أحمد نورالدين يكتب : أنيميا الفكر وهزال الوعي
جاءت تصريحات حلمى النمنم وزير الثقافة فى الجلسة الختامية لمؤتمر السلام المجتمعى الذى نظمته الهيئة القبطية الإنجيلية بالإسكندرية، ( دور المجتمع المدنى فى مواجهة العنف) بحضور محمد أبو حامد النائب البرلمانى والقس الدكتور أندرية زكى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر ورئيس الهيئة الإنجيلية, “بأن المجتمع المصرى يجب أن يتحلى بالشجاعة ومواجهة ظاهرة العنف، حيث يعانى المجتمع المصرى من قصور فى النواحى الثقافية والتعليمية، وذلك يرجع إلى عدة أسباب منها توغل التعليم الأزهرى فى مصر، حيث يشكل التعليم الأزهرى نسبة كبيرة فى مصر، وهو أمر لابد من إعادة النظر فيه، وكذلك إعادة النظر فى المناهج الدينية التى تدرس فى المعاهد الأزهرية”, ليثبت بما لا يدع مجالا للشك وليدرك يقينا كل متأمل في مجتمعاتنا العربية عامة ومصرنا الحبيبة خاصة ، أنها تموج في أمواج من الفتن العاتية ، ومن يمسك بدفة الأمور الفكرية والثقافية للنجاة بها – زورا وبهتانا – ثلة من العلمانيين والليبراليين ، الذين ينادون بأفكارهم وفلسفاتهم التغريبية ، التي بها يعمون أعين العامة ، مدخلين عليهم أنها النجاة ، وأن بغيرها الهلاك ، مستهزئين بقيمنا الدينية ومؤسساتنا الدينية العريقة في تطاول مفضوح وكره بيّن صريح لكل ما يمت للإسلام بصلة , بل أكون صادقا حين اؤكد انهم مسخوا عقل وطننا وضميره وفكره ويومه ومستقبله وأضاعوا شبابه حين علا صوتهم بألا يتعدى حدود الدين عتبة المساجد وصدر المتدينين .
ولكي تدرك – عزيزى القارئ – حقيقة العلمانية والعلمانيين ، وما يريدونه من تفتيت وتدمير مجتمعنا المسلم أسوق لكم هذه الحقائق ،: أولى هذه الحقائق أنه يجب أن نفصل الدين عن السياسة والاقتصاد وكل مناحي الحياة ، فلا يتعدى الدين إلا أن يكون محصورا ومحسورا في المسجد ، أو بين الشخص وربه فقط .
وحين دعت العلمانية وأبواقها لهدم بنيان العقيدة الاسلامية وشرائعها وأخلاق الإسلام الفاضلة ، وحماية للفساد الأخلاقي تحت ذريعة الحرية الشخصية ، وصهرا للجميع في بوتقة واحدة ، ولا أدل على ما أقول من دعوة هذا الدكتور المتخصص في العلوم السياسية الذي دعا من قبل إلى إباحة زواج المسلمة من الكتابى ، ولا يجد غضاضة في ذلك ، وهذا الذي يدعو ويشجع على زواج الشواذ ، بل يهنئ ويبارك لأصدقائه بالولايات المتحدة الأمريكية إصدار قانون يسمح بذلك هناك ، وهذه التي تنشر صورا لها على مواقع الانترنت عارية تماما بدعوى الحرية الشخصية ، وهذه التى تطالب بتعدد الأزواج أسوة بالرجال ، وهذه التى ترى ظلما فى توزيع الميراث فى الشريعة الإسلامية ، وكيف أن الإسلام ظلم المرأة حين جعل للذكر مثل حظ الانثيين ،وتلك النسوة الكبيرات سنا والمصنفات تحت مسمى المثقفات وحربهن ودعوتهن الصريحة لإلغاء الحجاب جملة وتفصيلا بالمجتمع, وغيرها من الأمثلة المستهجنة الوافدة على مجتمعنا المصري المسلم ، أليس هذا مناهضة للإسلام وتعاليمه وقيمه وأخلاقه؟!
وحين لم تقتصر حرب وتشويه العلمانية ومعتنقيها على الإسلام ، بل التعدي لحد تشويه علمائه وملتزميه ، فهي تتهمهم بالجمود والتخلف ، ولو كان ذلك صحيحا لكان الأوجب على العلمانيين أن يكونوا هم أهل التقوى والإصلاح والالتزام الصحيح بالدين , وحين هدمت الدين الإسلامي وحضارته من صدور المسلمين بجعل مادة الدين مادة هامشية لا تؤثر في تقديرات ودرجات الطلاب نهاية العام .
وحين يهدمون المجتمع الإسلامي ، بتدميرهم وتهديمهم لبنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية ، وذلك بنشر الإباحية والفوضى الأخلاقية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، من صحف ومجلات وإذاعة وتليفزيون وسينما ، التي لا تكل من محاربة الفضيلة والعفة ونشر الرذيلة بالتلميح مرة ، وبالتصريح مرة أخرى ليلا ونهارا , ونشر السباب في حق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام
بعد هذا كله لا أجد عجبا من تصريحات الوزير النمنم , فالرجل يفتخر بعلمانيته , ومشهود له بمحاربته الفكر الإسلامي ورجاله ومؤسساته , ولا بد وان كان الازهر برجاله الافذاذ يريدون الرد عمليا على ما قاله النمنم دون صوت عال لا طائل منه, أن يسرعوا في عقد مراجعات فكرية وعلمية وعملية لأزهرنا الشريف وكل مؤسساتنا الدينية الاخرى ورجالها , وليثبتوا للنمنم وغيره أن كلامه مردود عليه , كما لابد من من تبنى وجهة نظرفضيلة الشيخ أحمد ربيع الأزهري حين قال ردا على النمنم : ” أتمنى من الأزهر أن يفتح صفحات مجلته لنا ولغيرنا لنشر سلسلة مقالات لبيان مكانة الأزهر ودوره ورسالته والرد على كل على الإفتراءات , بل وتقيم حقيقي لدور الأزهر بين الواقع والمأمول ، بل وأتمنى أن يبدأ الأزهر حوارا داخل الأنا الأزهري لتقيم الأزهر ومؤسساته المختلفة ودوره المستقبلي , أتمنى بعد عودة الإمام الأكبر من الشيشان أن تعقد مشيخة الأزهر حلقة نقاشية عن( رؤية شباب الأزهر لمستقبل معهدهم الخالد) , وأن تعقد المشيخة بل والإمام الأكبر بنفسه جلسات استماع مع كبار علماء الأزهر في هذا الصدد , كما أدعو فضيلة الإمام الأكبر لعقد مؤتمر تحت عنوان (الأزهر بين الواقع والمأمول قراءة في عقول أبناءه) يؤسس لحوار داخل الأنا الأزهري ويبحث عن تطوير الذات من الداخل، نحتاج لرؤية جامعة لدور الأزهر ورسالته بين الواقع والمأمول ، نحتاج لإعادة رسم رؤية للرسالة ودور للأزهر الشريف يشارك فيها كل أبناءه المخلصين وعقوله النيرة والمفكرة تلبي تطلعات الداخل بواقعه الأليم والخارج بتشوفه لوسطية وطرح الأزهر ، وتنهض برسالة الأزهر الجامع والجامع والمنهج والطريقة, ولدينا تصور كامل لهذا المؤتمر ومحاوره المختلفة , هذه هي البداية إن كنا نريد أن يكون بأيدينا لا بيد عمرو, اللهم إنى بلغت اللهم فاشهد” .
وختاما اتفق تمام الاتفاق وأتساءل مع الكاتب محمد عيسى الكنعان عندما كتب “أزمة الخطاب الليبرالي” بجريدة الجزيرة السعودية فى قوله : “هل يمكن تصديق الخطاب الليبرالي الذي ثبت أنه يعيش أزمة حقيقية ؟ أو هل يمكن الوثوق بالليبراليين أو على أقل تقدير التلاقي معهم على أرضية مشتركة ؟ خاصة وأن عدد المنصفين منهم يكاد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة ربما ، وهو بعيد الاحتمال ، ما لم تكن هناك مكاشفة فكرية حقيقية معهم تدفعهم نحو تبني مواقف عاقلة ، وقراءة الأحداث قراءة واعية تسهم في تخفيف حدة الغلو في خطابهم الذي بات مكشوفا على كل الصعد والمجالات الحياتية ، فلعل فيهم بارقة أمل للعلاج حتى نضطر يوما إلى إنشاء وكالة غوث الليبراليين ، بسبب أنيميا الفكر وهزال الوعي ، إذا كنا بالفعل نبتغي وحدة الصف وننشد إصلاح الفكر”.. فاللهم اجعل الاسلام دواء شافيا لأبصارهم وقلوبهم ، وماء طهورا يغسل أدران جهلهم وعنادهم به.. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .