وزير الأوقاف : عندما نحمي مساجدنا وكنائسنا ومعابدنا معا إنما نحمي وطننا
حماية دور العبادة
عندما نحمي مساجدنا وكنائسنا ومعابدنا معا إنما نحمي وطننا . أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
إيمانًا منَّا بسنة الله ( عزّ وجلّ ) الكونية في التنوع والاختلاف من منطلق قوله تعالى : “وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ” (هود 17-118) ، وخروجًا من ضيق الأفق الفكري إلى رحابة الإسلام الواسعة واحترامه للآخر ، وحرصًا منا على إبراز حقوق الآخرين علينا إنصافًا من أنفسنا ، وتأصيلاً لمبدأ الاحترام المتبادل ، ودحضًا للفكر المتطرف ، وتأكيدًا للعالم كله على سماحة الإسلام ، وأن ما يصيبه من محاولات تشويه لا تمت لسماحته بصلة .
فقد كرم الحق سبحانه الإنسان على إطلاق إنسانيته دون تفرقة بين بني البشر ، فقال (عزّ وجلّ) :” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ” (الإسراء :70) ورسخ ديننا الحنيف مبدأ فقه العيش المشترك بين البشر جميعًا ، ودعانا إلى التراحم والتقارب والتعارف ، حيث يقول الحق سبحانه :” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” (الحجرات : 13) ، ولم يقل سبحانه : لتتقاتلوا أو تتصارعوا أو تتصادموا ، بل قال سبحانه : ” لِتَعَارَفُوا “.
وقامت فلسفة ديننا السمح على الإيمان بسنة الله الكونية في التنوع والاختلاف ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” (هود : 118) ، وقد عـدَّ سبحانه وتعالى التنوع في الخلق آية من آيات الله (عز وجل) حيث يقول في كتابه العزيز : “وَمِنْ آَيَـاتِهِ خَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِـلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْـوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ” (الروم :22) .
وعظم الحق سبحانه وتعالى شأن المشتركات الإنسانية في جميع كتبه المنزلة ورسالاته التي أرسل بها رسله (عليهم السلام) ، فأجمعت الشرائع السماوية قاطبة على مبادئ : الحق ، والعدل ، والتسامح ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة، والصدق في الأقوال والأفعال ، وبر الوالدين ، وحرمة مال اليتيم ، ومراعاة حق الجوار ، والكلمة الطيبة ، فمصدر التشريع السماوي واحد ، ولهذا قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” الأنبياء إخوة لعلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد” (متفق عليه) .
ومع أن الشرائع قد تختلف في العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان ، فإن الأخلاق والقيم الإنسانية التي تكون أساسًا للتعايش لم تختلف في أي شريعة من الشرائع ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت” (صحيح البخاري) .
فأروني أي شريعة من الشرائع أباحت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أو أباحت عقوق الوالدين ، أو أكل السحت ، أو أكل مال اليتيم ، أو أكل حق العامل أو الأجير ، وأروني أي شريعة أباحت الكذب ، أو الغدر ، أو الخيانة ، أو خُلف الوعد ، أو نقض العهد ، أو مقابلة الحسنة بالسيئة.
بل على العكس من ذلك كله فإن جميع الشرائع السماوية قد اتفقت وأجمعت على القيم الإنسانية السامية ، ومن خرج عليها أو عنها فإنه لم يخرج على مقتضى الأديان فحسب ، وإنما يخرج على مقتضى الإنسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها .
وقد أكدنا وسنظل نؤكد أن الاعتداء على الكنائس كالاعتداء على المساجد ، وأن استهدافها أو استهداف قاصديها كاستهداف المساجد وقاصديها ، وقد ذكر العلامة ابن حزم أنه إذا جاء من يقصد من يعيش بيننا من غير المسلمين بسوء وجب على المسلمين أن يهبوا لحمايتهم ، وأن نخرج للدفاع عنهم ، وأن نموت دون ذلك ، وقد أكدنا أن من يموت منا دفاعًا عن الكنيسة كمن يموت منا دفاعًا عن المسجد ، لأننا شركاء في الوطن والمصير ، وهذا هو فقه ومفهوم المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات ، وأننا عندما نحمي مساجدنا وكنائسنا ومعابدنا معًا إنما نحمي وطننا معًا ، وهذا هو مناط الوطنية المتكافئة .
لهذا كله كان إصدار وزارة الأوقاف المصرية لكتاب “حماية دور العبادة ” الذي عكف على إعداده وإخراجه نخبة من العلماء المتخصصين المستنيرين كتابة وتدقيقًا ومراجعة ختمت بمراجعتنا ومراجعة فضيلة أ.د/ شوقي علام مفتي الجمهورية .
مع تأكيدنا على أن الحماية التي ننشدها لدور العبادة هي الحماية المادية والمعنوية معا، حماية دور العبادة مبنى ومعنى ، روادًا وقاصدين ، بما يشمل الحماية المادية من التخريب أو التفجير أو السرقة أو النهب أو العبث ، والحماية المعنوية من محاولة غير المؤهلين والمتاجرين بالأديان استخدام دور العبادة أو توظيفها في غير ما خصصت له ، ويشمل كذلك حماية روادها وقاصديها من أي أذى أو اعتداء يمكن أن ينالهم بسببها أو أثناء أداء مناسكهم وشعائرهم بها ، مع دعوتنا إلى تغليظ عقوبة من يعتدي على أي من ذلك سواء في القوانين الوطنية أم الدولية .