تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 : الحياء خير كله ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 م بعنوان : الحياء خير كله ، للشيخ كمال المهدي ، بتاريخ 27 جماد أول 1446هـ ، الموافق 29 نوفمبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 م بصيغة pdf بعنوان : الحياء خير كله ، للشيخ كمال المهدي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 م ، بعنوان : الحياء خير كله ، للشيخ كمال المهدي.
١- المقصودُ بالحياءِ.
٢- الحياءُ قرينُ الإيمانِ.
٣- الحياءُ خُلقُ الانبياءِ والمرسلينَ.
٤- حاجتُنَا للحياءِ في هذه الأيامِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 م ، بعنوان : الحياء خير كله ، كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة بعنوان :(الحياءُ خيرٌ كلُّهُ
للشيخ كمال المهدي
بتاريخ 27 جماد أول ١٤٤٦هـ ، الموافق 29 نوفمبر ٢٠٢٤م.
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنَا ومِن سيئاتِ أعمالِنَا، مَن يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ، ومَن يضللْ فلنْ تجدَ لهُ وليًّا مرشدًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ فصلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين..
أمَّا بعدُ: أحبتِي في الله: عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: (إنَّمَا بعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاقِ)، مِن خلالِ هذا الحديثِ بيّنَ لنَا رسولُ اللهِ ﷺ الهدفَ الأسمَى مِن بعثتِهِ ألَا وهو تتميمُ مكارمِ الاخلاقِ، ومِن هذهِ الأخلاقِ التي حثّنَا عليهَا رسولُ اللهِ ﷺ خُلقُ الحياءِ .. وما أدراكَ ما الحياء؟
الحياءُ خُلقٌ يبعثُ على تركِ القبيحِ، وعدمِ التقصيرِ في حقِّ اللهِ، ومراقبتِهِ، وهو أنْ تخجلَ النفسُ مِن فعلِ كلِّ ما يعيبُهَا وينقصُ مِن قدرِهَا ومروءتِهَا، وهو مِن الأخلاقِ الرفيعةِ التي أمرَ بهَا الإسلامُ، وأقرَّهَا، ورغَّبَ فيهَا.
والحياءُ مقرونٌ بالإيمانِ وملازمٌ للمؤمنِ كظلِّهِ، فإذا رُفِعَ أحدهُمَا رُفِعَ الآخرُ، فعنْ عبدِاللهِ بنِ عمرَ رضي اللهُ عنهمَا قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (الحياءُ والإيمانُ قرناءُ جميعًا، فإذا رُفعَ، أحدُهُمَا رُفعَ الآخرُ). رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين.
وقد جاءَ في الصحيحينِ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: ( الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شعبةً، فأفضلُهَا لا إلهَ إلَّا اللّه، وأدناهَا إماطةُ الأذَى عن الطريقِ، والحياءُ شعبةٌ مِن الإيمانِ ).
تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 : الحياء خير كله
ولقد مرَّ النَّبيُّ ﷺ برجُلٍ يعظُ أخاهُ في الحياءِ، فقالَ: “دعْهُ، فإنَّ الحياءَ مِن الإيمانِ” ولقد بيَّنَ ﷺ منزلةَ الحياءِ على سائرِ الأخلاقِ فقالَ: “إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ” (رواه ابن ماجه بسند حَسَن).
* ولقد عرفتْ العربُ في جاهليَّتِهَا هذا الخلقَ، فكانُوا ذوِي مُروءةٍ واستحياءٍ، فهذا عنترةُ بنُ شدادٍ، يغضُّ طرفَهُ عن جارتِهِ حياءً، ويقولُ مفاخرًا:
وَأَغُضُّ طَرْفِي إِنْ بَدَتْ لِي جَارَتِي *** حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا
** وهذا أبو سفيانَ لَمَّا سألَهُ هرقلُ عن النبيِّ ﷺ وهو يومئذٍ لم يكن مؤمنا: قال “وَاللهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ كَذَبْتُ عَنْهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِ اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ” (متفق عليه).
ثمَّ جاءَ الإسلامُ، فأمرَ بالحياءِ وحثَّ عليهِ، وحضَّ الناسَ على لزومِهِ والتخلُّقِ بهِ، جاءَ في الحديثِ الصحيحِ: أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: ( ما كانَ الفحشُ في شيءٍ إلاَّ شانَهُ، وما كان الحياءُ في شيءٍ إلاَّ زانَهُ ). أخرجَهُ الترمذيُّ وغيرُهُ. والحياءُ فوقَ ذلكَ كلِّهِ، هو صفةٌ للرَّبِّ -جلَّ جلالُهُ- وتقدستْ أسماؤُهُ، وحياءُ الربِّ -تباركَ وتعالَى- حياءُ جُودٍ وكرمٍ، وبِرٍّ وجلالٍ، فإنّهُ سبحانَهُ حييٌّ كريمٌ يستحيِي مِن عبدِهِ إذا رفعَ إليهِ يديهِ أنْ يردهُمَا صِفْرًا خائبتينِ، ويستحيِي أنْ يعذِّبَ ذَا شيبةٍ شابتْ في الإسلامِ، وفي الأثرِ يقولُ الربُّ -جلَّ جلالُهُ-: “مَا أَنْصَفَنِي عَبْدِي؛ يَدْعُونِي فَأَسْتَحْيِي أَنْ أَرُدَّهُ وَيَعْصِينِي وَلَا يَسْتَحْيِي مِنِّي”.
* والحياءُ أحبتِي في الله: خُلقُ الأنبياءِ والمرسلينَ ومَن سارَ على نهجِهِم مِن الصحابةِ والتابعين.
** فهذا مُوسَى عليهِ السلامُ قالَ عنهُ النبيُّ ﷺ: (إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ) (رواه البخاري).
تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 : الحياء خير كله
** وهذا نبيُّنَا ﷺ بلغَ أعلَى مقاماتِ الحياءِ، فعن أبي سعيدٍ الخدرِي رضي اللهُ عنهُ قال: ( كان رسولُ اللهِ ﷺ أشدَّ حياءً مِن العذراءِ في خِدْرِهَا، وكان إذا كرِهَ شيئًا عرفنَاهُ في وجهِهِ) أي: إذا كَرِهَ شيئًا لا يتكلمُ بهِ لحيائِهِ، بل يتغيرُ وجهُهُ، فيفهمُ الصحابةُ كراهتَهُ لذلكَ.
وفي الصحيحينِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ( سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ ﷺ كَيْفَ تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضَتِهَا؟ قَالَ: فَذَكَرَتْ أَنَّهُ عَلَّمَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ تَتَطَهَّرُ بِهَا. قَالَتْ الْمَرْأَةُ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ فاستحيَا النبيُّ ﷺ وأعرضَ بوجهِهِ وقالَ: “تَطَهَّرِي بِهَا سُبْحَانَ اللهِ” قَالَتْ عَائِشَةُ رضي اللهُ عنهَا: فأخذتُهَا فَجَذَبْتُهَا فأخبرتُهَا بما يريدُ النَّبِيُّ ﷺ).
وترددَ النبيُّ ﷺ ليلةَ المعراجِ بينَ موسَى عليهِ السلامُ وربِّهِ يسألُهُ التخفيفَ في الصلاةِ حتى قالَ: “قَدْ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي” (متفق عليه)،
ولَمَّا تزوجَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بزينبَ بنتِ جحشٍ دُعِيَ الناسُ لذلكَ فطعمُوا وخرجُوا وبقيَ ثلاثةُ رهطٍ يتحدثونَ في البيتِ، فجعلَ النبيُّ ﷺ يستحيِ منهُم أنْ يقولَ لهُم شيئًا، فخرجَ وتركَهُم في البيتِ، فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) [الْأَحْزَابِ: 53]، قالَ الشوكانِي: “يستحيِ أنْ يقولَ لكُم: قومُوا أو اخرجُوا، وكان ﷺ أشدَّ حياءً مِن العذراءِ في خدرِهَا”.
* أحبتِي في الله: هذا الخلقُ النبويُّ، والحياءُ المحمَّديُّ انعكسَ أثرُهُ على صحابتِهِ رضي اللهُ عنهم.
** فهذا عثمانُ رضي اللهُ عنهُ بلغَ مِن حيائِهِ أنَّهُ ما كانَ يتعرَّى حتَّى في حالِ اغتسالِهِ، حتَّى استحتْ مِن حيائِهِ الملائكةُ، كما أخبرَ عنْهُ النَّبيُّ ﷺ.
** وهذه أمُّنَا عائشةُ أمُّ المؤمنينَ رضي اللهُ عنهَا بلغَ بهَا الحياءُ أنْ تحتشمَ في حجرتِهَا حياءً مِن عمرَ رضي اللهُ عنهُ بعدَ دفنِهِ، قالتْ رضي اللهُ عنهَا: ( كنتُ أدخلُ بيتِي الذي دُفِنَ فيهِ رسولُ اللهِ ﷺ وأبِي، فأضعُ ثوبِي فأقولُ: إنّمَا هو زوجِي وأبِي، فلمَّا دُفِنَ عمرُ معهُمَا فو اللهِ ما دخلتُ إلَّا وأنَا مشدودةٌ عليَّ ثيابِي حياءً مِن عمرَ ) (رواه أحمد).
تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 : الحياء خير كله
** وهذا عليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: (كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: فِيهِ الوُضُوءُ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، فَلَقَدْ مَنَعَهُ الْحَيَاءُ مِنَ السُّؤَالِ لِأَنَّهُ زَوْجٌ لِابْنَتِهِ.
** ومرّ عمرُ بنُ عبيدِ اللهِ بنُ معمرٍ بعبدٍ يأكلُ عندَ بستانٍ في المدينةِ وبينَ يديهِ كلبٌ: إذا أكلَ لقمةً أعطاهُ لقمةً، فقالَ لهُ عمرُ بنُ عبيدِ اللهِ: أهذا الكلبُ لك؟! قال: لا، قال: فَلِمَ تطعمْهٌ مثلمَا تأكل؟! قال: إنِّي أستحيِ مِن ذِي عينينِ تنظرُ إليَّ وأنَا مستبدٌ بمأكولٍ مِن دونِهِ، قالَ: أحرٌّ أنتَ أمْ عبدٌ؟! قال: بل عبدٌ لبنِي عاصمٍ. فأتَى عمرُ ناديهِم فاشتراهُ، واشترَى البستانَ، ثُمَّ جاءَهُ فقال: لقد اشتريتُكَ وأعتقتُكَ لوجهِ اللهِ. قال: الحمدُ للهِ وحدَهُ، ولِمَن أعتقنِي بعدَهُ. قال: وهذا البستانُ لك. قال: أشهدُكَ أنَّهُ وقفٌ على فقراءِ المدينةِ. قال: ويحكَ تفعلُ هذا مع حاجتِكَ؟! قال: إنِّي أستحيِ مِن اللهِ أنْ يجودَ لِي بشيءٍ فأبخلُ بهِ على خلقِهِ.
واعلمُوا أحبتِي في الله: أنَّ أعلَى منازلِ الحياءِ، وأجلَّ صوَرِهِ، أنْ ستحييَ العبدُ مِن ربِّهِ حقَّ الحياءِ، فيحفظَ الرَّأسَ وما وعَى، والبطنَ وما حوَى، أنْ يستحْييَ المرءُ مِن خالقِهِ أنْ يراهُ حيثُ نهاهُ، أو أنْ يفقدَهُ حيثُ أمرَهُ، أنْ يستحييَ الإنسانُ مِن ربِّهِ الَّذي خلقَهُ فسوَّاهُ، ومِن كلِّ نعمةٍ أسبغَ عليهِ وأعطاه، ولطريقِ الهدىَ وفَّقهُ وهداهُ.
فعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنهُ قال :قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي، قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَالْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ) رَوَاهُ الحَاكِمُ وغَيرُهُ بِسَنَدٍ
!! وإنّهُ لمِنَ العجيبِ أنْ ترَى أُناسًا يستحْيونَ مِن المخلوقِ، ولا يستحْيونَ مِن الخالقِ، يستحْيونَ مِن فعْلِ السوءِ وقولِهِ أمامَ النَّاسِ، وإذا غابُوا عن أعيُنِ مَن يعرفونَ، أو كانُوا في الخلواتِ، ظهرَ الفجورُ، وبدتْ المعاصِي، وانكشفَ المغطَّى، وتعدَّوا حرماتِ اللهِ، وانتهكُوا حدودَ اللهِ، وحالُهُم كمَن قالَ اللهُ فيهِم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ) [النساء:108]، وفي الحديثِ: (اللهُ أحقُّ أن يُستحيَا منهُ).
تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 : الحياء خير كله
ولقد كانَ الإمامُ أحمدُ كثيرًا ما يردِّدُ قولَ الشَّاعرِ:
إِذَا مَا قَالَ لِي رَبِّي *** أَمَا اسْتَحْيَيْتَ تَعْصِينِي
وَتُخْفِي الذَّنْبَ مِنْ خَلْقِي *** وَبِالعِصْيَانِ تَأْتِينِي
فَمَا قَوْلِي لَهُ لَمَّا *** يُعَاتِبُنِي وَيُقْصِينِي
فالمسلمُ الحييُّ يعلمُ أنَّ لهُ ربًّا يراهُ في كلِّ حالٍ، فهو مستحٍ منهُ، فلا يراهُ في معصيتِهِ سبحانَهُ ولا مقصرًا في واجباتِهِ، قالَ تعالَى: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء: 218-219]، وقالَ تعالَى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) [آل عمران:5].
فيا أخِي الحبيب:
إِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ *** وَالنَفسُ داعيَةٌ إِلى الطُغيانِ
فاِستَح مِن نَظَرِ الإِلَهِ وَقُل لَها *** إِنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني
* أحبتِي في الله: حينمَا يسودُ الحياءُ خُلقَ المجتمعِ، فإنَّهُ يزيدُ ترابطَ أهلِهِ ويقوِّي أُلْفَتَهُم، ويسوقُهُم إلى ذُرَا المجْدِ والكرامةِ، فيُوقَّرُ الكبيرُ، ويُحتَرَمُ أهلُ الفضلِ، وتُصَانُ الحرماتُ، ويُترفَّعُ عن السفاسفِ والرَّذائلِ، فيزدادُ المجتمعُ بذلكَ أمنًا وأمانًا، وخيرًا وصلاحًا، وصَدَقَ الصَّادقُ المصدوقُ: “الحياءُ كلُّهُ خيرٌ، والحياءُ لا يأتِي إلّا بخيرٍ”.
وحينمَا يغيبُ الحياءُ عن المجتمعِ، فكبِّرْ على الأخلاقِ بعدَهُ أربعًا، إذا انسلخَ المرْءُ مِن حيائِهِ، فليسَ لهُ مِن إنسانيَّتِهِ إلَّا اللَّحمُ والدَّمُ.
** إذا ضَعفَ الحياءُ، قلَّتِ المروءةُ، ورقَّ الدِّينُ، واضمحلَّت الرجولةُ، وخفَّت العفَّةُ.
** فيومَ نُزِعَ الحياءُ، رأيْنَا مِن شبابِنَا مَن يعاكسُ النساءَ، ويهتكُ حرماتِ الآخَرينَ، وإنَّ اللهَ يغارُ، وغَيْرةُ اللهِ أنْ تُنتهكَ محارمُهُ.
** ويومَ فُقِدَ الحياءُ، أصبحتْ المجاهرةُ بالمعاصِي مفخرةً يُتباهَى بهَا.
فَلا وَاللَّهِ مَا فِي العَيْشِ خَيْرٌ *** وَلا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ
يَعِيشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ *** وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
أحبتِي في اللهِ: إنَّ الذي يحملُ هؤلاءِ، وغيرَهّم، على النـزولِ إلى هذه المستوياتِ الهابطةِ مِن الأخلاقِ والتعاملِ هو ذهابُ الحياءِ، وصدقَ رسولُ اللهِ ﷺ حينَ قالَ: ( إذَا لم تستحِ فاصنعْ ما شئتَ).
تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 نوفمبر 2024 : الحياء خير كله
وإذا أُصِيبَ القومُ في أخلاقِهِمْ *** فأَقِمْ عليهِمْ مأتَماً وعَوِيلاً
*** وفي الختامِ: أقولُ لكُم أحبتِي في الله: ما أحوجنَا للتخلقِ بخُلقِ الحياءِ هذه الأيام! فلقد خرجَ كثيرٌ مِن الناسِ عن خُلقِ الحياءِ، وأصبحنَا نرى في الشوارعِ ما تقشعرُّ منهُ القلوبُ والأبدانُ، وإنَّ العبدَ ليخجلُ مِن لُبْسِ بعضِ الشبابِ والشاباتِ، ومِن تصرفاتِهِم في الشوارعِ، ومِن فَسْخِ الحياءِ لدَى البعضِ أمامَ الناسِ.
ولقد خلَّدَ اللهُ في كتابِهِ الكريمِ خبرَ تلكَ المرأةِ مع نبِّي اللهِ مُوسَى عليهِ السلامُ وحياءَهَا، وحُسْنَ صنيعِهَا حيثُ مشتْ إليهِ بخطواتٍ لا تبذُّلَ فيهَا، وتحدثتْ بكلماتٍ معدوداتٍ لا خضوعَ فيهَا، (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [الْقَصَصِ: 25].
وصدقَ الشاعرُ:
فتاةُ اليومِ ضيعت الصوابَا *** وألقتْ عن مفاتنِهَا الحجابَـــــا.
فلم تخشَ حياءً مِن رقيبٍ *** ولم تخشَ مِن اللهِ الحسابَـــــا.
إذا سارتْ بدَا ســـاقٌ وردفٌ ***ولو جلستْ ترَ العجبَ العجابَـــا .
بربِّكَ هل سألتَ العقلَ يوماً *** أهذا طبعُ مَن رامَ الصوابَـــــــا .
أهذا طبعُ طالبةِ العلــــــــــــمِ *** إلى الإسلامِ تنتسبُ انتسابَـــا.
ما كانَ التقدمُ صبغَ وجهٍ *** وما كان السفورُ إليهِ بابَــــــا.
شبابُ اليومِ يا أختِي ذئابٌ *** وطبعُ الحملِ أنْ يخشَى الذئابَا .
****************
اللهُمَّ اهدنَا لأحسنِ الأخلاقِ فإنَّهُ لا يهدِي لأحسنِهَا إلّا أنت، واصرفْ عنَّا سيئَهَا فلا يصرفُ عنَّا سيئَهَا إلّا أنت، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ الهدَى والتقَى والعفافَ والغنَى برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.
*****************
كتبه:- الشيخ/ كمال السيد محمود محمد المهدي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف