خطبة الأسبوع : رسائل الإسراء والمعراج ..للداعية الأزهري محمد القطاوي
لتحميل الخطبة بصيغةword إضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf إضغط هنا
- الإسراء والمعراج مرحلة انتقالية للدعوة الإسلامية
- محبة وسلام وأخوة تجمع أنبياء الله في لقاء عظيم برسول الله
- لقاء الأنبياء في الأقصى دعوة لجمع الكلمة ووحدة الصف
- دعوة للتفاؤل وعدم الاستسلام لليأس (تضيق الأرض به فتفتح له السماء أبوابها)
- اختبار وابتلاء لاختيار الرفقاء لرسول الله
- رسول الله ثابت علي مبادئه مهما كثرت المؤامرات ضده
علي ضفاف مناسبة كريمة تعيشها أمة الإسلام في هذا الوقت من كل عام في رحاب ذكري من أعز وأغلي الذكريات في تاريخ امتنا الإسلامية
ذكر حدث جلل بهر العقول وحير الأذهان لم يحدث لنبي من الأنبياء ولا لعظيم من العظماء وإنما حدث خصوصية لصفوة الأتقياء وخاتم الأنبياء محمد صلوات ربي وتسليماته عليه
معجزة قاهرة تدل علي قدرة العلي الأعلى التي لا تحد بزمان ولا تحد بمكان لأنه سبحانه خالق الزمان والمكان ولمكانة هذا الحدث وعظمه خلد الله ذكره في كتابه قائلا
إنها معجزة التأييد والتكريم لحبيب الحق ورسول الصدق
ولله در القائل حيث قال
سريتَ من حــــــرم ليـلاً إلى حــرم ***كما ســـــرى البـدر في داج من الظلـم
وبت تــــــرقى إلـى أن نلـت منـزلـة ***من قاب قوســـين لم تُدرَك ولم تُـرم
سريت وفي الإســــــــراء مـا افتــتنت ***به العقول وحــــــــارت فطنـة الفهـم
إذ كنت قي الحِجْـرِ عند البيت في حرم*** وأقبـل الـــروح يدعو سيـد الـحرم
في ليلـة هـزت الدنيــا عجـائبهـا ***وأُلبست حلـل الإجـلال والعظـم
ركبت متـن براق ما ســــرى قــدما ****إلا تحدى وميض البـــرق في الظلم
وحيـن أديـت في الأقـصــــــــــى تحيتـه*** ما كنت إلاَّ إمــــــــــــام الرسـل كلهـم
وخصـك الله في المعـــراج تكرمـة **بالروح والجـسـم لا في النوم والحلم
فلا تسل كيف كان العــرش في طرب*** وكيف غبطـته بالصـادق العـلـم
وهـل لغيـرك أن يـرقى لمنـزلـة *** أسـمى من اللـوح في العلياء والقلم
رُفعت في ســبحـات الله مستـمعــا ****تروي من العـلم أو تجني من الحِكَم
حتى رجعت بخمـس قـد رضيت بها*** لكنهـا عــــدلـت خمسـين في القيم
يا رب شـــفعـه فـينا يـوم لا ولــد ***يُغني ولا كثــرة الأمـوال والحشـم
حقا إنها فرحة للعالم العلوي والملأ الأعلى الملائكي وحق لنا أمة المختار أن نسعد بهذا التكريم تكريم السماء لأهل الأرض ذاك التكريم الذي تمثل في ليلة الحفل السماوي المجيد والذي أقيم خصيصا لتكريم حامل اللواء وسيد الأتقياء وإمام الأنبياء
ليلة حفل سماوي تزينت لها السماوات العلا واهتزت لجلالها الأرضين والثري
وتسندس العرش فرحة وسرورا واصطفت الملائكة في مظهر من أعظم مظاهر التكريم السماوي لرسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يكن التكريم فقط لحضرة النبي وإنما كان تكريما لأمة الإسلام قاطبة
ليلة أعلن الله فيها للدنيا بأسرها عن المكانة السامية والمنزلة العالية لرسول الله صلي الله عليه وسلم ومن سار علي نهجه إلى يوم الدين
تأتي ذكري ليلة الإسراء والمعراج تحمل الرسائل العظيمة والدروس النافعة التي تصلح لكل زمان ومكان فتعالوا بنا أحبتي نستلهم منها الدروس والعبر
الإسراء والمعراج مرحلة انتقالية للدعوة الإسلامية
ليلة عظيمة انتهت فيها مرحلة الآلام والأحزان التي واجهتها الدعوة الإسلامية وبدأت منها مرحلة جديدة هي مرحلة الانتصارات والفتوحات الإسلامية فكان بحق مرحلة انتقالية أديرت بحكمة إلهية علي يد خير البرية محمد صلي الله عليه وسلم نعم كانت نقطة تحول في حياة النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه انتهت فيها آلام وأحزان وظلم وعناد من أهل مكة وبدأت بعدها مرحلة المنح الإلهية وما تحقق ذلك إلا بصدق النبي وأصحابه وما أحوجنا إلى تطبيق هذه الرسالة في واقعنا الحالي فهاهي الأمة تمر بمرحلة انتقالية ولكنها دامت لانعدام الإخلاص ووجود الأنانية وحب النفس فكل يريد أن يحظى بقطعة ميراث في هذا الوطن لو كلفه ذلك أن يطأ رقاب الضعفاء من الناس الأهم أن يكون هو فقط ولا أحد غيره فو الله لو أخلص ولاة الأمر لربهم واطلع الله علي قلوبهم ورأى فيها التقوى والصدق لاستقامت الأمور وصلح حال البلاد والعباد فقط نريد اليوم أن نطبق القاعدة القرآنية التي تقول ( إنما يتقبل الله من المتقين ) لذا أقول : إن مرحلة البناء في هذا الوطن ما تأخرت إلا لعد م الإخلاص والصدق
الإسراء والمعراج يحمل لأمة المختار رسالة محبة وســلام
رسالة محبة إيمانية وأخوة إسلامية في لقاء ما أجمله بين أنبياء الله ورسله في بيت قدس الله أرضه وباركه وبارك ما حوله حيث وقفوا في اجتماع نبوي يعلمون الدنيا كيف تكون المحبة وإن اختلفت الديانات والكتب فجميعهم جاء برسالة واحدة هي رسالة التوحيد فكيف لا يجتمعون عليها وهم أرسلوا لتبليغها في تواضع جم يقدمون المصطفي لإمامتهم مع أنه صلي الله عليه وسلم آخرهم ولكن هذا ما يحدث حين توجد المحبة في القلوب نعم هذا ما يحدث حين تحرك الأفئدة عاطفة الأخوة والمحبة حين تخضع الجوارح لتنفيذ أوامر الله حين يعمل الجميع بإخلاص لهدف عظيم وغاية اسمي
ملتقي فكري ثقافي أدلي فيه كل نبي دلوه بما أفاض الله عليه من كلمات وما أعطاه الله في فترة رسالته من آيات وهذه المرة كان آخرهم في الحديث رسول الله صاحب جوامع الكلم فبمحبة الله أفاض وبتكريم ربه تباهي وتفاخر حتى وقف جده إبراهيم يقول بهذا فضلكم محمد
هذا الاجتماع الإيماني صوره أمير الشعراء أحمد شوقي فقال:
أسرى بك الله ليلا إذ ملائكة *** والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما خطرت به التفوا بسيدهم *** كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذى خطر *** ومن يفز بحبيب الله يأتمم
نتعلم من محبتهم واحترامهم لبعضهم في مكان قدسه الله أن نوحد الصف ونجمع الكلمة
بهذا الاجتماع الإيماني بين أنبياء الله ورسله وفي بيت من أعظم البيوت شانا في المسجد الأقصى الجريح جاءت رسالة الإسراء والمعراج للأمة الإسلامية أن تتوحد وتجتمع علي كلمة واحدة في إشارة ربانية إلى أن الرابط بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام ليس رابط مكاني فحسب، وإنما هو رابط عقيدة واحدة لأمة واحدة يظل الأقصى في قلبها وفكرها أبد الدهر لا تفريط فيه على مر الزمان، فهو رباط بين المكانين على مر الزمان وتتابع الأجيال بآي القرآن أقدس كتاب على وجه الأرض، كلمة الله ورسالته الأخيرة إلى أبناء الرسالة الخاتمة والبشرية جمعاء
فلم يكن الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى هاتين البقعتين العظيمتين المسجد الحرام بمكة بالمسجد الأقصى بفلسطين ثم الربط بين المسجد الأقصى وبين سدرة المنتهي في السماوات العلا لم يكن مجرد ربطا سياسيا فحسب ولكنه ربط للماضي بالحاضر ورسالة أرادها الله إن تصل للقلوب والأذهان أن يا أمة الخير وحدوا صفوفكم فان فعلتم ذلك فإن عناية الله ترعاكم وتحفظكم من مكر من يمكرون لكم وكيد من يتربصون
دعوة إلى التفاؤل وعدم اليأس والثبات علي المبدأ
لو أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سلم نفسه لليأس والإحباط لما وصل إلينا هذا الدين ولكنه بهذه الرحلة العظيمة علمنا معني التفاؤل ظل صامدا علي أمل أن تنفرج الكربة ويزول الهم وحقق الله له ذلك فما كان بعد محن النبي وإيذائه وتعذيبه إلا منحة التكريم والتعظيم فنحن أمة الإسلام نحن أمة القرآن امة التفاؤل
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
وهذا حال نبي الله يعقوب عليه السلام الذي يصاب بفقد أحب أولاده ومع ذلك لا يتملكه اليأس فيخاطب أولاده ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس م روح الله إلا القوم الكافرون فلا تيأس مهما اشتدت الأزمات فما بعد العسر إلا اليسر وما بعد الضيق إلا الفرج وما بعد المحن والبلايا إلا المنح والعطايا
دعاه صلوات ربي وتسليماته عليه هذا أن يثبت علي مبادئه مهما كانت المغريات فيأتيه عتبة بن ربيعة ويعرض عليه الدنيا بما فيها من مال وملك وجاه وسلطان إنه عرض ما أعظمه في قلوب عشاق الدنيا وزينتها لكن نبينا لا يريد إلا الآخرة ولا هدف له إلا تنفيذ مهمته العظيمة التي كلف بها من الله سبحانه وتعالي وهي هداية الناس ودعوتهم إلي عبادة الواحد الديان
كان هذا العرض المغري كما جاء في سيرة بن هشام
أن عتبة بن ربيعة ، وكان سيدا ، قال يوما وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ، ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة ، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون ؛ فقالوا : بلى يا أبا الوليد ، قم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من السِّطة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها . قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل يا أبا الوليد ، أسمع ؛ قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له .
حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه ، قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني ؛ قال : أفعل ؛ فقال بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه . فلما سمعها منه عتبة ، أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه ؛ ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها ، فسجد ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك
ويمكنني القول أن القرآن الكريم مجد المسلمين الثابتين والمستمسكين بمبادئهم الرفيعة، كما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان خيرُ مثالٍ للإنسان الثابت على مبادئه، فكان هو وأهل بيته يحمون المبادئ ويضحون في سبيلها بكل ما يملكون من مال ونفس، فكان الرسول يزداد ثباتاً وإصراراً كلّما زادت عليه المؤامرات من الكفار والظالمين، فبهذا الصمود والثبات تزلزلت قوى الظلم والكفر
فالمبادئ كما قيل لا تتجرسالة منون تبعا للمواقف والأحداث وإنما صاحب المبدأ لا يزحزحه عن مبادئ شئ مهما حيكت له المؤامرات ومها اشتدت عليه الأزمات ومهما عرضت عليه المغريات
فالثبات علي المبدأ إذا رسالة من أعظم رسائل الإسراء والمعراج ودرس من دروسه التي نستلهمها من روح هذا الحدث الجلل
الخطبة الثانية
أما بعد
أوصيكم ونفسي بتقوي الله تبارك وتعالي ومحبته وأوصيكم ونفسي باتباع سنة حبيبنا المصطفي صلوات ربي وتسليماته عليه
الإسراء والمعراج رحلة علم وعمل
ولي أن أقف هنيهة مع أمر هام للغاية
ما أن تأتي ذكري الإسراء والمعراج إلا ونتبارى بذكر أسباب الحدث أنه كان تسرية وتثبيتا لقلب النبي وكان المصطفي صلي الله عليه وسلم قد يأس وأصابه الإحباط فأراد الله أن يثبت قلبه وفؤاده فهل رسولنا قد وصل به الأمر إلى اليأس والإحباط حتى يعجل الله برحلتي الإسراء والمعراج ليثبّت بذلك قلبه كلا كان سبب التسرية والتثبيت جزءا من أسباب الحدث ولم يكن هو كل أسبابها فتلك الرحلة العظيمة كانت رحلة عمل لرسول الله صلي الله عليه وسلم أراد الله أن يريه فيها من آياته الباهرة عيانا بيانا ليبلغ أمته بما رأى من آيات ربه ألم تفرض فيها الصلاة ألم يري فيها نبينا الجنة والنار إذن فكانت رحلة عمل لرسول الله ولم تكن فقط مجرد تسرية وتثبيتا لقلبه وفؤاده صلوات ربي وتسليماته عليه
تربية الرجال الأقوياء واختيار الرفقاء لتبليغ الرسالة
أيضا تأتي رحلة الإسراء والمعراج لتربي جيلا قويا فتيا يستطيع أن يتحمل الأمانة وان يبلغ رسالة السماء فلئن كانت حكمة الله قد اقتضت أن لا يكون هناك نبي بعد رسول الله فمن إذن سيحمل اللواء ويبلغ الرسالة إلى أن تقوم الساعة
يتجلي هذا المعني في جعل الله تبارك وتعالى معجزة الإسراء أمرا غيبيا يحدث في جزء من الليل لم يراه الناس مع أن الله قد أجرى لجميع أنبيائه ورسله معجزات حسية رآها الناس أما معجزة الإسراء والمعراج أراد الله أن يجعلها أمرا غيبيا يقوم عليها دليل مادي فمن آمن وصدّق النبي صلي الله عليه وسلم حين يخبرهم عن أمر الرحلة فهؤلاء هم الذين يستحقون أن يحظون بشرف الصحبة هؤلاء هم الذين يستحقون أن يحملوا أمانة الدعوة إلى الله جل وعلا لذلك جعل الله الإيمان بالغيب من صفات الأتقياء والأصفياء فقال سبحانه : ” الم ذلك الكتب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك علي هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون “
إعداد : محمد القطاوى