عاجلمقالات وأراء

وزير الأوقاف: حضارتان وملحمة وبداية عصر جديد

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

      لا يدرك كثير من المصريين خصوصية الحضارة المصرية التى تستمد خصوصيتها من حضارتين عظيمتين , الأولى تبحر في أعماق التاريخ لأكثر من سبعة آلاف عام , وما ظهر منها أبهر العالم , وما خفي منها أضعاف ما ظهر ، وأحد أهم عجائب الدنيا السبع ينتمي إلى هذه الحضارة , والحضارة الأخرى تضرب بجذور راسخة تمتد لأكثر من ألف وأربعمائة عام في أعماق وقلب التاريخ , ولها خصائص لا تداينها أي حضارة أخرى , فلم تعرف الإنسانية عبر تاريخها حضارة استوعبت كل الحضارات التي سبقتها , وحافظت عليها , وتفاعلت معها , وهذبتها , وأخذت منها النافع والمفيد , وأصّلت ورسّخت فقه التعايش السلمي بين بني البشر جميعًا على أسس إنسانية خالصة , وعلى قدم المساواة الإنسانية , مثل حضارتنا الإسلامية السمحاء .

      فحضارتنا مزيج مستمد من هاتين الحضارتين العملاقتين , فهي حضارة بناء وعمارة للكون , وحضارة إرادة وتحدٍ للصعاب, حضارة تربي أبناءها على أنهم لا يعرفون اليأس ولا المستحيل ، فهي حضارة متجددة تجدد نفسها بنفسها ، وتعي قول نبينا (صلي الله علية وسلم) : ” يبعث الله (عز وجل) لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها ” .

     على أننا نفهم المجدد فهما واسعا شاملا ، فقد يكون عالما فقيها ، وقد يكون ملكا عادلا ، وقد يكون مؤسسة دينية أوعلمية أوتشريعية ،  وقد يكون قطرًا من أقطارها  ، فربما وصلت هذه الأمة فى بعض مراحلها إلى درجة من السكون أو الضعف يمكن أن يتوهم أعداؤها فيها أنها قد استكانت أو صارت جثة هامدة لا حراك فيها ، غير أنها في كل مرة تفاجئ الجميع بحراك غير متوقع ، ويأتي من يجدد لها دينها وحياتها وحيويتها .

        وقد قُلت يوما ما لو أن أعداء هذه الأمة استفرغوا كل ما في جعبتهم من أسلحة ذرية ونووية وكيماوية وبيولوجية وسلطوها على الأمة الإسلامية ، فسيخرج من تحت أنقاض كل هذا كله من يحمل لواء هذه الحضارة من جديد .

      لكن الحفاظ على هذه الحضارة والبناء عليها يتطلب أن نكون على قلب رجل واحد، وأن نقف وقفة رجل واحد ، وأن نعي حجم التحديات التي تحيط بنا في الداخل والخارج ، وأن نكون على قدر المسئولية ، وعلى استعداد للتضحيات ، وأن نقدم المصلحة العامة على أي مصلحة شخصية أو حزبية أو فئوية خاصة ، كما أن ذلك يتطلب منا جميعًا الإيمان بحق الوطن ، وأن مصلحته جزء من صلب ديننا وعقيدتنا ، لأن مصر هي القلب النابض للعروبة والسلام ، وهي درع الأمة وسيفها وصمام أمانها ، وأن قوة الاقتصاد ودعمه مطلب شرعي ووطني ، لأن الأمم التي لا تملك طعامها وغذاءها وكساءها ودواءها وسلامها لا تملك كلمتها ، ولا سبيل إلى اقتصاد قوي إلا بالعمل والإنتاج والجهد والعرق ، وهو ما ندعو إليه ونعده من واجبات الوقت ، وحق الوطن ،  وتلبية نداء الشرع .

ملحمة وطنية جديدة :

        لكن الذي يبعثه على الأمل هو ما لمسته من روح وطنية عالية متدفقة ، وبخاصة لدى الشباب المصري الذي يسعى لصنع ملحمة وطنية جديدة ، برغبته الجارفة في المشاركة في حفر المجرى الملاحي الثاني لقناة السويس ، ففي يوم واحد التقيت صباحًا بشباب الجامعات في معهد إعداد القادة بحلوان وفي وجود الزميل العزيز معالي وزير التعليم العالي أ.د/ سيد عبد الخالق ، وكان هناك شعور وطني جارف ، ورغبة ملحة من الطلاب في المشاركة في حفر القناة بأي وسيلة من وسائل المشاركة ، وفي اليوم نفسه التقيت ممثلين لشباب الأئمة والخطباء بوزارة الأوقاف ولديهم نفس الرغبة التي لا تقل حماسًا عن رغبة شباب الجامعات ، ثم جاءت زيارة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر للمشروع لتضفي إلى بعديه الوطني والاقتصادي بعدًا شرعيًا ، ولها دلالات ، منها:

     الأولى : اصطحابه لمجموعة من علماء الأزهر ومجموعة أخرى من طلابه في المراحل التعليمية المختلفة ، بما يرمز إلى أن هذا المشروع هو مشروع الحاضر والمستقبل معًا .

      الأخرى : دعوة فضيلته الصريحة والواضحة لجميع المصريين إلى الإسهام بقوة في هذا المشروع ، وشراء شهادات الاستثمار المخصصة له ، مما يقطع الجدل ويحسم الخلاف حول حكم هذه الشهادات .

     والذي لا شك فيه أن إطلاق السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي إشارة البدء في هذا المشروع هي خطوة كبيرة على طريق استقلال الإرادة الوطنية ، وتجردها من أي تبعية للشرق أو للغرب ، وانطلاقة نحو عصر المشروعات الكبرى ، تعيد إلينا شيئًا من عبق الماضي وأمجاده ، بداية من بناء الأهرامات ، إلى بناء السد العالي ، إلى العبور الأول لقناة السويس 1973م ، ثم إلى هذا العبور الثاني والأهم لهذه القناة ، وهو عبور التنمية والبناء واستقلال الإرادة الوطنية .

Show More

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Back to top button
Translate »