الدرس السابع: رمضان شهر الصبر ، الجزء الثالث (3): الصبر في رمضان ، للدكتور خالد بدير
سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس السابع: رمضان شهر الصبر (3) ( الصبر في رمضان )، للدكتور خالد بدير.
لتحميل الدرس بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الدرس بصيغة pdf أضغط هنا
وللإطلاع علي الجزء الأول وتحميله أضغط هنا
وللإطلاع علي الجزء الثاني وتحميله أضغط هنا
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
ولقراءة الدرس الصبر في رمضان كما يلي:
سلسلة الدروس الرمضانية
الدرس السابع: رمضان شهر الصبر ( الصبر في رمضان )( 3 )
تكلمنا مع حضراتكم في اللقاءين الماضيين عن النوعين الأولين من أنواع الصبر وهما ( الصبر على الطاعة ). و ( الصبر عن المعصية ) .
واليوم نلتقي مع النوع الثالث والأخير من أنواع الصبر وهو ( الصبر على الأقدار ) ؛ ومعنى الصبر على الأقدار أن يتحلى الإنسان بالصبر وضبط النفس عن الجزع عند نزول البلاء والمصائب في نفسه وأهله وماله ؛ وهذا النوع من أنواع الصبر هو أهم الأنواع ؛ لأن الإنسان لو تحلى بالصبر على الأقدار فإنه ينتهي عن المنكرات والمعاصي ولا يفعل إلا ما يرضى الله ورسوله؛ فيكون بذلك حقق أنواع الصبر الثلاثة !!
وحتى نخرج من هذا الموضوع بفائدة مرجوة نطبقها عملياً على أرض الواقع ينتظم الحديث في أربعة محاور كما يلي:
المحور الأول : فضل الصبر على المصائب والأقدار وخصوصا الصبر في رمضان :
كثير من الناس – للأسف – إذا أصابه بلاء في نفسه أو أهله أو ماله أو بدنه أو غير ذلك ؛ فإنه يجزع ويسخط على قدر الله – عز وجل – وليعلم هذا المسكين أن الله بعث له هذا البلاء لينقيه ويطهره ويغسله من الذنوب والمعاصي؛ وقد تواترت النصوص النبوية التي تدل على ذلك .
فَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أذىً وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ». (متفق عليه) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ ؛ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ “. ( ابن حبان والترمذي والحاكم وصححاه).
وعن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ”.( أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه).
وكلما اشتد البلاء بالعبد تضاعف له الأجر ؛ فَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأنَّ لَكَ أجْرَيْنِ؟ قال: «أجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذىً إِلا حَاتَّ اللهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ». ( متفق عليه ).
وليعلم هذا المسكين صاحب البلاء أن الله أراد به خيراً ؛ فَعَن أَبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ ». ( أخرجه البخاري ) .
إن الواحد منا لو جاءه شيءٌ يسيرٌ من الحمى ( السخونية ) في ظل هذه التقلبات الجوية وشدة الحرارة؛ فإنه يجزع ويسخط ؛ ويا رب اشمعنا احنا يا رب ؟!! اشمعنا أولادنا يا رب ؟!! اشمعنا بهايمنا يا رب ؟!! اشمعنا زراعتنا يا رب ؟!! ما هي كل الناس حوالينا زي العفاريت !! ويظل يسخط ويتضجر على قدر الله – عز وجل – .
أفلا يعلم هذا المسكين أن الله بعث له هذا البلاء البسيط أو هذه الشوكة من الحمى لتذيب خطاياه ؟!!! فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟» قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» . ( مسلم ) .
فعلى كل من أصابه مرض أن يحتسب ذلك عند الله ؛ ويأخذ بأسباب الشفاء ولا يتسخط حتى لا يحرم الأجر فيجتمع عليه أمران: ألم البلاء وحرمان الأجر ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». ( أخرجه البخاري ). وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: «لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ الله عَزّ وَجَلّ». ( أخرجه مسلم ).
هذا فضل الصبر على البلاء وجزاؤه في الدنيا ؛ أما ثوابه في الآخرة فحدث ولا حرج .
فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ؛ ابتَلاهُ الله فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ؛ ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ حَتَّى يُبَلِّغُهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ الله تَعَالَى » ( أحمد والطبراني وأبو داود بسند صحيح ).
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ ؛ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ “. ( الترمذي بسند حسن).
المحور الثاني : واجبنا نحو الأقدار والبلاء:
ينبغي على كل من أصابه بلاء أن يحمد الله ويسترجع ؛ أي يقول: الحمد لله ؛ إنا لله وإنا إليه راجعون ؛ اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيرا منها ؛ إن فعل ذلك فإنه يكون من الصابرين المبشرين في القرآن والسنة؛ قال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }. ( البقرة: 155- 157 ).
وعَنْ أَبِي سِنَانٍ , قَالَ : ” دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلانِيُّ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ جَالِسٌ ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي وَأَنْشَطَنِي ، فَقَالَ : أَلَا أُبَشِّرُكَ يَا أَبَا سِنَانٍ ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى , قَالَ : حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلائِكَتِهِ : ” قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ ، فَيَقُولُ : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ” . ( أحمد والبيهقي والترمذي وحسنه).
على أن يقول ذلك عند أول وهلة بالبلاء ؛ أي في لحظة نزول البلاء أو علمه به إن كان غائباً ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ “: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي قَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّي ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ ، فَقَالَتْ : لَمْ أَعْرِفْكَ ، فَقَالَ : إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى”. (البخاري).
أما من يشق الجيوب ويلطم الخدود ويدعو بدعاء الجاهلية ؛ ويسخط على القدر وبعد ذلك يقول: نحن من الصابرين ؛ فليس له حظ ولا نصيب من الصبر ؛ لأن الصبر يكون عند الصدمة الأولى .
بل إنه بجزعه حرم الأجر ؛ لأن القدر نافذ نافذ لا محالة؛ فقد عزَّى الإمام علي رضي الله عنه رجلاً في ابن له مات فرآه جزعاً ، فقال له الإمام على: ” يا أبا فلان إنك إن صبرت نفذت فيك المقادير ولك الأجر ، وإن جزعت نفذت فيك المقادير وعليك الوزر “.
المحور الثالث: جزاء الصابرين :
اعلم – أخي المبتلى – أنك لك لو صبرت على مصيبتك وقدرك واحتسبت عند الله ؛ فإن الله يأجرك في مصيبتك ويخلفك خيراً منها ؛ وأضرب لك مثالين في ذلك :
المثال الأول: أم سلمة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم –
؛ لما مات زوجها أبو سلمة ؛ وقالت هذا الدعاء آجرها الله في مصيبتها وأخلفها خيراً من أبي سلمة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ونترك المجال تحدثنا هي شخصياً – رضي الله عنها – بالقصة ؛ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : أَتَانِي أَبُو سَلَمَةَ يَوْمًا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا فَسُرِرْتُ بِهِ قَالَ : ” لَا تُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعَ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ ” ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَحَفِظْتُ ذَلِكَ مِنْهُ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ اسْتَرْجَعْتُ ، وَقُلْتُ : اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي ، وَاخْلُفْنِي خَيْرًا مِنْهُ ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي ، قُلْتُ :
مِنْ أَيْنَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ ؟! فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَدْبُغُ إِهَابًا لِي ، فَغَسَلْتُ يَدَيَّ مِنَ الْقَرَظِ ، وَأَذِنْتُ لَهُ ، فَوَضَعْتُ لَهُ وِسَادَةَ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ، فَقَعَدَ عَلَيْهَا ، فَخَطَبَنِي إِلَى نَفْسِي ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا بِي أَنْ لَا تَكُونَ بِكَ الرَّغْبَةُ فِيَّ ، وَلَكِنِّي امْرَأَةٌ فِيَّ غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَأَخَافُ أَنْ تَرَى مِنِّي شَيْئًا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ بِهِ ، وَأَنَا امْرَأَةٌ دَخَلْتُ فِي السِّنِّ ، وَأَنَا ذَاتُ عِيَالٍ ، فَقَالَ :
” أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ ، فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْكِ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ ، فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ ، فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي ” قَالَتْ: فَقَدْ سَلَّمْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَقَدْ أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِأَبِي سَلَمَةَ خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” . ( مسلم مختصراً وأحمد واللفظ له ).
المثال الثاني: أم سليم ؛ أم أنس رضي الله عنه .
مات ابن لها وكان زوجها أبو طلحة غائباً فانظروا كيف أخبرته ؟ وكيف أبدلها الله خيراً منه ؟!! ونترك المجال لابنها أنس يحدثنا بالقصة كاملة؛ فعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : ” مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ ، فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا : لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ ، قَالَ : فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ، فَقَالَ : ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَوَقَعَ بِهَا ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا ، قَالَتْ يَا أَبَا طَلْحَةَ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَتْ : فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ ، قَالَ : فَغَضِبَ ، وَقَالَ : تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ ، ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا ، قَالَ :
فَحَمَلَتْ ، قَالَ : فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَهِيَ مَعَهُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقًا ، فَدَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ ، فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ ، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ : إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ ، إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ ، وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى ، قَالَ : تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ يَا أَبَا طَلْحَةَ : مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، قَالَ : وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا ، فَقَالَتْ لِي أُمِّي :
يَا أَنَسُ لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ ، فَلَمَّا رَآنِي ، قَالَ : لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ ، قُلْتُ : نَعَمْ فَوَضَعَ الْمِيسَمَ ، قَالَ : وَجِئْتُ بِهِ ، فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ ، فَلَاكَهَا فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ ، ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ ، فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ ، قَالَ : فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ .( مسلم ).
أترك المجال لكم بالتعليق بين ما كان عليه نساء سلفنا الصالح ؛ وبين ما عليه نساء هذا العصر .
المحور الرابع: علاقة الصبر بالصيام:
للصبر علاقة قوية بالصيام ؛ لأن الصائم يمتثل بأنواع الصبر الثلاثة ؛ فهو صابر على الطاعات ؛ صابر على الصيام بالنهار ؛ صابر على القيام بالليل ؛ صابر على قراءة القرآن ؛ صابر على جميع الطاعات .
كما أنه صابر عن جميع المعاصي ؛ لأن الصوم جنة أي وقاية له من المعاصي والمنكرات؛ فهو في غاية التقوى والامتثال ؛ وقد ذل نفسه وقهرها وأبعدها عن كل المعاصي .
كما أنه صابر على أقدار الله النازلة به ؛ من شدة الحر ؛ وألم الجوع والعطش ؛ والتعب والنصب طوال اليوم ؛ وكل هذه أقدار صبر عليها .
فاجتمعت للصائم أنواع الصبر الثلاثة : الصبر على الطاعة ؛ والصبر عن المعصية ؛ والصبر عن الأقدار ؛ فاستحق الثواب والأجر من غير حساب كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
لذلك سمي رمضان بشهر الصبر ؛ وتكفل الله بنفسه بجزاء الصائمين ؛ فقال تعالى في الحديث القدسي ” كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ” ( متفق عليه ) .
فلم يحدد لهم الأجر ؛ بل تركه مفاجأة لهم وتكريماً في الآخرة؛ والعطية على قدر المعطي ؛ كما يقول الإمام الأوزاعي: لا يوزن لهم بميزان ؛ ولا يكال لهم بمكيال ؛ وإنما يغرف لهم غرفا .
أسأل الله أن يكتبنا عنده من الصابرين ؛ إنه ولى ذلك والقادر عليه ؛؛؛؛؛؛
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
وهناك اجزاء أخري عن الصبر في رمضان ، للمرزيد عن الصبر في رمضان تجدها أعلي المقال
د / خالد بدير بدوي
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع