أخبار مهمةعاجلمقالات وأراء

الفهلوة، لوزير الأوقاف

أعجبني ما ذكره السياسي المخضرم والمتحدث البارع الأستاذ الدكتور/ مصطفى الفقي عندما ذكر في إحدى الندوات التي اشتركنا فيها معًا أنه حاول أن يبحث عن مفردة مقابلة لمفردة الفهلوة في أي لغة أخرى فأعياه ذلك , إلا أن تفسر هذه الكلمة بجملة , ذلك أنها عملية معقدة قائمة على الخداع أو المخاتلة أو التزييف , فهي أشبه ما يكون بأعمال السحرة والحواة , الذين يعتمدون على الحيل في خطف الأنظار والقيام بعمليات إبهار مصطنعة , تعتمد على خفة الظل أو اليد أو حركة الجسم , لتُرى الناس بعض الحقائق على غير ما هي عليه , على حد قوله تعالى : ” سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ” , وقوله تعالى : ” يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى” , فهي لا تسعى على الحقيقة .

ذلك أن الساحر والفهلوي والدجال غير قادرين على قلب الحقائق , إنما قدرتهم في التلاعب بعقول أو أبصار المستهدفين , ولو كان السحرة قادرين على قلب الحقائق , لقلبوا التراب ذهبًا واستغنوا عن طلب الأجر من فرعون حين قالوا له : ” فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ” , ذلك أن الإنسان قد يذهب إلى أحد الدجالين أو العرافين أو النصابين فيوهمك أنه قادر على إغنائك أو إثرائك أو قلب التراب لك ذهبًا أو الورق نقودًا على أن تعطيه كذا وكذا , ولو كان قادرًا على ذلك لفعل ذلك لنفسه واستغنى عن طلب المال منك  وتعريض نفسه للمخاطرة بهذا النصب الذي يجرمه القانون.

وقد رأيت بأم عيني الاثنتين عاقبة كثير من الفهلوية , فما شبعوا يوما ما , وما اغتنوا يوما ما , ولا استراحوا في عاقبة حياتهم , ولا كانوا محمودين في سيرتهم , ذلك أن الذهب ذهب وما سواه سواه , وفرق بين الممتلئ قوة وعضلا والمنتفخ ترهلا ومرضا , إذ لا تخطئهما عين البصير , أما عين الذي لا يكاد يميز بين هذا وذلك فلا يعتد بها , على حد قول المتنبي :

أُعِيــذُها نَظَـــــــراتٍ مِنْـــــكَ ثاقَـبـــةً

أن تحسَــبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

وَمَـــا انْتِفاعُ أخي الدّنْيَـــــا بِنَاظِــــــرِهِ

إذا اسْتَوَتْ عِنْـــدَهُ الأنْـــوارُ وَالظُّلَـــمُ

فما كل بيضاء شحمة , وليس كل ما يلمع ذهبا , وإن انخدع به المنخدعون.

على أن الفهلوي لا يمكن أن يكسب أرضًا أو مالا أو نفعًا إلا على أيدي الحمقى والمغفلين والطماعين الذين يسعون إلى الكسب السريع , أو الكسب غير المشروع , أو الكسب بلا تعب , وكل ذلك إما إلى فناء أو إلى متاعب أو إلى مشكلات , على أن الفهلوي إنما يخادع نفسه وإن خيل إليه أنه قادر على خداع الآخرين.

والأهم هو ألا نعطي الفهلوي فرصة ليخدعنا , وألا ننساق خلف حيله , فمن اقترب من النار احترق بها أو أصابه من دخانها على أقل تقدير , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة”.

والذي لا شك فيه أن الكسب المترتب على الفهلوة لا يخرج عن كونه في الغالب الأعم كسبًا حرامًا أو كسبًا فيه دَخَلٌ , وفيه كلام , وفيه شبهات يجب أن تُتَّقىَ , وقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى ، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ” .

وقديمًا قالوا : يمكن أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ، ولكنك لا يمكنك أن تخدع كل الناس كل الوقت ، فكل إناء بما فيه ينضح ، وكل كيل بما فيه يفيض .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »