وحدة رصد اللغة الإنجليزية بالأزهر الشريف: جناية الجماعات المتطرفة على النشء
إن فترة الطفولة من أمتع الفترات التي يقضيها الأطفال في المرح واللهو، دون أية مسئوليات، وهي الفترة التي ينبغي أن يستغلها الآباء والأمهات والمُرَبّون؛ لكي يغرسوا فيهم قيَم الحب والخير والجمال والتعاون والسلام، ولقد كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) حريصًا على أن يتمتع الأطفال بهذه الفترة المبكرة؛ لكي ينشئوا نشأةً صالحة وصحية، فكان عليه الصلاة والسلام يلاطفهم ويصبر عليهم ويرفق بهم ويحنو عليهم، بل إنه كان يلعب معهم في بعض الأحيان؛ وذات مرة جاءه صبيّان صغيران لكي ينضما للقتال الذي كان مفروضًا على المسلمين للدفاع عن أنفسهم ودولتهم الناشئة، فردهم صلى الله عليه وسلم لحداثة سنهم.
بَيْدَ أننا نجد في هذا الزمان أن تلك الجماعات المتطرفة التي تدّعي زورًا وبهتانًا أنها تقيم الشريعة وتُطبّق تعاليم الإسلام تستنزف هذه الطفولة البريئة، وتنشئ جيلًا جديدًا من الأطفال المنفصلين عن واقعهم البريء، والذين أُجبروا على أن يقوموا بأدوار لا تناسب طبيعتهم العمرية أو الجسدية أو العقلية.
وإذا ما أردنا أن نستقصيَ ما قام به هؤلاء المتطرفون بحق الأطفال، لن يكفيَنا هذا المقال أو ربما سلسلة مقالات، ولكن حسبنا أن نعرض بعض الأمثلة التي توضّح منهجهم في التعامل مع الأطفال، لقد تَبَنّى أتباع هذا التنظيم الإرهابي أسلوبًا وحشيًّا في التعامل مع الأطفال من غير المنضمين إليهم، فقد عمد بعض أعضاء التنظيم إلى تقييد أمٍّ وأطفالها الأربعة، من بينهم طفلٌ رضيع يبلغ من العمر 9 أشهر، ثم صبّوا عليهم الزيت وأضرموا فيهم النيران، حسبما أفادت صحيفة “فرونت بيج”، ولا يُمثّل هذا النوع من الجرائم حالاتٍ فرديّةً، بل إن التنظيم يعمد إلى استخدام وسائلَ مختلفةٍ في قتل الأطفال الصغار، كان من بينها واقعة قتل 250 طفلًا –أكبرهم يبلغ من العمر 4 سنوات– في مخبزٍ في سوريا؛ حيث تمّ إلقاؤهم في المعجنة لتتهشّم عظامهم مثل العجين، حسب وصْف امرأةٍ سورية لصحيفة “إكسبرس”.
هذه مجرد أمثلة على وحشية هؤلاء المتطرفين بحق الأطفال، والتي تدل على موت ضمائرهم وقلوبهم التي صارت كالحجارة أو أشد قسوة، وعلى الجانب الآخَر؛ نجد أن اعتداءهم على الأطفال الذين انضموا إليهم تبعًا لآبائهم وآمهاتهم اتخذ شكلًا آخَرَ، حيث استخدم التنظيم هؤلاء الأطفال كجلّادين ومُنَفِّذين لعمليات الإعدام؛ ففي أحد مقاطع الفيديو التي بثّها التنظيم، نجد طفلًا صغيرًا يُطلِق النار على رجلٍ كردي من مسافةٍ قريبة، مع تصاعد هتافات التكبير في الخلفية، حسب خبرٍ منشور في صحيفة “فرونت بيج” في 19 يناير 2017.
