“الشباب ونهضة الأمة” للدكتور أحمد البصيلي
الشباب ونهضة الأمة
الشباب مرحلة عمرية يمر بها الإنسان، تبدأ من سن البلوغ (أي حوالي سن الخامسة عشرة من العمر) وتنتهي تقريباً في سن الأربعين.
هذه المرحلة هي أهم مراحل العمر؛ لأنها فترة القوة والإنتاج، وجعلها الله بين ضَعفين: الطفولة، والشيخوخة. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً. (الروم 54)، كما أنها أفضل وأطول مراحل العمر؛ بهذا أخبر سيدنا : “أعمار أمتي بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك”.(أخرجه الترمذي في سننه، 5/553). فالوسط الحسابي لهذين العددين (60،70) هو 65 سنة. وإذا كان زمن سن الطفولة من الولادة حتى نهاية الرابعة عشرة، وسن الشباب من بداية الخامسة عشرة إلى نهاية الأربعين، وسن الكهولة من الحادية والأربعين حتى نهاية الخمسين. وسن الشيخوخة بعد ذلك إلى آخر العمر، نجد أن مرحلة الشباب هي أعلى نسبة في مراحل العمر، لذا فإنه يكون فيها أكثر تجارب الحياة والعمل والإنتاج.
فالشباب هم عماد حضارة الأمم، وسر نهضتها؛ لأنهم في سن الهمم المتوثبة والجهود المبذولة، سن البذل والعطاء، سن التضحية والفداء. وغالباً ما يمثل الشباب النسبة العظمى من السكان في الدول النامية، الأمر الذي يقتضي مزيداً من الاهتمام به، والاستثمار فيه، وإلا فسرعان ما ينهار المجتمع وتضيع قيمه إذا ما وهن شبابه، وأغلقت دونه نوافذ العلم والخبرة، وكلما اغتنمت الدول طاقات شبابها في العلم والإنتاج وبناء الحضارة زاد إنتاجها وحققت أهدافها؛ لأن الشباب حضارة الماضي، ووقود الحاضر، وأمل المستقبل، ولا قوام لأي دولة أو مجتمع أو جيش لا يعتمد بصورة أولية وأساسية على طاقاتهم وإمكاناتهم.
إن هناك مصطلحات وافدة على البيئة الإسلامية هدفها انتزاع الثقة من الشباب، كمصطلح “المراهقة” مثلا، والذي مفاده “عدم تحمل المسؤولية”، مع أن المكونات الأساسية للشخصية تتشكل في هذا السن،
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
من هنا اهتم الإسلام بمصدريه (الكتاب والسنة) بالشباب أيما اهتمام، بل إن تاريخنا الإسلامي يشهد بأن هناك شبابا “في سن المراهقة” قد تقلدوا منصب “القائد العام للقوات المسلحة” في “الأمة” الإسلامية!
ففي شهر صفر سنة 11 هـ قرر الرسول تجهيز جيش كبير لقتال الروم الذين يهددون المسلمين، ورغم أن الجيش العظيم يضم عدداً كبيراً من كبار صحابة رسول الله كأبي بكر وعمر.. إلا أن الرسول أمر أسامة بن زيد بتولي قيادة هذا الجيش (وكان عمره 17 عاما) حتى إن بعض الصحابة طلبوا من الرسول أن يولي قيادة الجيش قائداً كبير السن لخبرته في القتال، إلا أن الرسول أصر على تولي أسامة قيادة الجيش، إيمانا بضرورة مشاركة الشباب في صنع القرار وإنفاذه .. وخرج أسامة بن زيد بالجيش ونزل في مكان يقال له ( الجرف) شمال المدينة .. وقدر الله أن يشتد المرض على سيدنا رسول الله ، وانتقل إلى الرفيق الأعلى، وسمع أسامة بالخبر فحزن حزنا شديداً ومعه كل الصحابة لحبهم الشديد لحبيبنا ، فرجع الجيش إلى المدينة.
وعندما تولى أبو بكر الصديق رضى الله عنه خلافة المسلمين بعد رسول الله أمر بخروج الجيش تحت قيادة أسامة بن زيد كما أمر الرسول قبل وفاته. ونظراً لأدب أسامة بن زيد واحترامه لقادته من كبار الصحابة، استأذن من خليفة المسلمين أبى بكر الصديق أن يولي على الجيش قائداً غيره إلا أن أبا بكر الصديق قال: ” لو خطفتني الذئاب لم أرد قضاء قضي به رسول الله “. وانطلق الجيش لقتال الروم .. وخرج أبو بكر الصديق يودع الجيش ماشيا على قدميه بينما أسامة بن زيد راكب على فرسه، فاستحى أسامة من خليفة رسول الله وقال له: “ياخليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن” . فقال له الخليفة أبو بكر : ” والله لانزلت ولا أركب، وما علىَّ أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله”.
وظل أبو بكر الصديق رضى الله عنه يوصي جيش أسامة بعدم قتل الأطفال والنساء والشيوخ وعدم الخيانة والغدر وعدم قطع الأشجار.. وبعد مضي أربعين يوما من خروج الجيش لقتال الروم انتصر المسلمون على الروم انتصاراً عظيماً وألقوا في قلوب الروم الرعب حتى لا يهاجموا المسلمين مرة أخرى وكان هذا النصر بداية لانتصارات أخرى عديدة حققها المسلمون بعد ذلك.
وبعد رجوع جيش أسامة للمدينة منتصراً فرح المسلمون فرحاً شديداً واستقبله أبو بكر الصديق استقبالاً عظيماً. هذا القائد العظيم الذي حظي باحترام رسول الله وصحابته، كان شجاعاً في ساحة القتال، يحترم قادته الكبار وينفذ ما يؤمر به، حتى صار في يوم من الأيام قائداً عظيماً للجيش رغم صغر سنه وحقق انتصاراً رائعاً رفع راية الإسلام خفاقة !
وهذا محمد القاسم ، فتح بلاد السند، وكان من كبار القادة العسكريين في عصره، وعمره لم يتجاوز 17 سنة. ونذكر القائد الأسطورة: محمد الفاتح، الذي فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية التي استعصت علي كبار القادة حينها، وكان عمره 22سنة. ويحفظ لنا التاريخ أن فترة حكم “عبد الرحمن الناصر”، كانت بمثابة العصر الذهبي في حكم الاندلس وقد قضي فيها علي الاضطرابات وقام بنهضة علمية منقطعة النظير لتصبح اقوى الدول في عصره الأمر الذي جعل قادة أوربا يتوددون إليه، وكان عمره حينها لم يتجاوز (21 سنة). وقد قُتل أبو جهل قائد المشركين في غزوة بدر على يد صبيين هما: معاذ بن عمرو بن الجموح (13 سنه (، ومعوّذ بن عفراء (14 سنة(. ونعلم أن الزبير ابن العوام (وعمره 15 سنة ( هو أول من سلّ سيفه لله في الاسلام وهو حواريّ النبي . ولاننسى الدور البطولي والفدائي الذي قام به سيدنا طلحة بن عبيد الله (وعمره 16 عاما) في غزوة أحد.. فقد بايع رسول الله على الموت ، وحماه من الكفار ، واتّقى عنه النبل بيده حتى شلِّت أصبعه، ووقاه بنفسه .الأمر الذي جعل سيدنا يقول في حقه: “من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله”. وكان يلقب بالشهيد الحي.
الشاهد: أن الإسلام انتشر على كاهل الشباب، وأن تاريخ الأمة الإسلامية زاخر بشباب غيروا مسار التاريخ، وخلدوا ذكراهم بأحرف من نور على صفحات من ذهب، ويوم أن كان الشباب مشاركين في منطقة صنع القرار، كانت العزة والرفعة لهذه الأمة، لأن التغيير منهم وبهم، وبغيرهم تفقد الأمة أعصابها، وبتهميشهم تصبح الأمة مستهلِكة غير منتجة، ومأمورة غير آمرة، وتابعة غير متبوعة..
علينا أن نعيد جدولة اهتمامات الشباب، فبدلا من أن تُشحن عقولهم وتنشغل قلوبهم بسفاسف الأمور، والتسكع في الشوارع، والمعاكسات على النواصي، والإدمان، والتدين المغشوش.. عليهم أن ينظروا إلى أولويات الحياة نظرة اعتبار، لا أقصد بذلك تضييقا عليهم، أو مصادرة لترفيههم، ولكن عليهم أن يجمعوا بين الترفيه والتوجيه، والتسلية والتوعية.. وأن يكون الترويح عن النفس موافقا لتعاليم دينهم، وهوية وطنهم، وعادات أهليهم وتقاليدهم..
