الدكتور غانم السعيد يكتب: وترجَّل الفارس
تعرفت عليه في البداية في المدينة الجامعية ، حيث كان يسكن في غرفة مجاورة لغرفتي ، ثم ازدادت معرفتي به حينما رأيته زميلا في كلية اللغة العربية ، هو في قسم الصحافة والنشر ، ذلكم القسم الذي كنت أتمنى الالتحاق به ، وأنا في الشعبة العامة.
كانت ملامحه تقول : إنه طالب جاد ، وشعاع عينيه يقول ؟ إنه صاحب همة وعزيمة ، تخرجنا معا في دفعة واحدة ، وتم تعييننا معا معيدين في تخصصاتنا ، ثم قرَّبت بيننا الظروف أكثر حينما اكتشفنا أننا نسكن في منطقتين متجاورتين ، هو في دار السلام ، وأنا في المعادي القديمة ، فصارت بيننا علاقة أسرية تقوم على التزاور والود والمحبة ، عرفت فيه جِدَّه واجتهاده ، كما عرفت فيه الرجل الصعيدي القوي الشكيمة ، صاحب الإرادة الفولاذية ، والعزة والكرامة التي تهون دونها الرقاب .
كما عرفت فيه أيضا إنسانيته الشديدة ، وطيبة قلبه ، وبشاشة وجهة ، ونقاء سريرته ، توليت كلية الإعلام بعد عمادته لها ، فكان نعم الناصح والموجه والمعين ما كلفته بعمل أيا كان إلا استقبله برضا تام ، وإنجاز سريع ، تولى مهمة تسيير أعمال قسمه ، فلما كانت الظروف تتطلب تولية زميل آخر ، سلم المسؤولية بكل أريحية وأبدى استعداده لمساعدته والوقوف بجانبه ، وكانت آخر مسؤولياته رئيسا للكنترول العام ، فقام بالمهمة خير قيام ، حيث الالتزام والانضباط .
وكان آخر يوم له في الكلية قبل وفاته بساعات ، حيث جاء إلى الكلية في هذا اليوم وشارك في اجتماع قسمه وساهم بكثير من الآراء ، اتفق واختلف مع زملائه ولكن بموضوعية حرصا على المصلحة العامة ، التقى في هذا اليوم بأغلب من في الكلية من أعضاء هيئة التدريس وهيئة معاونة والموظفين والعمال ، كان يسلم عليهم بحرارة ، ويسأل عن أحوالهم بطريقة غير معهودة .
وفي نهاية يوم عمل أنجز فيه كل مهامه ، ركب سيارته قاصدا بيته ، وأخذ يصعد السلم فشعر بضيق في التنفس وكان معه بعض أفراد أسرته فتساند عليهم حتى دخل شقته ، وهناك فاضت روحه إلى بارئها في سلاسة وهدوء وسكينة ، ليُخَتم لأخي وصديقي وحبيبي ورفيق دربي الأستاذ الدكتور عبد الصبور فاضل عميد كلية الإعلام السابق ، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، بأحسن خاتمة ليلقى ربه شهيد علم وعمل ، وبقيت أنا الوحيد الذي لم أحظ بوداعه في هذا اليوم ، وكأنه أراد الترفق بي من لحظات وداع تدمي القلب وتثير الشجن والألم ، فترك اللقاء مفتوحا على أمل أن يجمعني الله به في جنة الفردوس .
رحمك الله أخي الحبيب ، وصديقي الوفي ، وزميلي العزيز .
وأعدك بأن رسالة موتك العاجل قد وصلتني بكل إشاراتها ودلالاتها .
طبت ، وطابت موتتك ، وتبوأت من الجنة منزلا .
إنا لله وإنا إليه راجعون
الدكتور غانم السعيد، عميد إعلام الأزهر