خطبة الجمعةبتاريخ : 12 ذو القعدة 1438هـ – 4 أغسطس 2017م تحت عنوان (أثر الأخلاق والعلم فى بناء الدول)للشيخ ماهر خضير
للتحميل بصيغة word
للتحميل بصيغة pdf
عناصر الخطبة
العنصر الأول / أثر التربية في بناء الدول
العنصر الثاني / أثر الإيمان في بناء الدول
العنصر الثالث / أثر العلم في بناء الدول
الحمد لله رب العالمين الأول القديم الواحد الجليل الذي ليس له شبيه ولا نظير , أحمده حمدا يوافي نعمه ويبلغ مدى نعمائه وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له شهادة عالم بربوبيته عارف بوحدانيته وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اصطفاه لوحيه وختم به أنبياءه وجعله حجة على جميع خلقه {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} وبعد فأوصى نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل والحرص على رضائه والاستعداد للقائه ..
أما بعد
ما هى الحكمة من مثل هذا الموضوع الآن عباد الله هناك قاعدة تقول إذا كان تأخير البيان عن وقت الخطاب يجوز، فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه لا يجوز …. ومن ينظر الان يرى من حوله دولا تتساقط بين عشية ا وضحها فأوجب ذلك علينا أن نقوم بواجبنا ونذكر ونبصر الناس ونبين لهم أن الأمم والدول انما تبنى بالإيمان والقيم والأخلاق والعلم أولا وبغيرها لا تقوم ولا تبنى
بالـْعِــلـْـم ِوَالإيـمـان ِتـَـلـْـقــى الـْمـُبْـتـَغــى ……. فـَـتـَظـَـلَّ دَوْمــــاً مـاجـِــداً وَمـبَـجـَّـلا
فــي هـــذهِ الــدنــيـا تـَـنــالُ كــَــرامـَـــة ً …… وَالـلهُ يـَـجـْـزيـكَ الــثـَّـوابَ الأكـْمـَــلا
أولاً :- أثر التربية فى بناء الدول
أيها المسلمون /إذا أردنا أن نكون في الصدارة بين الأمم والدول فلابد من تربية جيل على القيم والأخلاق والمبادئ جيل يقدم رضا الله عز وجل على هوى نفسه، ويستجيب لشرع الله وهديه وإن رأى تعارضاً مع مصلحته ورأيه، ولابد من تربية جيل على على العلم والعمل والاجتهاد وعلى العزة والكرامة ولا يرغب من وراء ذلك إلا رضا الله وجنته جيل لا يعرف الا الانتماء لدينه وأمته ووطنه فلا مجال للحزبية المفرقة ولا الجماعات المشتته.
إن رُبي هذا الجيل فسيصبح أمر الصدارة والمجد أمراً يسيراً إن شاء الله، وإنه ليسير على من يسره الله عليه.
ولذلك عباد الله نرى ان الاسلام اهتم بقضية التربية وكيف تكون لانها اساس اقامة الدين والامة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته ومسئول عنهم، والمرأة راعية على مال زوجها، والعبد راع على مال سيده ومسئول عنه، ألا فكلكم راع ومسئول»
فنجد أن الإسلام اهتم بــ
? اختيار الزوجة وكيف يكون :
يجب أن يقوم اختيار المرأة على أساس الدين أولا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( تنكح المرأة لأربع : لمالها، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها . فاظفر بذات الدين تَرِبَت يداك) ) رواه البخاري ومسلم (
?حسن اختيار اسم المولود : فإذا كان الكتاب يُقرأ من عنوانه، فإن المولود يُعرف من اسمه في معتقده ووجهته، ومن المشهور في كلام الناس: الألقاب تَنزل من السماء، فلا تكاد تجد الاسم القبيح إلا على مسمى يناسبه، وعكسه بعكسه، كما قيل: وقلَّ ما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
وكان إياس بن معاوية وغيره يرى الشخص، فيقول: ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت، فلا يكاد يخطئ
وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه جداً سواء كان لشخص أو مكان أو قبيلة أو غيرها، وغيَّر أسماء كثيرة قبيحة إلى أسماء حسنة تضادها في المعنى أو تقاربها في اللفظ
ومن جميل ذلك حنة بنت فاقود ام مريم بنت عمران أسمتها ((مريم )) اى الطاهرة فكان لها من اسمها حظ ونصيب (يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك)
وفى كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر والمحن للقيروانى عن نافع (بتصريف) قال جلس عبد الله بن عمر وولده سالم عند الحجاج بن يوسف الثقفي.وأثناء جلوسهم أتى رجل قد حكم عليه الحجاج بالقتل.
فقال الحجاج لسالم بن عبد الله ( خذ هذا الرجل وأقتله ) فأخذه سالم وانطلق به خارجا ليقتله.
فلما غاب عن مجلس الحجاج سأل سالم الرجل ( هل صليت الفجر في جماعه اليوم ؟؟ ) فقال الرجل :
نعم.فقال له سالم اهرب .ثم رجع سالم إلي مجلس الحجاج.
فسأله الحجاج :هل قتلت الرجل؟؟ فأجاب سالم ( لا ) فتعجب الحجاج. …. فقال سالم (إن أبي هذا وأشار إلي ابيه عبد الله بن عمر” حدثني أنه سمع أبيه عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( من صلى الصبح في جماعه فهو في ذمة الله )فما كنت لأخفر الله في ذمته.
فعند ذلك سر عبد الله بن عمر وقال قولة الشهيره ( إنما سميتك سالم لتسلم)
فانظروا فان مجرد اختيار الاسم لها غاية وهدف عندهم لذلك قال الماوردي” فإذا وُلد المولود، فإن من أول كراماته له وبره به: أن يحليه باسم حسن، وكنية لطيفة شريفة، فإن للاسم الحسن موقعاً في النفوس مع أول سماعه.”
ومن اهتمام الاسلام بالتربية
? الحث على تعليم الأولاد الصلاة لسبع وضربهم عليها فى العشر والتفريق بينهم فى المضاجع
Gايها المسلمون اننا نستطيع من خلال التربية أن نحقيق القانون والأمن للمجتمع فانظروا الى جيل الصحابة كمثال عملى …
روى أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: “كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر، في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفصيخ والبسر والتمر، فإذا منادٍ ينادي، فقال: اخرج فانظر، فخرجت فإذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فجرت في سكك المدينة، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فهرقتها [1]“كلمة واحدة انهت على قضية الخمر برمتها فى مجتمع كان غارقا ولكنها التربية ياعباد الله
H وفى المقابل نرى اكبر دولة فى العصر الحديث فى عام 1919 أصدرت قانون لمنع الخمور بذلت جهود جبارة في التوعية، حتى لقد سودت تسعة ملايين صفحة تبين أضرار الخمر الطبية، والاجتماعية، والأخلاقية، وبلغت تكاليف الحملة الإعلامية في ذلك العام فقط خمسة وستين مليون دولار عام 1920 وسجن ما بين 1920 و1933 نصف مليون شخص، لإدانتهم بشرب الخمور والاتجار بها أو حيازتها …. وفى النهاية عجزت واضطرت إلى إصدار قانون يبيح شرب الخمور مرة أخرى
والنماذج في هذا الباب كثيرة يضيق المقام لذكرها ولكننا نؤكد أن التربية عامل من أهم عوامل بناء الدول والأمم
ثانياً : أثر الإيمان في بناء الدول
أيها المسلمون عباد الله / إنَّ الإيمان بالله تعالى هو منبع كل فضيلة ورفعة وفلاح فبينما كان المجتمع قبل الإسلام ممزقاً وفاقداً للأمن والعدل غدا بفضل الإسلام والإيمان قوياً موحداً يرتكز على قواعد الحق والعدل.
ومن الشواهد التي تعكس لنا النَّقلة الحضارية الكبرى التي أحدثها الإيمان على صعيد الفرد والمجتمع ما قاله جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة لمّا سأله الأخير عن سبب هجرتهم ومفارقتهم دين قومهم، فأجابه قائلاً: «أيُّها الملك، كنّا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منّا الضعيف، فكنّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئاً”
عباد الله / إن الإسلام نقطة البدء في ميلاد إنسان جديد، يعشق القيم والحكمة، ويتطلع إلى آفاق العلم والمعرفة ?فمن آثار الإيمان العجيبة أنّه يجعل المؤمن ذا نظرة واعية لجميع ما حوله، ولا يغتر بمغريات الدنيا بأسرها فيقنع بالقليل منها، ولا يبطره الغنى. قال على بن أبى طالب رضي الله عنه “إنَّما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار، ويقتات منها ببطن الاضطرار، ويسمع فيها بإذن المقت والإبغاض”
وعن سويد بن غفلة، قال”دخلت على على رضي الله عنه بعدما بُويع بالخلافة وهو جالس على حصير وليس في البيت غيره، فقلت: ياأمير المؤمنين بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئاً ممّا يحتاج إليه البيت ؟ فقال: «يابن غفلة إنَّ اللبيب لا يتأثث في دار النقلة، ولنا دار أمن قد نقلنا إليها خير متاعنا، وإنّا عن قليل إليها صائرون”
ومن آثار الإيمان
- يدفع الى الترابط والاعتصام والوحدة والإتقان
- الاستقامة على الأخلاق، فالأخلاق مرتبطة بالإيمان وضعفها دليل على ضعف الإيمان.
– يدفع المؤمن إلى العمل والإنتاج، لأن المؤمن يعتقد أن العمل عبادة.
– يبعث المؤمن على الإصلاح ومحاربة الفساد، فلا ينبعث إلى الإصلاح إلا من اتقى الله وعمر قلبه بخشيته وتقواه سبحانه وتعالى
رزقنا الله واياكم الايمان الصادق والعمل الصالح واقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم فاستغفروه انه غفور رحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم الى يوم الدين وبعد
ثالثاً :- أثر العلم في بناء الدول
عباد الله بالعلم تتطوّر الأمم والمجتمعات وتنهض، وبالجهل تتخلّف وتضمحل، العلم نور والجهل ظلام، قال تعالى: ”يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” المجادلة11.
العِلم هو أحد أعمدة بناء الأمم وتقدّمها، به تُبنى الأمم وتتقدّم، ويساعد على النّهوض بالأمم المتأخّرة، ويقضي على التخلّف والرّجعية والفقر والجهل والأمية وغيرها من الأمور الّتي تؤخّر الأمّة.
فالعلم من أهم ضروريات الحياة، كالمأكل والمشرب وغيرها، وهو العمود الأساسي في تطوّر المجتمع، لا يستطيع أحد أن يُنكر أنّ النّمو الاجتماعي والاقتصادي في أيّ أمّة مرتبط بالعلم
وانه لواقع وقع مر للآسَفُ فمن يمر على شبابنا اليومَ، ينظُر إليهم وما يَحمِلون من جَمال الصُّورة، وعافية البدَن، إلاَّ أنَّك ما أنْ تُحدِّث مع كثيرمنهم بحديثٍ إلاَّ تجده فارِغًا من العلم وما ينفع وطنه متقناً لفنون اللهو واللعب لذا نرَى جِيلاً غلَب عليه الجهلُ والغَفلة، ولا حوْل ولا قوَّة إلا بالله، ورَحِمَ الله القائل:
وَبَعْضُ الرِّجَالِ نَخْلَةٌ لاَ جَنَى لَهَا ♦♦♦ فَلاَ ظِلَّ إِلاَّ أَنْ تُعَدَّ مِنْ النَّخْلِ
يقول الدكتور زويل رحمه الله ” إن بناء مستقبل للعرب يتوقف على قدرتهم على وضع نظام تعليم جديد، ومناخ جديد للعلم والبحث العلمي، وانظروا ماذا فعلت الهند وكوريا الجنوبية وقد أصبحت فيهما قلاع لإنتاج البرمجيات، وإحراز التكنولوجيا التي توصل إلى إنتاج الإنسان الآلي، والعالم متجه إلى التكنولوجيا الحيوية )البيوتكنولوجي) وذلك بعد أن كانت الهند وكوريا من أكثر دول العالم فقراً وتخلفا!.. فماذا يعلم العالم العربي عنها؟”
الأمة فى خطر ….
فى عام 1957 قام الرئيس الامريكى بإطلاق برنامج تحت اسم (أمة فى خطر) قام فيه بزيادة ميزانية البحث العلمى وذلك لقيام الاتحاد السوفيتي بإطلاق أول قمر صناعي
من أجل كوريا …..
واستطاعت كوريا ان تطلق برنامج تحت اسم ((من أجل كوريا)) قام فيه طلاب المدارس والجامعات بتعليم الاميين الكتابة واستطاعوا ان يقضوا على الأمية في كوريا كلها فى عام واحد
ايها المسلمون محال ان تتقدم اى امة بلا علم محال ان تزدهر اى امة بلا علم لذا لقد حثنا الإسلام على العلم في مواضع كثيرة من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال تعالى (وقل رب زدني علمًا) وقال سبحانه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً للجنة
وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما صنع
وقال الشاعر .. العلم يرفع بيتاً لا عماد له …… والجهل يهدم بيت العز والشرف
ولذلك قد أدرك المسلمون الأوائل قيمة العلم فأقبلوا على دراسته وكانت المساجد تزدحم بحلقات العلم
ورحم الله أبو الدَّرداء فيقول: “الناس عالِمٌ ومُتعلِّم، ولا خيرَ فيما بين ذلك”.
وقال معتمر بن سليمان التيمي البصري: “كتَب إليَّ أبي وأنا بالكوفة، اشتَرِ الصُّحُف واكتُب العلم؛ فإنَّ المال يَفنَى والعلم يَبقَى”.
ولقد نبغ من أبناء الأمة الإسلامية علماء كبار في ميادين المعرفة كلها
وكانوا أساتذة الدنيا لمدة عشر قرون كاملة وعنهم أخذ الغرب علمه وبنى حضارته
وقد ذكر سفيان الثوري مراتب العلم فقال : “أوَّل العلم الإنصاف، ثم الاستِماع، ثم الحفظ، ثم العمل به، ثم النشر”.
تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا
وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ وَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لاَ عِلْمَ عِنْدَهُ صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْمَحَافِلُ |
فما أجدرنا أن نحيي اليوم ما بدأه أجدادنا من قبل في العلم والحضارة وصناعة الحياة .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا يا رب العالمين.
الدعاء ……………………. وأقم الصلاة
أعدها الفقير إلى عفو ربه
ماهر السيد خضير
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف الاسكندرية
[1] البخاري (6/241-242) ومسلم (3/1570) واللفظ له، وغيرهما من أهل السنن.