لم يكن هذا أيضًا حادثًا عارضًا، بل إن التنظيم كان قد أعلن عن إنشاء معاهدَ لمَن زعموا أنهم “أشبال الخلافة” ــ كما يُطلِقون عليهم ــ وليس هذا بغرض صقل مهاراتهم العقلية وتزويدهم بالمعارف والعلوم، بل من أجل تدريبهم وصقل مواهبهم العسكرية، وقد ظهرت صورٌ صادمة، نشرتها صحيفة “الديلي ميل” البريطانية، من أحد معسكرات تدريب تنظيم داعش للأطفال، يظهر فيها فتيان دون سن البلوغ يحملون بنادق هجومية من طراز AK47 ورشاشات، ويتدرب هؤلاء الأطفال على أيديولوجيات تنظيم داعش وعلى القتال من أجل الجماعة الإرهابية، بل إنهم يستخدمون هؤلاء الصبية الصغار كانتحاريين، وتقول الصحيفة: إن ألبوم الصور هذا قد التُقط من مخيَّمٍ في دمشق، في الوقت الذي كان داعش يسيطر فيه على أجزاءٍ من الأراضي.
وبعد سقوط تنظيم داعش الآن، وفقدانه السيطرةَ على جميع المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا تقريبًا، تتزايد المخاوف من عودة هؤلاء الأطفال الذين تَشَرّبوا هذا الفكر المنحرف، وتَلَقَّوْا تدريباتٍ عسكريّةً شاقّة جعلتهم قادرين على القيام بعملياتٍ إجرامية قد تُسقِط العديد من الضحايا الأبرياء؛ ولذلك كانت شرطة مكافحة الإرهاب بالمملكة المتحدة قد حذّرت، في الثاني من فبراير 2018، من عودة هؤلاء الأطفال الذين تمّ تدريبهم إلى المملكة؛ مَخافةَ ارتكابهم أعمالًا وحشيّة.
وقد جاء هذا في بيانٍ للجنة الأمن والاستخبارات البريطانية، أصدرته في سياقِ نشْرِها لتقريرها السنوي، والذي حذّر من التعقيدات التي تَرَبّى فيها أطفال داعش وشربوا من نهجها، مؤكدةً أن تنشئة هؤلاء الأطفال في بيئةٍ مثلِ تلك إنما يُمثِّل تحديًا قويًّا للحكومات والهيئات في بريطانيا، وذلك حسب موقع “إيسترن آي” الإلكتروني.
والحق أن هؤلاء الأطفال يُمثّلون تهديدًا حقيقيًّا وخطيرًا؛ لأنهم عاشوا في تلك البيئة المُلَوَّثة أيدلوجيًّا، وتَشَرَّبوا أفكارًا متطرفة تَستلزِم بذْلَ المزيد من الجهود لإعادتهم مرّةً أخرى إلى نقائهم وبراءتهم؛ فقد انتشر مقطع فيديو على نطاقٍ واسع عبْرَ الإنترنت لطفلٍ عارٍ وُجد تحت أنقاضٍ في الموصل، وبعد انتشال الصبي، قال للجنود العراقيين، وهو يشير إلى العَلَم العراقي المرفوع على أحد المباني: إن هذه الأرضَ أصبحت ملكًا للكفار، وكان هذا الطفل البالغ من العمر 4 سنوات، والذي عُرف فيما بعدُ بأنه “بلال تاجيروف”، من جمهورية الشيشان، أحضره والده من أجل الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي.
إن هذه الجماعاتِ بما تَتَبَنّاه من أساليبَ في التعامل مع النشء أَبْعَدُ ما تكون عن تعاليم الإسلام الحنيف الذي يدعو إلى بناء الحضارة والعمران، وتزكية الفرد ليصبحَ قوّةً دافعة للمجتمع كَكُلٍّ، ولَبِنَةَ بناءٍ في الحضارة الإنسانية جمعاء، بل إنها على النقيض من هذا تمامًا؛ حيث تُدَمِّر هذه البراعم اليانعة، وتُحيلها إلى مُسوخٍ بشرية، جُلّ هَمّها ومَبْلَغ علمها تدمير الجَمال مِن حولها، وهدْم الحضارة العتيقة.
وحدة رصد اللغة الإنجليزية بالأزهر الشريف