وزير الأوقاف يكتب الصحبة الصالحة
الصحبة الصالحة أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
الصحبة الصالحة من أهم الأمور التي لها أثرها البالغ في بناء الشخصية ، فالمرء بلا شك يتأثر بجليسه ، وقد يصطبغ بصبغته فكرًا أو معتقدًا أو سلوكًا وعملًا ، حيث يقول نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ” ، وقد أمرنا الحق سبحانه باتباع الصحبة الصالحة والفرار من الصحبة السيئة ، قال تعالى :” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” ، وقال ( صلى الله عليه وسلم):” إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السّوءِ ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ : إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً”، وهذا ما ربَّى عليه النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صحابته الكرام ، وفي مقدمتهم سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) الذي ضرب أروع المثل في حسن الصحبة والوفاء بحقها ، وذلك حين قال له أهل مكة: إن صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس ، ثم عاد ، فقال بثقة ويقين في صاحبه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : إن كان قال فقد صدق ؛ إني أصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدِّقه في خبر السماء , وهذا ما كان عليه صحابة رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فيما بينهم ، وهم خير قدوة للصحبة الصالحة الطيبة المبنية على المؤاخاة ، والإيثار ، والانتماء ، والوحدة ، والعمل الإيجابي النافع ، والتواد والتراحم ، فعَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (رضي الله عنهما) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
وينبغي علينا جميعًا الحذر من رفقة أهل السوء ، وتجنب مخالطتهم ، حيث يقول سبحانه : “وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا”، وقال سبحانه : “وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” ، وكان سيدنا عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ (رضي الله عنه) يقول : اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ ، فَإِنَّ الْمَرْءَ لَا يُخَادِنُ إِلَّا مَنْ يُعْجِبُهُ .
لذا ينبغي علينا الاهتمام المبكر بالتربية والحفاظ على النشء من أصدقاء السوء من خلال تضافر وتكامل الجهود لتحصين النشء والشباب من الفكر المتطرف والجماعات الخداعة الهدامة ، والعمل على تعزيز الانتماء الوطني لدى أبنائنا وبناتنا ، فهم أمانة في أعناقنا ، حيث يقول سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا”، وقال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاه ، أَحَفَظَ ، أَمْ ضَيَّع ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِه” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” (متفق عليه) .