أخبار مهمةشهر رمضان المباركعاجلمقالات وأراء

الدرس التاسع والعشرون : (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) الجنة ، للشيخ عمر مصطفي

مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : للشيخ عمر مصطفي ، 29 رمضان 1444 هـ –  20 إبريل 2023م

الدرس التاسع والعشرون

(أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) الجنة

العناصر

أولاً : الجنة عروس مهرها تهذيب النفوس

ثانياً :  الجنـــــة هي موطــن المتــقين

ثالثاً : في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت

رابعاً :  من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز

لتحميل الدرس بصيغة word 

لتحميل الدرس بصيغة pdf 

الموضوع

الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :

أولاً : الجنة عروس مهرها تهذيب النفوس

عباد الله :  مازال حديثنا موصولاً مع هؤلاء الصفوة  ووصلنا لنهاية المطاف ، وصلنا لما أعده الله لهم من جزاء في الآخرة ، فهؤلاء العباد الذين هذبوا نفوسهم وطهروا قلوبهم ، فأكرمهم الله بنسبتهم إليه نسبة تكريم وتشريف ، وجزاهم  خير الجزاء بأن أدخلهم الجنة ، قال الله تعالي :{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا }(76)(الفرقان). لما ذكر الله  تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة ، والأقوال والأفعال الجليلة ، قال بعد ذلك كله : { أولئك } أي المتصفون بهذه  الصفات { يُجْزَوْنَ } يوم القيامة { الغرفة } وهي الجنة سميت بذلك لارتفاعها.(مختصر تفسير ابن كثير).

وقال القرطبي : وَ” الْغُرْفَةَ” الدَّرَجَةُ الرَّفِيعَةُ وَهِيَ أَعْلَى مَنَازِلِ الْجَنَّةِ وَأَفْضَلُهَا كَمَا أَنَّ الْغُرْفَةَ أَعْلَى مَسَاكِنِ الدُّنْيَا. حَكَاهُ ابْنُ شَجَرَةَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْغُرْفَةُ الْجَنَّةُ.”(تفسير القرطبي).

عباد الرحمن عرفوا طريق الجنة كيف يسلك فسلكوه ، وعرفوا مهر الجنة فدفعوه ، علموا أن الدنيا سوق فتاجروا فيها مع الله ، دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يوم ولي فقال له يا أمير المؤمنين إِنَّمَا الدُّنْيَا سُوقٌ مِنَ الْأَسْوَاقِ، مِنْهَا خَرَجَ النَّاسُ بِمَا نَفَعَهُمْ، وَمِنْهَا خَرَجُوا بِمَا ضَرَّهُمْ.(حلية الأولياء).

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ – أَوْ تَمْلَأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا».(صحيح مسلم).

فكل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها فمعناه كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها.(شرح النووي).

فيخسر نفسه في الدنيا والآخرة ، والله عز وجل لا يريد لعباده ذلك ، بل  يريد من العباد أن يعاملوه حتى يربحوا أعظم الربح، وهو عز وجل غني عنهم وعن عباداتهم، كما قال الله عز وجل: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (الحج).

فالناس يذبحون وينحرون الهدي والأضاحي، وهم الذين يأكلون اللحوم، والله عز وجل لا يدخر شيئاً من اللحوم ولا من الدماء، ولكنه يريد من العباد أن يستجيبوا لله عز وجل، حتى يسعدوا في الدنيا والآخرة، وحتى يربحوا أعظم الربح.

فلو أن العباد كلهم على أتقى قلب رجل واحد منهم ما زاد ذلك في ملك الله عز وجل شيئاً، ولو أنهم كلهم على أفجر قلب رجل واحد منهم ما نقص ذلك من ملك الله عز وجل شيئاً، كما جاء في الحديث القدسي:

(يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا).(صحيح مسلم).

فالله عز وجل لا يستفيد شيئاً من طاعة العباد، بل هم أنفسهم يستفيدون من الطاعة في الدنيا والآخرة، ولا يتضرر الله عز وجل بشيء من معاصي العباد، بل هم أنفسهم يتضررون من معاصيهم في الدنيا والآخرة، فالله عز وجل يريدك لك، من أجل أن تستفيد وتنتفع أنت.

فالتجارة مع الله عز وجل لا يمكن أن تخسر بحال من الأحوال، قال تعالى: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29]، فلا يمكن أن تبور التجارة مع الله عز وجل.

وأما تجارات الدنيا عباد الله فقد تربح مرة وتخسر أخرى، وقد تربح مرات وتخسر مرات، فهي عرضة للمكسب والخسارة.

و التجارة مع الله عز وجل لا يمكن أن يدخلها الغش بحال من الأحوال؛ لأن الله عز وجل خبير بصير، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]، فلا يمكن أن يدخل الغش في التجارة مع الله عز وجل، والتجارة مع الله عز وجل نوع خاص من التجارات، وأكثر الناس يعرفون كيف يتاجرون في الدنيا، وكيف يحصلون الأموال من الحلال أو من الحرام، ولكن القليل منهم من يعرف كيف يتاجر مع الله عز وجل، وكيف يربح مع الله عز وجل أعظم الربح ، فعباد الرحمن عرفوا كيف يتاجروا مع الله ففعلوا وباعوا أنفسهم لله بتهذيبها وتربيتها فنالوا الجنة اللهم اجعلنا من أهل الجنة يارب العالمين.

ثانياً :  الجنـــــة هي موطــن المتقين

 الجنة هي الدار التي أعدها الله لعباده المتقين  فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، وليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء ، و نعيم الجنة دائم لا ينقطع  قال الله تعالي : {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }(25)(البقرة).

أي وبَشِّرْ يا محمد المؤمنين المتقين، الذين كانوا في الدنيا محسنين، والذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي بأن لهم حدائق وبساتين ذاتِ أشجار ومساكن، تجري من تحت قصورها ومساكنها أنهار الجنة {كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً} أي كلما أعطوا عطاءً ورُزقوا رزقاً من ثمار الجنة {قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} أي هذا مثلُ الطعام الي قُدِّم إلينا قبل هذه المرة قال المفسرون: إِن أهل الجنة يُرزقون من ثمارها، تأتيهم به الملائكة، فإِِذا قُدّم لهم مرة ثانية قالوا: هذا الذي أتيتمونا به من قبل فتقول الملائكة: كلْ يا عبد الله فاللونٌ واحدٌ والطعم مختلف قال تعالى: {وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} أي متشابهاً في الشكل والمنظر، لا في الطعم والمَخْبر قال ابن جرير: يعني في اللون والمرأة وليس يشبهه في الطعم قال ابن عباس: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إِلا في الأسماء {وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} أي ولهم في الجنة زوجاتٌ من الحور العين مطهَّرات من الأقذار والأدناس الحسية والمعنوية قال ابن عباس: مطهَّرة من القذر والأذى وقال مجاهد: مطهَّرة من الحيض والنفاس، والغائط والبول والنخام، وورد أن نساء الدنيا المؤمنات يكنَّ يوم القيامة أجمل من الحور العين كما قال تعالى: {إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة: 35 – 37] {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي دائمون، وهذا هو تمام السعادة، فإِنهم مع هذا النعيم في مقام أمين، يعيشون مع زوجاتهم في هناءٍ خالد لا يعتريه انقطاع.(صفوة التفاسير).

و الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين قال الله تعالي :{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ }(73)(الزخرف).

 {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} التي هي دار القرار {أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} أي: من كان على مثل عملكم، من كل مقارن لكم، من زوجة، وولد، وصاحب، وغيرهم. {تُحْبَرُونَ} أي: تنعمون وتكرمون، ويأتيكم من فضل ربكم من الخيرات والسرور والأفراح واللذات، ما لا تعبر الألسن عن وصفه.

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} أي: تدور عليهم خدامهم، من الولدان المخلدين بطعامهم، بأحسن الأواني وأفخرها، وهي صحاف الذهب وشرابهم، بألطف الأواني، وهي الأكواب التي لا عرى لها، وهي من أصفى الأواني، من فضة أعظم من صفاء القوارير.

{وَفِيهَا} أي: الجنة {مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ} وهذا لفظ جامع، يأتي على كل نعيم وفرح، وقرة عين، وسرور قلب، فكل ما اشتهته النفوس، من مطاعم، ومشارب، وملابس، ومناكح، ولذته العيون، من مناظر حسنة، وأشجار محدقة، ونعم مونقة، ومبان مزخرفة، فإنه حاصل فيها، معد لأهلها، على أكمل الوجوه وأفضلها، كما قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} {وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وهذا هو تمام نعيم أهل الجنة، وهو الخلد الدائم فيها، الذي يتضمن دوام نعيمها وزيادته، وعدم انقطاعه.

{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ} الموصوفة بأكمل الصفات، هي {الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: أورثكم الله إياها بأعمالكم، وجعلها من فضله جزاء لها، وأودع فيها من رحمته ما أودع.

{لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ} كما في الآية الأخرى: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} {مِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي: مما تتخيرون من تلك الفواكه الشهية، [ص:770] والثمار اللذيذة تأكلون.(تفسير السعدي).

ثالثاً : في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت

عباد الله : الجنة التي أعدها الله لعباده المتقين فيها ما لا عين رأت ولا أذت سمعت ولا خطر علي قلب بشر . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ، مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ” قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ” اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17] “.(صحيح البخاري).

ونعيم الدنيا لا يساوي شيء بغمسة في النار ، وبؤس الدنيا لا يساوي شىء بغمسة في الجنة . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ. (صحيح مسلم).

عباد الله : إن أعلي نعيم في الجنة النظر لوجه الله الكريم .عَنْ صُهَيْبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ.ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ : {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.(صحيح مسلم ).

رابعاً :  من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز

قال الله تعالي : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }(185)(آل عمران).

يقول الله تعالي لجميع الخلق بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام } [ الرحمن : 26-27 ] ، فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون ، وكذلك الملائكة وحملة العرش وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء فيكون آخراً كما كان أولاً ، وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت ، فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية ، أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها ، كثيرها وقليلها ، كبيرها وصغيرها ، فلا يظلم أحداً مثقال ذرة ، ولهذا قال تعالى : { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القيامة } ، وقوله : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ } أي من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز . وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ } » ، وقوله تعالى : { وَما الحياة الدنيا إِلاَّ مَتَاعُ الغرور } تصغير لشأن الدنيا ، وتحقير لأمرها ، وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة كما قال تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا * والآخرة خَيْرٌ وأبقى } [ الأعلى : 16-17 ] .(مختصر تفسير ابن كثير).

اللهم ارزقْنا الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وجنبنا النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، اللهم ارزقنا لذة النظر إلي وجهك الكريم ،و ارزقنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »