مقالات وأراء

تجــديــــــــد الفكــــــــــــر الإســـــــــلامي

تجــديــــــــد الفكــــــــــــر الإســـــــــلامي

بقلم :الشيخ / محمود عبد الله بكار

إمام مسجد عمر بن عبد العزيز بمصر الجديدة

لما كانت رسالة الإسلام خاتمة الرسالات ، وكلمة الله الأخيرة إلي عباده ، فقد أودع الله فيها من المقومات ما يجعلها رسالة عالمية، تصحب الإنسان في جميع أزمانه المتطورة وعصوره المتلاحقة .

بمعني أن يكون الإسلام خالداً لا يعتريه نسخ أو زوال ، ولا عقم أو جمود، ويكون موفياً بجميع مطالب الإنسان المتجددة في كل الميادين التي يزوال فيها نشاطه، ولا يوجد دين من الأديان السماوية أو الوضعية فيه هذه المقومات التي تجعله عالمياً إلا دين الإسلام .ودين الإسلام له مصدران أساسيان هما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فمنهما يستمد المسلم عقيدته، ويغذي فكره وثقافته، فهما يحتويان علي أسس عامة وقواعد كلية يستنبط منها العلاج لأدواء المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية وغيرها والفكر الإسلامي الأصيل يقوم علي الثقافة القرآنية وهدي رسول الله r، وآصالة الفكر الإسلامي وعراقته مقرونة بمقدار قربة من القرآن والسنة وبعده عنهما، ومدي موافقته لهما أو مخالفته، لذلك يري علماء الإسلام ضرورة التفريق بين الإسلام المتمثل في القرآن والسنة وبين فكر المسلمين الذي يمكن أن يوصف بالقوة أو الضعف وبالصواب أو الخطأ .

والفكر الإسلامي يتناسب طردياً مع قوة الأمة الإسلامية وسيادتها، ففي حين انتصار الأمة وقوتها يكون الفكر الإسلامي أصيلاً، لا يقبل الزيف ولا الذوبان في غيره ، أما في حين ضعف الأمة الإسلامية وهزيمتها يتعرض الفكر الإسلامي للذوبان في غيره تارة ويصاب بالعقم والجمود تارة أخري .

لذلك اقتضت حكمة الله تعالي أن يبعث لهذه الأمة بين الحين والحين من يجدد لها دينها، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله r قال ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )( )

وهذا الحديث – بلا شك – يبعث الأمل في نفوس الأمة ويبشرهم بأن الله لا يدع هذه الأمة دون أن يهيئ لها من يوقظها من سبات، ويجمعها من شتات، يجدد شبابها ويحيي مواتها .

ورب سائل يسأل : كيف تدعون إلي تجديد الدين الذي أتمه الله وأكمله بحيث لا يقبل تغيير ولا تطوير ؟

أقول: إن كلمة الدين إذا أطلقت تعني أحد أمرين :

الأمر الأول: وهو المنهج الإلهي الذي بعث الله تعالي به رسوله وأنزل به كتابه من العقائد والعبادات والأخلاق والشرائع، وهذا المعني ثابت لا يقبل التغيير أو التطوير، ولا التجديد إلا إذا قصد بالتجديد إحياء العمل به والدعوة إلي تحكيمه .

الأمر الثاني: الحالة التي يكون عليها الإنسان في علاقته بالمنهج الإلهي فكراً وشعوراً وعملاً وخلقاً، وهذا المعني للدين هو الذي يقبل التجديد، ولذلك جاء لفظ الدين في الحديث مضافاً إلي الأمة وليس مضافاً إلي الله تعالي، ( ليجدد لها دينها ) وفي رواية لأحمد ( ليجدد لها أمر دينها ) .

وقولنا تجديد شيء : يفيد وجود أصل صحيح لهذا الشيء حصل عنه تغيير إلى سيئ ، وتجديده يكون برده إلى أول عهده الذي كان فيه جديدًا ( كالسيف إذا علاه الصدأ ثم نفضنا عنه الصدأ، فهذا يُسمى تجديدًا، لأنه يعيد للسيف مضائه من جديد ) ، فتجديد بناء أثري قصر أو معبد أو مسجد ، لا يعني هدمه وبناء آخر مكانه على أحدث طراز، بل إبقاءه والحرص على إرجاعه إلى صورته الأولى ما أمكن ذلك.

وتجديد الدين ليس نقضه وتغييره وإنما هو : بعث وإحياء وإعادة العلم والعمل بالدين إلى حيث كان على عهد الرسول وصحابته الكرام ، بعد أن ذهب واندرس العلم والعمل به .

ومفتاح تجديد الدين هو الوعي والفهم للإسلام من ينابيعه الصافية بحيث يفهم فهماً سليماً خالصاً من الشوائب بعيداً عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، مسترشدين – لتحقيق ذلك – بهدي الجيل الأول الذين كانوا أفهم الناس لمقاصد الإسلام وأحرصهم علي الالتزام والعمل به، غير غافلين عن ما تميز به الإسلام من الشمول والاعتدال والتيسير، مميزين بين ما من شأنه الثبات والخلود وما من شأنه المرونة والتغيير .

ويعد هذا الحديث العظيم إحدي البشائر التي وعد الرسول r فيها أمته بأنها لن تموت، ولن يدعها تهلك دون أن يقيض لها من الدعاة والعلماء والقادة من يرفع راية الدين ، يحيى السنة ، ويميت البدعة .

كما أن هذا الحديث الشريف يمنح المسلم طاقة من الأمل الأكيد بنصر الله لعباده المؤمنين، ويمنحه – فوق هذا – دفعة قوية للعمل والبذل والتضحية لهذا الدين، رجاء أن يكتب الله له حظًا من أجر المجددين.

وفي الحديث إشارة إلي أن متوسط عمر الفكر البشري مائة عام ، وأن الناس يتغيرون – أعماراً وأفكاراً – خلال قرن .

ضرورة التجديد :

قديما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : تحدث للناس أقضية ، بقدر ما أحدثوا من الفجور ، وبالتالي تبرز ضرورة الاجتهاد والتجديد من أجل الوصول إلى حكم شرعي من ذوي الخبرة والعلم والأهلية في إطار الحدود التي يسمح بها الشرع ولا تمس الثوابت بحال من الأحوال.

والتجديد كما هو مطلب شرعي واجتماعي، هو كذلك مطلب عقلي، إذ ليس من العدل والإنصاف أن نطلب من أحد أن يأخذ بفكر من سبقه، من غير مناقشة أو إبداء رأيه ـ خاصة إذا كان أهلاً لذلك ـ فهذا– في الحقيقة – تعطيل لوظيفة العقل، فإن علماءنا لا يزالون يناقشون آراء السابقين إلى اليوم، فتارة يؤيدونها، وتارة يردونها، وأخرى يضيفون إليها، ولم يعب أحد عليهم هذا الصنيع، ما دام يتم ذلك في إطار البحث عن الحق والحقيقة.

ولعل من أهم الأسباب التي تظهر حاجتنا إلى التجديد : التطور المستمر في الحياة ، تلبية حاجات الإنسان المتجددة ، حل المشكلات وإيجاد البدائل ، الضعف العام لأمة الإسلام ، مواجهة خطر العولمة .

التجديـد المرفوض :

والتجديد الممنوع شرعا وعرفا وعقلا : هو كل تجديد لا يستند إلى أسس ثابتة من القرآن الكريم والسنة المطهرة , ولا ينضبط بضوابط تزن أعماله و تصحح مساره و تقوم أخطاءه ، فأي تجديد من هذا النوع يكون مرفوضا ، وكل دعوة إليه تعتبر باطلة ، وأصحابها غير أكفاء .وأصحاب هذا الاتجاه في الحقيقة عملاء مغرضون أو جهلاء مغرورون متعالمون، تنقصهم جميعًا الدراسة الواعية، ويتملكهم الغرور المتعالي ، وتسيطر على أقلامهم وعقولهم اللامبالاة ، فيخرفون بما لا يعرفون، ويقحمون أنفسهم في قضايا ليست لهم أية خبرة بحقيقتها وملابساتها ، فنراهم يقولون ” هذا نص فات أوانه، وهذا حكم انقضت أيامه، والحياة بلغت طورًا يقضي بترك كذا من الأحكام، والتجاوز عن كذا من الشرائع، وهذه كلها محاولات لهدم الإسلام وإعادة الجاهلية ” .

سنة التجديد خالدة :

لقد تولي تجديد هذا الدين خلال تاريخ الأمة الإسلامية الطويل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر ، من أمثال الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز والإمام الشافعي وابن دقيق العيد والفخر الرازي في القديم ، والإمام محمد عبده والشيخ رشيد رضا وأبو الأعلى المودودي وسعيد النورسي ومحمد إقبال والشيخ الشعراوي والشيخ محمد الغزالي وغيرهم في العصر الحديث .

اليوم أمتنا المسلمة في حاجة ماسة إلي مؤسسات أو رجال يحسنون عرض الفكر الإسلامي ويصيغونه صياغة جيدة، تنقي الفكر من الخرافة والعقيدة من الشرك والعبادة من البدع والأهواء والأخلاق من التحلل والانهيار .

في حاجة ماسة إلي رجال يقفون في وجه كل تجديد ممنوع، يريد أن ينسف كل قديم، ويدعو إلي الانفتاح علي العالم والذوبان فيه، والتبرم والانسلاخ من كل موروث .

في حاجة إلي رجال يسلكون مع أعداء التجديد مسلك الاحتواء والإقناع، وذلك من أجل الارتقاء بفكرهم والخروج به من الحرفية في تطبيق النصوص إلي إمعان النظر في مقاصدها العامة .في حاجة إلي رجال يتبنون كل تجديد مشروع يجمع بين القديم النافع والجديد الصالح، ويدعو إلي الانفتاح علي العالم دون الذوبان فيه، منهجهم الثبات علي الأهداف والمرونة في الوسائل، التجديد في الأصول والتيسير في الفروع .في حاجة ماسة إلى تجديد فكري ثقافي – واسع عميق، تجديد يعيد للاجتهاد حياته ونشاطه من جديد، بعد أن حوصر وأغلق بابه. في حاجة إلى تجديد قادر على أن يعيد عرض الإسلام بلغة العصر، مخاطبًا كل قوم بلسانهم، واعيا لخصائص العصر، وخصائص الإسلام، وخصائص الأقوام.

في حاجة ماسة إلى تجديد يتيح لأمة الإسلام التفوق في فروض الكفايات من العلوم الكونية والرياضية وتطبيقاتها التكنولوجية في المجالات المدنية والعسكرية، ويجعل أمة سورة الحديد قادرة على تصنيع الحديد، وعلى استغلال ثرواتها المطمورة ، بحيث لا تكون عالة على غيرها، في القوت الذي يحييها، وفي السلاح الذي يحميها .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!