لقد قامت الدنيا ولم تقعد يوم أن هُزم المنتخب الوطني الأول أمام منتخب غانا 6-1، يوم 15 أكتوبر الماضي. انتابنا الحزن جميعا كمصريين، وهذا شعور وطني نبيل، لكني أنبه إلى حدث أكثر ضخامة، وأَدْعَى للحزن من هذا، أقصد الإحصائية التي أعلنها منتدى الاقتصاد العالمي قبل هزيمتنا من غانا بأيام قلائل، ومفاد هذه الإحصائية: أن مصر قد صُنِّفت من أفشل ثلاث دول على مستوى العالم في المستوى التقني للتعليم الأساسي.! فهل سمعنا في إعلامنا شيئا عن هذا الخطب الجلل؟!، هل رأينا شبابنا منشغلين أو محزونين لهذا الفشل الذريع، إن قضية التعليم تمس الأمن القومي بصورة مباشرة، وتؤثر على سمعتنا في سائر الأصقاع، ولها المردود المباشر – سلبا أو إيجابا – على جميع مجالات الانتاج، بدليل أننا نتوجس من اقتناء أي منتج محلي الصنع، لأننا فقدنا الثقة في أنفسنا لما عكسنا هرم الاهتمامات، وتناسينا فقه الأولويات، وانشغل الشباب بالفرع دون الأصل، فصاروا شاردين بلا خطة أو غاية .!
من هنا جاءت وصية سيدنا رسول الله : “اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وشبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك”. وجاءت البشرى منه لكل شاب تحمل المسؤولية تجاه نفسه ووطنه: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه”. وخص رسول الله الشباب بالذكر لأنهم الوحيدون القادرون على جلب المصالح ودرء المفاسد في آن واحد، لقد حباهم الله القدرة على المعصية والطاعة، فكونهم يستخدمون هذه الصلاحية في مرضاة الله فهذا أمر يجعلهم في مصافّ المقربين من الله. “أيها الشاب السائر في طاعتي أنت عندي كبعض ملائكتي”. وطالب رسول الله الشباب بأن يحافظوا على طاقاتهم وقواهم التي منحهم الله إياها، وأن يحسنوا استثمارها فيما جُعِلَتْ له، وتوجيهها في المسار اللائق، لأن الانحراف بها عن الخط المرسوم حتما سيؤثر على المشهد العام للمجتمع بالإرباك والإفساد..: “يامعشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم لأنه له وجاء (=وقاية)”. فالصوم حل ثانوي مؤقت، وليس حلا أوليا دائما، طبيعةُ مرحلةٍ ليس إلا. أما الرهبنة والكبت فليسا من الإسلام؛ لأنهما خلاف الفطرة، ولذا نصح سيدنا الفاروق عمر الشباب بأن يستفرغوا قواهم الغضبية، ويستعملوا طاقاتهم وإمكاناتهم فيما يصلح النفس والمجتمع، بدلا من كبتها؛ لأن كبتها يؤذن بانفجارها “الغير محسوب العواقب” في أي وقت، فقال :” علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل”. فهذه دعوة لاستثمار الطاقة الفائضة، في تنمية المواهب وصقل الهواية؛ والرياضة ممارسة لا مشاهدة. بل إن سيدنا محمدا يخبرنا أن كل آدمي سيسأل يوم القيامة أربعة أسئلة إجبارية، لا مناص من الإجابة عليها، وعلينا أن نجهز الإجابة من الآن (عملا لا قولا)، فيقول :” لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا صنع فيه”.
علينا ألا نقلل من جهد أحد، وأن نُذكّر شبابنا أن الأمل معقود بنواصيهم، وأن تخاذلهم يعني أن وطنهم سيظل في أذيال الأمم، فليتحملوا مسؤوليتهم أمام الله والناس، وعلى الدولة أن ترعى شبابها، وأن تشركهم في صنع قراراتها، وأن تؤهلهم للقيادة والريادة، وأن تكفل اختراعاتهم، وتنمي مواهبهم، حتى لا يكون خير شبابنا لغير بلادنا.
ولك أن تتعجب إذا علمت أنه من الممكن أن يتغير نظام الكون كله بسلوك شاب واحد؛ فسيدنا عمر الخطاب دخل الإسلام وعمره 26 عاما، وبإسلامه تغيرت موازين القوى على هذا الكوكب الأرضي الذي نحيا عليه.. هذا الشاب الذي كان إسلامه فتحا، وهجرته نصرا، ووقف في كل عزة وإباء، وقوة وكبرياء أمام صناديد قريش يوم أن اعتنق الإسلام قائلا: “من أراد أن ييتم ولده، وترمل زوجته، وتثكل أمه فليقاني خلف هذا الوادي”.! ودخل الإسلام والمسلمون بإسلامه طورا جديدا غيّر مسار التاريخ الإسلامي كله. ولا ننسى أبدا سيدنا الأرقم بن أبي الأرقم الذي كان عمره (16 سنة) وقد جُعل بيته مقرا للرسول والمسلمين 13 سنة متتابعة. وهذا سيدنا زيد بن ثابت (عمره13 سنة )، أصبح كاتب الوحي، وتعلم السيريانية واليهودية في 17 ليلة، وأصبح ترجمان الرسول ، وانتخبه الصحابة الكرام كرئيس للجنة جمع المصحف الشريف. ومن منا لا يذكر البطولة التي تمثلت في شخص سيدنا بلال ، هذا الشاب الذي ضرب أروع الأمثلة في الثبات على المبدأ، والتضحية في سبيل قضية وطنه وأمته.. لقد كان يعذبه سيده أمية ابن خلف عذابا شديدا إلى حد أنه كان يضع الحجر الكبير على صدره ويجرده من ثيابه، ويسحله عاريا على رمال صحراء مكة الملتهبة في حر الظهيرة، والصيف على أشده، ويكويه بالنار، ويأمر الغلمان أن يحذفوه بالحجارة، ويقول له: اكفر بمحمد يابلال.. وبلال يرد بكل ثبات: “أحد أحد، فرد صمد، ربي عزيز قادر له جبيني قد سجد”. بلال شاب يعلّم إخوانه من الشباب أن الثبات على المبدأ هو الرجولة بعينها، وأن المبدأ إذا كُسر مرة كُسر بعدها ألف مرة. وأن الإيمان إذا تمكن من القلب كل تمكُّنٍ جعل من المستحيل ممكنا. فالإيمان بالمبادئ لا يأتي عن طريق الإكراه، لأن السيف إن استطاع أن يفتح أرضا فإنه لا يستطيع أن يملك قلبا.
المهم أن نوقظ الضمير في شبابنا وفتياتنا، ونبصرهم برسالتهم السامية تجاه أنفسهم وأوطانهم، وننصحهم برفق، وألا نصادر عليهم، أو نكلفهم ما لايطيقون، والأهم أن نحارب البطالة، ونخلق لهم فرصا كريمة، كلٌ حسب تخصصه، فما من حق إلا ويقابله واجب.
علينا أن نكرّم المجد، ونستوعب المخطئ، كما علمنا المربي الأكبر، والمعلم الأكرم : فعن أبي أمامة قال : “إن فتى شابا أتى النبيَّ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال : ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال : أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء”. وفي رواية أخرى: قال: “اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه( أي الزنا)”. وقد احتوى هذا الموقف على الأسلوب العاطفي في الدعوة والتربية من قِبَل النبي مع هذا الشاب، وظهر ذلك في دنوّ رسول الله منه، ووضع يده عليه، ودعائه له بقوله: “اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه”، ولا شك أن الحديث العاطفي في مواطن كثيرة يكون مفتاحا مهما للإقناع .ولم يكتف النبي بالإقناع بالأسلوب العاطفي، بل ضم إليه الإقناع بالأسلوب العقلي بقوله: أتحبه لأمك؟، أفتحبه لابنتك؟، أفتحبه لأختك؟، أفتحبه لعمتك؟، أفتحبه لخالتك؟، وكان يكفي قوله: “أتحبه لأمك”، لكنه عَدَّدَ محارمه زيادة في الإقناع، ودلالةً على أن ما قد يأتي من النساء لا تخلو أن تكون أما، أو بنتاً، أو عمة، أو خالة لأحد من الناس .ساعتها تزلزل ضمير الشاب وعاد إلى رشده، من غير أن يكلف المجتمع ضريبة أفعال غير مسؤولة. ولذا كان من جوامع كلمه : “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”. فياليت خبراء التنمية البشرية في بلادنا يتنبهون إلى مثل هذه العظمة التربوية في تراثنا الفريد.
شبابنا بخير ومصرنا بخير، مهما كاد الكائدون وتربص المتربصون، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فاللهم استعمل شبابنا في خدمة الدين والوطن على الوجه الذي يرضيك عنهم، ولا تحرمهم خير ما عندك لسوء ما عندهم، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.