خالد بدير : صفات علماء الفتنة الجهل والفتوي بغير علم والتكفير والكذب ويبيعون دينهم ..
قال الدكتور خالد بدير عن صفات علماء الفتنة : علماء الفتنة فلهم صفات كثيرة نعلمها لنحذرهم ؛ ومن هذه الصفات :
كثرة الجهل والفتوى بغير علم : وما أكثر الجهلاء الذين يتصدرون للفتوى بغير علم في هذه الأيام. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ؛ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا”(متفق عليه) ؛ ونحن نعلم أن الفتوى بغير علم قد تؤدي إلى الهلاك والدمار والوقوع في أكبر الكبائر ؛ وقد أنكر النبي – صلى الله عليه وسلم – على من أفتوا رجلاً بغير علم مما أدى إلى هلاكه وموته ؛ فعَنْ جَابِرٍ قَالَ:
خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ َعلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ » ( أبوداود وابن ماجة بسند حسن ) .
ومنها: تكفير الآخرين :
لذلك حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من رمي الآخرين بالكفر، وأخبر عن عاقبته السيئة على المعتدي؛ فعن ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ”.( متفق عليه واللفظ لمسلم) وفي رواية للبخاري :” وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ”. يقول القرطبي:
“والحاصل؛ أن المقول له إن كان كافراً كفرا شرعياً فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه”. وعلى هذا فمن قال لأخيه المسلم (يا كافر) وهو ليس كذلك فقد عرض القائل نفسه للكفر، لأنه وقع في المعصية والمعاصي بريد الكفر إن لم يتب منها فيخشى عليه من هذه العاقبة.
وأضاف أن تكفير الآخرين جريمة نكراء وظاهرة شنعاء؛ ولو علم المكفِّرُ لأخيه المسلم ما يترتب على تكفيره له لما أقدم على ذلك؛ فإن الكافر يحل دمه وماله، ولا تؤكل ذبيحته؛ ويفرق بينه وبين زوجته، ولا يرث ولا يورث، وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين!! ومن هنا يتبين ما للتكفير من توابع تحدث فوضى واضطراباً في المجتمع المسلم، وتمزيقاً لأواصر الأمة الإسلامية، وغرساً لبذور الشقاق والخلاف بين المسلمين.
وتابع خالد بدير:
اعلموا أن للتكفير عواقبه الوخيمة وأضراره الجسيمة على الفرد والمجتمع؛ فالتكفير ذريعة ومسوغ لاستباحة الدماء وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصّة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المنشآت، وزرع العداوات والأحقاد والفرقة بين أفراد المجتمع؛ فهذه الأعمال وأمثالها محرَّمة شرعًا بإجماع المسلمين؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغُدوِّهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى عنها للناس في حياتهم؛ وكل هذه جرائم ترتكب تحت ستار التكفير !!
ومنها: أنهم يقولون ما لا يفعلون :
ولقد ذم الله هؤلاء بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ،كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}( الصف 2 ، 3)، يقول الشيخ السعدي: ” أي: لِمَ تقولون الخير وتَحُثُّونَ عليه، وربما تَمَدَّحْتُم به وأنتم لا تفعلونه، وتَنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به، فالنفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة “.
وعن أسامة بن زيد قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ؛ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ؟! أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟! قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ” ( متفق عليه ).
قال مالك بن دينار رحمه الله ” إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا”، وقال الثوري : ” العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل” .
ومنها: أنهم يبيعون دينهم بثمن بخس:
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. (البقرة : 174) ، ويقول سبحانه: { اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }. (التوبة : 9) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : ” مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ ، وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ ، وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ. ” . ( الطبراني وابن ماجة بسند صحيح ) .
أي: لا تتعلم العلم، وتطلبه لأجل مباهاة العلماء، أي: مفاخرتهم به، أو لأجل أن تماري به السفهاء، أي: تجادلهم به، أو لأجل مراءاة الناس به في المجالس، وغيرها؛ ليذكروك ويمدحوك، فهو حث على الإخلاص لله في طلب العلم.
ومنها: حلاوة منطقهم وعذوبة ألسنتهم:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَبِي تَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِئُونَ، فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَذَرُ الْحَلِيمَ فِيهِمْ حَيْرَانَ » ( الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب ) .
ومنها: الكذب على الله ورسوله:
حيث يقول تعالى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } . (النحل : 116) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد ، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار “(رواه البخاري).
وبعد : فهذه صفات علماء الفتنة في زماننا هذا ؛ ألا فنحذرهم لأنهم أدوات هدم وتخريب وتدمير ؛ ولنعرف عمن نأخذ ديننا وعلمنا ؛ قال تعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ }. (الزمر : 9) .
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف