أخبار مهمةدروس دينيةشهر رمضان المباركعاجلمقالات وأراء

الدرس الحادي والعشرون : حفظ اللسان، (مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن) : للشيخ عمر مصطفي

مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : للشيخ عمر مصطفي ، 21 رمضان 1444 هـ –  12 إبريل 2023م

الدرس الحادي والعشرون

حفظ اللسان

العناصر

أولاً : نعمــة البيان من أجل النعــــم

ثانياً : لا يلدغنـك إنه ثعبـــــــــــــان

ثالثاً :ضبط اللسان من علامات الإيمان

لتحميل الدرس بصيغة word 

لتحميل الدرس بصيغة pdf 

الموضوع

الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :

أولاً : نعمــة البيان من أجل النعــــم

عباد الله: مازلنا مع صفات عباد الرحمن ، ومع صفة أخري  من صفاتهم وهي ضبط اللسان ، فعباد الرحمن لا يتكلمون إلا بالخير ولا يقولون إلا الخير النافع ، إذا جهل عليهم جاهل أجابوا بقول يسلمون فيه من الإثم ويسلمون فيه من اللوم ، يسلمون فيه من سوء العاقبة قال تعالي : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا }(63)(الفرقان) ، وكذلك لا يشهدون الزور ولا يقولون الزور  قال تعالي : {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ }(72)(الفرقان) ،  ضبطوا ألسنتهم فسلموا ونجوا ، لذلك كرمهم الله وشرفهم بهذه النسبة.

عباد الله : إن الله أنعم علي الإنسان بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصي قال الله تعالي: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }(34)(إبراهيم). {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} فضلا عن قيامكم بشكرها {إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم متجرئ على المعاصي مقصر في حقوق ربه كفَّار لنعم الله، لا يشكرها ولا يعترف بها إلا من هداه الله فشكر نعمه، وعرف حق ربه وقام به.(تفسير السعدي).

وقال تعالي: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ }(6) . إنه لنعم ربه لجحود كفور. قال الحسن: هو الذي يعد المصائب، وينسى نعم ربه.(تفسير ابن كثير).

 والله لا يطالبنا بشىء فوق طاقتنا بل باليسير من الشكر مع كثرة الإنعام  ، ومن الشكر استعمال النعم في طاعة الله ومرضاته ، قال تعالي {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }(18)(النحل). {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير.(تفسير السعدي).

وإن من أجل وأعظم هذه النعم على الإنسان، نعمة اللسان، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} (البلد ). {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ} يبصر بهما المرئيات{ولسانا} يعبر به عما في ضميره {وَشَفَتَيْنِ} يستر بهما ثغره ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ.(تفسير النسفي).

ونعمة البيان قال تعالي : {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ )(4)(الرحمن). {عَلَّمَهُ البيان} أي ألهمه النطق الذي يستطيع به أن يُبين عن مقاصده ورغباته ويتميَّز به عن سائر الحيوان قال البيضاوي: والمقصودُ تعداد ما أنعم الله به على الإِنسان، حثاً على شكره، وتنبيهاً على تقصيرهم فيه.(صفوة التفاسير).

وجعل اختلاف الألسن في البيان آية ، قال تعالي: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ }(22)(الروم).

(وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) أي واختلاف لغاتكم اختلافا لا حدّ له، فمن عربية إلى فرنسية، إلى إنجليزية، إلى هندية، إلى صينية، إلى نحو ذلك مما لا يعلم حصره إلا خالق اللغات.(تفسير المراغي).

فعباد الرحمن عرفوا قدر هذه النعمة فاستعملوها في طاعة الله ومرضاته ، شكراً لله علي هذه النعمة.

 

 

ثانياً : لا يلدغنـك إنه ثعبـــــــــــــان

عباد الله : إن خطر اللسان عظيم ، هذا العضو الصغير الحجم الكبير الجرم ، الذي لا يكل ولا يمل ، ممن الممكن أن يرتقي به العبد في الدرجات ، أو يهوي به في الدركات ،فحينما يتكلم الإنسان كلمة من سخط الله تعالي  فإنه ربما يهوي بها في نار جهنم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»(صحيح البخاري).

فهذه كلمة واحدة من سخط الله يهوي بها في نار جهنم  ، فكيف بمن لا يتوقف عن الكلام فيما ينفع ومالا ينفع ؟

وكيف بالذين يجلسون الساعات يتكلمون ؟ كيف بالذين يتكلمون بالأعراض والنيات ؟

فانتبه يا عبد الله ! ! أمسك هذا اللسان ، كلمة واحدة من سخط الله تلقي بك في نار جهنم ، فكيف حينما يطلق الإنسان للسانه العنان يتكلم الساعات الطويلة من سخط الله من غيبة أو نميمة أو سب أو شتم أو غيرها ، فتذكر يا أخي الحبيب قول الله تعالى :  {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}(ق). رحم الله عبداً قال خيراً فغنم أو سكت عن شرٍّ فسلم .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فَقَالَ: تَقْوَى اللهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ: الفَمُ وَالفَرْجُ.(سنن الترمذي).

فمن أسباب دخول النار الفم يعني اللسان ، والفرج يعني حينما يستخدمه في الحرام ، وقد قال الله تعالي:  (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون ، المعارج).

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَفَعَهُ قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا.(سنن الترمذي).

قال السندي : [ تكفر ] من التكفير بمعنى الخضوع أي إن الأعضاء كلها تطلب من اللسان الاستقامة طلب من يخضع لغيره ليفيض عليه بالمطلوب بواسطة الخضوع لديه.

فلذلك ينبغي لمن أراد النجاة أن يمسك هذا اللسان فو الله هو أحق شيء بالسجن فلا يطلق لنفسه العنان فيتكلم ، فإن الإنسان ربما يقع في كلمة تسخط الله وهو لا يدري وتهوي به في نار جهنم ،

وأكثر الناس يدخلون النار بسبب لسانه ، قال صلي الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : (أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ.(سنن الترمذي).

إذن فمن أعظم أسباب دخول النار الكلمة من سخط الله فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل ويحفظ لسانه .

قال الشاعر:

احفظْ لِسَانَكَ أيُّهـــــا الإنســـانُ            … لا يلدَغَنَّك إنهُ ثُعبـــــــــانُ

كَمْ في المَقابِرِ من قتيلِ لِسانِه … كانت تَهابُ لقاءهُ الشجعانُ

ثالثاً :ضبط اللسان من علامات الإيمان

عباد الله :  من علامات الإيمان أن يمسك المسلم عن الكلام إلا فيما فيه نفع في أو الآخرة ، لذلك المؤمن قليل الكلام ،والنبي صلي الله عليه وسلم أمر من آمن بالله واليوم الآخر أن يصمت عن كل شىء لا نفع فيه ، من اتصف بهذا كانت علامة علي إيمانه ،  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»(صحيح البخاري).

 وهذه وصية النبي صلي الله عليه وسلم لمن أراد النجاة ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَمَتَ نَجَا.(سنن الترمذي).

وكثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل أي المسلمين أفضل ماذا قال: عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ المُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»(سنن الترمذي).

حينما يسلم الناس من لسانك فهذا دليل على إسلامك ودليل على إيمانك ، سأل صلى الله عليه وسلم  ما النجاه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ مِنْ ذِكْرِ خَطِيئَتِكَ»(الزهد للإمام أحمد). فمن علامات النجاة أن يمسك الإنسان لسانه . وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا.(سنن الترمذي).

اللهم اعنا علي حفظ ألسنتنا عن ما لا يرضيك اللهم  ارزقْنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »