أخبار مهمةشهر رمضان المباركعاجلمقالات وأراء

الدرس الثامن عشر : التوبة ، مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : للشيخ عمر مصطفي

مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : للشيخ عمر مصطفي  18 رمضان 1444 هـ – 9 إبريل 2023م

الدرس الثامن عشر

التوبة

العناصر

أولاً : أول خطوة في الطريق إلي الله

ثانياً : أكثر أهل النار المسـوفون

ثالثاً :  أعظـــم أركان التــوبة

لتحميل الدرس بصيغة word 

لتحميل الدرس بصيغة pdf 

الموضوع

الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :

أولاً : أول خطوة في الطريق إلي الله

عباد الله : مازلنا مع عباد الرحمن ، مازلنا مع هؤلاء الصفوة المختارة من قبل الله ، الذين شرفهم الله بالإضافة إلي نفسه ، والعبودية له ، ووصفهم بعمل الخيرات واجتناب السيئات ، فإذا كان غيرهم يرتكب الموبقات : يدعون مع الله إلهاً آخر ، أو يقتلون النفس التي حرم الله بغير حق ، أو يتورطون في الزنا ، فإنهم لا يفعلون شيئاً من ذلك ، ولكنهم بشر ليسوا معصومين فقد تضعف نفوس البعض فيقترف الذنوب والمعاصي ، فالله سبحانه لا يغلق باب التوبة لا يمحوا ذكرهم وشرفهم لمجرد ذنب بل من تاب وعاد قبله الله تعالي  وأدناه ، قال الله تعالي: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا }(71)(الفرقان).

هكذا فتح الله باب التوبة علي مصراعيه ، وهذه رحمة من الله بعباده .

عباد الله : إن أول خطوة في الطريق إلي الله طهارة القلب ، لأن القلب هو حقيقة الإنسان عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ “(صحيح البخاري).

والقلب هو موضع نظر الله تعالي ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»(صحيح مسلم) .

 ولا نجاة للعبد يوم القيامة إلا بسلامة قلبه وإنابته قال تعالي : {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }(89)(الشعراء) .وقال أيضاً:{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ }(33)(ق) ، والتوبة عبادة قلبية وهي الخطوة الأولي في الطريق إلي الله ، فالإنسان لا يستطيع أن يسلك الطريق وهو يحمل أثقالاً علي ظهره ، ولا يستطيع أن يسير خطوة إلي الأمام ، بل لابد أن يتخفف من الذنوب التي علي ظهره ، لابد أن يسقطها بالتوبة والرجوع إلي مولاه .

 

 

ثانياً : أكثر أهل النار المسـوفون

إن الكثير من الناس يسوفون التوبة يقول سوف أتوب ، وقد قيل إن أكثر أهل النار المسوفون ، وقد قيل أيضاً إن سوف جند من جنود إبليس ، أيها العبد الضعيف من ضمن لك أن تعيش إلي الغد ، بل من يضمن لك أن تعيش ثانية واحدة حتي تؤجل التوبة والرجوع إلي مولاك ، قال تعالي: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }(100)(المؤمنون).

وقال تعالي : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(11)(المنافقون).من الذي يستطيع أن يرجعك إلي الدنيا لتعمل صالحاً ، ومن الذي يؤخرك لتتصدق ،  قضي الأمر وانتهي أجلك ، إن الخطر الذي يحيط بك أيها المسوف هو طول الأمل ، تظن أن الموت مازال بعيداً عنك ، وأن العمر ما زال طويلاً إن طول الأمل سبب في الهلاك  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَلاَحُ أَوَّلِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالزُّهْدِ ، وَالْيَقِينِ ، وَيَهْلِكُ آخِرُهَا بِالْبُخْلِ وَالأَمَلِ.(الزهد للإمام أحمد). والنبي صلي الله عليه وسلم وصف لنا الدواء الشافي من طول الأمل  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ»(صحيح البخاري).

إن بعض الأمراض إن عولجت في بدايتها تعالج بسهولة ويسر ، فإن تركت يصعب علاجها ، وكذلك الذنوب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.(سنن الترمذي). “نكتة سوداء” أي جعلت في قلبه نكتة سوداء أي أثر قليل كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف .  أو كقطرة مداد تقطر في القرطاس. ويختلف على حسب المعصية وقدرها، وقيل شبه القلب بثوب في غاية النقاء والبياض. والمعصية بشيء في غاية السواد أصاب ذلك الأبيض فبالضرورة أنه يذهب ذلك الجمال منه وكذلك الإنسان إذا أصاب المعصية صار كأنه حصل ذلك السواد في ذلك البياض “فإذا هو” أي العبد “نزع” أي نفسه عن ارتكاب المعاصي “واستغفر” أي سأل الله المغفرة “وتاب” أي من الذنب “سقل قلبه” بالسين وفي رواية صقل بالصاد، والمعنى نظف وصفى مرآة قلبه لأن التوبة بمنزلة المصقلة تمحو وسخ القلب وسواده “وإن عاد” أي العبد في الذنب والخطيئة “زيد فيها” أي في النكتة السوداء “حتى تعلو” أي للنكت “قلبه” أي تطفئ نور قلبه فتعمي بصيرته “.(تحفة الأحوذي).

ثالثاً :  أعظـــم أركان التــوبة

عباد الله : إن أول أركان التوبة وأعظمها الندم ، والندم من أعمال القلوب ، ليس من أعمال اللسان ولا الجوارح ، إن بعض الناس يظن أن التوبة باللسان يقول تبت إلي الله وانتهي الأمر  دون إقلاع عن الذنب والندم علي ما اقترفه ، إن مثل هذه التوبة سماها العلماء قديماً بتوبة الكذابين ، إن التوبة منتج قلبي في البداية لابد من الندم من تألم القلب علي ما اقترف  قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” النَّدَمُ تَوْبَةٌ “(مسند أحمد)، أي الركن الأعظم والأهم في التوبة هو الندم

وإن كان هناك أركان أخري لكن الندم أولها وأعظمها، وهذا الندم يأتي من يقظة في قلبه ، يتذكر المعصية و شؤم المعصية وآثارها في الدنيا والآخرة ، قال بعض الصالحين :حقيقة الندم أن تضيق عليك الأرض بما رحبت ، حتي تظن أنه لا قرار لك ، وتضيق عليك نفسك ، كما وصف الله حال الثلاثة الذين تخلفوا عن الخروج مع رسول الله صلي الله عليه وسلم  قال الله تعالي : {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (118)(التوبة).

ثم يأتي الركن الثاني وهو العزم علي عدم العودة إلي الذنب مرة أخرة و إن ضعفت نفسه مرة أخري وأذنب تاب وعاد عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ”(سنن ابن ماجة).

والركن الثالث يتعلق بالجوارح وهو الإقلاع عن الذنب ، فالندم والعزم لابد لهما من أثر وهو الإقلاع عن المعصية والبعد عنها وكراهيتها وكلما ذكرها سأل الله المغفرة .

نسأل الله أن يرزقنا التوبة والإنابة ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »