عاجل

التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا ، خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة : التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا ، بتاريخ 22 شعبان 1443هـ – الموافق 25 مارس 2022م.

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف المصرية صور : “التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا”

وتؤكد الأوقاف علي الالتزام بـ خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف : ” التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا”:

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

مسابقات الأوقاف

 

وتؤكد الأوقاف علي الالتزام بـ خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف 25 مارس 2022م. 

وتؤكد وزارة الأوقاف على جميع السادة الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة القادمة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير , وألا يزيد أداء الخطبة عن عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.

مع ثقتنا في سعة أفقهم العلمي والفكري ، وفهمهم المستنير للدين ، وتفهمهم لما تقتضيه طبيعة المرحلة .

     نسأل الله العلي القدير أن يجعل عودة صلاة الجمعة فاتحة خير ، وأن يعجل برفع البلاء عن البلاد والعباد.

عن مصرنا العزيزة وسائر بلاد العالمين ، وألا يكتب علينا ولا على أحد من خلقه غلق بيوته مرة أخرى.

ولقراءة خطبة من الأرشيف عن موضوع خطبة الجمعة القادمة كما يلي:

الخطبة الأولي عن الوالدبن:

 

حقوق الوالدين وذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخرة : خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير ، بتاريخ: 2 ربيع الآخر 1441هـ – 29 نوفمبر 2019م

لتحميل خطبة بعنوان : حقوق الوالدين وذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخرة ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير :

لتحميل خطبة بعنوان : حقوق الوالدين وذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخرة ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير ، بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل خطبة بعنوان : حقوق الوالدين وذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخرة ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن الدروس الدينية

ولقراءة خطبة بعنوان : حقوق الوالدين وذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخرة، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير  : كما يلي:

 

عناصر خطبة بعنوان : حقوق الوالدين وذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخرة ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير   :

العنصر الأول: أهمية حقوق الوالدين في الإسلام

العنصر الثاني: حقوق الوالدين صور ونماذج بين الماضي والحاضر

العنصر الثاالث: حقوق الوالدين بعد موتهما

العنصر الرابع: حقوق ذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخرة

     المقدمة:                                                            أما بعد:

 

حقوق الوالدين وذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخر:

 

العنصر الأول: أهمية حقوق الوالدين في الإسلام

أيها المسلمون: لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالمسنين وأولاهم رعاية كاملة؛ وإن هذه الرعاية تكون آكدة ومضاعفة للأجر إذا كانت للوالدين؛ لأن المسن القريب له حقان: حق الرعاية العامة؛ وحق القرابة؛ وذلك قياساً على حقوق الجار .

لذلك حثنا الشارع الحكيم على البر والإحسان إلي الوالدين ولا سيما في مرحلة الكبر والشيخوخة؛ قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23-24]. واعتبر الإسلام ذلك شكراً لهما على ما قدماه لك من معروف وتربية ورعاية في حال صغرك؛ قال تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } (لقمان: 14) . فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره تعالى ؟!!

 قال ابن عباس رضي الله عنهما:

ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها أي إحداهما. قول الله تعالى: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ” فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. الثانية: قول الله تعالى: ” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ” فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه. الثالثة: قول الله تعالى: ” أن اشكر لي ولوالديك ” فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين ” .(البزار والبيهقي بسند حسن).

أيها المسلمون: إن الإنسان إذا أهمل أبويه ولم يقم بحقوقهما وبرهما ورعايتهما ولا سيما في حال الكبر والضعف والشيخوخة؛ فإنه بعيد عن رحمة الله وعن جنته؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، ” أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَى الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ” ، قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا ؟ فَقَالَ : قَالَ لِي جِبْرِيلُ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، قُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ” .( أحمد والطبراني والترمذي وحسنه).

أحبتي في الله: إن الإسلام جعل الإحسان إلى الوالدين والسعي عليهما والقيام بحقوقهما جهاداً في سبيل الله:

فعَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-:”إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ”.( الطبراني بسند صحيح).

كما أن الإحسان إلى الوالدين وبرهما ومراعاة حقوقهما طريقٌ إلى الجنة؛ فقد جاء رجل إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو؛ وقد جئت أستشيرك؛ فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: «فالزمها فإن الجنة عند رجليها».( أحمد والنسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي). وعن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

« دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة فقلت : من هذا ؟ قالوا : حارثة بن النعمان » ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كذلكم البر كذلكم البر »(الحاكم وصححه). وكان حارثة أبرّ النّاس بأمّه. لذلك قال حميد: لما ماتت أم أياس بن معاوية: بكى ؛ فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة ؛ وأُغلق أحدهما.

ولأهمية ومكانة الأم في الإسلام:

كرر الإسلام الوصية بالأم ثلاثا لفضلها ومكانتها ولتحملها متاعب ومشاق الحمل والرضاعة والتربية؛ فقد جاء رجلٍ جاء إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” يسأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك».(متفق عليه).

يقول ابن بطال: ” في هذا الحديث دليل أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاث أمثال محبة الأب، لأنه عليه السلام كرر الأم ثلاث مرات، وذكر الأب في المرة الرابعة فقط، وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم، وتشقى بها دون الأب فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب.”

ومن عجيب ما جاء به الإسلام أنه أمر ببر الوالدين والإحسان إليهما حتى في حالة الشرك؛ فقد سألت أسماء بنت أبى بكر النبي “صلى الله عليه وسلم” عن صلة أمها المشركة، وكانت قدمت عليها؛ فقال لها: «نعم؛ صلي أمك».(متفق عليه).

