عاجل

بقلم وزير الأوقاف :رمضان شهر مكارم الأخلاق

 لا شك أن الدين حسن الخلق ، وأن رمضان هو شهر الأخلاق ومدرستها ، فهو شهر الصبر ، وشهر الصدق ، وشهر البر ، وشهر الكرم ، وشهر الصلة ، وشهر الرحمة ، وشهر الصفح ، وشهر الحلم ، وشهر المراقبة ، وشهر التقوى ، يقول الحق سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” ( البقرة : 183) ، بكل ما تحمله كلمة التقوى من دلالات ومعان إيمانية وأخلاقية أخصّها : حسن المراقبة لله ( عزّ وجلّ ) ، إذ إن العبادات لا يمكن أن تؤتي ثمرتها المرجُوّة إلا إذا ظهر أثرها في سلوك المرء وأخلاقه وتعامله مع الآخرين ، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ، ومن لم ينهه حجه وصومه عن اللغو والرفث والفسوق فما انتفع بحج ولا بصيام .

      وفي سبيل تهذيب الأخلاق ، والتدرب على حسن التحلي بها ، وترسيخها وتعميقها في نفوس المؤمنين جميعًا ، وخاصة الصائمين ، يقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ” الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” [صحيح البخاري] ” ، على أن صيغة ” سَابَّهُ ” صيغة مفاعلة والمعنى : إذا حاول إنسان استفزازك بما يحملك على رد إساءته ، ومقابلة سبِّه بسب ، فعليك أن تدرك أن الصوم يحجزك عن ذلك لأنه جنة ووقاية من سيء الأخلاق.

      وعندما لخّص النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هدف رسالته لم يقل ( صلى الله عليه وسلم ) : بعثت لأعلم الناس الصلاة ، أو لأعلم الناس الصوم ، أو لأعلم الناس الحج ، مع أهمية هذه الأركان الأساسية في الإسلام ، وإنما قال ( صلى الله عليه وسلم ) : « إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ » [السنن الكبرى للبيهقي] ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” الدين حسن خُلق ” ، وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا» [سنن الترمذي] ، وسُئل ( صلى الله عليه وسلم ) : مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ يا رسول الله ؟ قَالَ : التَّقْوَى ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ “[سنن ابن ماجه] .

      وقد قسم العلماء الصوم إلى ثلاثة أقسام : صوم العموم ، وهو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع من أذان الفجر إلى أذان المغرب ، وصوم الخصوص ، وهو كف القلب والجوارح عن المعاصي وسيء الأخلاق ، من الكذب ، والخيانة ، والرياء ، والنفاق ، والأذى باليد أو اللسان ، والفحش ، وقول الزور ، وسائر ما يصم من سيء الأخلاق ، وصوم خصوص الخصوص ، وهو كف القلب عن الهمم الدنيّة ، والشواغل الدنيويّة ، والإقبال على الله ( عز وجل ) بالكليّة .

       ومن هنا نستطيع أن نقول : إن الصوم مدرسة أخلاقية كبرى ، يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ” [صحيح البخاري] ، والمعنى : أن الصوم إذا لم يحجز صاحبه عن شهادة الزور ، وقول الزور ، وما شاكل ذلك من سيء الأخلاق ، فإنه صوم لا طائل منه وما استفاد صاحبه سوى الجوع والعطش ، وهو ما يؤكده قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ” رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ ” [سنن ابن ماجه] ، ومن علامة قبول العبادة أن يظهر أثرها في سلوك الإنسان وفي أخلاقه وفي تصرفاته ، فتتحول مراقبته لله التي عاشها معنىً ومبنىً في صيامه إلى مراقبة دائمة لله ( عزّ وجلّ ) في تحركات الإنسان وثكناته ، وسره وعلنه ، وعمله وإنتاجه ، وبيعه وشرائه ، وسائر تعاملاته مع خلق الله أجمعين .

      وعملا منّا على ترسيخ القيم والأخلاق والإسهام في العودة بها إلى ما تربينا عليه وألفناه من خلق قويم ومجتمع أصيل يدرك قيمة الخُلُق من جهة ومعنى العيب من جهة أخرى ، فقد أطلقنا في وزارة الأوقاف مبادرة ” معًا نحو مكارم الأخلاق ” ، وخصصنا لذلك خطبة شهرية في الأخلاق والسلوك ، واخترنا ثلاثين خُلُقًا من أخلاق الحبيب (صلى الله عليه وسلم) ليكون كل خلق منها درسًا رمضانيًا في صلاة التراويح على مستوى الجمهورية ، وندعو كل الجهات و المؤسسات العلمية والفكرية والثقافية والتربوية ، كما ندعو  كل العلماء والأدباء والمفكرين والكتاب للمشاركة معنا في هذه المبادرة والعمل على ترسيخ مكارم الأخلاق في مجتمعنا وواقع حياتنا .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »