أبوبكر الصديق و إعمال العقل في الإسراء والمعراج بقلم الشيخ خالد الشعراوى
&&& ( أبوبكر الصديق و إعمال العقل في الإسراء والمعراج ) &&&
********************************************
روى أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” «لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فَظَعْتُ بِأَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ، فَقَعَدْتُ مُعْتَزِلًا حَزِينًا “. فَمَرَّ بِهِ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” نَعَمْ ” قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: ” إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ “. قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: ” إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ “. قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: ” نَعَمْ ” فَلَمْ يُرِهِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ أَتُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟ قَالَ: ” نَعَمْ “. قَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. قَالَ: فَانْتَقَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا. قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ “. قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: ” إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ” قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: ” نَعَمْ “. قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ زَعَمَ. قَالُوا: وَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ – وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ ” قَالَ: ” فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عُقَيْلٍ – أَوْ عِقَالٍ – فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ. قَالَ: وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ ” قَالَ: فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ ) .
*لقد ظنت قريش أنها وجدت في حادثة الإسراء مادة اعلامية جيدة تكون وقوداً لحملة تشكيك جديدة في الدين الجديد ، ولم يفطنوا إلى الكلام جيداً – وهذا هو حال المفلسين المتربصين – فإن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال 🙁 أُسْرِيَ بِي ) ببناء الفعل لما لم يسمى فاعله ( مبني للمجهول ) ، ولم يقل ( أسريت ) فكان منطقيا أن يسألوه من الذي أسرى بك ؟
فإذا قال لهم :الــــلــــــــه . ونسب الفعل لفاعله انتهى الأمر، لأنهم يعلمون أن الله على كل شئ قدير.
لقد عموا عن الكلام ودقته لأنهم لا يريدون الحق ، وإنما يريدون الإنتصار لرأيهم الفاسد ، كحال الكثيرين الآن ممن لا يعلمون حقيقة هذا الدين وموارده ومصادره وأصوله ،وإن هذا يتفق وقوله تعالى 🙁 سبحان الذي أسرى بعبده …)
* ولما أخفقوا في هذه المحاولة بعد أن نعت النبي- صلى الله عليه وسلم – لهم المسجد وأقروا أنه أصاب فيه ، بحثوا عن محاولة أخرى وهي تشكيك الصحابة في إيمانهم بالنبي- صلى الله عليه وسلم – فأتوا أبا بكر الصديق – رضي الله عنه- فقالوا له ما تقول يا أبا بكر في صاحبك؟ يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة.
فقال لهم أبو بكر في ثقة المؤمن المخلص: والله لئن كان قال لكم ذلك، لقد صدق، والله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليلٍ أو نهارٍ فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه!
– لقد اختارت قريش أبا بكر بالذات لأنهم يعلمون أنه الرجل الجبل الذي يتثبت به المسلمون ، فإن زال زالوا ، ولما لا ؟ وهو الذي جاء بالأخيار الأماجد إلى الساحة المحمدية ، فهو الذي جاء بعثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد وغيرهم – رضي الله عنهم –
– وإن قريشاً في حوارها مع أبي بكر تدلل وتبرهن على فساد عقولهم ، حيث قدموا لأبي بكر مقدمات فاسدة أو معطيات فاسدة لتؤدي به إلى نتائج فاسدة ، ولكن هيهات إنه أبوبكر ، لقد قالوا له : أتصدقه في هذا والعير تطرد في ذهابها شهرا وفي رجوعها شهرا، أيبلغه في ليلة واحدة ؟
فرد عليهم بمقدمة أخرى لما قال لهم : والله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليلٍ أو نهارٍ فأصدقه، فهذا أبعد ما تعجبون منه! ) وهذا هو قياس الأولى فالمسافة من السماء إلى الأرض أبعد من المسافة من مكة إلى بيت المقدس .وبين لهم أن الأصل الذي قاس عليه غير الأصل الذي قاسوا هم عليه ، وبين لهم فساد قياسهم حيث أنهم قاسوا على الإبل ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – بين لهم في كلامه أن الفاعل للإسراء هو الله الذي أوحى إليه ، فكان يجب عليهم أن يقيسوا على الوحي وسرعته لاتحاد العلة لا على الإبل وعليهم.
وإن تصديق أبي بكر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم – في هذه الحادثة فرع عن تصديقه بأنه رسول الله .
وفي هذا إعمال للعقل من أبي بكر وليس تعطيلاً له كما يزعم بعض العقلانيين فالإسلام يحترم ويقدر العقول السليمة الصحيحة .
لقد كان أبوبكر قمة في كل شئ ، في إيمانه وتصديقه وتفكيره وعقله ولسانه ، وإن العالم النحرير ليقف عاجزاً متعجباً من كل فعلٍ وقولٍ لهذا الرجل ، حتى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كافأ كل من كان له يد عنده إلا أبا بكر لم يستطع أن يكافئه فترك مكافأته لله ، روى الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- قال: ( مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَأْنَاهُ مَا خَلاَ أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَداً يُكَافِئُهُ الله بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
فاللهم ارزقنا فهما في دينك كفهم أبي بكر
الشيخ / خالد الشعراوي
أوقاف القليوبية