وزير الأوقاف في خطبة الجمعة بالدقهلية: والمؤمن الحقيقي من يشكر في النعماء ويصبر عند البلاء
وزير الأوقاف في خطبة الجمعة من مسجد “التقوى” بمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية:
الأخذ بالأسباب مفتاح باب التوكل على الله (عز وجل)
والرأي الديني الصحيح يُبنى على رأي أهل الاختصاص في المستجدات
وعلينا أن نأخذ بجميع الأسباب في مواجهة كورونا وأهمها المبادرة إلى أخذ اللقاح
والمؤمن الحقيقي من يشكر في النعماء ويصبر عند البلاء
***************************
في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري والتثقيفي، ومحاربة الأفكار المتطرفة، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة، وبمناسبة افتتاح مسجد التقوى بمحافظة الدقهلية، ألقى معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف اليوم الجمعة 12/ 11/ 2021 م خطبة الجمعة بمسجد “التقوى” بمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، تحت عنوان : ” أحوال الفرج والشدة”، بحضور معالي الدكتور/ أيمن عبد المنعم مختار محافظ الدقهلية، و أ.د شوقي إبراهيم علام مفتي الجمهورية ، والأستاذ/ هيثم الشيخ نائب محافظ الدقهلية، والمهندس/ علاء عبد العزيز رئيس هيئة الأوقاف المصرية، والشيخ/ صفوت نظير مدير مديرية أوقاف الدقهلية، والدكتور/ محمد رشوان مدير عام المنطقة الأزهرية بالدقهلية، وعدد من السادة أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بالمحافظة، وعدد من القيادات التنفيذية والدعوية والشعبية بالمحافظة .
وفي خطبته أكد وزير الأوقاف أن الأيام دول، حيث يقول الحق سبحانه : “وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ”، فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساء ويوم نُسرّ، ويقول الشاعر:
إذَا أَحْسَنَتْ يَوْماً أَسَاءَتْ ضُحَى غَدٍ
فَإِحْسَانُهَا سَيْفٌ عَلَى النَّاسِ جَائِرُ
تَرُبُّ الْفَتَى حَتَّى إِذَا تَمَّ أَمْرُهُ
دَهَتْهُ كَمَا رَبَّ الْبَهِيمَة جَازرُ
فالأحوال متقلبة بين شدة ورخاء، وعسر ويسر وصحة ومرض، وغنى وفقر، فالمؤمن يرضى بالقضاء ويصبر عند البلاء ويشكر عند النعماء، مشيرًا إلى طبيعة من طبائع البشر يقول فيها الحق سبحانه وتعالى : “قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ”، ويقول سبحانه : “وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا”، ويقول (عز وجل) : “وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ”، وكأنه لا يعرف الله إلا وقت الشدة فحسب، ويقول سبحانه : “وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”، ويؤكد التعبير القرآني أن هذا الإنسان “مرَّ” كأن لم يدع الله من قبل في شدة، ويقول سبحانه : “كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى”، فإذا أصابه الغنى وأقبلت عليه الدنيا نأى بجانبه وربما تكبر، ثم يقول سبحانه : “إِنَّ إِلَى رَبِّكَ ٱلرُّجْعَى”، فلا تغتر، ولا تنس أنك سترجع إلى الله يومًا ما، والذي نجاك من البحر قادر على أن يخسف بك جانب البر، وأن يعيدك إلى البحر مرة أخرى فيغرقكم فيه، ولذا يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرِفكَ في الشِّدَّةِ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “مَن سرَّه أن يَستَجيبَ اللهُ له عند الشَّدائدِ والكُربِ فليُكثِرِ الدُّعاءَ في الرَّخاءِ”، ويقول سيدنا أبو الدرداء (رضي الله عنه) : “ادع الله يوم سرَّائك يستجب لك يوم ضرَّائك”، فالمؤمن الحقيقي يشكر عند الرخاء ويصبر عند البلاء، ويعلم أن الدنيا لا تدوم على حال، وأن سنة الله سبحانه وتعالى في الخلق هي التداول، وأن فقير اليوم قد يكون غني الغد، و أن غني اليوم قد يكون فقير الغد، وأن صحيح اليوم قد يكون مريض الغد، وأن مريض اليوم قد يكون صحيح الغد، يقول الشاعر :
أَلَم تَرَ أَنَّ الفَقرَ يُرجى لَهُ الغِنى
وَأَنَّ الغِنى يُخشى عَلَيهِ مِن الفَقرِ
موضحًا معاليه أن الظلمات في قوله تعالى : “قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ” المقصود منها الشدائد والكربات .
مشيرًا معاليه إلى أن المسلم ما دام مع الله فلا ييأس ولا يحمل همًّا، فإن اشتد المرض وضاقت الأسباب، فخالق الأسباب موجود والشافي موجود، وإن ضاقت بك سبل الرزق فاسع ولا تيأس، فالرزاق موجود مهما كانت شدتك، يقول الشاعر:
يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ
أَبْشِرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ
إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ، وارْضَ بهِ
إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ
فاليأس والتيئيس والإحباط من الكبائر، فديننا دين الأمل، وأن الأمل بلا عمل أمل أعوج أو أعرج ولا يصل بك إلى طريق، والرضا لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب، فالأخذ بالأسباب مفتاح باب التوكل على الله (عز وجل)، فإن كنت مريضًا فخذ بأسباب التداوي واسأل الله الشفاء، وخذ بكل تعليمات الأطباء واسأل الله العافية، مؤكدًا ضرورة الالتزام بكل الإجراءات الوقائية والاحترازية ، وعلينا أن نأخذ بجميع الأسباب في مواجهة كورونا وأهمها المبادرة في أخذ اللقاح، والرأي الديني الصحيح يبنى على رأي أهل الاختصاص في المستجدات، ورأي الدين يقف وراء الرأي الطبي بكل قوة وديننا يؤمن بالعلم، فالتوكل الصحيح يعني أن تأخذ بأسباب الشفاء وتفوض أمرك إلى الله، وتأخذ بأسباب الرزق والسعي والاجتهاد وتفوض أمر الرزق إلى الله، والطالب يأخذ بأسباب المذاكرة والجد والتحصيل ويفوض أمر النجاح إلى الله، فديننا لا يعني الاتكال والإهمال والكسل، وإنما يعني الأخذ بالأسباب.
مؤكدًا أن الأيام والدنيا لن تستمر على وتيرة واحدة، فحال الإنسان يتحول بين الصحة والمرض، والغنى والفقر، والعطاء والأخذ، والسعة والشدة، والعسر واليسر، والفرح والهم، والمؤمن كما علمنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”، فينبغي أن لا تنسينا النعمة والسراء المنعم (عز وجل) أو اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى.