من علامات حسن الخاتمة، لوزير الأوقاف
لحسن الخاتمة علامات ، لعل من أهمها هو حسن المقدمات ، فالمقدمات الصحيحة تصل بصاحبها إلى النتائج الصحيحة المرجوة ، وقد فهم بعض العلماء ذلك فهمًا دقيقًا في قوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ” فذكروا في تفسير هذه الآية أن المراد : حافظوا على إسلامكم ، وداوموا على أعمالكم الصالحة ، وتقواكم لله حق تقاته، لتعيشوا على ذلك، وتموتوا عليه ، وتبعثوا عليه ، فإن الكريم (عز وجل) قد جرت سنته سبحانه في خلقه ، أن من عاش على شيء مات عليه ، وبعث عليه ، وفي الحديث النبوي الشريف يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ ” ، ولما رأى (صلى الله عليه وسلم) رجلاً قد وقصته ناقته وهو محرم ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ” اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبِهِ ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا “.
فالتعلق بالتقوى والأخذ بأسباب العمل الصالح هو أحد أهم المقدمات الصحيحة لحسن الخاتمة ، يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكنه ما وقَر في القلب وصدَّقه العملُ، وإن قومًا غرَّتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحن نُحسِن الظنَّ بالله تعالى، وكذَبوا؛ لو أحسَنوا الظنَّ، لأحسنوا العملَ”.
ومن علامات حسن الخاتمة أن يوفق الله (عز وجل) العبد إلى عمل صالح ثم يقبضه عليه ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اِسْتَعْمَلَهُ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ يَسْتَعْمِلَهُ ؟ ، قَالَ : يَهْدِيهِ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ ” ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ” قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ ؟ قَالَ: «يَفْتَحُ اللَّهُ عز وجل لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ”.
ومن علامات حسن الخاتمة : أن يقبض الله عبده على خير ، ويلهم خلقه الثناء عليه ، كأن يقبضه صائمًا ، أو حاجًّا ، أو معتمرًا ، أو إماما للناس ، أو خطيبًا في الخير لهم ، أو ساعيًا في قضاء حوائجهم ، أو موصيًا بخير كمتبرع ببناء مستشفى أو مدرسة أو نحو ذلك ، ثم يلهم خلقه حسن الثناء عليه ، فقد مُرّ بجنازة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم) : “وَجَبَتْ” وَمَرَّتْ جِنَازَةٌ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا ، فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم) : “وَجَبَتْ” فَقَالَ عُمَرُ (رضي الله عنه) : يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ لِلأُولَى : وَجَبَتْ ، وَقُلْتَ لِلأُخْرَى : وَجَبَتْ ؟ قَالَ (صلى الله عليه وسلم): “أَمَّا الأُولَى وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَأَمَّا الأُخْرَى وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْض”.
ومن علامات حسن الخاتمة : البركة في الأثر من صدقة أو علم أو ولد ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةِ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” .
ومن هذه العلامات أن يخرج الإنسان من طاعة إلى طاعة ، فما أن ينتهي من طاعة حتى يتلبس بأخرى ، وذلك حيث يقول الحق سبحانه وتعالى لنبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ” ، فمع أن الله (عز وجل) قد شرح لنبينا (صلى الله عليه وسلم) صدره ، ووضع عنه وزره ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقد قال الله ” فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ” ، أي إذا انتهيت من عبادة وطاعة فادخل في عبادة أخرى فيها الجهد والتعب ، فقد كان (صلى الله عليه وسلم) يقوم من الليل حتى تتورم قدماه ، فلما سألته السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن ذلك قال : “أفلا أكون عبدًا شكورًا”.
فالعاقل من لا يغتر بعمله من كثرة صلاة أو صيام أو حج أو زكاة، إنما هو من يترقب فضل الله ، حيث يقول سبحانه : “وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ” ، قال بعض أهل العلم في ذلك : هم من يأتون ما يأتون من البر والعطاء وسائر أنواع العمل الصالح وقلوبهم خائفة مستحية من الله (عز وجل) خاشية ألا يقبل منها .