ثلاث قوافل دعوية كبرى لعلماء الأزهر والأوقاف بالرحاب والإسكندرية وجنوب سيناء هذا الشهر
تنطلق _ خلال شهر أغسطس الحالي _ ثلاث قوافل دعوية كبرى لعلماء الأزهر والأوقاف بمدينة الرحاب ومحافظة الإسكندرية ومحافظة جنوب سيناء , برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د / أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ومعالي أ.د / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف حيث تكون البداية الجمعة القادمة بمدينة الرحاب , ويشارك في القافلة كل من :
1- أ.د / محمد عبد العاطي عباس أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة الأزهر بالقاهرة
2- أ.د / محمد سالم أبو عاصي أستاذ التفسير بجامعة الأزهر
3- أ.د / جمال فاروق أستاذ العقيدة بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة
4- فضيلة الشيخ / محمد زكي الدين بداري أمين عام اللجنة العليا بمشيخة الأزهر
5- أ.د / عطية عبد الموجود لاشين أستاذ مساعد الفقة بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
6- د/ أحمد خليفة شرقاوي مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بطنطا
7- د/ سعيد صلاح الدين عامر الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية
8- الشيخ جابر طايع وكيل وزارة الأوقاف بالقاهرة
9- الشيخ صفوت نظير وكيل مديرية الأوقاف بالقاهرة
10- الشيخ / أحمد السيد تركي مدير عام البحوث والدعوة بوزارة الأوقاف
11- د/ هاني السيد تمام مدرس الفقه بكلية الدراسات الإسلامية
12- د / حسن خليل الباحث الشرعي بمشيخة الأزهر الشريف
13- الشيخ/ فتحي عبد الحافظ الأمين مديرإدارة أوقاف القاهرة الجديدة
14- الشيخ / حمدالله الصفطي عضو الرابطة العلمية لخريجي الأزهر الشرف
وموضوع الخطبة ” الإسلام دين السلام ” .
وهذا موضوعها :
أولاً – العناصر:
1- دعوة الإسلام إلى السلام .
2- السلام شعيرة من شعائر الإسلام .
3- تسامح الإسلام مع غيره.
4- أثر السلام في حياة الأمة.
ثانيًا- الأدلة:
الأدلة من القرآن:
1- يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208].
2- ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 94].
3- ويقول تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54].
4- ويقول تعالى : {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } [إبراهيم: 23] .
5- ويقول تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] .
6- ويقول تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الممتحنة: 8، 9].
الأدلة من السنة :
1- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ». [سنن النسائي ].
2- وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): « لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ »(صحيح مسلم).
3- وعَنْ مُوسَى بْنِ زِيَادِ بْنِ حِذْيَمٍ السَّعْدِيِّ ( رضي الله عنه) ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، حِذْيَمٍ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: «أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا» [مسند أحمد].
4- وعَنِ أَبي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ : (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ).[ صحيح البخاري].
5- عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى (رضي الله عنه) ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلَاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ” (سنن ابن ماجه ) .
ثالثًا – الموضوع:
إن الإسلام منذ بدايته عمل على نشر السلام ، وأن يتناول السلام كل جوانب الحياة الإنسانية، على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول، وذلك من خلال ما توجه به من تكاليف، وما دعا إليه من واجبات، وما نهى عنه من محرمات، ليغرس في قلب المسلم ووعيه ووجدانه حالة من الاستقرار النفسي والأمن المجتمعي ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208].
وعلى ذلك فالسلام في الإسلام أساس متين ، قامت عليه مبادئه، ودعت إليه توجيهاته ، ورَبى عليه أتباعَه ، وأخذهم بسلوك طريقه، والدعوة إليه، والعمل على سيادته، حتى ينعم المجتمع بالأمن ويتجه أفراده إلى العمل والبناء والإنتاج والرخاء، ويأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ويكونوا من بعد إخوانا متحابين، فيعم التسامح والتعاون والإخاء، وتزول من حياة الناس أسباب النزاع والشحناء والعداوة والخصام ، ويصبح كل فرد من أفراد المجتمع داعيا إلى الخير، عاملا على إرساء قيمه وتوضيح سبله.
ومن ثم فالإسلام يدعو إلى السلام، ويحث عليه، ويهيب بالناس أن يجنحوا إليه ويدخلوا فيه، حتى نستطيع أن نحقق معاني الإسلام ومبادئه في الحياة، وحينئذ يمكننا أن نجني سلاماً في النفس ، وطمأنينة في القلب ، وصفاء في العقل، وإشراقاً في الروح.
ولا عجب فالسلام شعيرة من شعائر الإسلام ، جعله الله تحية المسلمين فيما بينهم لتطبيق وتمكين معاني السلام في أحوال حياتهم وشؤون معاشهم، حيث أمر الله المؤمنين بأن يتخذوه تحية لهم عند لقائهم وعند فراقهم. قال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } [النور: 61] .
كل ذلك من أجل نشر الأمن والسلام بين أفراد المجتمع؛ ليتمكنوا بعد ذلك من أداء مهامهم الدينية والدنيوية، ويحققوا لأبنائهم وأوطانهم ما يحلم به كل غيور على بلده وأهله، مُجدّ في بلوغ آماله وطموحاته.
ولا شك أن من غايات المسلم دخول الجنة ، ولذلك رسم الرسول (صلى الله عليه وسلم) الطريق إليها وجعل من أسبابها إفشاء السلام حتى تعم المحبة بين الناس جميعا ، فقال: « لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ » .
ثم إن الإسلام بمدلوله العام إنما يعني السلام ، لأنه مشتقٌّ من صفة الله العظيم واسمه الكريم (السلام)، وذلك بصريح آيات القرآن المجيد، حيث قال سبحانه – متحدثاً عن أسمائه وصفاته: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ.. } [الحشر: 23]، ومن هنا أمر تعالى جميع المؤمنين أن يدخلوا في هذا المعنى، وأن يتجنبوا ما يتنافى والمعاني الفياضة بحقيقة الإسلام ومبادئ السلام.
والسِّلْم والسلام شيءٌ واحد ، هو الأمن المنبثق من الإيمان بالله الواحد ، والطمأنينة النابعة من اتباع تعاليمه السمحة وأحكامه العادلة، تلك التي جعلها سبحانه شعار دينه، وضمن من خلالها السكينة لكل عباده، قال تعالى :{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].
ولم لا ؟ وهو الدين المحقق لمبدأِ السلام لبني الإنسان، والذي كفل سلامته وسعادته ليهنأ في الدارين- الدنيا والآخرة-، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وتأكيداً لتحقيق مبدأ السلام في الأرض بين الناس ، فقد كافأ الله الساعين فيه والمطبقين له عملياً بالجنة، وجعل تحيتهم فيها السلام، قال تعالى: {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46] ، وقال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [إبراهيم: 23].
ولو قارنا بين الميثاق الدولي الذي أعلنه نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) في خطبته في حجة الوداع وقرر فيه حقوق السلم والعدل والمساواة بين الناس ، وبين ميثاق الأمم المتحدة في هذا المجال ، وكيف أن الميثاق النبوي حقق أهدافه كاملة غير منقوصة في نشر السلام العالمي ، بينما أخفق إعلام الأمم المتحدة في إنشاء مظلة دولية تنصف المظلومين من المتربصين بهم من خارج هذه المنظمة ، أو حتى من بين أعضائها أنفسهم .
والسبب في هذه المفارقة : هو أن نبي الإسلام (صلوات الله وسلامه عليه) كان صادقاً في دعواه في نشر السلم ، وتحقيق العدل ، والمساواة بين الناس ، وأنه لم يكن يعمل من أجل حساب الإنسان العربي أو الإنسان المسلم فقط دون غيرهما من سائر الناس ، بل كان يكرر في خطابه نداءه للناس جميعاً ، ويصدره بين الحين والآخر بعبارة ( أيها الناس) وبعبارة : ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب) بل إنه كثيراً ما تحدى (صلى الله عليه وسلم) أصحابه والعرب جميعاً بأن مظلة الأمن والسلم سوف تنشئ آفاقها على العباد والبلاد في فترة وجيزة ، وكان يقسم على ذلك ، ويقول فيما يرويه الإمام البخاري : ” … والله ليتمَّنَّ هذا الأمرُ حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ” .
أما القائمون على المنظمات الدولية التي أخذت على عاتقها نشر السلام في العالم فإنهم لم يكونوا مخلصين في دعوتهم ؛ إذ كانوا يفرقون في دخائل أنفسهم بين الغرب والشرق ، وبين حق الإنسان الغربي في الأمن والسلم وحق غيره من سائر الناس.
وانطلاقاً من مبادئ الإسلام العامة ومقاصده المهمة ، لم يقتصر السلام في الإسلام على أهل الإيمان، وإنما صار مبدأ للبشرية قاطبة، لينعموا مع المسلمين بالأمن والسعادة، ويحرصوا جميعاً على نشره في الأرض ، فلقد جاء في حديث زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلَاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”.
أرأيت كيف أن الخطاب لكل الناس ؟! ليس هذا فحسب، بل إن الأقرب من ربه وكرمه وعطفه ووده وبره، هو الأسبق من غيره في بذل السلام وإلقائه وإفشائه، لما ورد في سنن أبي داود بسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ».
ولقد أكد أئمة الإسلام في كل عصر وأوان على أنَّ السلام هو الهدف الأسمى من رسالة الإسلام وأهم غاياته في الأرض، ومن ثم جاءت الرسالات تترى؛ مؤكدة ضرورة المعاملة في ضوء السلم النفسي والأسري، فهذا نوح – عليه السلام – يخاطبه ربه: { يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}[هود: 48] ، وهذا إبراهيم – عليه السلام – لما وصل مع أبيه عند نقطة لا يمكن معها الاتفاق، وأصر أبوه على طرده ، لم يؤثر عنه أن أساء له أو نال منه ؛ وإنما كان ما سجله القرآن الكريم ، حيث قال:{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 46، 47] .
وهكذا يعني السلام في مضمونه العملي إقامة مبدأِ العطف والبر مع العدل والمساواة والحرية ، بعيداً عن الأطماع البشرية ؛ إذ لا يسمى السلام سلاماً إذا كان لصالح طرف دون الآخر، وإنما يكون ظلماً وذلاً ، لذا قال تعالى: { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61].
وقد أودع الله – تعالى- أوامره وزواجره سبحانه معاني السلام ، فمما لاشك فيه أن عمل الصالحات يسهم في نشر الأمن والسلام ، كما أن التصدي للمخالفين والعابثين الفاسدين والمفسدين يحقق الأمن والسلام ، وقد جاء في الحكم أو المثل: من أمن العقوبة أساء الأدب.
ولذا قال الله تعالى : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] .
والمعنى: أنه لما كانت النفس الإنسانية محترمة في الإسلام ، كان من أهرق دم نفس واحدة بدون حق فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن عمل على حفظها وصيانتها ولو كانت واحدة فقط فكأنما أحيا الناس جميعاً.
إن الإسلام أمر بحسن معاملة الأعداء، علَّهم أن يعودوا إلى رشدهم فيكفوا عن ظلمهم وعدائهم ، قال الله تعالى:{وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [الزخرف:88-89] .
وبهذا يحرص الإسلام علي أن يغرس السلام في نفوس أتباعه ويربيهم علي ذلك بالتطبيق العملي, ولا يعني هذا إقامة السلام فيما بينهم فحسب بوصفهم أتباع دين واحد , ولكنه يعني أيضا إقامة السلام مع كل الناس بصرف النظر عن أجناسهم وأديانهم وألوانهم .
كما وضع الإسلام للمسلمين مبدأ عاما للتعايش السلمي بينهم وبين غيرهم من الشعوب، هذا المبدأ يتلخص في ضرورة التعايش الايجابي مع الآخرين أيا كانوا , ومعاملتهم بالعدل والإنصاف والتسامح , طالما أن هؤلاء لم يصدر منهم أي عدوان علي المسلمين , ولم يتعاونوا مع أعداء المسلمين ضدهم ، قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الممتحنة: 8، 9].
بل حتى في ميدان الحربِ والقتالِ؛ قرر الإسلام أنه إذا ألقى العدوُّ السلام وجبَ الكفُّ عنه واعتبارُه مُسلمًا مُتمتِّعًا بالسلام؛ عملاً بقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }[النساء: 94].
ولأهمية السلام في الإسلام نجد أنه لايرتبط بالإنسان فقط ، بل للحيوان والنبات والجماد أيضاً ، ويكفي أن نشير إلى أن كلمة (السلام) وردت في القرآن الكريم إحدى وأربعين مرة ، بينما وردت كلمة (حرب) أربع مرات فقط ، وضرورة السلام للإنسان في الإسلام تنبع من أنه دين يسوي بين الناس جميعاً في الحقوق وفي الواجبات ، وأول هذه الحقوق هو حق ( الاختلاف ) فالله تعالى خلق الناس مختلفين { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين} [هود : 118] .
وإذا كان الاختلاف مشيئة إلهية في خلق الناس لا راد لها ، فإن العلاقة بين المختلفين – فيما يقرر الإسلام – هي علاقة التعارف والالتقاء ، والتعاون على البر والتقوى .. و(السلام) هو مقتضى علاقة التعارف ولازمها الأول.
جدير بالذكر أن الإسلام ينظر إلى السلام على أنه الأصل في العلاقات الدولية وفي علاقة الناس بعضهم ببعض ، وأن الحروب ضرورة واستثناء.
إن آفة الآفات في فلسفة السلام أن يرتبط بمقاصد السياسات الدولية ومزاجها المتقلب ، وأن يتخلى عن مقاصد الأخلاق وغاياتها الثابتة التي نادت بها الديانات السماوية ، وحثت على الالتزام بها ، وفي هذه الآفة يكمن الفرق بين نظرة الرسالات الإلهية لمفهوم السلام وضرورته القصوى كشرط أساسي للتقدم والرقي والرفاهية ، وبين معنى السلام في مفهوم الأمزجة البشرية المتقلبة حيناً والمتصارعة حيناً ، والظالمة حيناً آخر.
وعليه فالسلام هو صمام الأمان في المجتمعات، ترتفع به دعائمه، وتعلو رايته، ويعيش أبناؤه في أمن واستقرار، ويزدهر لهم به وجه الحياة ، فيقوى اقتصادهم، ويعيشون في سعة من العيش ورغد ورفاهية .
ومن هنا يعلمنا الحق سبحانه وتعالى أن ننشر السلام بين أولادنا وأهلينا كلما ولجنا البيوت والمنازل، قال تعالى:{فإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(النور:61)..
وهكذا كفل لنا التشريع الإسلامي إشاعة السلام في جنبات المجتمع حتى يعم الأمن ويكثر الخير وتفيض البركة .
نسأل الله تعالى أن يجمع قلوبنا على المحبة والوئام
وأن يعم بلادنا الأمن والسلام …. آمين