خطبةُ عيدِ الفطرِ المباركِ للدكتور محروس حفظي لسنة 1446هـ

خطبة الجمعة القادمة
خطبةُ عيدِ الفطرِ المباركِ 30 مارس 2025 ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 1 شوال 1446هـ ، الموافق 30 مارس 2025م.
لتحميل خطبةُ عيدِ الفطرِ المباركِ 30 مارس 2025.
ولتحميل خطبةُ عيدِ الفطرِ المباركِ 30 مارس 2025 ، للدكتور محروس حفظي ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبةُ عيدِ الفطرِ المباركِ 30 مارس 2025 م ، للدكتور محروس حفظي ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبةُ عيدِ الفطرِ المباركِ 30 مارس 2025 ، للدكتور محروس حفظي :
(1) الأعيادُ في الإسلامِ مصدرٌ للسرورِ، وإفشاءٌ للقيمِ الجماليةِ.
(2) الماضِي لا يُذكرُ، والجزاءُ مِن جنسِ العملِ.
(3) همسةٌ في أُذنِ مَن أقبلَ على اللهِ في رمضانَ.
ولقراءة خطبةُ عيدِ الفطرِ المباركِ 30 مارس 2025 : كما يلي:
«خطبةُ عيدِ الفطرِ المباركِ»
بتاريخ 1 شوال 1446 هـ = الموافق 30 مارس 2025 م
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلّا الله، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ، اللهُ أكبرُ كبيراً، والحمدُ للهِ كثيراً، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً، اللهُ أكبرُ كلَّما صامَ صائمٌ وأفطرَ، اللهُ أكبرُ كلَّمَا لاحَ صباحُ عيدٍ وأسفرَ، اللهُ أكبرُ كلّمَا لاحَ برقٌ وأنور،،، أمّا بعدُ:
(1) الأعيادُ في الإسلامِ مصدرٌ للسرورِ، وإفشاءٌ للقيمِ الجماليةِ: هذا يومُ عيدِ الفطرِ، يومُ الزينةِ، يومٌ عظَّمَ اللهُ قدرَهُ، وأفاضَ علينَا مِن النِّعمِ ما يُوجِبُ شُكرَهُ، جعلَهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ – لكُم تفرحونَ فيهِ بأنْ أديتُم ما أمرَ اللهُ مِن عبادةٍ، فصمتُم نهارَ رمضانَ وقمتُم لياليهِ، وانتظرتُم الفرجَ والفضلَ مِن اللهِ فيهِ، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: “يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: “…، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ” (البخاري)، وها نحن اليوم قد أفطرَنَا، وأنهينَا شهرَنَا، فأفرحُوا وأبشرُوا.
إنَّ الأعيادَ في الإسلامِ لهَا سمةٌ مميزةٌ لهَا عن غيرِهَا، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: “كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ، قَالَ: “كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى” (النسائي)، والأعيادُ في الشرعِ الحنيفِ تسبقُهَا عبادةٌ كبرَى، فعيدُ الفطرِ يأتِي بعدمَا يسّرَ اللهُ لنَا صيامَ رمضانَ ومَنَّ علينَا بقيامِهِ، والصدقةِ فيهِ، وقراءةِ القرآنِ وغيرِهَا مِن الطاعاتِ، فكان العيدُ شكراً للهِ على ما أنعمَ بهِ، قال ربُّنَا عقبَ آياتِ الصيامِ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
يا مَن صمتُم أيامَ رمضانَ، وقمتُم لياليهِ المباركةَ، اليومَ تصلونَ صلاةَ العيدِ، هنيئًا لكم مغفرةَ ربِّكُم، فإنَّ اللهَ في مثلِ هذه الساعةِ المباركةِ يُباهِي بعبادِهِ الصائمينَ إيمانًا واحتسابًا، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “…، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدِهِمْ، يَعْنِي يَوْمَ فِطْرِهِمْ، بَاهَى بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ، فَقَالَ: يَا مَلَائِكَتِي مَا جَزَاءُ أَجِيرٍ وَفَّى عَمَلَهُ؟، قَالُوا: رَبَّنَا جَزَاؤُهُ أَنْ يُوفَى أَجْرَهُ، قَالَ: مَلَائِكَتِي عَبِيدِي وَإِمَائِي قَضَوْا فَرِيضَتِي عَلَيْهِمْ، ثُمَّ خَرَجُوا يِعِجُّونَ إِلَيَّ بِالدُّعَاءِ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكَرَمِي وَعُلُوِّي وَارْتِفاعِ مَكَانِي لَأُجِيبَنَّهُمْ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَبَدَّلْتُ سَيِّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ، قَالَ: فَيَرْجِعُونَ مَغْفُورًا لَهُمْ ” (شعب الإيمان).
مِن حقِّ المسلمينَ في يومِ عيدِهِم أنْ يسمعُوا حديثًا مُبهِجًا، وكلامًا مُؤنِسًا؛ لأنَّ الجمالَ نعمةٌ مِن أتمِّ النِّعَمِ إذا رآهُ المرءُ في الخلقِ اطمأنَّت نفسُهُ، ودخلَ عليهِ السرورُ والبهجةُ، فكُن جميلاً يومَ العيدِ ترى أنسامَ الجمالِ تسرِي في عروقِكَ وأنفاسِكَ، وعذوبةً في منطقِكَ، وطِيبًا في ذوقِكَ، قال الإمامُ ابنٌ بطَّال: (جعلَ اللهُ في فِطَرِ الناسِ محبَّةَ الكلمةِ الطيبةِ والأُنسَ بها، كما جعلَ فيهم الارتياحَ بالمنظرِ الأنيقٍ والمعينِ الصافِي وإنْ كان لا يملكُهُ ولا يشربُهُ) أ.ه.
ولذا كان مِن هديِ النبيِّ ﷺ في العيدِ أنْ يلبسَ أحسنَ الثيابِ، ويغتسلَ ويتطيبَ عملاً بقولِهِ تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾، فكان ﷺ أهلاً للجمالِ الباطنِي والظاهرِي معاً بل هو ﷺ الجمالُ نفسُهُ، وكان الصحابةُ رضي اللهُ عنهُم يقتدونَ بهِ مِن بعدِهِ، فعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ «يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى» (الموطأ).
لقد غرسَ الإسلامُ في نفسِ المسلمِ حبَّ الجمالِ، وإدراكِ الزِّينةِ، فهو يشاهدُ الجمالَ مبثوثًا في الكونِ كلِّهِ حيثُ يتجلَّى فيه صُنعُ اللهِ الذي أتقنَ كلَّ شيءٍ، ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾، إيقاظٌ للشعورِ بالجمالِ ومواطنِ الزِّينةِ التي أودعَها اللهُ في خلقِهِ في هذا الكونِ الفَسيحِ مِن فوقِنَا، ومِن تحتِنَا، ومِن حولِنَا؛ لتمتلِئَ الأعيُنُ والآذانُ، والقلوبُ بهجةً وسرورًا في جمالِ الطبيعةِ، ولذا جاءَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا» (البخاري).
فما أعظمَ في العيدِ أنْ يُجمِّلَ العبدُ قلبَهُ بحسنِ المراقبةِ للهِ ومحبَّتهِ، وصدقِ التوكُّلِ عليهِ، والإنابَةِ إليهِ، ولِسانَهُ بالصدقِ، وحُسنِ الكلامِ، وجوارِحَه بالطاعةِ، والعملِ النافعِ، فالشارعُ الحكيمُ قد شرعَ للمؤمنينَ التوسعةَ في أيامِ العيدِ، فأباحَ لهُم أنْ يأكلُوا ويشربُوا، ويلعبُوا ويمرحُوا بما لا يتنافَى مع أخلاقِ الإسلامِ، والآدابِ العامةِ، ولذا بوَّبَ الإمامُ “مسلمٌ” في “صحيحِهِ “بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اللَّعِبِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ” ثُمَّ ساقَ أحاديثَ كثيرةً في جوازِ اللعبِ مع إظهارِ القيمِ الجماليةِ يومَ العيدِ، ومنها: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ ﷺ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ» (مسلم)، “يَزْفِنُونَ”: يرقصونَ، وحملَهُ العلماءُ على التوثبِ بسلاحِهِم، ولعبهِم بحرابهِم على قريبٍ مِن هيئةِ الرقصِ؛ لأنَّ معظمَ الرواياتِ إنّمَا فيها لعبهُم بحرابهِم، فيُتأَولُ هذه اللفظةُ على موافقةِ سائرِ الرواياتِ.
أريتَ كيف أنَّ النبيَّ ﷺ يقرُّ الجمالَ والفرحَ في مجالاتِهِ الحقَّةِ، وفي ميادينِهَا النقيَّةِ الذي بهم يقتدِي أهلُ الهِمَمِ بالتوجُّهِ نحوَ العزائِمِ، والأذواقِ الرَّفيعةِ، والتعامُلِ الكريمِ، والأخلاقِ العليَّةِ في طهارةِ لسانٍ، وكفِّ أذَى بخلافِ الفرحِ واللعبِ الذي فيهِ إضرارٌ بالآخرين، وإلحاقُ الأذَى المادِي والمعنوي، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» (أحمد).
لا شكَّ أنَّ المفهومَ الحقيقيَّ للعيدِ أنْ يسلمَ الخلقُ مِن شرورِكَ، وأنْ تُتَرجَمَ أخلاقُ الإسلامِ في واقعِ حياتِكَ، وألَّا تعصي اللهَ- عزَّ وجلَّ- في ذلك اليوم، ولتحذرْ مِن الاسترسالِ في المعاصِي واللهوِ المحرمِ، فقد رأى “وهبُ بنُ الوردِ”: “قوماً يضحكون في يومِ عيدٍ فقال: إنْ كان هؤلاء تُقبِّلَ منهم صيامُهُم، فما هذا فعلُ الشاكرينَ، وإنْ كان لم يتقبل منهم صيامُهُم فما هذا فعلُ الخائفين” (لطائف المعارف)، ولنتذكرْ في يومِ العيدِ اليتامَى والمعوِزين، فتلكَ واللهِ هي التجارةُ الرابحةُ في أسواقِ الآخرةِ.
وتأملْ هذا الجمالَ في أنْ يتناولَ الصائمُ شيئاً مِن الطعامِ قبلَ صلاةِ العيدِ؛ لأنّهُ خرجَ مِن صيامٍ؛ فناسبَ أنْ يأكلَ شيئاً قبلَ الصلاةِ، ليسارعَ إلى طاعةِ اللهِ الذي أمرَهُ بالفطرِ، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ:«كَانَ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ، لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ يَأْكُلُهُنَّ إِفْرَادًا» (أحمد)، وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ «يَأْكُلُ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ» (الموطأ).
ومِن أجلِ أنْ يشعَ الجمالُ في الكونِ كلِّهِ، ويسلمَ مِن الأذى، ويعمَّ السلامُ والأمانُ، يُستحبُّ للمصلِّي أنْ ينطلقَ إلى الصلاةِ مِن طريقٍ، ويرجعَ مِن آخرٍ اقتداءً بالحبيبِ ﷺ.
قالَ ابنُ حجرٍ: (وقِيل: فعلُ ذلك ليعمهُم في السرورِ بهِ أو التبركِ بمرورهِ وبرؤيتهِ، والانتفاعِ بهِ في قضاءِ حوائجهِم في الاستفتاءِ أو التعلمِ والاقتداءِ والاسترشادِ أو الصدقةِ أو السلامِ عليهِم وغيرِ ذلكَ، وقِيل: ليزورَ أقاربَهُ الأحياءَ والأموات، وقِيل: ليصلَ رحمَهُ، وقِيل: ليتفاءلَ بتغيرِ الحالِ إلى المغفرةِ والرضا، وقِيل: كان في ذهابِهِ يتصدقُ، فإذا رجعَ لم يبقَ معهُ شيءٌ فيرجع في طريقٍ أخرى؛ لئلَّا يردّ مَن يسألهُ، أو أرادَ تكثيرَ الأجرِ بتكثيرِ الخُطَا في الذهابِ؛ ولأنَّ الملائكةَ تقفُ في الطرقاتِ فأرادَ أنْ يشهدَ لهُ فريقانِ منهم) أ.ه. ولأنَّ الأرضَ يومَ القيامةِ ستشهدُ على ما عملَ فيهَا مِن خيرٍ وشرٍّ كما قالَ اللهُ: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ .
(2) الماضِي لا يُذكرُ، والجزاءُ مِن جنسِ العملِ: العيدُ فرصةٌ لإصلاحِ ما فسدَ مِن العلاقاتِ الاجتماعيةِ، وتصفيةِ القلوبِ، وإزالةِ الشوائبِ عن النفوسِ، وتنقيةِ الخواطرِ مِمّا علقَ بهَا مِن بغضاءٍ أو شحناءٍ، فلنغتنم هذه الفرصةَ، ولنجدد المحبةَ، ولتحلَّ المسامحةُ والعفوُ محلَّ العتبِ والهجرانِ مع جميعِ الناسِ مِن الأقاربِ والأصدقاءِ والجيرانِ، فرسولُنَا ﷺ الذي كان يعفو ويصفحُ عمَّن ظلمَهُ، وترجمُوا وصيتَهُ التي قالَهَا لسيدِنَا عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، فعَنْ عُقْبَةَ قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لِي: «يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ» (أحمد).
وقد وردَ أنّ مَسْعُودَ بْنَ مُحَمَّدٍ الهَمذَانِي كان رجُلًا يُحِبُّ العفوَ والصفحَ، وكان يُرغِّبُ بهِ، ويدعُو إليهِ، وإذا جاءَهُ مَن يعتذِرُ منه، عفَا عنهُ، وقال له كلمةً عظيمةً اشتُهرَ بهَا، هي:«الماضِي لا يُذكرُ»، وعندما تُوفيَ مسعودٌ رُئِيَ في المنامِ، فقِيلً له: ما فعلَ اللهُ بك؟ فقال: أوقفنِي بينَ يديهِ وقال لي: يا مَسْعُود، الماضي لا يُذْكَرُ، انطلقوا به إلى الجنَّةِ» (تاريخ الإسلام للذهبي).
يا مَن جئتُم إلى صلاةِ العيدِ، مَن منكُم يفعلُ كما فعلَ هذا الوليُّ؟ مَن منكُم يكون شعارُهُ في تعاملِهِ مع مَن أساءَ إليهِ، أو أخطأَ في حقِّهِ أنْ يقولَ لهُ: «الماضِي لا يُذكَرُ»، وتذكَّروا ما جاءَ عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» (مسلم).
لقد شُرِعَ السلامُ يومَ العيدِ: فيستحبُّ أنْ يسلمَ المسلمون على بعضِهِم، ويدعو بعضُهُم لبعضٍ بأنْ يتقبلَ اللهُ طاعتَهُم، روى ابنُ حجرٍ بسندِ حسنٍ عن جبيرِ بنِ نفيرٍ قال: «كان أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ إذا التقُوا يومَ العيدِ يقولُ بعضُهُم لبعضٍ تقبلَ اللهُ منَّا ومنكَ» (فتح الباري)، فما أحوجنَا في هذا الوقتِ الراهنِ أنْ نصفيَ قلوبَنَا، ونصلحَ ما بينَنَا، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾؛ حتى يفشو السلامُ الداخلِي والخارجِي، ويعمَّ الخيرُ حياتَنَا؛ لأنَّ رحمةَ اللهِ ونصرَهُ وفرجَهُ ينزلُ على المتراحمينَ مِن الخلقِ، وعلى المتواصلينَ المتحابينَ كما قال اللهُ سبحانه: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، وعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ: الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ” (الترمذي).
أيُّها الأخوةُ: إنَّ الكثيرينَ منَّا قد عششت الضغائنُ في قلوبِهِم، وفرخت قطيعةُ الرحمِ في نفوسِهِم، أفلم يأنِ للقلوبِ أنْ تصفحَ وتسامحَ؟! ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، أليس وقتُ العيدِ مناسباً لوصلِ ما انقطعَ مِن أرحامٍ، وصدعِ الشروخِ التي أفسدت الصداقاتِ والقرباتِ؟ ألم نسمعْ إلى اللهِ سبحانَهُ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾، فكيفَ بقومٍ لعنَهُم اللهُ، وأصمَّهُم وأعمَى أبصارَهُم عن صلةِ الأرحامِ أنْ يفلحُوا وأنْ ينتصرُوا؟! كيف يسعدُ بالعيدِ مَن قطَّعَ رحمَهُ، واستجلبَ لعنَةَ اللهِ وغضبَهُ؟!
(3) همسةٌ في أُذنِ مَن أَقبلَ على اللهِ في رمضانَ: يا مَن ودَّعتَ رمضانَ تذكَّرْ أنّكَ ستودِّعُ الدنيا: تذكَّرْ أخي رحيلَكَ مِن الدنيا برحيلِ رمضانَ، فقُلْ لِي بربِّكَ: إلى أين ستودعُ الدنيا؟ ستودعُ الدنيا مِن أجلِ أنْ تلقَى اللهَ، فسلْ نفسَكَ: ماذا قَدَّمْتَ للهِ؟ هل هيَّأتَ نفسَكَ للوقوفِ بينَ يدَيِ اللهِ للحسابِ؟!، هل أنت راضٍ عن نفسِكَ في رمضانَ؟، هل أمِنَ جارُكَ وزوجتُكَ مِن ظلمِكَ؟ هل أطعتَ أُمَّكَ وأباكَ؟ هل أعطيتَ حقَّ أخواتِكَ مِن الميراثِ؟ هل تصرُّفاتُكَ مع الناسِ ترضِي رسولَ اللهِ ﷺ؟ سلْ نفسَكَ: هل سيكونُ اللقاءُ مع اللهِ لقاءَ سعادةٍ وفرحةٍ أم لقاءَ خيبةٍ وندامةٍ؟! فهل هيَّأتَ زادَكَ لهذا السفرِ الطويلِ؟ هل ستبقَى ثابتًا على طاعتِكَ، ومحافظًا على صلاتِكَ في المساجدِ، وعلى تلاوتِكَ للقرآنِ، وعلى قيامِكَ لصلاةِ الليلِ، وإنفاقِكَ في سبيلِ اللهِ، أمْ أنّكَ ستودِّعُ هذه الطاعاتِ بتوديعِكَ لرمضانَ؟!
إنّ مِن مظاهرِ الجمالِ والإحسانِ بعدَ رمضانَ استِدامةَ العبدِ على نهجِ الطاعةِ والاستقامةِ، وقد ندَبَكم سيدُّنَا ﷺ بأن تُتبِعوا رمضانَ بستٍّ مِن شوال، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (مسلم).
إنَّ العبدَ لا يجدُ طعمَ الراحةِ إلَّا في دارِ الخلدِ، وطالمَا يعيشُ على ظهرِ هذه الأرضِ هو مطالبٌ بالعملِ والعبادةِ حتى ينتهِي أجلُهُ، فإذا انقضَى رمضانُ فإنَّ المؤمنَ لا ينقضِي عملُهُ، ولذا يخاطبُ اللهُ أشرفَ عبادِهِ، وأزكَى خلقِهِ نبيَّهُ ﷺ فيقولُ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، وقد سُئِلَ بشرُ الحافي- رحمَهُ اللهُ- عن أناسٍ يتعبدونَ في رمضانَ ويجتهدونَ، فإذا انسلخَ رمضانُ تركُوا، قال: «بئسَ القومُ لا يعرفونَ اللهَ إلّا في رمضانَ»، وسُئِلَ الشبليُّ – رحمَهُ اللهُ -: أيُّمَا أفضلُ رجبُ أو شعبانُ ؟ فقال:«كُنْ ربانيّاً ولا تكنْ شعبانيّاً»، فالعبرةُ ليست بكثرةِ العبادةِ ثم الانقطاعِ عنها فجأةً، بل بالمداومةِ عليهَا ولو كانت قليلةً، يقولُ التابعيُّ علقمةُ بنُ قيسٍ النخعيِّ سَأَلْتُ عَائِشَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: «لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ يَسْتَطِيعُ» (متفق عليه) .
أيُّها الأحباب: العيدُ يأتي علينا لنلبسَ الجديدَ، ويهنِّئَ بعضُنَا بعضاً لكنه يأتِي الآن على بعضِ بلادِ المسلمين، وقد اشتدَّ بلاؤهَا، وازدادَ كربُهَا، وتشعَّبت أزماتُهَا، ولكن مع كلِّ ذلك البلاءِ لا يصحُّ لنا أنْ نيأسَ أو نقنطَ ﴿لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ﴾، فأبشروا فإنَّ النصرَ قد أقبلت أيامُهُ، وانعقدَ غمامُهُ، وأحسنوا الظنَّ بربِّكُم، وأجمعُوا مع الأملِ حسنَ العملِ، واعلمُوا أنَّ ﴿مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾، فافرحُوا ولا تحزنُوا، وتذكرُوا في يومِ العيدِ يومَ الجائزةِ الكبرى حين يُوفَّى الصابرونَ أجرَهُم بغيرِ حسابٍ، وحين يأمنُ أهلُ الإيمانِ مسَّ العذابِ، وحينَ يقولُ اللهُ لعبادِهِ الصائمين:﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾، بينما أهلُ البغيِ والطغيانِ يُنادَونَ كما قال اللهُ عنهم:﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
تقبَّلَ اللهُ منَّا ومنكُم الصيامَ والقيامَ، وسائرَ الطاعاتِ، والأعمالَ الصالحاتِ ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ونسألُ اللهَ أنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف