مقالات وأراء

وزير الأوقاف يكتب.. المـلـــــف الصـعــــب

  لا شك أن ملف الخطاب الديني واحد من أهم الملفات الصعبة الشائكة ، وأن الإقدام على التجديد في القضايا الفقهية والشرعية ، والنظر في المستجدات العصرية ، وفي بعض القضايا القابلة للاجتهاد ، يحتاج إلى رؤية ودراية وفهم عميق وشجاعة وجرأة محسوبة ، وحسن تقدير للأمور في آن واحد .

     كما أنه يحتاج من صاحبه إلى إخلاص النيّة لله , بما يعينه على حسن الفهم وعلى تحمل النقد والسهام اللاذعة ، ممن أغلقوا باب الاجتهاد ، وأقسموا جهد أيمانهم أن الأمة لم ولن تلد مجتهدًا بعد ، وأنها عقمت عقمًا لا براء منه ، متناسين أو متجاهلين أن الله (عز وجل) لم يخص بالعلم ولا بالفقه قومًا دون قوم ، أو زمانًا دون زمان ، وأن الخير في أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم القيامة .

         على أننا نؤمن بأن تسارع وتيرة الحياة العصرية في شتى الجوانب العلمية والاقتصادية والتكنولوجية ، إضافة إلى التقلبات والتكتلات والتحالفات والمتغيّرات السياسية ، كل ذلك يحتم على العلماء والفقهاء إعادة النظر في ضوء كل هذه  المتغيّرات ، ويعلم الجميع أن الإقدام على هذا الأمر ليس سهلا ولا يسيرًا ، ويحتاج إلى جهود ضخمة من الأفراد والمؤسسات ، غير أننا في النهاية لابد أن ننطلق إلى الأمام ، وأن نأخذ زمام المبادرة للخروج من دائرة الجمود .

        كما نؤمن أيضًا أن بعض الفتاوى ناسبت عصرها وزمانها ، أو مكانها ، أو أحوال المستفتين، وأن ما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر , قد يكون مرجوحًا في عصر آخر إذا تغير وجه المصلحة فيه ، وأن المفتى به في عصر معين ، وفي بيئة معينة ، وفي ظل ظروف معينة ، قد يصبح غيره أولى منه في الإفتاء به إذا تغيّر العصر ، أو تغيّرت البيئة ، أو تغيّرت الظروف ، ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة .

      وعندما نمعن النظر في قراءة توصيات المؤتمر الدولي العام الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية , نجد أن العلماء المشاركين في المؤتمر الذين شاركوا ببحوثهم أو مداخلاتهم أو توصياتهم التي خرجت بإجماع الحاضرين , قد حاولوا أن يحددوا مفاهيم بعض المصطلحات ، وأن يعيدوا قراءتها قراءة واعية في ضوء ظروف العصر ومستجداته ومتطلباته ، منها :

1-  الإرهاب ، وهو الجريمة المنظمة التي يتواطأ فيها مجموعة من الخارجين على نظام الدولة والمجتمع ، وينتج عنها سفك دماء بريئة أو تدمير منشآت أو اعتداء على ممتلكات عامة أو خاصة.

2-  الخلافة : وصف لحالة حكم سياسي متغير يمكن أن يقوم مقامها أي نظام , أو مسمى يحقق مصالح البلاد والعباد , وفق الأطر القانونية والاتفاقات الدولية .

      وما ورد فيها من نصوص يحمل على ضرورة أن يكون هناك نظام له رئيس ومؤسسات, حتى لا يعيش الناس في فوضى ، فكل حكم يحقق مصالح البلاد والعباد ويقيم العدل فهو حكم رشيد ، وعليه .. فلا حق لفرد أو جماعة في تنصيب خليفة , أو دعوى إقامة دولة خلافة خارج أطر الديمقراطيات الحديثة .

3-  الجزية : اسم لالتزام مالي انتهى موجبه في زماننا هذا وانتفت علته بانتفاء ما شرعت لأجله في زمانها ، لكون المواطنين قد أصبحوا جميعاً سواء في الحقوق والواجبات ، وحلت ضوابط ونظم مالية أخرى محلها، مما أدى إلى زوال العلة .

وما ورد في القرآن الكريم من حديث عنها .. يحمل على الأعداء المحاربين والمعتدين الرافضين للمواطنة ، وليس على المواطنين المسالمين المشاركين في بناء الوطن والدفاع عنه .

4- دار الحرب : مصطلح فقهي متغير ، وقد أصبح في وقتنا الحاضر لا وجود له بمفهومه المصطلحي القديم , في ظل الاتفاقات الدولية والمواثيق الأممية ، ولا يُخِلُّ تغيره بالتأكيد على حق الدول في استرداد أرضها المغتصبة ، وأخصها حقوق الشعب الفلسطيني ، والشرع يوجب الوفاء بالعقود ، وعليه فلا هجرة من الأوطان بدعوى الانتقال لدار الإسلام.

5-  المواطنة : تعني أن يكون المواطنون جميعاً سواء في الحقوق والواجبات , داخل حدود دولهم .

6- الجهاد : رد العدوان عن الدولة بما يماثله دون تجاوز أو شطط ، ولا مجال للاعتداء , ولا حق للأفراد في إعلانه ، إنما هو حق لرئيس الدولة , والجهات المختصة بذلك , وفق القانون والدستور.

7-  على المؤسسات العلمية الدينية وضع ضوابط التكفير ؛ لتكون بين يدي القضاء ، وبما يشكل وعيًا ثقافيا ومجتمعيا , يميز بين ما يمكن أن يصل بالإنسان إلى الكفر , وما لا يصل به إليه .

         أما الحكم على الأفراد أو المنظمات أو الجماعات , فلا يكون حقا للأفراد أو المنظمات أو الجماعات ، وإنما يكون بموجب حكم قضائي مستند على أدلته الشرعية, والضوابط التي تضعها المؤسسات الدينية المعتبرة ، حتى لا نقع في فوضى التكفير , والتكفير المضاد .

       مع التأكيد أن استحلال قتل البشر , أو ذبحهم , أو حرقهم , أو التنكيل بهم من قبل الأفراد أو الجماعات , أو التنظيمات , يُعَدَُّ خروجا عن الإسلام .

8- الحاكمية : تعني الالتزام بما نزل من شرع الله , وهذا لا يمنع احتكام البشر إلى قوانين يضعونها في إطار مبادئ التشريع العامة وقواعده الكلية ، وفقاً لتغير الزمان والمكان , ولا يكون الاحتكام لتلك التشريعات الوضعية مخالفا لشرع الله , ما دام أنه يحقق المصالح العامة للدول والشعوب والأفراد والمجتمعات .

         ولن يقف جهد المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عند حدود إصدار هذه التوصيات ، لكنه شكل لجنة دولية لمتابعتها , تنعقد كل أربعة أشهر في دولة من الدول العربية أو الإسلامية، وسيكون اجتماعها القادم في شوال 1436هـ بدولة الأردن الشقيقة ، ثم بدولة البحرين الشقيقة .

          كما أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة سيعقد عددًا من الصالونات , لشرح التوصيات وتوضيح أبعادها وجوانبها ،كما سيقوم بإصدار كتيب شارح لهذه التوصيات .. يؤصل لها تأصيلا علميا وشرعيا وفقهيا ، وقد كلف اثنين من العلماء المتخصصين بذلك ، وإننا لعلى أمل أن يصدر هذا الكتيب في موعد أقصاه شهران من تاريخه (بإذن الله تعالى) .

          وإننا نؤمّل ألا يسلك العقلاء مسلك العامة في النقد العاطفي ، أو النقد الانفعالي ، أو تجاوز الموضوعية , بالتسرع في الأحكام قبل القراءة الوافية المتأنية , لما يراد الحكم أو التعليق عليه ، وأن نقدم المصلحة الشرعية والوطنية على أي اعتبارات أخرى ، وساعتئذ فلا حرج في النقد الموضوعي ، ولو ردّنا الحق عبيدًا لرددنا إليه صاغرين .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »