القادمة : الآداب العامة وأثرها في رقي الأمم، للشيخ عبد الناصر بليح
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة : الآداب العامة وأثرها في رقي الأمم، للشيخ عبد الناصر بليح ، بتاريخ: 22 جماد أول 1441هـ – 17 يناير 2020م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة الآداب العامة وأثرها في رقي الأمم، للشيخ عبد الناصر بليح :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة الآداب العامة وأثرها في رقي الأمم، للشيخ عبد الناصر بليح ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة الآداب العامة وأثرها في رقي الأمم، للشيخ عبد الناصر بليح ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة الآداب العامة وأثرها في رقي الأمم، للشيخ عبد الناصر بليح : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة الآداب العامة وأثرها في رقي الأمم، للشيخ عبد الناصر بليح :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَدَبِ مَعَ الجِيرانِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين.. حمداً دائماً يليق بجلاله وكماله حمداً كثيراً يوافي نعمه ويكافئ مزيد إحسانه يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه .
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه ولا مناوئ له في علو شأنه العزيز الذي لا يغلب ولا يذل والدائم فكل ما سواه زائل مضمحل .. يقبل تائباً ويعطي محروماً ويغني فقيراً ويفقر غنياً ويهلك ظالماً وينصر مظلوماً ويرفع أقواماً ويخفض آخرين ما للعباد عليه حق واجب إن عذبوا فبعدله وإن نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع واشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله القائل “لايزال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه “(البخاري ).
اللهم صلاة وسلاما عليك يا رسول الله وعلى آلك وصحبك وسلم تسليما كثيراً ..
أما بعد فيا جماعة الإسلام :
قال تعالي :”وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً” (النساء /36).
أخوة الإيمان والإسلام :
إن المؤمنين جميعاً بنيان واحد وصف واحد .. ونفس واحدة ينبغي أن تسود بينهم المودة والرحمة كما أخبرنا رسولنا صلي الله عليه وسلم” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى “(مسلم والبخاري).
والإسلام يفرض على أبنائه الإحسان إلى الجار قريباً كان أم بعيداً وسواء في ذلك من يدين لهذا الدين ومن لا يدين به كما درجه ونظمه في سلك واحد مع عبادة الله وبر الوالدين والأقارب .
قال تعالي :”وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً” (النساء /36).
جملة حقوق الجيران :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن هنا أعطى الإسلام للجار حقوقاً على جاره ..
فمن حق الجار على جاره أن يكون له في الشدائد عوناً وفي الرخاء أخاً يأسى لما يؤذيه ويفرح لما يسره ويرضيه ينفس كرباته ويقضي حاجاته ويسانده إذا استعان به ويأخذ بيده إذا أظلمت في وجهه الحياة، ويرشده إذا ضل أو أخطأ الطريق ويهنئه إذا أصابه خير وبنصره إذا ظلم ويدفع عنه الأذى إذا ما ألم به مكروه
وعن معاوية قال : قلت يا رسول الله ما حق الجار على جاره :
قال إن مرض عدته وإن مات شيعته وإذا استقرضك أقرضته وإن افتقر عدت عليه وإذا أصابه خير هنأته وإذا أصابته مصيبة عزيته ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عليه الريح إلا بإذنه ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلا أن تغرف له منها وإن اشتريت فاكهة فاهدي له فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده”(الترغيب والترهيب للمنذري) .
ولقد بلغ من تعاليم الإسلام ووصيته للجار أن لا يمنع الجار جاره من وضع الجذع على جداره أو ميزابه فوق سطحه ولا يبيع داراً ولا أرضاً حتى يعرضها على جاره لقد ورد في الأثر عن النبي صلي الله عليه وسلم :” لا يمنع أحدكم جاره من وضع ميزابه فوق سطحه ليصرف الماء ولا يمنعه من وضع الجذع على جداره … ولا يمنع أحدكم جاره من المرور من الطريق لأن الطريق ليس حق مملوك لأحد وإنما هو لعامة الناس وقال جابر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم :” من كان له جار في حائط أو شريك له فلا يبعه حتى يعرضه عليه “(ابن ماجة والحاكم)
حثَّنا نبينا صلى الله عليه وسلم على حُسن التأدب مع الجيران في كثير من أحاديثه المباركة، وسوف نذكر بعضًا منها:
و عن أبي ذر، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذرٍّ، إذا طبختَ مرقةً فأكثر ماءها، وتعاهَدْ جيرانك”(مسلم – كتاب البر والصلة – حديث 142).
في هذا الحديث المبارك حثنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم على مكارم الأخلاق، لما رتب عليها من المحبة وحسن العشرة ودفع الحاجة والمفسدة، فإن الجار قد يتأذى بقتار (أي بريح) قدر جاره، وربما تكون له ذرية فتهيج من ضعفائهم الشهوة، ويعظم على القائم عليهم الألم والكلفة، لا سيما إن كان القائم ضعيفًا أو أرملةً، فتعظم المشقة ويشتد منهم الألم والحسرة.(الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج- 5 ص- 190).
وعن أبي شريحٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن”، قيل: ومَن يا رسول الله؟ قال: “الذي لا يأمن جارُه بوائقه “أي شرورَه”(البخاري).
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” خيرُ الأصحابِ عند الله خيرُهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرُهم لجاره”( الترمذي).
قال الحسَن البَصري: ليس حُسنُ الجوار كفَّ الأذى عن الجار، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى من الجار”(لباب الآداب ص- 262).
مجمل آداب معاملة الجيران:
يمكن أن نوجز آداب معاملة الجيران في الأمور التالية:
(1) نبدؤهم بالسلام، ونتعاهَد أحوالهم من حين لآخر.
(2) عيادتهم عند المرض، ومواساتهم عند المصائب.
(3) تهنئتهم بما يسرهم، وإهداؤهم ما يتيسر من الهدايا.
(4) الابتعاد عن كل ما يؤذيهم، والصفح عن زلَّاتهم، وملاطفة أولادهم.
(5) الستر على عَوْراتهم، وغضُّ البصر عن محارمهم.
(6) إقراضهم المال وقت الحاجة، والتصدُّق عليهم إن كانوا من الفقراء.
(7) تشييع جنازة موتاهم، والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة.
(8) الدفاع عن أعراضهم في غيبتهم، والإكثار مِن ذِكر محاسنهم.
(إحياء علوم الدين ج- 3 ص- 331 / موارد الظمآن لعبدالعزيز السلمان ج- 3 ص- 491).
الإحسان إلى الجار علامة الإيمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علق الرسول صلي الله عليه وسلم الإيمان على الإحسان إلى الجار وكأن الذي يسيء إلى جاره لا ينطبق عليه لفظ الإيمان مطلقاً لذلك يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم ” والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله خاب وخسر من هذا ؟ قال من لا يأمن جاره بوائقه قالوا وما بوائقه قال شره”(متفق عليه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : اتق المحارم تكن أعبد الناس ، أرضى بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً وأحب لأخيك ما تحب لنفسك تكن مسلماً ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب “(أحمد والبيهقي والترمذي) .
الجار شاهد على جاره
وبلغ من تعاليم الإسلام أنه جعل الجار شاهد على جاره ومقياساً له في الإحسان والإساءة ” فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال كيف لي أن أعرف إذا أحسنت أو أسأت : قال إذا سمعت جيرانك يقولون قد أحسنت فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت فقد أسأت “(أحمد). وورد في الأثر أنه إذا مات العبد المؤمن وشهد له ثلاثة من جيرانه بالجنة وجبت له ” .
الجيران الثلاثة :
ــــــــــــــــــــــــــ
ومن تعاليم الإسلام أنه أعطى للجار المشرك حق الجوار فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:” رُويَ عَن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الجيرانُ ثلاثةٌ: جارٌ له حقٌّ واحدٌ وهو أدنَى الجيرانِ حقًّا، وجارٌ له حقَّان، وجارٌ له ثلاثةُ حقوقٍ وهو أفضلُ الجيرانِ حقًّا؛ فأمَّا الجارُ الَّذي له حقٌّ واحدٌ فالجارُ المُشرِكُ لا رحِمَ له وله حقَّ الجِوارِ، وأمَّا الَّذي له حقَّان فالجارُ المُسلمُ لا رحِم له وله حقُّ الإسلامِ وحقُّ الجِوارِ، وأمَّا الَّذي له ثلاثةُ حقوقٍ فجارٌ مسلمٌ ذو رحِمٍ له حقُّ الإسلامِ وحقُّ الجوارِ وحقُّ الرَّحِمِ، وأدنَى حقِّ الجِوارِ ألَّا تُؤذيَ جارَك بقُتارِ قِدرِك إلَّا أن تقدَحَ له منها”(أبونعيم في الحلية).
ميراث الجار والإسلام كاد أن يورث الجار جاره يقول “لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه “(متفق عليه).
فمن كثرة وصية جبريل للرسول صلي الله عليه وسلم ظن أنه سوف ينزل بالوحي لكي يرث الجار من جاره .
دخول الجنة وعلق الرسول صلي الله عليه وسلم دخول الجنة على الإحسان إلى الجار ” فعندما جاءه رجل يقول له يا رسول الله اكسني ” أي أعطني ثوباً أستر به عورتي ” فأعرض الرسول صلي الله عليه وسلم عنه فقال يا رسول الله اكسني فقال صلي الله عليه وسلم أما لك جار له فضل ثوبين قال غير واحد ” أي ليس له جار واحد بل كثير ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “فلا يجمع الله بينك وبينه في الجنة “(الطبراني).
وروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم :” كم من جار يتعلق بجاره ويقول يا رب سل هذا ؟ لما أغلق بابه ومنعني فضله”(الترغيب والترهيب).
دخول النار :
ومن أسباب دخول النار إيذاء الجار ، جاء رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :” إن فلانة تكثر من صلاتها وصيامها وصدقاتها .. غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال : هي في النار قال : يا رسول الله فإن فلانة تذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط قطع الجبن ” ولا تؤذي جيرانها قال صلي الله عليه وسلم :”هي في الجنة “( أحمد) .
استحقاق اللعنة من الخالق ومن المخلوقين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى الطبراني بسنده عن رسول الله صلي الله عليه وسلم:” أنه جاءه رجل يشكوا جاره فقال اطرح متاعك على طريق الناس فطرحه فجعل الناس يمرون عليه فيلعنونه ” أي يدعون باللعنة على الذي أذاه وحمله على ترك داره ” فجاء جاره إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لعنت من الناس قال وما لقيت منهم ؟ قال يلعنوني قال ” قد لعنك الله قبل الناس ” فقال إني لأعود فجاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال ” ارفع متاعك فقد كفيت ” أي كفاك الله شر جارك”( الطبراني) ، وفي رواية أخرى : فقد ذهب إلى جاره وقال ارفع متاعك فإني لا أؤذيك أبداً وقد عظّـم النبي صلى الله عليه وسلم حق الجار حتى قَـرَنـَـه بالشرك بالله .
ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : أن تجعل لله نداً ، وهو خلقك . قلت : إن ذلك لعظيم . قلت : ثم أي ؟ قال : وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك . قلت : ثم أي ؟ قال : أن تُزاني حليلة جارك . قال : ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم” وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ”
ومما يدلّ على تعظيم حق الجار قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه يوماً :
ما تقولون في الزنا ؟ قالوا : حرمه الله ورسوله ، فهو حرام إلى يوم القيامة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره . فقال : ما تقولون في السرقة ؟ قالوا : حرمها الله ورسوله ، فهي حرام . قال : لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره . رواه الإمام أحمد .
وما ذلك إلا لأن الجار أدرى بمدخل جاره ومخرجه، وألصق به ، بل ربما اطلع على عوراته، وهو مأمور مع ذلك أن يُحسن إليه، ويتعاهده لا أنه يتلمّس عثراته .
وقفة الجيران مع جارهم المظلوم ضد الجار الظالم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا بلغت إساءة المسلم جاره دلّ على إساءته ، واستحق لعنة الخلق .
وإذا تجاوز الجار في حدوده مع جاره فلا بد أن يقف الجميع في وجهه , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي جَارًا يُؤْذِينِي ، فَقَالَ : انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَى الطَّرِيقِ ، فَانْطَلَقَ ، فَأَخْرِجَ مَتَاعَهُ ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، فَقَالُوا : مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : لِي جَارٌ يُؤْذِينِي ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَى الطَّرِيقِ ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ، اللَّهُمَّ أَخْزِهِ ، فَبَلَغَهُ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ ، فَوَاللهِ لا أُؤْذِيكَ.
– وفي رواية : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَهُ ، فَقَالَ : اذْهَبْ فَاصْبِرْ ، فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلاَثًا ، فَقَالَ : اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ ، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ ، فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ ، فَعَلَ اللهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ ، فَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ ، لاَ تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ.
– وفي رواية :
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَشَكَا إِلَيْهِ جَارًا لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ : اصْبِرْ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ فِي الرَّابِعَةِ ، أَوِ الثَّالِثَةِ : اطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ ، قَالَ : فَجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : آذَاهُ جَارُهُ ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : لَعَنَهُ اللهُ ، فَجَاءَ جَارُهُ ، فَقَالَ : تَرُدُّ مَتَاعَكَ وَلا أُوذِيكَ أَبَدًا”( البخاري وأبو داود).
فهل يوجد دين آخر وضع مثل هذه الحقوق للجار مثلما وضعها الإسلام الحنيف ، إن الإنسانية – كلها – اليوم لهى في أشد الحاجة إلى آداب الإسلام ، كما يحتاج الظامئ المشرف على الموت في الصحراء إلى شربة ماء . فهلا تعلمنا هذه الآداب وعرفنا هذه الحقوق ومارسناها في حياتنا ؟!
وجار السوء مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتّعوذ بالله منه
قال صلي الله عليه وسلم:” تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام ، فإن جار البادي يتحول عنك”(النسائي) .
الخطبة الثانية من خطبة الجمعة القادمة
ــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ..أما بعد فيا جماعة الإسلام :
اهتم التشريع الإسلامي بأمر الجار اهتماما كبيراً ، وقد جاءت الآيات القرآنية الكريمة بالإحسان في معاملة الجار ، وجاءت السنة المطهرة توضح وتبين عظم حق الجار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظنت أنه سيورثه “(متفق عليه).وعن أبى شريح الخزامى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت “(النووي : رياض الصالحين ص 125 ، 126).
والمسلم الذي لا يأمن جيرانه شره لم يذق طعم الإيمان . فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل : من يا رسول الله؟ قال:”الذي لا يأمن جاره بوائقة (أى غوائله وشروره”(متفق عليه).
ولقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتنفق وتتصدق ، ولكنها تؤذى جيرانها بلسانها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم” لا خير فيها هي من أهل النار” قالوا : وفلانة تصلى المكتوبة ، وتتصدق بأثواب ، ولا تؤذى أحدا ؟ فقال رسول الله هي من أهل الجنة “(البخاري).
ولقد تعلم الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم حسن معاملة الجيران فقد ذبحت لعبد الله بن عمرو بن العاص شاة ، فجعل يقول لغلامه : أهديت لجارنا اليهودي ؟ أهديت لجارنا اليهودي ؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ” .
لذلك السلف الصالح تمسكوا بالهدي النبوي وسلكوا مسلك الجيران والأتقياء .
فيروى أن محمد بن جندب عرض داره للبيع فأتاه من يشتري وعرض عليه البيع ب 250 ألف درهما فقال : هذا ثمن الدار فبكم تشتري جوار سعيد بن زيد فقالوا له : وهل يباع الجوار ؟ قال حقاً : كيف يباع جوار من إذا سألته أعطاك وإذا سكت عنه أجابك وإذا أسأت إليه عفا عنك فعلم سعيد بن زيد فأرسل إلى محمد بن جندب ثمن الدار وقال له أمسك عليك دارك ” .
فالجار الصالح يكون سببا في سعادة جاره ولذا قيل :
اطلب لنفسك جيرانا تجاورهم * * لا تصلح الدار حتى يصلح الجارُ
ولقد باع أحدهم منزله فلما لاموه في ذلك قال :
يلومننى أن بعتُ بالرخص منزلي **ولم يعرفوا جاراً هناك ينغــصُ
فقلت لهم كفوا الملام فإنمــــــــــا * *بجيرانها تغلوا الديار وترخصُ
ولقد باع أبو جهم العدوى داره بمائه ألف درهم ثم قال للمشترى : بكم تشترون جوار سعيد بن العاص قالوا : وهل يشترى جوار قط ، قال : إذاً ردوا علىّ دارى وخذوا مالكم فإني والله لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عنى ، وإن رآني رحب بى ، وإن غبت حفظني ، وإن شهدت قربني ، وإن سألته قضى حاجتي ، وإن لم أسأل بدأني ، وإن نابتنى حاجة فرج عنى . فبلع ذلك سعيداً فبعث إليه بمائة ألف درهم.
وهذا هو الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان ، كان له جار فاسق سكير عواد ومغنٍ إذا جن الليل أقبل على لعبه ولهوه ، وكان إذا أكثر صياحه وغنائه إذا ثمل قال :
” أضاعوني وأي فتى أضاعوا * * * ليوم كريهة وسداد ثغر “
حتى حفظ أبو حنيفة كل غنائه لكثرة ما كان يردده . فأخذه الحرس من داره وهو سكران وحبسوه فافتقده أبو حنيفة ، وافتقد صوته ، فقال : ماذا فعل جارنا ؟ لقد فقدنا صوته ، فقيل : أخذه الحرس البارحة وحبسوه ، فقال : قوموا بنا نسعى في خلاصه ، فإن حق الجار واجب ، ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالجار ، فأتى مجلس الأمير فلما بصر به قام إليه وأخذ بيده ، ورفعه مكاناً عليا وقال : ما جاء بك يا أبا حنيفة ؟ قال :
جئت لمحبوس عندك من جيراني ، أخذه الحرس البارحة ، وأسألك أن تطلقه ، وتهب لي جرمه ، فقال الأمير : قد فعلت ولجميع من معه في الحبس ، هلا بعثت برسول حتى أقضى به حقك وأخرج من واجبك ! فلما أن أخرج من حبسه قال له أبو حنيفة : هل أضعناك يا فتى ؟ قال : لا يا سيدي ومولاي ، لا تراني اليوم أفعل شيئاً تتأذى به ثم أخرج أبو حنيفة عشرة دنانير وأعطاها له ، وقال: استعن بهذا المال على نقصان دخلك وقت الحبس، ومتى كان لك حاجة فابسطها إلينا، واترك الحشمة فيما بينا وبينك، فقام الرجل وقبل رأس أبى حنيفة ، وكان بعد ذلك يختلف إلى درسه وتفقه حتى صار من فقهاء الكوفة “.
فالإحسان إلى الجار شعور أصيل وعميق في وجدان المسلم الصادق، وكما قال النبي صلى الله عليه وسل” خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره”( الترمذي بإسناد حسن) .
__________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع