“أمين البحوث الإسلامية” :الفكر المتطرف أكثر خطورة من الرصاص والقنابل
كتب: محمد الزهيرى
أكد الدكتور محيي الدين عفيفى ، الأمينَ العام لمجمع البحوث الإسلامية ، أن الجرائم التي تهدد السلم العالمي، والتي تقوم بها جماعات التكفير والإرهاب تعمل على استغلال الدين، لذا أطلقت على نفسها «الدولة الإسلامية» أو «الخلافة الإسلامية، أو غير ذلك من الأسماء والعناوين مثل «داعش» وغيرها، لمحاولة تصدير صورة إسلامهم الجديد المغشوش باعتباره ديناً جاء للناس بالذبح وقطع رأس من يخالفه، أو تهجيره من دياره.
وأضاف “عفيفى” ، خلال المؤتمر المنعقد بالعاصمة الإيطالية روما ، تحت عنوان التصدي للعنف ، أن سبب انحراف هؤلاء الشباب الجهل الديني حيث لا يوجد لديهم من المؤهلات العلمية والثقافية لمعرفة الإسلام إلا الحماس، وردود الأفعال الطائشة الحادة، فكان التكفير هو الصيغة المثلي والأسرع للتعبير عن واقعهم المرير .
وأشار إلى أن أحكامهم أو تصوراتهم لم تكن نابعة من فقه سديدٍ ، أو فكر رشيد ٍ، وظهرت مفاهيم ونظريات منحرفة عن صحيح الدين ، وازداد الخطر عندما قام المنظرون لتلك التيارات بالاستدلال بالنصوص الشرعية في غير موضعها فظهر فكر التكفير، وقامت التنظيمات المتطرفة بتطبيق ذلك، واستقطاب الشباب وتجنيدهم عبر المواقع الالكترونية، وتم طرح مفاهيم وقضايا مثل: التكفير، وقضية الحاكمية، وقضية الجاهلية، وحتمية الصدام، ومفهوم الجهاد، ومفهوم الخلافة، والدولة الإسلامية، ومفهوم التمكين، ودار الإسلام ودار الحرب، وتعد هذه الأمور من المشتركات بين التنظيمات الإرهابية.
وأفاد أن المعركة تجاه تلك الجماعات لا تحسمها أجهزة الأمن وحدها.. ولكن لا بد من أن تكون المعركة بالفكر أولاً.. لتصحيح المفاهيم المغلوطة.. وبيان سماحة وإنسانية الإسلام.
وبين أن الإرهاب معروف وموجود في العالم كله تقريباً، وله منظمات وجماعات تتلون في كل بلد بما يناسبها ، وهناك من يقول إن «الإرهاب» أصبح سلاحاً دولياً وعنصراً ضاغطاً على القرار، وهذا هو هدفه الحقيقي غير المعلن، وهناك من يرى أن الإرهاب أصبح في هذا العصر بديلاً عن الحروب التقليدية، وأن الذين يحركون جماعاته من بعيد يسعون إلى تحقيق غايات كانت تحققها الجيوش في العصور الماضية. لكن اختلاف الظروف العالمية جعلت الإرهاب الآن ظاهرة عالمية أن للإرهاب أقنعة أخرى غير دينية لأن لعبة الدين لا تصلح فيه أحلامها.
وتابع قائلاً : ومن ثم فإن البعض يتعمد خلط مفهوم التدين بمفهوم استخدام الدين واستغلاله لغير ما أنزله الله له، ولأن فئات من الشباب في مرحلة من مراحل العمر تشعر برغبتها في الانضمام إلى جماعة ما.. تشعر في انتمائها لها بالأمان، والاستقرار النفسي، وبأن معهم قوة، ولهم تأثير ووجود،ويبحثون عنهم، ويساعدونهم في الضائقة، ويسهلون لهم حل مشاكلهم المالية، وتكون البداية باعتناق أفكارها، وقبول تكفير وقتل الآخر، وسلب ماله وانتهاك عرضه.
وأكد “عفيفى” أن سبب وقوع بعض الشباب في تلك الأفكار أنهم لم يجدوا من يرشدهم في البيت ولا في المدرسة.. ولا في ناد أو مركز للشباب..
كما أوضح الأمين العام أن الفكر أكثر خطورة من الرصاص والقنابل!! لأن الفكر هو الذي يقنع الشاب الذي يقع ضحية للضلال بأنه بطل يجاهد في سبيل الله، وبالفكر يصبح الشاب لعبة في يد اللاعبين الحقيقيين الذين يعلمون ويحركون الخيوط في الخفاء، إضافة إلى ذلك انتشار الأمية الدينية نتيجة عدم القراءة والبحث وغياب المنهجية العلمية ، كما أن تلك الجماعات المتطرفة والإرهابية تستغل جهل الناس العاديين بدقائق الأمور الدينية، وتقوم هي بتقديم أمور الدين كما تُريد، وتستخدم الكتب وغيرها من الوسائل ومواقع التواصل الاجتماعي في عرض أفكارها، والإلحاح، والتكرار، وتجنيد العناصر النشطة، لكي تقنع الآخرين بما تريد.
وأرجع سبب وقوع البعض في شباك تلك الجماعات ، إلى تهميش الشعوب الفقيرة واستغلال ظروفها ومحاولات استغلال ثروات بعض الدول من أبرز أسباب التطرف والإرهاب، بسبب ظلم الدول الغنية الأمر الذي أدى إلى افقار الشعوب وانتشار الجهل والمرض، إضافة إلى ما يتم إنفاقه من مليارات الدولارات لتسويق فكر الجماعات المتطرفة والإرهابية لاستقطاب الشباب، ومحاولات غزو عقولهم بتلك الأفكار التي تساعد على تنفيذ المخططات العالمية لإعادة هيكلة المنطقة العربية ومناطق الصراع في العالم لتحقيق الهيمنة من خلال حروب الجيل الرابع والإرهاب السيبراني.
وأشار إلى أنه ليس من الإنصاف ولا من المقبول أنْ نحاكم الأديان بإرهاب بعض المجرمين المنتسبين لهذه الأديان، لسبب منطقي، غاية في البساطة هو أن تعاليم الأديان هي أول من يتبرأ من هؤلاء المجرمين، ومن جرائمهم البشعة اللاإنسانية، وإذا كنا نحن المسلمين لا نجرؤ على إدانة الدينين: اليهودي والمسيحي بسبب ما ارتكبته فئات من أتباعهما ضد المسلمين، من قتل وتشريد وعدوان ـ قديماً وحديثاً ـ فلماذا يتحمل الإسلام مسئولية هذه القلة الخارجة على تعاليمه؟! ولماذا هذه السمعة الرديئة التي انتشرت وانتهت إلى ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي عملت على تغذية الصراع الحضاري بين الشرق والغرب.
وقال: إن الإسلام يقرر في أقدس نصوصه أن المخالفة في الفكر والرأي والعقيدة والدين، لا تستلزم العداوة والعدوان ولا ينبغي أن تنطوي على الحق والكره والحسد، والبغضاء للآخرين، «الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية».
وشدد “عفيفي” على ضرورة أن تتحول العلاقة بين الشرق والغرب إلى علاقة سلام وتعارف يقوم على الاحترام المتبادل للخصوصيات والعقائد والهويات والثقافات المختلفة، ولا بد قبل كل ذلك من الشعور بالأخوة العالمية والإنسانية.
وأكد على دور الأزهر الذي عمل ويعمل على ترسيخ مفاهيم الوسطية والسماحة والاعتدال، وقبول الآخر واحترام ثقافته، الحوار، نبذ العنف والتطرف والغلو، التعايش السلمي واحترام قوانين الدول، وحرية العقيدة والتعددية الدينية والثقافية وغير ذلك من القضايا التي ترسخ للسلم والتعايش بين الشعوب.