العنصر الثاني: حقوق الوالدين صور ونماذج بين الماضي والحاضر

عباد الله: حقوق الوالدين تعالوا لنعرض لكم صوراً مشرقةً لسلفنا الصالح وكيف كانوا يسعون جاهدين إلى أداء حقوق آبائهم وأمهاتهم؟!! وكيف كانوا بارين بهم مقارنةً بواقعنا المعاصر ؟! فقد رأى ابن عمر  – رضي الله عنهما – رجلاً يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته فقال: يا ابن عمر أترى أني جزيتها ؟ قال: لا! ولا بطلقة واحدة ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً .

وروي أَنَّ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا يَحْمِلُ أُمَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهَا مِثْلَ الْحَوِيَّةِ عَلَى ظَهْرِهِ يَطُوفُ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: أَحْمِلُ أُمِّي وَهِيَ الْحَمَّالَةُ تُرْضِعُنِي الدَّرَّةَ وَالْعُلَالَةَ . فَقَالَ عُمَرَ: «لأَنْ أَكُونُ أَدْرَكْتُ أُمِّي فَوَلِيتُ مِنْهَا مِثْلَ مَا وَلِيتَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ»( البر والصلة لابن الجوزي). وكان علي بن الحسن: لا يأكل مع والديه فقيل له في ذلك؟! فقال: لأنه ربما يكون بين يدي لقمة أطيب مما يكون بين أيديهما وهما يتمنيان ذلك , فإذا أكلت بخست بحقهما!!

وهذا أبو هريرة كانت أمّه في بيت وهو في آخر، فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها فقال: السّلام عليك يا أمّاه ورحمة الله وبركاته. فتقول: وعليك يا بنيّ ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربّيتني صغيرا. فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرا. (الأدب المفرد للبخاري). وعن محمد بن المنكدر أنه قال “بِتُّ أَغْمِزُ رِجْلَ أُمِّي، وَأخي عُمَرُ يُصَلِّي الليلُ، وَمَا أُحِبُّ أنَّ لَيْلَتِي بِلَيْلَتِهِ”؛ أغمز: أي أدلكها لمرض أصابها. فواحد يبر أمه والآخر بطاعة ربه فكان يرى أن بر أمه أعظم من طاعة ربه!

وأختم صور بر الأم عند سلفنا الصالح بهذه القصة الجميلة: تابع حقوق الوالدين 

التي تنبأ بها النبي صلى الله عليه وسلم للتابعي الجليل أويس بن عامر الذي أصبح مجاب الدعوة من كثرة بره لأمه.

فعنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ :  كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ : أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ. فَاسْتَغْفِرْ لِي. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.”(مسلم).

قال القاضي عياض:

” وقول النبى – عليه الصلاة والسلام – فيه: ” له والدة، هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره “: إشارة إلى إجابة دعوته وعظيم مكانته عند ربه، وأنه لا يخيب أمله فيه، ولا يكذب ظنه به، ولا يرد دعوته ورغبته وعزيمته وقسمه فى سؤاله بصدق توكله عليه وتفويضه إليه، وقيل: معنى ” أقسم على الله “: وعى، و” أبره ” أجابه، وفيه فضل بر الوالدين، وعظيم أجر البر بهما.” أ.ه. وقال النووي: ” هذه منقبة ظاهرة لأويس رضي الله عنه . وفيه استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح ، وإن كان الطالب أفضل منهم .”

هكذا علمنا السلف الصالح رضي الله عنهم بحياتهم العملية كيف نبر الوالدين ونقوم بـ حقوق الوالدين صلة وإحساناً ؟!!

عباد الله: اعلموا أن الجزاء من جنس العمل في البر والعقوق؛ فمن بر أمه بره أبناؤه؛ ومن عق أمه عقه أبناؤه؛ فكما تدين تدان. وإليكم هذه القصة: روى أن العوام بن حوشب قال : نزلت مرة حيا وإلى جانب ذلك الحي مقبرة ، فلما كان بعد العصر انشق منها قبر فخرج رجل رأسه رأس حمار وجسده جسد إنسان فنهق ثلاث نهقات ثم انطبق عليه القبر ، فإذا عجوز تغزل شعرا أو صوفا فقالت امرأة : تري تلك العجوز ؟ قلت :

ما لها ؟ قالت تلك أم هذا ، قلت وما كان قضيته ؟ قالت كان يشرب الخمر فإذا راح تقول له أمه : يا بني اتق الله إلى متى تشرب هذا الخمر ؟ فيقول لها : إنما أنت تنهقين كما ينهق الحمار ؛ قالت فمات بعد العصر ، قالت فهو يشق عنه القبر بعد العصر كل يوم فينهق ثلاث نهقات ثم ينطبق عليه القبر ” .(الأصبهاني؛ والمنذري في الترغيب والترهيب؛ والبر والصلة لابن الجوزي).

أحبتي في الله:

تعالوا بنا ننزل إلى أرض الواقع لنقف ونطوف سريعاً مع واقعنا المعاصر وما يحدث فيه من عقوق وموت الضمائر والقلوب؛ فالأبوان اللذان تعبا من أجلك بين حمل ورضاعة وسهر وتعب ونصب وسعي على تربيتك ؛ وأفني كل منهما حياته من أجل بقائك ؛ فالواجب عليك أن ترد لهم هذا الجميل عند كبرهما وضعفهما ؛ ولكن للأسف الكل يتأفف ويتأذى ويتضجر من والديه في كبرهما ؛ بل ويتمنى موتهما حتى يستريح من تعبهما ومرضهما والسعي عليهما او الانشغال بهما ؛ وهذا هو الواقع الأليم .

روي أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: ” إِنَّ لِي أُمًّا بَلَغَ بِهَا الْكِبَرُ، أَنَّهَا لَا تَقْضِي حَاجَتَهَا إِلَّا وَظَهْرِي لَهَا مَطِيَّةٌ، أُوَضِّئُهَا، وَأَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهَا، فَهَلْ أَدَّيْتُ حَقَّهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ حَمَلْتُهَا عَلَى ظَهْرِي، وَحَبَسْتُ عَلَيْهَا نَفْسِي؟ قَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ ذَلِكَ بِكَ وَهِيَ تَتَمَنَّى بَقَاءَكَ، وَأَنْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَتَمَنَّى فِرَاقَهَا “. ( البر والصلة لابن الجوزي).

ولننزل سوياً إلى أرض الواقع المعاصر؛ فهذه قصة واقعية يرويها أحدهم قائلاً: تابع حقوق الوالدين

كنت على شاطئ البحر فرأيت امرأة كبيرة في السن جالسة على ذلك الشاطئ تجاوزت الساعة الثانية عشرة مساءً ؛ فقربت منها مع أسرتي ونزلت من سيارتي .. أتيت عند هذه المرأة , فقلت لها : يا والدة من تنتظرين ؟!

قالت : انتظر ابني ذهب وسيأتي بعد قليل … يقول الراوي : شككت في أمر هذه المرأة .. وأصابني ريب في بقائها في هذا المكان !! الوقت متأخر ولا أظن أن أحد سيأتي بعد هذا الوقت !!…يقول : انتظرت ساعة كاملة ولم يأت أحد … فأتيت لها مرة أخرى فقالت : يا ولدي .. ولدي ذهب وسيأتي الآن!! يقول : فنظرت فإذا بورقه بجانب هذه المرأة . فقلت : لو سمحت أريد أن اقرأ هذه الورقة . قالت : إن هذه الورقة وضعها ابني وقال : أي واحد يأتي فأعطه هذه الورقة. يقول الراوي : قرأت هذه الورقة … فماذا مكتوب فيها ؟! مكتوب فيها : ( إلى من يجد هذه المرأة الرجاء أن يأخذها إلى دار العجزة والمسنين ). عجباً لحال هؤلاء !!

تابع حقوق الوالدين وهذه قصة ثانية:

امرأة عجوز ذهب بها ابنها إلى الوادي عند الذئاب يريد الانتقام منها؛ وتسمع المرأة أصوات الذئاب؛ فلما رجع الابن ندم على فعلته فرجع وتنكر في هيئته حتى لا تعرفه أمه .. فغير صوته وهيئته؛ فاقترب منها. قالت له يا أخ: لو سمحت هناك ولدي ذهب من هذا الطريق انتبه عليه لا تأكله الذئاب!!..يا سبحان الله!! .. يريد أن يقتلها وهي ترحمه خوفاً عليه من الذئاب!

أيها المسلمون: لا تظنون أن هذه القصص ضربٌ من الخيال؛ والله في البيوت ما هو أسوأ من ذلك , واسألوا المحاكم وزوروا المستشفيات ودور المسنين ترون العجب العجاب !!

والله إن كثرة العقوق في المجتمع دليل وبرهان وعلامة على قرب قيام الساعة كما جاء في حديث جبريل عليه السلام :” فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ؟ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ!! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا”. (البخاري ومسلم). قال ابن حجر في معنى تلد الأمة ربتها:

” أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام؛ فأطلق عليه ربها مجازا لذلك. أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقة، وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه؛ ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة. ومحصلة الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المربى مربيا والسافل عاليا، وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن تصير الحفاة ملوك الأرض.”(فتح الباري).

العنصر الثالث: حقوق الوالدين بعد موتهما

عباد الله: قد يقول قائل: إن أبواي قد ماتا؛ فكيف أبرهما بعد موتهما؟! وهل هناك بر للوالدين بعد موتهما؟! أقول: تعال معي استمع إلى حبيبك- صلى الله عليه وسلم-؛ فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا ؟ قَالَ “: نَعَمْ، الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِيفَاءٌ بِعُهُودِهِمَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا”. (أبو داود وابن ماجة). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ؛ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ؛ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ “. ( مسلم ).

ومن خلال الحديثين السابقين نجد أن بر الوالدين بعد موتهما يكون بعدة أمور :

منها: الدعاء لهما : وهو المراد بقوله : ( الصلاة عليهما ) . أي : الدعاء لهما . فقد يدعو الابن لأبيه أو أمه دعوة خالصة يغفر الله لهما بسبب هذه الدعوة؛ وإليكم هذه القصة الواقعية التي تؤيد هذا الكلام:

 فقد روى أن رجلاً وافته المنية وبعد دفنه رأى أحد أهله رؤيا في منامه وهي أنه أتاه مناد يخبره أن صاحبكم الذي دفنتموه غفر الله له بسبب دعاء فلان ابن فلان؛ وبعدما استيقظ من نومه سارع إلى أحد المشايخ ليسأله عن رؤياه؟!.

فأجابه الشيخ: عليك أن تبحث من بين الذين حضروا الجنازة عن ذلك الذي ذكر اسمه وتسأله بم دعا ؟!!

وبعد أن بحث عنه ووجده سأله ما هو الدعاء الذي دعا به للميت؟!. فقال: أنا لم أدع غير دعاء واحد حتى دخول الميت إلى قبره . قال له: وما هو الدعاء؟!. قال: قلت: اللهم أنت تعلم أنه لو كان ضيفي لأكرمته ؛ والآن هو ضيفك فأكرمه يا أكرم الأكرمين !!

ومنها: الاستغفار لهما: فبكثرة الاستغفار لهما يرفعهما الله درجات في الجنة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ.”.(أحمد وابن ماجة).

ومنها: إنفاذ عهدهما: أي إذا كانا أوصى أحدهما أو كلاهما بشيء تنفذ وصيتهما وعهدهما .

ومنها إكرام صديقهما وصلة رحمهما: فإذا كنت تريد أن تكون باراً بأبيك وأمك فانظر من كان يصاحب فعليك بوده وصلة قرابته وإكرام أصدقائه والعطف عليهم؛ فهذا من البر لأبويك بعد موتهما؛ وهذا حبيبكم – صلى الله عليه وسلم – كان باراً ووفياً لخديجة في حياتها وبعد موتها؛ فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِالشَّيْءِ، يَقُولُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلانَةٍ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ، اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلانَةٍ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ “. ( البخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم وصححه).

فالإسلام حث أتباعه على الإحسان إلى أصدقاء الوالدين وبرهم وودهم :

ولا سيما إذا كانوا في سن الشيخوخة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ؛ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ؛ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ؛ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمْ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ؛ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ ” .( مسلم ).

فهذه إحدى صور البر بالوالدين في الإسلام أحياءً وأمواتاً، فحين يزور أفراد المجتمع أصدقاء آبائهم فإنهم يساعدون على نشر قيم البر والإحسان والتواصل بين الأبناء والآباء والأقارب وأفراد المجتمع كافة .

تابع حقوق الوالدين

العنصر الرابع: حقوق ذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخرة

عباد الله: تكلمنا في عناصرنا السابقة عن حقوق الوالدين من البر والإحسان وضربنا لذلك نماذج وصوراً ؛ وتعالوا معنا في عنصرنا هذا لنعرف حقوق ذوي الأرحام علينا من البر والصلة والإحسان .

قال النّوويّ: صلة الرّحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة، وتارة بالزّيارة والسّلام وغير ذلك. ( شرح النووي).

ولأهمية صلة الرحم ومنزلتها في الإسلام؛ تضافرت  كثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية بالحديث عنها؛ يقول الله تعالى في ذلك: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى } (النساء: 36).

 ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :”إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ ، قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ فَهُوَ لَكِ “، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } (البخاري) . وعن عائشة_ رضي الله عنها_ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله ” (متفق عليه).

كما جعلت صلة الرحم من كمال الإيمان، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ؛ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ؛ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ” . (متفق عليه).

وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة على الأرحام بقوله:

” إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ : صَدَقَةٌ ، وَصِلَةٌ “،(الترمذي) وأولى الأرحام بالصلة الوالدان، ثم من يليهم من الأهل والقرابة.

وقد أعد الله تعالى الأجر الكبير والثواب الجزيل لمن يصل رحمه ، بأن يوسع له في الرزق ويبارك له في العمر، قال عليه الصلاة والسلام :” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” (متفق عليه) .

أما قطيعة الرحم فهي كبيرة من كبائر الذنوب، وقد رتب الله العقوبة واللعن والطرد من رحمته لمن قطع رحمه، قال الله تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } (محمد:23). وقد قال علي بن الحسين لولده: يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواطن. الموطن السابق، وقوله سبحانه وتعالى: { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (الرعد:25). وقوله سبحانه وتعالى:

{ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة:27).

وليس أعظم من أن قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم قال:

” مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ”،[ أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه ].

 أما في الآخرة فإنه يحرم من دخول الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ ” (متفق عليه)

عباد الله: ما أفضل من أن يتقرب المسلم لربه بصلة رحمه، ابتغاء لمرضاته وعظيم ثوابه ، وإزالة لما قد يقع في النفوس من شحناء ، فالمبادرة بالزيارة والصلة وإن كانت شاقة على النفس ولكنها عظيمة القدر عند الله.

فعليك أن تصل أرحامك؛ حتى لو كان أقاربك لا يصلوك؛ فلتكن أنت الأخير والأفضل؛ حتى تكتب عند الله من الواصلين؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم:” لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا”.(البخاري).

  وأخرج عبد الرزاق عن عمر موقوفا :

“ليس الوصل أن تصل من وصلك، ذلك القصاص، ولكن الوصل أن تصل من قطعك”، قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}قال صلى الله عليه وسلم:”ما هذا يا جبريل؟” قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.”(تفسير ابن كثير).

وقد يقول آخر: إن قرابتي يؤذونني ويشتمونني ويقاطعونني – وهذا شائع وكثير في واقعنا المعاصر – فهل أصلهم؟!!

والجواب عند نبيك صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ:” لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ “(مسلم). قال الإمام النووي: (معناه كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن ، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته ، وإدخالهم الأذى عليه . وقيل :

معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل .

وقيل : ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم ).

وكثير من الناس – أيضاً – بينهم خصام وشقاق؛ ويأتي أحدهم ليفوز برضا الله فيبدأ بالسلام ليكون خيرهما عند الله ؛ ولكن الآخر لا يرد عليه السلام؛ ويتكرر هذا الأمر والآخر لا يرد ؛ فيمل الأول ويترك السلام بحجة أن الآخر لا يرد !!

 أقول: يجب عليك أن تلقي السلام على الجميع حتى المتخاصم معك؛ لأن هذه تحية الإسلام؛ وإن لم يرد عليك فقد وكَّل الله ملكا يرد عنك ؛ ويرد على الآخر الشيطان. فعن هِشَامَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

” لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ فَإِنْ كَانَ تَصَارَمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صُرَامِهِمَا؛ وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا فَسَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَتُهُ ؛ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنْ مَاتَا عَلَى صُرَامِهِمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا ” . ( أحمد والبيهقي وابن حبان وصححه ).

تابع حقوق الوالدين

أيها المسلمون: اعلموا أن لصلة الرحم فوائد وثمرات عظيمة تعود على صاحبها في الدنيا والآخرة:

منها: أن صلة الرحم سبب لصلة الله للواصل:  فعن عائشة_ رضي الله عنها_ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله ” (متفق عليه).

ومنها: أن صلة الرحم سبب لدخول الجنة: ففي الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ :” تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ”. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”. ( أحمد وابن ماجة والترمذي والحاكم وصححه).

ومنها: أن الرحم تشهد للواصل يوم القيامة: فعن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم: ” كلُّ رحِمٍ آتيةٌ يومَ القيامةِ أمامَ صاحبِها تشهدُ له بصِلةٍ إن كان وصَلَها؛ وعليه بقطيعةٍ إن كان قطعَها”.(البيهقي والحاكم وصححه).

ومنها: أن صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق:

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. ( متفق عليه). ” وهذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع وغير ذلك”.( شرح النووي).

ومنها: أن صلة الرحم تدفع ميتة السوء: فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ؛ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. (أحمد والطبراني وصححه أحمد شاكر, وجود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب).

تابع حقوق الوالدين

ومنها: أن صلة الرحم سبب لمحبة الأهل للواصل:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ “. ( أحمد والترمذي والحاكم وصححه). فصلة الرحم تعمل على تقوية أواصر العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأسرة الواحدة والأسر المرتبطة بالمصاهرة والنّسب حتّى يعمّ المجتمع كلّه.

أحبتي في الله: هذه هي ثمرات وفوائد صلة الرحم؛ وهناك ثمرات وفوائد كثيرة في الدنيا والآخرة لصلة الرحم لا يتسع المقام لذكرها ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق !!

نسأل الله أن يستخدمنا لخدمة آبائنا وأمهاتنا ؛ وأن يجعلنا من أهل البر والصلة والإحسان ؛؛

الدعاء،،،،،                                                      وأقم الصلاة،،،،،

 كتب : حقوق الوالدين وذوي الأرحام وثمرتها في الدنيا والآخر : خادم الدعوة الإسلامية

 د / خالد بدير بدوي

هذه كانت الخطبة الأولي عن حقوق الوالدين

الخطبة الثانية عن المسنين:

 

خطبة بعنوان: “رعاية المسنين في الإسلام“، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 21 من صفر 1439هـ الموافق 10 من نوفمبر 2017م.

لتحميل الخطبة بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل الخطبة بصيغة  pdf أضغط هنا.

ولقراءة الخطبة كما يلي:  

 

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: اهتمام الإسلام بالمسنين مسلمين وغير مسلمين

العنصر الثاني: مظاهر التيسير ورفع الحرج عن المسنين في الشريعة الإسلامية

العنصر الثالث: رعاية و حقوق الوالدين في الإسلام صور ونماذج بين الماضي والحاضر

     المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: اهتمام الإسلام بالمسنين مسلمين وغير مسلمين

عباد الله: لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالمسنين وكبار السن والشيوخ؛ وذلك لأنهم في مرحلة الضعف العمرية؛ والإنسان أحوج ما يكون للعون والمساعدة في هذه المرحلة؛ وقد أشار القرآن الكريم إلى مراحل الإنسان العمرية في قوله تعالى:{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} ( الروم : 54). وقد قيل قديماً: أن الطفولة قوةٌ لا عقل لها؛ وأن الشيخوخة حكمةٌ لا قوة لها، والشباب يجمع الاثنين القوة والحكمة.

وقد حثنا صلى الله عليه وسلم على رعاية المسنين وذوي الشيب وكبار السن؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ؛ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ؛ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ”. (أبو دواد والطبراني بسند حسن). وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ “. ( الطبراني والبيهقي والترمذي بسند فيه ضعف).

إن الإسلام حفظ للإنسان كرامته، ووفى بحقه، فأمر بإكرامه عند شيبته وحث على القيام بشؤونه، وهو النموذج الذي جسدته ابنتا شعيب عليه السلام اللتان قالتا: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (القصص: 23).

أيها المسلمون: لقد ضرب لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أروع الأمثلة في حسن التعامل مع كبار السن والرفق بهم؛ ومن ذلك توقيره ورفقه بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا (في رمضان 8هـ/ يناير 630م)، ودخل المسجد الحرام، أتى أبو بكر بأبيه يقوده إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ليبايع ويسلم؛ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صاحب الخلق العظيم: “هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟!” قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، هو أحق أن يمشى إليك من أن تمشى أنت إليه!! فأجلسه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بين يديه، وأكرمه، ثم مسح على صدره، ثم قال: “أسلم” فأسلم. ودخل به أبو بكر وكان رأسه كالثغامة بياضًا من شدة الشيب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -في تلطف جم وذوق رفيع-: “غيّروا هذا من شعره!” ( السيرة النبوية لابن كثير ). وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا” [ أحمد والترمذي والحاكم وصححه ].

وعلى هذا الدرب سار صحابته الكرام – رضي الله عنهم – فهذا أبو بكر الصديق كان يتعهد امرأة عجوزاً عمياء في المدينة يقضي لها حاجاتها سراً إبان خلافته للمسلمين، وكان يحلب لأهل الحي أغنامهم، فلما استخلف وصار أمير المؤمنين قالت جارية منهم -يعني من نساء الحي- بعد أن صار أبو بكر خليفة: الآن لا يحلبها. تقول: لقد صار قائد الدولة وأمير المؤمنين يسير الجيوش ويتحمل المسئوليات هل يلتفت إلى غنمنا ويحلبها؟ الآن لا يحلبها، فسمع بذلك أبو بكر رضي الله عنه فقال: بلى، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله.(جامع العلوم والحكم لابن رجب) .

 وكان عمر يتعاهد الأرامل والمسنين من العجائز ؛ يستقي لهن الماء بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة عجوزاً ، فدخل إليها طلحة نهاراً، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة، فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا مذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك طلحة، عثرات عمر تتبع؟! (أبو نعيم في الحلية).

وهذه امرأة عجوز تدعى خولة بنت ثعلبة ؛ ذات يوم مرت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أيام خلافته، وكان خارجاً من المنزل، فاستوقفته طويلاً ووعظته قائلة له: يا عمر، كنت تدعى عميراً، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك يا أمير المؤمنين، فاتّق الله يا عمر… فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب… وعمر رضي الله عنه واقف يسمع كلامها بخشوع، فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف كله؟!! فقال عمر: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت “إلا للصلاة المكتوبة”، ثم سألهم: أتدرون من هذه العجوز؟ قالوا: لا. قال رضي الله عنه: هي التي قد سمع الله قولها من فوق سبع سماوات.. أفيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!!”رضي الله عنه وأرضاه. ( السيوطي في الدر المنثور) فأين نحن من هذه القيم؟!

عباد الله: إن الإسلام حثنا على الأخلاق العالية والبر والإحسان مع المسنين مسلمين وغير مسلمين ؛ حتى في الحروب والغزوات!! ففي الحرب التي تأكل الأخضر واليابس وتزهق فيها الأرواح وتدمر المدن والقرى ويموت الصغير والكبير؛ أمر الإسلام بحسن معاملة الضعفاء من الأطفال والنساء والشيوخ المسنين. فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا”؛ فلا يجوز أن يُقصد بالقتال مَن ليسوا بأهل له، كالنِّساء والأطفال والشُّيوخ، والزَّمنى والعُمي والعَجَزة، والذين لا يُباشرونه عادةً كالرُّهبان والفلاَّحين، إلاَّ إذا اشترك هؤلاء في القِتال وبدؤوا هم بالاعتداء، فعندها يجوز قتالُهم.

وهذا أبو بكر – رضي الله عنه – لَمَّا بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من الأرباع، خرج – رضي الله عنه – معه يُوصيه، ويزيد راكب وأبو بكر يَمشي. فقال يا يزيد: …… لا تَقتلوا كبيرًا هَرمًا، ولا امرأة، ولا وليدًا. ولا تُخرِّبوا عمرانًا، ولا تقطعوا شجرة، إلاَّ لنفع، ولا تعقرنَّ بهيمةً إلاَّ لنفع، ولا تُحرِّقنَّ نخلًا، ولا تُغرقنَّه، ولا تَغدِر، ولا تُمثِّل، ولا تجبن، ولا تغلل، ولينصرن الله مَن ينصره ورسلَه بالغيب، إنَّ الله قويٌّ عزيز”[البيهقي في الكبرى] .

 هذه صور حسن معاملة الضعفاء والمسنين في حال الحرب؛ فما بالك في حال السلم؟!!

انظر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- حين مرَّ بباب قوم وعليه سائل يسأل : شيخ كبير ضرير البصر ، فضرب عضده من خلفه وقال : من أي أهل الكتاب أنت؟! قال : يهودي ، قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟! قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، قال : فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال : انظر هذا وضرباءه  فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم” إنما الصدقات للفقراء والمساكين ” والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب ، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.( الخراج لأبي يوسف ).

أبعد كل هذا التسامح وحسن المعاملة للمسنين والضعفاء من المسلمين وغير المسلمين يُتهم الإسلام بأنه دين تطرف وعنف وإرهاب !!

العنصر الثاني: مظاهر التيسير ورفع الحرج عن المسنين في الشريعة الإسلامية

أيها المسلمون: إن من مقاصد الشريعة الإسلامية التيسير ورفع الحرج عن المرضى والمسنين والمسافرين، لذلك شُرع قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين للمسافر، وغير ذلك من صور  التخفيف في العبادات كما سيأتي بيانه.

ولأهمية التيسير في الشريعة الإسلامية جعلت له قاعدة جليلة في الفقه وأصوله وهي: ” المشقة تجلب التيسير ” ؛ والمراد بالقاعدة: أن الأحوال التي تحصل فيها مشقة أو حرج على المكلف عند تطبيقه بعض الأحكام الشرعية، فإن الشريعة تأتي برفع هذا الحرج والمشقة، وذلك بتخفيف الحكم عليه؛ فالحرج مدفوع قبل وقوعه، وإذا وقع رُفع بأمر الشارع{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

وجعل الإسلام للمرضى المسنين وغيرهم تشريعات خاصة بهم، وحطّ عنهم الإثم في ترك ما لا يقدرون عليه؛ قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة: 286).

ومن تلك التشريعات: إباحة الفطر في رمضان للمسن، والمريض الذي لا يقوى على الصوم، وإذا صام أضر ذلك بصحته قال سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة: 184) . قال بعض العلماء: أي وعلى الذين لا يطيقونه فدية. والفدية تكون إطعام مسكين عن كل يوم يفطر فيه من رمضان . قال ابن عباس: لا يُرخص في هذا إلا للذي لا يطيق الصيام أو مريض لا يُشفى. (رواه النسائي).

وحثنا على التخفيف في الصلاة ولا سيما في وجود كبار السن وأصحاب الشيخوخة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ ؛ فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ”. ( متفق عليه ).

ورخص الإسلام للمسن المريض التخلف عن صلاة الجماعة، قال صلى الله عليه وسلم : “من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر” – قالوا: وما العذر؟ قال : “خوف أو مرض لم تُقبل منه الصلاة التي صلى” . ( أبو داود والبيهقي والحاكم بسند صحيح).

بل رخّص للمريض – والمسن غالباً ما يصيبه المرض – أن يصلي بالكيفية التي يستطيعها إن تعذر عليه أو شق القيام، وأداء الصلاة بالشكل الطبيعي ؛ فإن لم يستطع أن يصلي قائماً قعد ؛ فإن لم يستطع قاعداً فعلى جنبه، قال صلى الله عليه وسلم لمريض به بواسير: “صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً ؛ فإن لم تستطع فعلى جنب” ( البخاري).

وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : ” دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ ، وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : لِزَيْنَبَ تُصَلِّي ، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ ، فَقَالَ : حُلُّوهُ ، ” لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ ، قَعَدَ “.( متفق عليه ).

وفي شعيرة الحج؛ شرع الإسلام الحج وأوجبه على المستطيع، فإن بلغت بالرجل السن فشاخ وهَرِم فلم يستطع الحج لم يجب عليه الحج، لكنه مقصر لأنه أخره إلى وقت لا يستطيعه فيه، ما لم يكن أخَّره لعذر، وحين زال العذر بلغ الهرم وخارت قواه ولم يملك مالاً ليُنيب عنه غيره فعندها فقط يسقط عنه الحج .

عباد الله: إن ديننا الحنيف دين اليُسر والرحمة، فالنبي بُعث بالحنيفية السمحة، فأصل الدين قائم على اليسر وعدم المشقة، فالتيسير على العباد مراد لله، والمشقة لا يريدها الله لعباده: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }[البقرة: 185].

 فالمسلم لا يثاب على المشقة؛ إلا إذا كان لا يمكن أن يأتي بالعبادة إلا بها، فيؤجر على المشقة إذا كانت وسيلة للعبادة، أما تقصُّد المشاقِّ وطلبها، فلا يؤجر عليها المسلم، وكيف يؤجر على شيء لا يريده الله منا ولا يرضاه؟!

العنصر الثالث: رعاية الوالدين في الإسلام صور ونماذج بين الماضي والحاضر

أيها المسلمون: إذا كان الإسلام اهتم بالمسنين وأولاهم رعاية كاملة؛ فإن هذه الرعاية تكون آكدة ومضاعفة للأجر إذا كانت هذه الرعاية للوالدين؛ لأن المسن القريب له حقان: حق الرعاية العامة؛ وحق القرابة؛ وذلك قياساً على حقوق الجار .

لذلك حثنا الشارع الحكيم على الإحسان إليهما ولا سيما في مرحلة الكبر والشيخوخة؛ قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23-24]. واعتبر الإسلام ذلك شكراً لهما على ما قدماه لك من معروف وتربية ورعاية في حال صغرك؛ قال تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } (لقمان: 14) . فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره تعالى.

 قال ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها أي إحداهما. قول الله تعالى: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ” فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. الثانية قول الله تعالى: ” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ” فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه. الثالثة قول الله تعالى: ” أن اشكر لي ولوالديك ” فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين ” .(البزار والبيهقي بسند حسن).

أيها المسلمون: إن الإنسان إذا أهمل أبويه ولم يقم برعايتهما ولا سيما في حال الكبر والضعف والشيخوخة؛ فإنه بعيد عن رحمة الله وعن جنته؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، ” أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَى الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ” ، قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا ؟ فَقَالَ : قَالَ لِي جِبْرِيلُ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، قُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ” .( أحمد والطبراني والترمذي وحسنه).

أحبتي في الله: إن الإسلام جعل الإحسان إلى الوالدين والسعي عليهما جهاداً في سبيل الله؛ فعَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ r رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:”إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ”. ( الطبراني بسند صحيح ).

كما أن الإحسان إلى الوالدين وبرهما طريقٌ إلى الجنة؛ فقد جاء رجل إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو, وقد جئت أستشيرك, فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: «فالزمها فإن الجنة عند رجليها».( أحمد والنسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

لذلك قال حميد: لما ماتت أم أياس بن معاوية: بكى , فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة , وأُغلق أحدهما.

ومن عجيب ما جاء به الإسلام أنه أمر ببر الوالدين والإحسان إليهما حتى في حالة الشرك, فقد سألت أسماء بنت أبى بكر النبي “صلى الله عليه وسلم” عن صلة أمها المشركة، وكانت قدمت عليها, فقال لها: «نعم, صلي أمك».(متفق عليه).

عباد الله: تعالوا لنعرض لكم صوراً مشرقةً لسلفنا الصالح وكيف كانوا بارين بآبائهم وأمهاتهم مقارنةً بواقعنا المعاصر :

 فقد رأى ابن عمر  – رضي الله عنهما – رجلاً يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته فقال : يا ابن عمر أترى أني جزيتها ؟ قال : لا! ولا بطلقة واحدة ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً .

وكان علي بن الحسن: لا يأكل مع والديه فقيل له في ذلك؟! فقال: لأنه ربما يكون بين يدي لقمة أطيب مما يكون بين أيديهما وهما يتمنيان ذلك , فإذا أكلت بخست بحقهما!!

وهذا أبو هريرة كانت أمّه في بيت وهو في آخر، فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها فقال: السّلام عليك يا أمّاه ورحمة الله وبركاته. فتقول: وعليك يا بنيّ ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربّيتني صغيرا. فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرا. (الأدب المفرد للبخاري).

وعن محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى أنه قال: “بِتُّ أَغْمِزُ رِجْلَ أُمِّي، وَأخي عُمَرُ يُصَلِّي الليلُ ، وَمَا أُحِبُّ أنَّ لَيْلَتِي بِلَيْلَتِهِ” ؛ أغمز: أي أدلكها لمرض أصابها. أي واحد يبر أمه والآخر بطاعة ربه فكان يرى أن بر أمه أعظم من طاعة ربه!!

عباد الله: إن من بر الإسلام ورفقه بالمسنين أن حث أتباعه على الإحسان إلى أصدقاء الوالدين وبرهم وودهم والرفق بهم ولا سيما إذا كانوا في سن الشيخوخة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ؛ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ؛ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ؛ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمْ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ؛ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ ” .( مسلم ).

وبلغ الأمر ببعض السلف أنه كان يسافر ليصل صديق أبيه . فقد روى أحمد في مسنده عن يُوسُف بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ؛ فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي مَا أَعْمَدَكَ إِلَى هَذَا الْبَلَدِ أَوْ مَا جَاءَ بِكَ؟! قَالَ قُلْتُ: لا إِلا صِلَةُ مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ وَالِدِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ!!

فهذه إحدى صور رعاية المسنين في الإسلام ، فحين يزور أفراد المجتمع أصدقاء آبائهم فإنهم يساعدون على دمج المسن في المجتمع والقضاء على العزلة التي يشعر بها ، وبالتالي التخفيف من التغيرات الاجتماعية والنفسية التي يمر بها المسن .

عباد الله: اعلموا أن الجزاء من جنس العمل في البر والعقوق؛ فمن بر أمه بره أبناؤه؛ ومن عق أمه عقه أبناؤه؛ فكما تدين تدان. وإليكم هذه القصة: روى أن العوام بن حوشب قال : نزلت مرة حيا وإلى جانب ذلك الحي مقبرة ، فلما كان بعد العصر انشق منها قبر فخرج رجل رأسه رأس حمار وجسده جسد إنسان فنهق ثلاث نهقات ثم انطبق عليه القبر ، فإذا عجوز تغزل شعرا أو صوفا فقالت امرأة : تري تلك العجوز ؟ قلت : ما لها ؟ قالت تلك أم هذا ، قلت وما كان قضيته ؟ قالت كان يشرب الخمر فإذا راح تقول له أمه : يا بني اتق الله إلى متى تشرب هذا الخمر ؟ فيقول لها : إنما أنت تنهقين كما ينهق الحمار ؛ قالت فمات بعد العصر ، قالت فهو يشق عنه القبر بعد العصر كل يوم فينهق ثلاث نهقات ثم ينطبق عليه القبر ” .(الأصبهاني وحسن القصة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).

أحبتي في الله: تعالوا بنا ننزل إلى أرض الواقع لنقف ونطوف سريعاً مع واقعنا المعاصر وما يحدث فيه من عقوق وموت الضمائر والقلوب.

هذه قصة واقعية يرويها أحدهم قائلاً: كنت على شاطئ البحر فرأيت امرأة كبيرة في السن جالسة على ذلك الشاطئ تجاوزت الساعة الثانية عشرة مساءً ؛ فقربت منها مع أسرتي ونزلت من سيارتي .. أتيت عند هذه المرأة , فقلت لها : يا والدة من تنتظرين ؟!

قالت : انتظر ابني ذهب وسيأتي بعد قليل … يقول الراوي : شككت في أمر هذه المرأة .. وأصابني ريب في بقائها في هذا المكان !! الوقت متأخر ولا أظن أن أحد سيأتي بعد هذا الوقت !!…يقول : انتظرت ساعة كاملة ولم يأت أحد … فأتيت لها مرة أخرى فقالت : يا ولدي .. ولدي ذهب وسيأتي الآن!! يقول : فنظرت فإذا بورقه بجانب هذه المرأة . فقلت : لو سمحت أريد أن اقرأ هذه الورقة . قالت : إن هذه الورقة وضعها ابني وقال : أي واحد يأتي فأعطه هذه الورقة. يقول الراوي : قرأت هذه الورقة … فماذا مكتوب فيها ؟

مكتوب فيها : ( إلى من يجد هذه المرأة الرجاء أن يأخذها إلى دار العجزة والمسنين ). عجباً لحال هؤلاء !!

وهذه قصة ثانية: امرأة عجوز ذهب بها ابنها إلى الوادي عند الذئاب يريد الانتقام منها , وتسمع المرأة أصوات الذئاب , فلما رجع الابن ندم على فعلته فرجع وتنكر في هيئته حتى لا تعرفه أمه .. فغير صوته وغير هيئته …فاقترب منها. قالت له يا أخ : لو سمحت هناك ولدي ذهب من هذا الطريق انتبه عليه لا تأكله الذئاب!!..يا سبحان الله!! … يريد أن يقتلها وهي ترحمه خوفاً عليه من الذئاب!!

أيها المسلمون: لا تظنون أن هذه القصص ضربٌ من الخيال؛ والله في البيوت أعظم من ذلك , واسألوا المحاكم وزوروا المستشفيات ودور المسنين ترون العجب العجاب !!

والله إن كثرة العقوق في المجتمع دليل وبرهان وعلامة على قرب قيام الساعة كما جاء في حديث جبريل عليه السلام في قوله:” فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ؟ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ!! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا”. (البخاري ومسلم).

قال الحافظ ابن حجر في معنى تلد الأمة ربتها:” أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام ؛ فأطلق عليه ربها مجازا لذلك . أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقة ، وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه ؛ ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة . ومحصلة الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المربى مربيا والسافل عاليا ، وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن تصير الحفاة ملوك الأرض .”(فتح الباري).

نسأل الله أن يستخدمنا لخدمة آبائنا وأمهاتنا ؛ وأن يجعلنا من أهل البر والعون والإحسان ؛؛؛

 الدعاء،،،،                                                            وأقم الصلاة،،،،                 

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

                                                                                                           د / خالد بدير بدوي  

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة باللغات

 

و للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!