الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة خطبة الجمعة القادمة للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 25 فبراير 2022م : الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 24 رجب 1443هـ – الموافق 25 فبراير 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 فبراير 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 فبراير 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 فبراير 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
(1) نعمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الماديةُ والمعنويةُ.
(2) فرضيةُ الصلاةِ ليلةَ الإسراءِ والمعراجِ.
(3) مِن مقاصدِ الصلاةِ في الشريعةِ الإسلاميةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
الحمدُ للهِ حمدًا يوافِي نعمَهُ، ويكافىءُ مزيدَه، لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة : الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة
(1) نعمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الماديةُ والمعنويةُ:
إنَّ للهِ نعمًا علينَا جميعًا نحن البشرُ لا تُعدُّ ولا تُحصَى، فهو خلقَنَا مِن العدمِ، وأغدقَ علينا النعمَ ظاهرةً وباطنةً، قالَ تعالى: ﴿وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾، وكان من تمامِ النعمةِ، وكمالِ المنةِ أنْ أرسلَ إلينَا الرسلَ، وأنزلَ معهم الكُتبَ، فهدَى العبادَ إلى ما ينفعُهُم، وصرفَ عنهم ما يضرُّهُم، وحذرَهُم مما يهلكهُم؛ ليقطعَ بذلك عذرَهُم، ويقيمَ عليهم حجتَهُ قالَ تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾، وبعضُ الخلقِ يحصرُ ما أنعمَ اللهُ عليهِ في النعمِ الدنيويةِ الحسيةِ كالصحةِ والمالِ والولدِ والتمتعِ بزخارفِ الحياةِ مِن المأكلِ والمشربِ والمركبِ وغيرِهَا مِن المتعِ الزائلةِ الزائفةِ، وقد حكَى القرآنُ عن هذا الصنفِ مِن الناسِ فقالَ تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾، وقالَ أيضًا: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾، وتلك نظرةٌ مقلوبةٌ معكوسةٌ تُورثُ الإنسانَ الشقاءَ والتعاسةَ والخيبةَ، وعدمَ القناعةِ والرضا بما قسمَهُ اللهُ لهُ.
لقد أرشدَنَا دينُنَا إلى أنَّ ثمةَ نعمٍ معنويةٍ كثيرةٍ شرعَهَا الخالقُ للعبادِ هي أكثرُ نفعًا، وأعظمُ أثرًا كالتكاليفِ الإلهيةِ من الصلاةِ وأداءِ الزكاةِ، وصومِ رمضانَ وغيرِهَا، وهذه العباداتُ تُصْلِحُ الإنسانَ ظاهرًا وباطنًا، قائمًا وقاعدًا، قولًا وسلوكًا، ومِن أعظمِ هذه النعمِ «الصلاةُ» التي هي مفروضةٌ في كلِّ الشرائعِ السماويةِ قال حكايةً عن سيدِنَا عِيسَى عليه السلامُ: ﴿وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾، وأخبرَ عن إسماعيلَ عليه السلامُ مداومتِهِ لأمرِ أهلهِ بهَا قالَ تعالى: ﴿وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾، ولما أُوذِيَ بنو إسرائيلَ لم تسقطْ الصلاةُ عنهم، بل أُمرُوا بها فقالَ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾، وقال آمرًا نبيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها﴾، ومما يدلُّ على عظمِ الصلاةِ، ورفعةِ مكانتِهَا أنَّ الملائكةَ وهم أفضلُ خلقِ اللهِ، وأعلمُهُم بهِ – بعدَ أنبيائِهِ ورسلِهِ – يتقربُون بها إلى اللهِ، فالبيتُ المعمورُ في السماءِ يدخلُهُ كلَّ يومٍ سبعونَ ألفَ ملكٍ يصلونَ فيه للهِ كما في حديثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: «ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ» (متفق عليه) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة : الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة
(2) فرضيةُ الصلاةِ ليلةَ الإسراءِ والمعراجِ:
دلّتْ السيرةُ النبويةُ على أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلِّي هو ومَن آمنَ معه أولَ الإسلامِ، حيثُ جاءَ جبريلُ يعلمهُ الوضوءَ والصلاةَ، وأخبرَ عَفِيفُ الْكِنْدِي أنَّه قدمَ مكةَ عندَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ «وَكَانَ امْرَأً تَاجِرًا، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعِنْدَهُ بِمِنًى، إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِيبٍ مِنْهُ، فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ فَلَمَّا رَآهَا مَالَتْ – يَعْنِي قَامَ يُصَلِّي – قَالَ: ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَامَتْ خَلْفَهُ تُصَلِّي، ثُمَّ خَرَجَ غُلامٌ حِينَ رَاهَقَ الْحُلُمَ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ، فَقَامَ مَعَهُ يُصَلِّي، قَالَ: فَقُلْتُ لِلعَبَّاسِ: مَنْ هَذَا يَا عَبَّاسُ؟ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي، قَالَ: فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا الْفَتَى؟ قَالَ: هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا هَذَا الَّذِي يَصْنَعُ؟ قَالَ: يُصَلِّي، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَمْ يَتْبَعْهُ عَلَى أَمْرِهِ إِلا امْرَأَتُهُ، وَابْنُ عَمِّهِ هَذَا الْفَتَى» (أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي)، وكان المسلمونَ يصلُّون صلاتينِ قبلَ أنْ تُفرضَ الصلواتُ الخمسُ، الأُولى: أولُ النهارِ والثانيةُ: آخرهُ، وكانتْ الصلاةُ الرباعيةُ ركعتينِ ثم أُتمتْ صلاةُ الحضرِ إلى أربع، وبقيتْ صلاةُ السفرِ ركعتينِ فعن عَائِشَةَ قالتْ: «فُرِضَتْ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ في الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ في صَلاةِ الْحَضَرِ» (متفق عليه)، ثم كانَ تتويجُ الصلاةِ ليلةَ المعراجِ ففرضَهَا اللهُ على خلقهِ مِن فوقِ سبعِ سمواتٍ بدونِ واسطةٍ، فلم يرسلْ بِفَرْضِيَّتِهَا جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وإنما فَرَضَهَا كِفَاحًا منه إِلَى نبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذ صعدَ إلى ما فوقَ السماءِ السابعةِ حتى سمعَ صريفَ الأقلامِ تكتبُ القدرَ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ، فَفَرَضَ اللهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ لِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدْ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي» (متفق عليه)، فهي خمسٌ في الأداءِ، خمسونَ في الأجرِ والثوابِ والعطاءِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة : الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة
(3) مِن مقاصدِ الصلاةِ في الشريعةِ الإسلاميةِ:
*مقصدُ العروجِ إلى اللهِ تعالى: إذا كانَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كلمَهُ اللهُ كفاحًا ليلةَ المعراجِ، فإنَّ اللهَ جعلَ الصلواتِ الخمسَ معراجَ الإنسانِ إلى ربِّهِ، ففيها يُناجِيه ويسألُهُ فعن أَنَسٍ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إذا قامَ في صَلاتِهِ فإنه يُنَاجِي رَبَّهُ أو إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» (البخاري)، ولهذا أُمِرَ المسلمُ فيها بالخشوعٍ والخضوعِ للهِ قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾، ونُهِيَ عن الالتفاتِ في الصلاةِ، والعبثِ بثوبهِ وجسدهِ، وتقليبِ الحصَى، وعن كلِّ ما ليسَ مِن جنسِهَا، وعن رفعِ بصرهِ إلى السماءِ خشيةَ أنْ يذهبَ بصرهُ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ إِلَى السَّمَاءِ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» (مسلم)، فالعبدُ عندمَا يقرأُ فاتحةَ الكتابِ في كلِّ ركعةٍ فإنَّهُ يحاورُ ربَّهّ ويدعُوه كما جاءً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قال اللهُ: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قال الْعَبْدُ ﴿الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، قال اللهُ حَمِدَنِي عَبْدِي وإذا قال ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال اللهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وإذا قال ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال مَجَّدَنِي عَبْدِي، وقال مَرَّةً فَوَّضَ إلي عَبْدِي، فإذا قال ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قال هذا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قال ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عليهم غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ﴾، قال هذا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي ما سَأَلَ» (مسلم)، ألا فليعطِهَا كلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ جلَّ عنايتِهِ، ويجعلَهَا محطَّ اهتمامِهِ ورعايتِهِ، ويستحضرُ فيها عظمةَ ربِّهِ كما كان الصالحون يصنعون ذلك، ألا ما أحوجَ العبدُ إليها عندما تضيقُ به السبلُ، وتنسدُّ في وجهِ الأبوابُ، ويهجرُهُ الصديقُ والحبيبُ، فيقرعُ بابَ مولاه وخالقِهِ فيجدُهُ أقربَ إليهِ من حبلِ الوريدِ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» (النسائي)، وهناك حقيقةٌ علميةٌ هامة؟ هى أنِّ الإنسانَ كلما كان في حالةِ خشوعٍ فإنّ الموجاتِ الكهرومغناطيسيةِ التي يصدرُهَا الدماغُ تصبحُ أقلَّ ذبذبةٍ، وهذا يريحُ الدماغَ ويقويهِ، وصدقَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قالَ: «يَا بِلَالُ، أَقِمِ الصَّلَاةَ، وَأَرِحْنَا بِهَا» (أبو داود) .
إنَّ المسلمَ عندمَا يواضبُ على الصلاةِ، ويجددُ العهدَ بها، تحصلُ لهُ من السلامةِ والطمأنينةِ في الدنيا مالا يقادرُ قدرَهُ إلّا مَن ذاقَهُ وعرفَهُ وعاشَهُ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وقد أكدَ العلمُ الحديثُ أنَّ حالةَ الخشوعِ تفيدُ حالاتِ الاكتئابِ والقلقِ والإحباطِ، وتزيدُ مِن الثقةِ بالنفسِ، أمَّا في الآخرةِ فيحصلُ لهُ النورُ التامُّ على الصراطِ فعَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَشِّرِ المَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ» (ابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي) .
*مقصدٌ لتغييرِ سلوكِ الإنسانِ لينالَ رضا الرحمنِ: لقد أمرنَا الإسلامُ بالمحافظةِ على الصلاةِ، والمداومةِ عليها، وأدائِهَا على أكملِ وجهٍ، وإتمامِ أركانِهَا وسننِهَا، ومستحباتِهَا وآدابِهَا، وتأملْ حديثَ القرآنِ الكريمِ عنها تجدُهُ قد جاءَ مقرونًا بصفاتِ ألفاظِهَا، فمرةً قُرنتْ بالمحافظةِ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾، ومرةً بالدوامِ: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾، وآُخرى بالإقامةِ: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾، وهذا التنوعُ في الألفاظِ والسياقِ يعطيكَ دلالةً أنَّ اللهَ لا يريدُ مِن العبدِ مجردَ صلاةٍ، وإلا لكانَ التعبيرُ: «صلُّوا»، ولو قال ذلك لأجزأتْ أيُّ صلاةٍ، وعلى أيِّ وجهٍ كانتْ، لكن نبيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمَنَا ذلك، ووضحتُهُ سنتُهُ حيثُ قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» (البخاري)، كما يرشدُكَ إلى ملمحٍ مهمٍ ألا وهو ظهورُ آثارِ هذه الصلاةِ فى الحياةِ العمليةِ، وفي سلوكِ الإنسانِ وتعاملِهِ مع غيرِهِ، فالصلاةُ مِن أعظمِ مقاصدِهَا تربيةُ المسلمِ على كفِّ لسانِهِ عن الغيبةِ والنميمةِ، وشهادةِ الزورِ، فلا يقولُ إلا خيرًا، وجعلَ قلبَهُ سليمًا نظيفًا لا يحملُ بينَ جنباتِهِ بغضًا ولا حقدًا ولا حسدًا، يحبُّ النفعَ والخيرَ للجميعِ، فهذا قد نفعتُهُ صلاتُهُ، وانتفعَ بهَا كما قالَ ربُّنَا: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، أمَّا مَن طالَ سجودُهُ وعظمَ ركوعُهُ، وحسنَ خشوعُهُ، ولا تفوتُهُ تكبيرةُ إحرامٍ، لكنَّهُ إذا خرجَ مِن صلاتِهِ فعلَ المنكراتِ، وقارفَ السيئاتِ، وعاملَ الناسَ بالغشِّ والمخالفاتِ، يسعَى في تأجيجِ الفتنِ بينَ البشرِ أيقبلُ اللهُ منه صلاتَهُ؟ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «مَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صَلَاتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا» (الطَّبَرَانِي، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ) .
إنَّ العبدَ الذي هو قليلُ البضاعةِ – أعنِي يُؤدي المفروضَ مِن الصلاةِ وغيرِهَا – لكنّ أخلاقَهُ حسنةٌ، وأقوالَهُ طيبةٌ، حسنَ السيرةِ والسريرةِ، أعظمُ أجراً مِن هذا الذي لم تؤثرْ فيه صلاتُهُ وعبادتُهُ مع كثرتِهَا وعظمِهَا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ» (أحمد) .
لقد أخبرتْ السنةُ أنَّ اللهَ يتقبلُ الصلاةَ مِن العبدِ المتواضعِ لا المغرورِ المتعالِي الجافِي، الذي يرحمُ عبادَهُ الضعفاء، ويحنُّ ويعطفُ عليهم بما فتحَ اللهُ عليه مِن فضلِهِ الواسعِ، وخيرِهِ الغزيزِ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ: قَالَ اللَّهُ: «إِنَّمَا أَتَقَبَّلُ الصَّلاةَ مِمَّنْ تَوَاضَعَ بِهَا لِعَظَمَتِي وَلَمْ يَسْتَطِلْ عَلَى خَلْقِي وَلَمْ يَبِتْ مُصِرًّا عَلَى مَعْصِيَتِي وَقَطَعَ نَهَارَهُ فِي ذِكْرِي وَرَحِمَ الْمِسْكِينَ، وَابن السَّبِيلِ وَالأَرْمَلَةَ وَرَحِمَ الْمُصَابَ ذَلِكَ نُورُهُ كَنُورِ الشَّمْسِ أكلؤه بعزتي وأستحفظه ملائكتي أجعل له الظُّلْمَةِ نُورًا وَفِي الْجَهَالَةِ حِلْمًا وَمَثَلُهُ فِي خَلْقِي كَمَثَلِ الْفِرْدَوْسِ فِي الْجَنَّةِ» (رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقَدٍ الْحَرَّانَيُّ ضَعَّفَهُ جماعة، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ) .
*الإعجازُ العلميُّ في الصلاةِ: الأصلُ أنَّ المسلمَ يعبدُ اللهَ على وجهِ التسليمِ والخضوعِ لهُ، لكنْ قد يأتِي البحثُ العلميُّ فيؤيدُ صحةَ ما شرعَهُ اللهُ أو أحلَّهُ وحرمَهُ، فيزيدُ المؤمنَ إيمانًا خاصةً في ظلِّ رياحِ الشكوكِ، وتقلبِ الفتنِ، وقد أثبتَ العلمُ أنَّ تدليكَ أعضاءِ الجسمِ أثناءَ الوضوءِ للصلاةِ تعيدُ للمرءِ حيويتَهُ ونضارتَهُ، ويساعدُ خلايا المخِّ علي التجددِ والاستمرارِ في ضخِّ الدمِّ، وتزيلُ بعضَ الأمراضِ الجلديةِ، وتقِي من الميكروباتِ المتعددةِ، وصدقَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يَقُولُ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» (متفق عليه)، كما أنَّ السجودَ في الصلاةِ يزيدُ مِن سريانِ الدمِ بفعلِ ميلِ الرأسِ إلى أسفلٍ، وتفريغِ الشحناتِ الزائدةِ، وتنشيطِ الدورةِ الدمويةِ، وزيادةِ التركيزِ، وتدريبِ الإنسانِ على الصبرِ والهدوءِ، وعدمِ التكبرِ، كما أنَّ الركوعَ والسجودَ يقويانِ عضلاتِ البطنِ، والساقينِ والفخذينِ مما يُجنِّبُ المصلّي الكثيرَ من الأمراضِ كترققِ العظامِ الناتجةِ عن قلةِ الحركةِ، وتقوسِ العمودِ الفقرِي، والوقايةِ من الانزلاقِ الغضروفِي، كما تعملُ أيضًا على تقويةِ مفاصلِ الكعبينِ، وتُعدُّ عمليةُ التكبيرِ والقراءةِ والتسبيحِ مع حركاتِهَا المنتظمةِ بمثابةِ تمريناتٍ تنفسيةٍ منتظمةٍ، كما أنَّ التسليمَ في نهايةِ الصلاةِ بمثابةِ تمريناتٍ للرقبةِ تقيهَا ممـا قد يحدثُ مِن تيبسٍ عضليٍّ، كما تزيدُ حركاتُ الصلاةِ من نشاطِ الأمعاءِ فتقِي من مرضِ الإمساكِ المزمنِ … الخ، ولذا أمرَ اللهُ نبيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسجودِ لما حاولَ بعضُ المشركين وطأَهُ بقدمهِ عندَ صلاتهِ بالمسجدِ الحرامِ، موجهًا إياهُ بعدمِ العبءِ بهؤلاءِ قالَ تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى* عَبْداً إِذا صَلَّى﴾ إلى أنْ قالً: ﴿كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ * ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ * كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾، وأخبرَ في أحاديثَ كثيرةٍ أنًّ حالةَ السجودِ أقربُ صفةً يكونُ العبدُ فيها إلى خالقِهِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (مسلم) .
نسألُ اللهً أنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لما فيه نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف