خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقاف

مادة خطبة الجمعة بعنوان نعمة الرضا للشيخ عبد الواحد محمد

لتحميل الخطبة إضغط هنا

نعمة الرضا

الحمد لله المجيبِ لكل سائل،المطَّلِع على العباد فليس بينه وبينهم حائل،جعل ما على الأرض زينةً لها،و كل نعيم لامحالةَ زائل،حذَّر الناسَ من الشيطان وللشيطان منافذُ وحبائل،فمن أسلم وجهَه لله فذاك الكيّسُ العاقل،ومن استسلم لهواه فذاك الضالُّ الغافل،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،تنزه عن الشريك والشبيه،والمماثل،و أشهد أن محمدًا عبدُه و رسولُه صاحبُ المكارم و الشمائل،صلى الله و سلم عليه،و على آله و أصحابه و أتباعه أولى المعالى و الفضائل.

أمــــــــــا بعــــــد:

فحديثنا اليومَ مع هدفٍ منشودٍ إذا فقدَه الإنسانُ فإنه لا يستقرُّ على حالٍ،ولا يسكُنُ إلى قرار، وغايةٍ صاحبُها بدونها مُضطربٌ حائر،وأمنيةٍ إذا لم يُحقِّقها طالبُها فهو أشبَهُ بحيوانٍ شرس أو سبُعٍ مُفترس، والمُجتمع بدونها مُجتمعُ غابةٍ من غير غاية،ولو لمَعَت فيه بوارِقُ حضارةٍ أو أثَارةُ تقدُّمٍ،المقاييسُ فيه للأشدِّ والأقوى وليس للأصلَحِ والأتقى.

هدفٌ وغايةٌ وأمنيةٌ يطلبُها كثيرون في غير موضِعِها،جرَّبوا ألوانًا من المُتَع وصُنوفًا من الشهوات فما وجدُوها، حسِبَها قومٌ في الغِنَى ورغَدِ العيشِ،وظنَّها آخرون في الجاهِ والمقامِ العريض،واعتقَدَتها فئةٌ في حُسن العلوم والمعارِف، خاضَ في البحث عنهاالفلاسِفةُ و العلماءُ ، والأغنياءُ والفقراء، والملوك والوُجهاء،إنها السعادةُ ،والطمأنينةُ ،والرضا ،والسَّكينة.

ما أعظمَ الفرقَ بين رجلَين:أحدُهما:عرفَ الغايةَ وطريقَها،فاطمأنَّ واستراحَ، وآخرُ: يخبِطُ في الحياة، ويمشي إلى غير غاية،لا يدري كيف المَسير،ولا إلى أين المصير؟، و من لا يوفِّفقْه الله تعثَّرت خطـــاه.

قال تعالى:﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. [الملك: 22].

كم من صاحبِ مالٍ وفيرٍ وخيرٍ كثير تجلَّى رِضاهُ وطُمأنينتُه وقناعتُه في تحرِّي الحلال وأداءِ حقِّ الله فرضًا ونَدبًا،ولم يُذِلَّ نفسَه من أجلِ مالٍ أو جاهٍ.

وآخر عنده ما يكفيه،ولكن قد ملأَ الطمعُ قلبَه، وانتشرَ التسخُّطُ بين جوانحِه، جَزِعٌ من رِزقه، مُتسخِّطٌ على رازِقِه، يبُثُّ شكواه للمخلوقين،قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: 4].

إنَّ الرِّضا نعمةٌ عظيمةٌ، يبلُغُها العبدُ بقوَّةِ إيمانه بربِّه وحُسنِ اتِّصالِهِ به،وينالُها بالصبرِ والذكرِ والشكرِ وحُسنِ العبادة،وعَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ــــ رضي الله عنه ــــ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ:”ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا,وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا,وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا”.رواه مسلم(34)و الترمذي(2623).

قَالَ صَاحِب التَّحْرِير:”مَعْنَى الْحَدِيث:لَمْ يَطْلُب غَيْرَ اللَّه تَعَالَى،وَلَمْ يَسْعَ فِي غَيْر طَرِيق الْإِسْلَام،وَلَمْ يَسْلُك إِلَّا مَا يُوَافِق شَرِيعَةَ مُحَمَّد – صلى الله عليه وسلم – وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَه،فَقَدْ خَلَصَتْ حَلَاوَةُ الْإِيمَان إِلَى قَلْبه،وَذَاقَ طَعْمَه”.  شرح النووي (1/ 111).

وعن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه – أنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قال:”من قال حينَ يَسْمَعُ المؤذنَ:أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له وأن محمدًا عبدُه ورسولُه،رَضِيتُ باللهِ ربًّا،وبمحمدٍ رسولًا، وبالإسلامِ دِينًا ؛ غُفِرَ له ذنبُه “. رواه مسلم(386).

وعن أبي سلَّام خادم النّبي ـــ صلّى الله عليه وسلّم ــــ أن النّبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما من مسلمٍ أو إنسانٍ أو عبدٍ يقول حين يمسي،وحين يصبح:رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمّدٍ نبيًّا،إلّا كان حقًّا على الله أن يُرضيَه يومَ القيامة». رواه ابن ماجه (2/ 3870) وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.

قال ابن القيم:”فالرِّضَا بِإِلَهِيَّتِهِ: يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِمَحَبَّتِهِ وَحْدَهُ،وَخَوْفَهُ،وَرَجَائَهُ،وَالْإِنَابَةَ إِلَيْهِ،وَالتَّبَتُّلَ إِلَيْهِ، وَانْجِذَابَ قُوَى الْإِرَادَةِ وَالْحُبِّ كُلِّهَا إِلَيْهِ … وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ عِبَادَتَهُ وَالْإِخْلَاصَ لَهُ.

وَالرِّضَا بِرُبُوبِيَّتِهِ:يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِتَدْبِيرِهِ لِعَبْدِهِ،وَيَتَضَمَّنُ إِفْرَادَهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ،وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ،وَالثِّقَةِ بِهِ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ،وَأَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِكُلِّ مَا يَفْعَلُ بِهِ.

وَأَمَّا الرِّضَا بِنَبِيِّهِ رَسُولًا: فَيَتَضَمَّنُ كَمَالَ الِانْقِيَادِ لَهُ،وَالتَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ إِلَيْهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَتَلَقَّى الْهُدَى إِلَّا مِنْ مَوَاقِعِ كَلِمَاتِهِ،وَلَا يُحَاكِمُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا يَرْضَى بِحُكْمِ غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ.

وَأَمَّا الرِّضَا بِدِينِهِ: فَإِذَا قَالَ أَوْ حَكَمَ أَوْ أَمَرَ أَوْ نَهَى،رَضِيَ كُلَّ الرِّضَا،وَلَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ حَرَجٌ مِنْ حُكْمِهِ، وَسَلَّمَ لَهُ تَسْلِيمًاـــــ وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِمُرَادِ نَفْسِهِ أَوْ هَوَاهَا،أَوْ قَوْلِ مُقَلِّدِهِ وَشَيْخِهِ وَطَائِفَتِهِ ــــ ،وَهَاهُنَا يُوحِشُكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَّا الْغُرَبَاءَ فِي الْعَالَمِ،فَإِيَّاكَ أَنْ تَسْتَوْحِشَ مِنْ الِاغْتِرَابِ وَالتَّفَرُّدِ،فَإِنَّهُ ــــ وَاللَّهِ ــــ عَيْنُ الْعِزَّةِ، وَالصُّحْبَةِ مَعَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ،وَرُوحُ الْأُنْسِ بِهِ،وَالرِّضَا بِهِ رَبًّا،وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُولًا،وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا”.مدارج السالكين(2/171ـــــ 172).

و قال ابن القيم:”حقيقة العبودية : أن يوافقَه عبدُه في رضاه وسخطه، فيرضى منها بما يرضى به ، ويسخط منها ما سخطه”. مدارج السالكين(2/195).

ثم قال:”إن حكم الرب تعالى ماضٍ في عبده ، وقضاؤه عدل فيه ،كما في الحديث:”ماضٍ فيَّ حكمُك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك” ومن لم يرض بالعدل فهو من أهل الظلم والجور” .

مفهوم الرضا:

قال عطاء: “الرِّضا سُكونُ القلبِ باختيارِ الله للعبد، وأن ما اختارهُ الله له هو الأحسنُ فيرضَى به”.

وسُئِلَ أبو عُثمان البِيْكَنْدي عن الرِّضا فقال: “من لم يندَم على ما فاتَ من الدنيا ولم يتأسَّف عليها”.

وقال بعضُ الحُكماء: “من رضِيَ بقضاء الله لم يُسخِطهُ أحدٌ، ومن قنِعَ بعطائه لم يدخله حسدٌ”.

وقال الرّاغب:”رضا العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه،ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرًا بأمره ومنتهيًا عن نهيه”.  مفردات الراغب (ص 197) .

وقال ابن القيم:”العاقل الراضي مَن يَعُد البلاءَ عافيةً،والمنعَ نعمةً،والفقرَ غنى … وقد قال بعض العارفين: ارضَ عن الله في جميع ما يفعله بك ؛فإنه ما منعك إلا ليعطيَك،ولا ابتلاك إلا ليعافيَك،ولا أمرضك إلا ليشفيَك،ولا أماتك إلا ليحييَك،فإياك أن تفارق الرضا عنه طرفة عين،فتسقطَ من عينه”.مدارج السالكين(2/207ـــــ 208).

وقال أبو العباس ابن عطاء:”الفرح في تدبير الله لنا . والشقاء كله في تدبيرنا “.

وقال سفيان بن عيينة :”من لم يصلح على تقدير الله لم يصلح على تقدير نفسه” . المدارج(2/215).

الرّضا نوعان:

قال ابن تيمية:”الرّضا نوعان:أحدهما:الرّضا بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه. ويتناول ما أباحه الله من غير تعدّ محظور.

والنّوع الثّاني:الرضا بالمصائب،كالفقر والمرض والذّلّ،فهذا رضا مستحبّ في أحد قولي العلماء،وليس بواجب، وقد قيل: إنّه واجب،والصّحيح أنّ الواجب هو الصّبر،كما قال الحسن:”الرّضا غريزة،ولكنّ الصّبر مِعْوَلُ المؤمن”. مجموع الفتاوى لابن تيمية(10/683).

وقال أبو حاتم البُستي:”مِن أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطرًا القناعة،وليس شيءٌ أروحَ للبدن من الرضا بالقضاء،والثقةِ بالقَسْم،ولو لم يكن في القناعة خصلة تُحمد إلا الراحة، وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل، لكان الواجب على العاقل ألا يفارقَ القناعةَ على حالةٍ من الأحوال … و من عُدِم القناعةَ لم يزده المالُ غنىً؛فتمكنُ المرءِ بالمال القليل مع قلة الهم أهنأُ من الكثير ذى التبِعة، والعاقل ينتقم من الحرص بالقُنوع كما ينتصر من العدو بالقِصاص؛لأن السببَ المانعَ رزقَ العاقلِ هو السببُ الجالبُ رزقَ الجاهلِ”. روضة العقلاء(149) .

ثم قال:”القناعة تكون بالقلب،فمن غَنِيَ قلبه غَنيَت يداه،ومن افتقر قلبُه لم ينفعه غناه،ومن قنِع لم يتسخط،وعاش آمنًا مطمئنًا،ومن لم يَقنَع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته،والجَدُّ(الغِنَى) والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد”. روضة العقلاء(150) .

فضل الرضـــا:

إن الرِّضا قناعةٌ وثقةٌ ويقينٌ، من قنِعَ فقد رضِي، ومن رضِي فقد قنِع،فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:”قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ،وَرُزِقَ كَفَافًا،وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ”.أخرجه مسلم(1054).

قال ابن حجر:”ومعنى الحديث: أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفِر بمرغوبه في الدنيا والآخرة”. فتح البارى(11/275).

وقال القرطبي:”إنَّ من فعل تلك الأمورَ واتصف بها فقد حصل على مطلوبه، وظفِر بمرغوبه في الدنيا والآخرة”. المُفْهِم(3/99).

وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ,أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟.قَالَ:”الْإِيمَانُ بِاللهِ,وَتَصْدِيقٌ بِهِ،وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ،وَحَجٌّ مَبْرُورٌ”،قَالَ:أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ.قَالَ:”أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ:إِطْعَامُ الطَّعَامِ،وَلِينُ الْكَلَامِ،وَالسَّمَاحَة,وَحُسْنُ الْخُلُقِ”.قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ،يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:”أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَتَّهِمِ اللهَ فِي شَيْءٍ قَضَاهُ عَلَيْكَ”. رواه أحمد(22769).

وقال بعض الحكماء:«وجدت أطولَ النّاس غمّا الحسودَ،وأهنأهم عيشًا القنوع،وأصبرَهم على الأذى الحريص إذا طمِع،وأخفضَهم عيشًا أرفضهم للدّنيا،وأعظمَهم ندامة العالم المفرّط”.إحياء علوم الدين (3/239).

وقال ابن القيّم- رحمه الله-: «ثمرة الرّضا الفرح والسّرور بالرّبّ تبارك وتعالى».مدارج السالكين(2/ 174) .

وقال أبو عبد الله البَرَاثي: “من وُهب له الرضا، فقد بلغ أقصى الدرجات”.

إذا رضي العبد عن ربِّه بالقليل من الرزق،رضي ربُّه عنه بالقليل من العمل،وقد قيل:القناعة أربح بضاعة.

ثمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرات الرضا:

إن جنة الرضا جنة عالية قطوفها دانية ، و من ثمرات جنة الرضا: 

1 – الغنى الكامل:

قال تعالى:﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.[الطلاق: 11]. وعن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ:”مَن يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعملَ بهنَّ، أو يعلِّمَ من يعمل بهنَّ؟.قلت:أنا،يا رسول الله! فأخذ يدي فعدَّ خمسًا،فقال:”اتَّقِ المحارم تكن أعبد الناس،وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس،وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا،وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا،ولا تكثر الضحك؛فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب”. رواه الترمذي(2305)،وابن ماجه(4217) وحسنه ابن حجر والألباني.

وقال بعض البلغاء:”من رضي بالمقدور قنع بالميسور”. أدب الدنيا و الدين(227) .

 وقال بعضهم:

هِيَ الْقَنَاعَةُ فَالْزَمْهَا تَعِشْ مَلِكًا             لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْكَ إِلاَّ رَاحَةُ الْبَدَنِ

وَانْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا       هَلْ رَاحَ مِنْهَا سِوَى بِالْقُطْنِ وَالْكَفَنِ.

وقال آخر:

اقنَع بأيســــــــــــــــــــــــــــــــــــــر رزق أنت نائله                واحذر ولا تتعرض للإرادات

فما صفا البحر إلا وهو منتقص              ولا تعكَّر إلا في الزيـــــــــــــــــــــادات .

 وقال أخر:

رضيت بما قسمَ الله لي                             وفوّضتُ أمري إلى خالقي

كما أحسن الله فيما مضى                         كذلك يُحسن فيما بَقِي.

و قد وصف عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أثاثَ بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: “وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَىْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرْظًا مَصْبُوبًا (ورق شجر يدبغ به مسكوبا)،وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ (جلود غير مدبوغة)،فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِى جَنْبِهِ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: “مَا يُبْكِيكَ؟”.فَقُلْتُ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ؟”.فَقَالَ:”أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟”. رواه البخاري(4913).

2ـــ الفوز بالرضوان الأكبر:

عن أبى سعيد الخدري أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:”إنَّ اللهَ ــــ تبارك وتعالَى ــــ يقولُ لأهلِ الجنَّةِ: يا أهلَ الجنَّةِ ؟ فيقولون : لبَّيْك ربَّنا وسعدَيْك،فيقولُ: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضَى وقد أعطيتَنا ما لم تُعطِ أحدًا من خَلْقِك،فيقولُ:أنا أُعطيكم أفضلَ من ذلك،قالوا: يا ربِّ،وأيُّ شيءٍ أفضلُ من ذلك؟ فيقولُ: أُحِلُّ عليكم رضواني،فلا أسخَطُ عليكم بعده أبدًا”. رواه البخاري(6549)، و مسلم(2829).

 3 – الرضا نجاة من الصعاب:

الحياة كَبَدٌ كلها،والرضا هو النجاة من الكوارث والمصائب والأزمات،وإليك هذا المشهدَ الذى يُفصح عن المعانى دون كلام:

عن أنس بن مالك قال:”جاء ناسٌ إلى النبيِّ ــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــ فقالوا : أن ابعث معنا رجالًا يُعلِّمونا القرآنَ والسنةَ،فبعث إليهم سبعين رجلًا من الأنصارِ ، يقال لهم:القراءُ ، فيهم خالي حَرامٌ،يقرؤن القرآنَ، ويتدارسون بالليلِ يتعلَّمون،وكانوا بالنهارِ يجيئون بالماءِ فيضعونَه في المسجدِ، ويحتطبونَ فيبيعونَه،ويشترون بهِ الطعامَ لأهلِ الصفةِ،وللفقراءِ ،فبعثهم النبيُّ ــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــ إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم،قبل أن يبلغوا المكانَ ،فقالوا:اللهم،بَلِّغْ عنا نبيَّنا؛أنَّا قد لقيناك فرضينا عنك،ورضيتَ عنا . قال:وأتى رجلٌ حَرامًا ــــ خالُ أنسٍ ـــــ من خلفِه فطعنَه برمحٍ حتى أنفذَه . فقال حَرامٌ : فزتُ، وربِّ الكعبةِ ! .

فقال رسولُ اللهِ ــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــ لأصحابِه:”إنَّ إخوانكم قد قُتلوا ،وإنهم قالوا : اللهم ، بَلِّغْ عنا نبيَّنا ؛ أنَّا قد لقيناك فرضِينا عنك ، ورضيتَ عنا”. رواه مسلم(677). 

جزاء الرضا هو الرضا:

على العبد أن يرضى بقضاء الله،ويُحسنَ الظن به؛فإن حكمته واسعة وهو بمصالح العباد أعلم،قَالَ تَعَالَى:﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ  وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].

إن السُّخطَ،والجزعَ،وعدمَ الرضا بقضاء الله وقدره لا يَزيد المرءَ إلا شقاءً وتعاسةً وبُعدًا عن الله،ويَحرِم صاحبَه راحةَ البال،وطمأنينةَ النفس،والجزاءُ من جنس العمل فمن رضي فله الرضا ،فعنْ أنس بن مالك أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:”إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ،وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ،فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا،وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْط”. رواه الترمذي(2396),وابن ماجه (4031)بإسناد حسن.

قال الإمام السندي: “قوله:(فمن رضي فله الرضا) أي:رضا الله تعالى عنه، جزاءٌ لرضاه أو فله جزاء رضاه، وكذا قوله (فله السخط)، ثم الظاهر أنه تفصيل لمطلق المبتلين لا لمن أحبهم فابتلاهم؛ إذ الظاهر أنه تعالى يوفقهم للرضا فلا يسخط منهم أحد”. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 493).

وعَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -:”عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ،إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ،وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ،إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ،فَكَانَ خَيْرًا لَهُ،وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ،صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”.رواه مسلم(2999).

وسئل الحسن البصري: من أين أتي قلّة الرضا عن الله؟ قال:”من قلّة المعرفة بالله”.روضة العقلاء(ص160).

و صدق القائل:

                        يا صاحبَ الهم، إن الهمَّ منفرج                         أبشــــــــــــــــــــــــــر بخير فإن الفــــــــارج اللهُ

اليأس يقـطع أحــيانًا بصـاحبه                    لا تيـــأسَـــــــــــــــــــــــــــنَّ؛ فإن الكافـــــــــيَ اللهُ

إذا بُليت فثق بالله، و ارضَ به                  إن الذي يكشف البلوى هــو اللهُ

الله يُحدث بعد العــسر ميسـرةً                      لا تجــــــــــزعنَّ فإن الصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــانع اللهُ

  واللهِ، مــالَكَ غـيرُ الله من أحــد                 فحســـــــــــــــــــــــــبـك اللهُ في كلٍّ لــــــك اللهُ.

إلهى،كيف يُقلقنى أمرٌ ،و كل أمرى بيديك ؟.كيف أخشى الضياعَ،و قد توكلتُ عليك،و فوَّضْتُ كلَّ أمرى إليك ؟!.

إن سرور الدنيا أحلام يقظان،و ظلٌّ زائل،إن أضحكت قليلًا أبكت كثيرًا،و إن سرَّت دهرًا ساءت دهورًا،و إن أعطت قليلًا منعت طويلًا،ولسان حال المؤمن الراضى بقضاء الله هو كما قال تعالى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾[الطلاق: 1].

وكم لله من لطفٍ خفيٍّ   يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ

وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ           فَفَرَّجَ كُرْبَة القَلْبِ الشَّجِيِّ

وكم أمرٍ تساءُ به صباحًا                وَتَأْتِيْكَ المَسَــــــــــــــــــــرَّة بالعَشِيِّ

إذا ضاقت بك الأحوال يومًا          فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ

تَوَسَّلْ بالنَّبِيِّ فَكُلّ خَطْبٍ                يَهُونُ إِذا تُوُسِّــــــــــــــــــــــــلَ بالنَّبِيِّ

وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ            فكم للهِ من لُطفٍ خـــــــفي.

إياك والتطلعَ لما في أيدي الناس:

إِنَّ المُؤمِنَ القَانِعَ في نَعِيمٍ وَرَاحَةٍ، إِن تَجَدَّدَت لَهُ نِعمَةٌ أَو رَبِحَ شَكَرَ، وَإِن أُخِذَت مِنهُ أُخرَى أَو خَسِرَ صَبَرَ؛ يَعلَمُ أَنَّهُ مَهمَا حَصَّلَ مِن زَهرَةِ الدُّنيَا؛فَإِنَّ هناك مَن هُوَ أَفضَلُ مِنهُ في شَيءٍ،وَمَهمَا فَاتَهُ مِن حُطَامِهَا،فَإِنَّ هُنَالِكَ مَن هُوَ أَقَلُّ مِنهُ في أَشيَاءَ،وَإِذَا كَانَ الفَقرُ قَد عَضَّهُ فَقَد أَكَلَ غَيرَهُ،وَإِذَا كَانَتِ المِحَنُ قَد أَضعَفَتهُ فَقَد أَقعَدَت مَن سِوَاهُ،قَالَ – سُبحَانَهُ -: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى*وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لَا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى﴾[طه:131ـــ 132].

إن الرِّضا يُوقِفُ الراضِي عند حُدود قُدراته ومواهِبِه،ويُبصِّرُه بأقدار الله،فلا يتمنَّى ما لا يتيسَّرُ له،ولا يتطلَّعُ إلى ما لا يستطيع؛ فالشيخُ لا يتمنَّى أن يكون شابًّا، وغيرُ الجميل لا يتطلَّعُ إلى أن يكون جميلًا،﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ…﴾ [النساء: 32].

وَمَنْ يَطْلُبِ الْأَعْلَى مِنَ الْعَيْشِ لَمْ يَزَلْ    حَزِينًا عَلَى الدُّنْيَا رَهِينَ غُبُونِهَا

إِذَا شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَعِيدًا فَلاَ تَكُنْ       عَلَى حَـــــــــــــــــــــــالَةٍ إلاَّ رَضِيتَ بِدُونِهَا.

إن الأرزاق مقسومة،ومقدَّرة،فقد قالت السيدة أمُّ حبيبةَ بنت أبى سفيان:”اللهمَّ،مَتِّعْني بزوجي رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم –  وبأبي ،أبي سفيانَ ، وبأخي ، معاويةَ . فقال لها رسولُ اللهِ ــــ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ــــ  :” إنك سألتِ اللهَ لآجالٍ مضروبةٍ ، وآثارٍ موطوءةٍ ، وأرزاقٍ مقسومةٍ ،لا يُعجِّل شيئًا منها قبل حِلِّه،ولا يُؤخِّرُ منها شيئًا بعد حِلِّه،ولو سألتِ اللهَ أن يعافِيَك من عذابٍ في النارِ،وعذابٍ في القبر،لكان خيرًا لك”.رواه مسلم(2663).

وعن عبدالله بن مسعود ـــ رضى الله عنه ـــ أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:”إنَّ خَلْقَ أحدِكم يُجمعُ في بطنِ أُمِّهِ أربعين يومًا أو أربعين ليلةً،ثم يكونُ علقةً مثلَه،ثم يكونُ مضغةً مثلَه،ثم يُبعثُ إليه المَلَكُ،فيُؤذنُ بأربعِ كلماتٍ،فيكتبُ:رزقَه،وأجَلَه،وعملَه،وشقيٌّ أم سعيدٌ،ثم يُنفخُ فيه الروحُ،فإنَّ أحدَكم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ حتى لا يكونُ بينها وبينَه إلا ذراعٌ،فيسبقُ عليه الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ النارِ فيدخلُ النارَ،وإنَّ أحدَكم ليعملُ بعملِ أهلِ النارِ،حتى ما يكونُ بينها وبينَه إلا ذراعٌ،فيسبقُ عليه الكتابُ،فيعملُ عملَ أهلِ الجنةِ فيدخُلها”. رواه البخاري(7454).

و لما كانت طبيعة الإنسان تميل إلى الاستكثار من متاع الدنيا وجب عليه أن يكبح جماحَ نفسه،و يعلمَ أنَّ القناعة كَنز لا يفنى،وأنَّ الغِنى غنى النفس،فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:«ليس الغنى عن كثرة العَرَض،ولكنّ الغنى غنى النّفس».رواه البخاري (6446)،ومسلم (1051).

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «انظروا إلى من أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛فهو أجدر أن لا تزدروا نعمةَ الله». رواه البخاري(6490) . ومسلم (2963).

النفس تجزع أن تكون فقيرة                   والفقر خير من غنىً يُطغيها.

وغنى النفوس هو الكَفاف فإن أبت        فجميع ما في الأرض لا يَكفيها.

كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى ــــ رضي الله عنهما ــــ :«أمّا بعد، فإنّ الخير كلَّه في الرّضا، فإن استطعت أن تَرضى وإلّا فاصبر» .مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 185) .

وقال عليّ- رضي الله عنه- :”أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع”. المستطرف (98) .

قال ميمون بن مِهران: «من لم يرض بالقضاء فليس لحُمقه دواء» الإحياء للغزالي (3/ 346) .

وقال عبد الله بن المبارك:”قال داود لابنه سليمان ــــ عليهما السّلام ـــــ :«يا بنيّ،إنّما تستدلّ على تقوى الرّجل بثلاثة أشياء: لحسن توكّله على الله فيما نابه، ولحسن رضاه فيما آتاه، ولحسن زهده فيما فاته».

الدر المنثور للسيوطي (1/ 62) .

وصدق الشاعر حين قال:

قَدْ يُنْعِمُ اللَّهُ بِالْبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ        وَيَبْتَلِي اللَّهُ بَعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ.

وعن أبي هريرة:أنَّ النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ كان يومًا يُحَدِّثُ، وعِندَه رجلٌ من أهل البادية :”أن رجلًا مِن أهلِ الجنَّةِ استأْذَنَ رَبهُ في الزَّرْعِ،فقال له : ألستَ فيما شِئتَ ؟ قال : بلى، ولكني أُحِبُّ أنْ أزْرَعَ، قال: فبَذَرَ، فبادَرَ الطَّرْفَ نباتُهُ واسْتِواؤُهُ واستِحْصادُهُ، فكانَ أمْثَالَ الجِبالِ، فيقول الله : دونكَ يا ابنَ آدمَ،فإنه لا يُشْبِعُكَ شيءٌ “. فقال الأعرابيُّ: والله،لا تجِدُهُ إلا قرشيًا أو أنصاريًا؛ فإنهم أصحابُ زرعٍ، وأما نحنُ فلسنا بأصحابِ زرعٍ، فضحِكَ النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ . رواه البخاري(2348).

قوله:” فبَادَرَ الطَّرْفَ نَباتُه واستِواؤُه واسْتِحصادُه”أي: أَسْرَعَ نَباتُ هذا الزَّرْعِ حتَّى كان أسرَعَ مِن طَرْفِه(أى: مِن ارتِدادِ حَرَكَةِ عينِه).

قال ابن بطال:”وقوله:(دونَك يا ابن آدم،فإنه لا يشبعك شيء) يدلُّ على فضل القناعة،والاقتصارِ على البلغة، وذمِّ الشَّرَهِ والرغبة”. شرح البخاري(6/489).

وقال لبيد :

                    فمنهمْ سعيدٌ آخِذٌ بِنَصيِبهِ             ومِنْهم شُّقي بالمعيشةِ قَانِعُ. الصحاح للجوهري (3/1273).

وأنشد الحلّاج عند قتله:

                                طلبت المستقرّ بكلّ أرض               فلم أرَ  لى بأرضٍ مستقرّا

                               أطعت مطامعي فاستعبدتني            ولو أنّي قنعت لكنت حرّا.

سير أعلام النبلاء (14/ 346).

وقال الشّاعر:

إذا طاوعت حرصَك كنتَ عبدا               لكلّ دنيئة تدعى إليها.                              المستطرف (97).

وقال بعضهم: الحرص ينقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه”.                              المستطرف (97).

وقال بعضهم:”العبيد ثلاثة: عبد رقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع”.                           المستطرف (98) .

وقال بعضهم:”من أراد أن يعيش حرّا أيّام حياته،فلا يُسكن قلبَه الطّمعَ”.      المستطرف (98) .

        قال عامر بن عبد قيس:”أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحًا لم أبال على ما أصبح:

ــــ قوله تعالى:﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 35].

ــــ وقوله تعالى:﴿وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ …﴾ [يونس: 107].

ــــ وقوله تعالي:﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6] .

ــــ وقوله تعالى:﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾[الطلاق: 7]”. عيون الأخبار (3 / 206).

إن القانع قد لا ينال من الطعام أطيبه، ولا من اللباس أحسنه، ولا من العيش أرغده؛ ولكنه ينعم بالرضى أكثر من الطماع وإن كان الطماع أرغد عيشا منه؛ لأن القانع ينظر إلى الموسر وما يملك، فيراه لا ينتفع إلا بقليل مما يملك؛ لكنه سيحاسب عن كل ما يملك.

عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ:أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ،قَالَ:”أَهْلُ الأَمْوَالِ يَأْكُلُونَ وَنَأْكُلُ,وَيَشْرَبُونَ وَنَشْرَبُ,وَيَلْبَسُونَ وَنَلْبَسُ, وَيَرْكَبُونَ وَنَرْكَبُ,وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَنَنْظُرُ إِلَيْهَا مَعَهُمْ،عَلَيْهِمْ حِسَابُهَا وَنَحْنُ مِنْهَا بُرَآء”. تاريخ دمشق(50532).

وقال أيضًا:”الحمد للّه الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند الموت،ولا نتمنى أننا مثلهم حينئذ،ما أنصفنا إخوانُنا الأغنياءُ، يحبوننا على الدين، ويعادوننا على الدنيا”.سير أعلام النبلاء (2 / 350- 351).

لعمرك ما الأرزاق من حيلة الفتى                     ولا سبب في  ساحة الحيِّ  ثاقب

ولكنهـا الأرزاق تُقْسَم بينهـم                         فما لك منها غير  ما أنت شارب

لو كان في صخرة في البحر راسية                  صَـــــــــــــــمّاء  ملمومة  مُلْمنٍ حواليهـا

رزقٌ لعبـد بَرَاه الله لا نفلقـتْ                      حــــــــــــــــــــــتى تؤدِّي  إليه كـلَّ  ما فيهـا

أو كان بين طِباق السبع مَطْلبـه                       يومًا لسَّــــــــــــــــــــــــهـل في المرْقَى مراقيهـا

حتى ينال الذي في اللوح خُطَّ له                       إن هُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو أتاه، وإلا فهْـوَ آتيهـا.

وعن مسروق قال: سئل بشر بن الحارث عن القناعة، فقال: لو لم يكن فيها إلاَّ التمتع بعزِّ الغَنى، لكان ذلك يجزي، ثم أنشأ يقول:

أَفَادَتْنَا الْقَنَاعَةُ أَيَّ عِزٍّ                                    وَلاَ عِزَّ أَعَزُّ مِنْ الْقَنَاعَهْ

فَخُذْ مِنْهَا لِنَفْسِك رَأْسَ مَالٍ                  وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْوَى بِضَاعَهْ

تَحُزْ حَالَيْنِ تَغْنَى عَنْ بَخِيلٍ               وَتَسْعَدْ فِي الْجِنَانِ بِصَبْرِ سَاعَهْ.

 ثم قال:”مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء”.

 وقال أحدهم :

إذا اشتدت البلوى تخفّفْ بالرضا           عن الله قد فاز الرضيُّ المراقب

وكم نعمة مقرونة ببليّة                          على الناس تخفى والبلايا مواهب.

ومن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية :

وَجَدْتُ الْقَنَاعَةَ ثَوْبَ الْغِنَى               فَصِرْتُ بِأَذْيَالِهَا أَمْتَسِكْ

فَأَلْبَسَنِي جَاهُهَا حُـــــــــــــــــــــــــلَّةً                 يَمُـــــــــــــــــــــرُّ الزَّمَــــــــــــــانُ وَلَمْ تُنْتَهَكْ

فَصِرْتُ غَنِيًّا بِلاَ دِرْهَمٍ                   أَمُـــــــــــــــــــــــــــــــــــرُّ عَزِيزًا كَأَنِّي مَلِكْ.

 ومن كلامه أيضًا – رحمه الله -:

أَنَا الْفَقِيرُ إِلَى رَبِّ الْبَرِيَّاتِ                     أَنَا الْمُسَيْكِينُ فِي مَجْمُوعِ حَالاَتِي

أَنَا الظَّلُومُ لِنَفْسِي وَهْيَ ظَالِمَتِي              وَالْخَيْرُ إِنْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدِهِ يَاتِي

لاَ أَسْتَطِيعُ لِنَفْسِي جَلْبَ مَنْفَعَةٍ         وَلاَ عَنِ النَّفْسِ لِي دَفْعَ المَضَرَّاتِ

وَالْفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لاَزِمٌ أَبَدًا             كَمَا الْغِنَى أَبَدًا وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي

وَهَذِهِ الْحَالُ حَالُ الْخَلْقِ كُلِّهِمُ                 وَكُلُّهُمْ عِنْدَهُ عَـــــــــــــــــــــــــــــــــــبْدٌ لَهُ آتِي

فَمَنْ بَغَى مَطْلَبًا مِنْ غَيْرِ خَالِقِهِ      فَهْوَ الظَّلُومُ الْجَهُولُ الْمُشْرِكُ الْعَاتِي.

 وذكر ابن الجوزي في كتابه “عيون الحكايات” قال العمري السقطي: رأيت البهلولَ وقد دلى رجله في قبر وهو يلعب بالتراب، قلت: أنت ها هنا؟ قال: نعم، عند قوم لا يؤذوني،وإن غبت لا يغتابونني، قلت له: إن السعر قد غلا، قال: لو بلغت كلُّ حبة مثقالًا لا أبالي،نعبده كما أمرنا،ويرزقنا كما وعدنا،ثم أنشد يقول :

أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ فِيمَا لَسْتَ تُدْرِكُهُ      وَلاَ تَنَامُ عَنِ اللَّذَّاتِ عَيْنَاهُ

يَا مَنْ تَمَتَّعَ بِالدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا                 يَقُولُ لِلَّهِ مَاذَا حِينَ يَلْقَاهُ؟.

ومتى كثُر تشتتُ الهمم، فالعاقل من علم أنَّ الدنيا لم تخلق للتنعيم، فقنع بدفع الوقت في كل حال”.

 

 وقال الشافعي:

خَبَرْتُ بَنِي الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ مِنْهُمُ     سِوَى خَادِعٍ وَالْخُبْثُ حَشْوُ إِهَابِهِ

فَجَرَّدْتُ عَنْ غِمْدِ الْقَنَاعَةِ صَارِمًا      قَطَعْتُ رَجَائِي مِنْهُمُ بِذُبَابِهِ .

فَلاَ ذَا يَرَانِي وَاقِفًا بِطَرِيقِهِ              وَلاَ ذَا يَرَانِي قَاعِدًا عِنْدَ بَابِهِ

غَنِيٌّ بِلاَ مَالٍ عَنِ النَّاسِ كُلِّهِمْ      وَلَيْسَ الْغِنَى إلاَّ عَنِ الشَّيْءِ لاَ بِهِ.

 وقال غيره:

إِذَا أَعْطَشَتْكَ أَكُفُّ اللِّئَامِ                       كَفَتْكَ الْقَنَاعَةُ شِبعًا وَرِيَّا

فَكُنْ رَجُلاً رِجْلُهُ فِي الثَّرَى                         وَهَامَــــــــــــــةُ هِمَّــــــــــــــــــــــــــــــــتِهِ فِي الثُّرَيَّا .

وقيل للحُسين بن عليٍّ :إن أبا ذرٍّ يقول:الفقرُ أحبُّ إليَّ من الغِنى،والسَّقَمُ أحبُّ إليَّ من الصحة. فقال الحسين:”رحِمَ الله أبا ذرٍّ! أمَّا أنا فأقول: من اتَّكَل على حُسن اختيار الله لم يتمنَّ غيرَ ما اختارَ الله له”.

              متَى تحقَّقَ القلبُ بالفَرْح بالله،لم يطرُقْه حـــــــــــزنٌ على شيءٍ من أمر الدُّنيا،قال تعالى:﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾[الحديد:22ـــ 23].

وعزَّي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الأشعث، عن ابن له، فقال:إِنَّكَ إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَأَنْتَ مَأْجُورٌ ، وَإِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ وَأَنْتَ مَأْثُومٌ”. تاريخ دمشق(6974).

وقال أبو حاتم ابن حبان البستي:”الواجب على العاقل أن يوقن أن الأشياء كلَّها قد فُرغ منها،فمنها ما هو كائن لا محالة ومالا يكون،فلا حــــــــــــــــيلة للخلق في تكوينه،فإنْ دفعــــــــــــــــــــه الوقت إلى حالِ شــــــــــــــــدة يجب أن يتزر بإزار له طرفان:أحدهما:الصبر،والآخر:الرضا؛ليستوفي كمالَ الأجر لفعله ذلك؛فكم من شدة قد صَعُبت،وتعذَّر زوالُها على العالم بأسره ثم فُرج عنها السهلُ في أقلَّ من لحظة”. روضــــــــة العقلاء(156) .

وقال:”يجب على العاقل إذا كان مبتدئًا أن يلزم عند ورود الشدة عليه سلوكَ الصبر،فإذا تمكن منه حينئذ يرتقي من درجة الصبر إلى درجة الرضا،فإن لم يُرزق صبرًا فليلزم التصبرَ؛لأنه أول مراتب الرضا،ولو كان الصبر من الرجال لكان رجلًا كريمًا؛إذ هو بَذر الخير،وأساس الطاعات”. روضــــــــــــة العقلاء(160) .

❉قال أحمد بن أبي الحَوَارِيِّ:”قلتُ لسفيان بن عيينة: مَنِ الزَّاهد في الدُّنيا؟ قال:من إذا أُنعم عليه شكر، وإذا ابتُلي صبرـ فقلت: يا أبا محمد،قد أُنعم عليه فشكر، وابتلي فصبر، وحبس النِّعمةَ، كيف يكون زاهدًا؟.فقال: اسكت من لم تمنعْه النَّعماءُ مِنَ الشُّكر، ولا البلوى من الصَّبر، فذلك الزاهد”.

ويقول الشاعر:

والـذي أُلـهـم الـرِّضا لا تراهُ               أبـدَ الـدهـر حـاسدًا أو عَذولا

                                                    فـالـرضا نعمةٌ من الله لم يَسعـد            بـهـا في العباد إلا القليلا

والـرضـــــــــــــا آيـةُ البراءة والإيــ                  ــــــمان بالله نـاصـرًا ووكـيلا.

وقال أبو ذؤيب الهذليّ:

والنّفس راغبة إذا رغّبتها                       وإذا تُردُّ إلى قليل تقنع.

 

وقال الشّافعيّ:

رَأَيْتُ القَنَاعَةَ رَأْسَ  الغِنَى            فَصِرْتُ بِأَذْيَالِهَا  مُمْتَسِكْ

فَلاَ  ذَا  يَرَانِي  عَلَى  بَابِهِ                 وَلا ذَا يَرَانِي  بِهِ  مُنْهَمِكْ

                                               فَصِرْتُ  غَنِيًّا  بِلا  دِرْهَمٍ           أَمُرُّ عَلَى النَّاسِ شِبْهَ المَلِكْ.   ديوان الشافعي (102) .

وفي الحكمة:”من رضِيَ بقضاء الله لم يُسخِطهُ أحدٌ، ومن قنِعَ بعطائه لم يَدخل قلبَه حسدٌ”.

ولقد صدق من سئل:ما العبودية والربوبية؟ فقال:الرب يقضي والعبد يصبر وليس في السُّخط إلا الهمُّ والضَّجَرُ في الحال،والوِزرُ،والعقوبةُ في المآل بلا فائدةٍ؛إذ القضاء نافذٌ،فلا ينصرف بالهَلَع والجزع،فمن ترك التسليمَ للقضاء فقد جمع على نفسه ذهابَ ما أصيب به وذهابَ ثوابِ الصابرين فهو خسران مبين،ومن رضي بمكروهِ القضاء تلذَّذ بالبلاء،و نال ثوابَ الصابرين،ومن علِم من نفسه العجزَ فليستعذ بالله من حمله ما لا يُطيق وليقل كما علَّمه﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ ويسألُ المعافاة ويستعينُ بالله على قضائه،فنعم المولى ونعم النصير.

      ليس شرطُ الرِّضا ألا يُحِسَّ السعيدُ بالألم والمكارِه،بل المطلوبُ ألا يعترِضَ على مجارِي الأقدار،ولا يتسخَّطُ من الحوادِثِ والنوازِل؛فهو راضٍ كرِضا المريضِ بشُرب الدواء المُرِّ؛لأنه يعلمُ العاقبةَ،ويرجُو العافيةَ، قال تعالى:﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾،و قال:﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

والرِّضا والقناعةُ لا تمنَعُ التاجِرَ من تنمِيَة تجارته،ولا المُوظَّفَ من التطلُّع إلى الترقِّي في وظيفته،ولا العامِلَ من الاجتهاد في تحصِيلِ رزقِه،ولا أن يضرِبَ المُسلِمُ في الأرض؛ليستزِيدَ من فضلِ الله،بل الممنوعُ هو التسخُّطُ والتبرُّم.

                على العبد ألا يهتمَّ برضا الناس فيما يغضب الله،فعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «من التمس رضا الله بسخط النّاس كفاه الله مؤنة النّاس،ومن التمس رضا النّاس بسخط الله وكله الله إلى النّاس». رواه  الترمذي (2414) ، و ابن حبان(277).

الدنيا فى نظر العارفين:

عن زيد بن ثابت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:«مَن كانتِ الدُّنيا هَمَّهُ،فرَّقَ اللَّهُ علَيهِ أمرَهُ،وجعلَ فَقرَهُ بينَ عينيهِ،ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما كتبَ لَهُ،ومن كانتِ الآخرةُ نيَّتَهُ،جمعَ اللَّهُ لَهُ أمرَهُ ،وجعلَ غِناهُ في قلبِهِ،وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغِمةٌ”. رواه ابن ماجه(4105)بسند صحيح.

و يكفى القانعَ من الدنيا ما يُبلِّغه غايتَه،فعن عُبيدالله بن مِحْصَنٍ الأنصاريِّ ـــ رضى الله عنه ـــ أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:”مَن أصبحَ منكم آمنًا في سِربِهِ،مُعافًى في جسدِهِ،عندَهُ قوتُ يومِهِ،فَكَأنَّما حِيزت لَهُ الدُّنيا”.رواه الترمذي(2346)،وابن ماجه(3357)بإسناد حسن.

قال الُمناوي:”يعني:من جَمع الله له بين عافية بدنه،وأمنِ قلبه حيث توجَّه،وكَفافِ عيشِه بقوت يومه وسلامة أهله؛فقد جمع الله له جميعَ النعم التي مَن ملك الدنيا لم يحصل على غيرها،فينبغي أن لا يستقبلَ يومَه ذلك إلا بشكرها،بأن يصرفها في طاعة المنعم،لا في معصية،ولا يَفتُرَ عن ذكره”.فيض القدير(6/68). 

وقُنوعُ المرءِ يَحْمِي عِرْضَهُ                               ما القَريرُ العَينِ إلاّ مَنْ قَنِعْ.

وعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :”إنَّ اللَّهَ ــــ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ــــ يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ,فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ,بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ وَوَسَّعَهُ,وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ”. رواه أحمد(20294).

وقال ابن القيم:”إن المحن بلوى من الله ـــ سبحانه ــــ فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب،قال تعالى:﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا﴾.[الفجر:15ــــ 17]أي:ليس كل من وسعت عليه وأكرمته ونعَّمْتُه يكون ذلك إكرامًا مني له،ولا كل من ضيَّقت عليه رزقَه وابتليته يكون ذلك إهانةً مني له”. الفوائد(1/155).

وقيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟.قال: «قلّة تمنّيك، ورضاك بما يكفيك».الإحياء (4/ 212) .

وقال لقمان لابنه: «أوصيك بخصالٍ تُقرّبك من الله،وتُباعدك من سخطه:أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببتَ وكرِهت». مدارج السالكين لابن القيم (2/ 229) .

وقال الحسن: “المؤمن في الدنيا كالغريب،لا يجزع من ذُلِّها،ولا ينافس في عزها،الناس منه في راحة، ونفسُه منه في شغل”.

وقالت مَيسون بنتُ بَحدلٍ الكلبيّة أمُّ يزيد بن معاوية تنشد قائلة:

لبيت تخفق الأرواح فيه                                       أحبّ إليّ من قصر مُنيفِ

ولُبسُ عباءة وتقرَّ عيني                                     أحبّ إليّ من لبس الشفوفِ

وأكلُ كسيرة في كسر بيتي                                       أحبُّ إليّ من أكل الرغيفِ

وكلب ينبح الطُّرَّاقَ دوني                                       أحبّ إليّ من قِطٍّ ألوفِ

وأصوات الرياح بكل فجّ                                      أحبّ إليّ من نقر الدفوفِ

خشونة عيشتي في البدو أشهى                           إلى نفسي من العيش الظريفِ

فما أبغي سوى وطني بديلًا                               فحسبي ذاك من وطنٍ شريفِ.

خزانة الأدب لــ عبد القادر البغدادي (3/258).

وقال أبو العتاهية:

رغيفُ خــبزٍ  يابسٍ                           تـأكـــله فــي زاويــة .

و كـوز مـاءٍ باردٍ                             تـشـربـه مـن صافيـة

و غُـرفــةٌ ضيـقةٌ                    نــفســـــــــــــــــــــــــــك فيــها خاليــة

أو مسجــــدٌ بمعزِل                   عن الورى في ناحـــية

تقرأ فيه مصحـــفًا                 مــســــــــــــــــــــــــــــــــــــتنـدًا لســاريــة

معتبرًا بمن مضــى                   من القــــرون الخـــالية

خير من الســاعات                   في القـــصور العــــالية

تعــقبــها عقــوبـة                       تصلى بنــار حــــــــــــــــــــــــــــامية

فهــذه وصيــتـــي                       مـُـخــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبـِـرَة بحاليـَـه

طوبى لمــن يسمـــعها                     تلك لعَـــمْري كافيــة

فاسمـــع لنصحِ مشــفقٍ            يُدعــى أبا العتـــاهية.

 

 

من قصص أهل الرضا:

1ــــ رسولُ اللهِ ــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ :

عن أبى هريرة قال :”ما عاب رسولُ اللهِ ــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ طعامًا قطُّ،كان إذا اشتهى شيئًا أكلَه،وإن كرهه ترَكه” . رواه مسلم(2064).

2ـــــ نبي الله أيوب ــــ عليه السلام ــــ :

قالت له امرأته:لو دعوتَ اللهَ أن يشفيَك،قال:ويحك،كنا في النعماء سبعين عامًا،فهلمي نصبرْ على الضراء مثلَها،فلم ينشَب إلا يسيرًا أن عُوفي”.ربيع الأبرار للزمخشري( 1/412).

3ــــ سعد بن أبي وقاص:

قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وكان قد كُفَّ بصره، فجاءه الناس يُهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له،فيدعو لهذا ولهذا،وكان مجابَ الدعوة.

قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام، فتعرفتُ عليه فعرفني وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم. فقلت له: يا عم،أنت تدعو للناس،فلو دعوتَ لنفسك،فردَّ الله عليك بصرَك، فتبسم وقال: يا بُني،قضاء الله عندي أحسنُ من بصري”. مدارج السالكين (2/ 227).

4ــــ عبدالله بن عباس:

لما عَمِي عبدالله بن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ أنشد راضيًا :

إِنْ يَأْخُذِ اللهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُما                  فَفِي لِسَانِي وَقَلْبِي مِنْهُمَا نُـــــــــــــــــــــــورُ

قَلْبِي ذَكِيٌّ، وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي دَخَلٍ                   وَفِي فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ مَأْثُورُ.

فيض القدير شرح الجامع الصغير للمُناوي(4/488).

عن أنس بن مالك أن النبي ــــ صلى الله عليه و سلم ـــ قال:”إنَّ اللَّهَ قالَ:إذا ابتليتُ عبدي بحَبيبتَيهِ فصبَرَ ، عوَّضتُه منهُما الجنَّةَ”. يريدُ  عينيهِ . رواه البخاري(5653).

5ـــ عروة بن الزبير:

عُرِف عن عروةَ الكثيرُ من الصفات الحميدة؛فهو محدِّث، فقيه، ثقة، عالم بالسِّيَر، متجنب للفتن، وهو أول من صنف في المغازي،وأروى الناس للشعر،ولكن صبرَه على المصائب، ورباطةَ جأشه يفوقان التصور. 

“سافر عروةُ من المدينة إلى دمشق؛ليجتمع بالخليفة الوليد بن عبدالملك،وفي الطريق بوادي القرى أُصيبتْ رجلُه بأَكَلَةٍ،ولم يَكَد يَصِلُ دمشقَ حتى كانت نصفُ ساقه قد تلِفتْ،فدخل على الوليد،فبادر الوليد باستدعاء الأطبَّاء العارفين بالأمراض وطرقِ علاجها،فأجمعوا على أن العلاج الوحيد هو قطعها قبل أن يَسريَ المرضُ إلى الرِّجل كلِّها حتى الوَرِك،وربما أكلتِ الجسمَ كلَّه،فطابت نفسُه بنشرها،وعرض عليه الأطباء إسقاءه مُرْقِدًا؛حتى يغيب عن وعيه فلا يشعر بالألم،فرفض عروة ذلك بشدة قائلًا: لا،والله،ما كنت أظن أحدًا يشرب شرابًا،أو يأكل شيئًا يُذهِب عقلَه، ولكن إن كنتم لا بُدَّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة؛ فإني لا أُحس بذلك ولا أشعر به،فقطعوا رجله من فوق الأكلة من المكان الحي؛احتياطًا أن لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي،فما تضوَّر ولا اختلج، فلما انصرف من الصلاة عزَّاه الوليد في رجله،فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحدًا،ولئن كنتَ أخذتَ فقد أبقيتَ،وإن كنتَ قد ابتليتَ فلطالما عافيتَ، فلك الحمد على ما أخذتَ وعلى ما عافيتَ،اللهم إني لم أمشِ بها إلى سوء قط. 

وكان قد صحب بعضَ بنيه،ومنهم ابنه محمد الذي هو أحب أولاده إليه،فدخل دارَ الدواب فرفسته فرسٌ فمات، فجاء المعزون إلى أبيه، فقال: الحمد لله كانوا سبعةً فأخذتَ منهم واحدًا وأبقيتَ ستة، فلئن كنت قد ابتليتَ فلطالما عافيتَ، ولئن كنت قد أخذتَ فلطالما أعطيتَ، فلمَّا قضى حاجتَه من دمشق رجع إلى المدينة، فما سُمع يَذكُر رِجْله ولا ولده، ولا شكا ذلك إلى أحد، حتى دخل وادي القرى الذي أصابته فيه الأكلة،وهناك قال:لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا،فلما دخل المدينة أتاه بعض الناس يسلمون عليه ويعزونه في رجله وولده،وبلغه أن بعض الناس قال: إنما أصابه هذا بذنبٍ عظيمٍ أحدثه، فأنشد عروةُ متمثِّلًا قولَ مَعْنِ بنِ أوس: 

لَعَمْرُكَ ما أَهْوَيْتُ كَفِّي لِرِيبَةٍ                     وَلاَ حَمَلَتْنِي نَحْوَ فَاحِشَةٍ رِجْلِي .

وَلاَ قَادَنِي سَمْعِي وَلاَ بَصَرِي لَهَا                     وَلاَ دَلَّنِي رَأْيِي عَلَيْهَا وَلاَ عَقْلِي

وَلَسْتُ بِمَاشٍ مَا حَيِيتُ لِمُنْكَرٍ               مِنَ الأَمْرِ لاَ يَمْشِي إِلَى مِثْلِهِ مِثْلِي

وَلاَ مُؤْثِرًا نَفْسِي عَلَى ذِي قَرَابَةٍ                  وَأُوثِرُ ضَيْفِي مَا أَقَامَ عَلَى أَهْلِي

وَأَعْلَمُ أَنِّي لَمْ تُصِبْنِي مُصِيبَةٌ              مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ قَدْ أَصَابَتْ فَتًى قَبْلِي”.

وفَيَات الأعيان لابن خلكان(2/ 418 – 421)، والبداية والنهاية (9/ 101 – 103).

 قال ابن خِلكان:”وقدم تلك السنةَ قومٌ من بني عبس فيهم رجل ضرير، فسأله الوليد عن عينيه،فقال: يا أمير المؤمنين،بتُّ ليلة في بطن وادٍ ولا أعلم عبسيًّا يزيد مالُه على مالي، فطرقنا سيلٌ، فذهب بما كان لي من أهل وولد ومال، غيرَ بعيرٍ وصبي مولود، وكان البعير صعبًا فنَدَّ، فوضعت الصبي واتبعتُ البعير، فلم أجاوز إلا قليلاً حتى سمعت صيحة ابني ورأسُه في فم الذئب وهو يأكله، فلحقت البعيرَ لأحبسه،فنفحني برجله على وجهي،فحطمه وذهب بعيني، فأصبحت لا مال لي، ولا أهل، ولا ولد، ولا بعير، فقال الوليد: انطلقوا به إلى عروة؛ ليعلم أن في الناس مَن هو أعظم منه بلاء. وفَيَات الأعيان(2/419 – 431).

6ــــ كَتب إلي أبى حازم بعضُ بني أمية يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه، فكتب إليه: “قد رفعت حوائجي إلى مولاي، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك عنِّي قنعت”.

7ــــ يُذكر أن أحد العلماء كان ضريرًا، فسئل مرة: هل تجلس أمام التلفاز؟ فأجاب: إن الله ــــ تبارك وتعالى ــــ أكرمني بفقد البصر حتى لا أرى ما يُغضبه. ثم أنشأ يقول:

رأيتُ العَمَى أَجراً وَذُخراً وَعِصمةً             وإنِّي إلى تِلكَ الثَّلاثِ فَقِيرُ

يُعيِّرُني الأَعداءُ وَالعَيبُ فِيهمُ              وَلَيسَ بِعَيبٍ أنْ يُقالَ: ضَرِيرُ

إذا أَبصَرَ المَرءُ المُروءَةَ وَالوَفَا          فإنَّ عَمَى العَينَينِ لَيسَ يَضِيرُ .

آخر لقاء مع (20) عالمًا ومفكرًا إسلاميًّا لـمحمد خير رمضان يوسف ص(51). ط. دار ابن حزم.

8ـــ دخل رجل على مريض قد أكلت الآكلةُ أطرافَه، فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت – والله – وكل عضو مني يألم على حِدَةٍ من الوجع،لو أن الروم في شركها وكفرها اطلعت علي لرحمتني مما أنا فيه، وإن ذلك لبعين الله، أَحَبُّه إليّ أَحبُّه إلى الله، وما قّدْرُ ما أخذ ربي مني؟ وددت أن ربي قد قَطع مني الأناملَ التي بها اكتسبتُ الإثم، وأنه لم يَبق مني إلا لساني يكون له ذاكرًا. فقال له الرجل: متى بدأت بك هذه العلة؟

فقال: أما كفاك؟ الخلق كلهم عبيد الله وعياله،فإذا رأيت من العبادة عَيلة فالشكوى إلى الله،ليس الله يُشتكى إلى العباد.

9ــــ قال أبو عبد الله البراثي:قال خلف البرزالي:أُتيت برجلٍ مجذومٍ ذاهبِ اليدين والرجلين أعمى،فجعلته مع المجذومين،فغفلت عنه أيامًا ثم ذكرته، فقلت: يا هذا،إني غفلتُ عنك،فكيف حالك؟ فقال لي: حبيبي ومَن أنا أحبه،فقد أحاطت محبته بأحشائي فلا أجد لما أنا فيه من ألم مع محبته لا يغفُل عني.

فقلت له:إني نسِيتُ. فقال:إن لي مَن يذكرني،وكيف لا يذكر الحبيبُ حبيبَه وهو نُصب عينيه تائهُ العقلِ والقلبِ؟ قلت له: ألا أُزوجك امرأةً تنظفك من هذه الأقذار؟ قال: فبكي ثم تنفس،و رمى ببصره نحوَ السماء وقال: يا حبيب قلبي ثم أُغمي عليه،فأفاق فقلت:ما تقول؟ فقال:كيف تزوجني و أنا مالك الدنيا وعروسها؟ قلت: أي شيء الذي عندك مِن مُلك الدنيا و أنت ذاهب اليدين والرجلين أعمى،تأكل كما تأكل البهائم؟!. قال: رضي عني سيدي إذ أبلى جوارحي(أفناها و أذهبها)،و أطلق لساني بذكره. قال:فوقع مني بكل موقع،فما لبث إلا يسيرًا حتى مات،فأخرجت له كفنًا فيه طول فقطعت منه فأُتيت في منامي فقيل لي: يا خلفُ،بخلت على ولي ومحبي بكفن طويل،قد رددنا عليك كفنَك وكفَّنَّاه عندنا بالسندس والإستبراق قال: فسرت إلى بيت الأكفان فإذا الكفن مُلْقَى”. صفة الصفوة (1/565).

الصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقتُهُ *** لكن عواقبه أحلى من العسلِ.

10ـــ لما مات ابن الفضيل بن عياض رؤي في الجنازة ضاحكًا ،فقيل له : أتضحك وقد مات ابنك ؟ فقال : إن الله قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه “. مدارج السالكين (ص: 202).

كيف نحقق الرضا؟:

قال ابن القيم:”الرضا كسبي باعتبار سببه، موهبي باعتبار حقيقته، فيمكن أن يقال بالكسب لأسبابه،فإذا تمكن في أسبابه وغَرس شجرتَه،اجتنى منها ثمرةَ الرضا؛فإن الرضا آخر التوكل، فمن رسَخ قدمُه في التوكل والتسليم والتفويض،حصل له الرضا ولا بد،ولكن لعزته وعدمِ إجابة أكثر النفوس له، وصعوبته عليها – لم يوجبه الله على خلقه؛ رحمةً بهم، وتخفيفًا عنهم، لكن ندبهم إليه،وأثنى على أهله، وأخبر أن ثوابَه رضاه عنهم، الذي هو أعظم وأكبر وأجل من الجنان وما فيها، فمن رضي عن ربه رضي الله عنه،بل رضا العبد عن الله من نتائج رضا الله عنه،فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده:رضا قبله، أوجب له أن يرضى عنه، ورضا بعده،هو ثمرة رضاه عنه.

ولذلك كان الرضا بابَ الله الأعظمَ، وجنةَ الدنيا، ومُستراحَ العارفين، وحياةَ المحبين، ونعيمَ العابدين، وقُرةَ عيونِ المشتاقين.

 ومن أعظم أسباب حصول الرضا:

1)أن يلزم ما جعل الله رضاه فيه؛فإنه يوصله إلى مقام الرضا ولا بد.

 قيل ليحيى بن معاذ: متى يبلغ العبد مقامَ الرضا؟ فقال:إذا أقام نفسَه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه: فيقول:إن أعطيتني قبلت،وإن منعتني رضِيت،وإن تركتني عبدت،وإن دعوتني أجبت”.مدارج السالكين(2/ 172).

 وقَالَ شُرَيْحٌ:إِنِّي لأُصَابُ بِالمُصِيبَةِ، فَأَحْمَدُ اللهَ عَلَيْهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَكُنْ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَأَحْمَدُ إِذْ رَزَقَنِي الصَّبْرَ عَلَيْهَا، وَأَحْمُدُ إِذْ وَفَّقَنِي لِلاسْتِرْجَاعِ لِمَا أَرْجُو مِنَ الثَّوَابِ، وَأَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهَا فِي دِينِي”.

سير أعلام النبلاء” .(4/105).

قال النصر آبادي:”من أراد أن يبلغ محل الرضا فيلزم ما جعل الله رضاه فيه فإن هذا الكلام في غاية الحسن فإنه من لزم ما يرضي الله من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيما إذا قام بواجبها ومستحبها فإن الله يرضى عنه كما أن من لزم محبوبات الحق أحبه الله كما قال في الحديث الصحيح الذي في البخاري :”من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه،ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه فإذا أحببتُه… “.الحديثَ. مجموع الفتاوى لابن تيمية(10/682).

لو كان الله عزَّ وجلَّ راضيًا عنك، فعليك أن تحافظ على كل ما  يُرضيه،وهذا موسى عليه السلام يقول: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: 84].

وإذا لم تحصُل علي ما أردتَ يومًا،فلا تقل من سوء حظي،بل قُل: لعلّ الله أراد لي الأفضل،قال ابن الجوزي:”اعلم أن الزمان لا يثبت على حال،كما قال عز وجل:﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾[آل عمران:140].فتارة فقر،وتارة غنى،وتارة عز،وتارة ذل…،فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا على كل حال،وهو تقوى الله عز وجل؛فإنه إن استغنى زانتْه،وإن افتقر فتحت له أبواب الصبر،وإن عُوفي تمت النعمة عليه، وإن ابتلي جمَّلتْه.

لازمِ التقوى في كل حال؛فإنك لا ترى في الضيق إلا السعةَ،وفي المرض إلا العافيةَ،هذا نَقْدُها العاجلُ، والآجلُ معلومٌ”. صيد الخاطر(ص137).

وقال ابن الجوزي:” من راعى رُوعِىَ ، و من أهمل تُرِك “. لفتة الكبد فى نصيحة الولد(ص10).

2)حمد الله بعد الطعام و الشراب:

عن أنس بن مالك أن  رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكلَ الأَكلةَ ،فيحمدَه عليها، أو يشربَ الشَّربةَ فيحمدَه عليها».مسلم (2734) .

3)استعمال السِّواك:

عن عائشة أن النّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قال:«السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ».رواه أحمد(24203)والنسائي فى الكبرى(4) وابن حبان(1067)،و هو صحيح . أي: مطهر للفم ومرض للرب.

4)الدعـــــــــــــاء :

عن ابن عباس:أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يدعو: « اللهم قَنِّعْني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير ».أخرجه ابن خزيمة(2728) والحاكم(1/626) وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر فى الفتوحات الربانية(4/383).

وعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ – رضي الله عنه – قَالَ: صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً، فَأَوْجَزَ فِيهَا،فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَقَدْ خَفَّفْتَ أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ،فَقَالَ: أَمَّا عَلَى ذَلِكَ،فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــ فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ هُوَ أُبَيٌّ غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ،فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ،ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ:«اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ،وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ،أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي،وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي،اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ،وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ،وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى،وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ،وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ،وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ،وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ،وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ،اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ،وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ”.رواه النسائي(1306),وأحمد(18351),والحاكم(1923)بإسناد صحيح.

وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلةً في الفِراش،فالتمستُه فوقعت يدي على بطن قدميه،وهو في المسجد،وهما منصوبتان،وهو يقول:«اللهمّ،أعوذ برضاك من سخطك،وبمعافاتك من عقوبتك،وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك،أنت كما أثنيتَ على نفسك». رواه مسلم (486) وابن حبان(1932).

وعن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول،كان يقول: «اللهمّ،إنّي أعوذ بك من العجز والكسل،والجبن والبخل،والهرم وعذاب القبر،اللهمّ،آت نفسي تقواها،وزكّها أنت خير من زكّاها،أنت وليّها ومولاها،اللهمّ،إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع،ومن قلب لا يخشع،ومن نفس لا تشبع،ومن دعوة لا يستجاب لها».رواه مسلم (2722) .

5) التسليم لقضاء الله ، والشعور بفضله و مِنَّتِه:

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[التوبة: 51].

وعن أبى هريرة أن النبي ــــ صلى الله عليه و سلم ـــ قال:” إذا نظر أحدُكم إلى من فُضِّلَ عليه في المالِ والخَلْقِ فلْينظُرْ إلى من هو أسفلَ منه ممن فُضِّلَ عليه”. رواه البخاري(6490) و مسلم(2963) و اللفظ له.

في الحديث: إرشادُ المسلم إلى أفضلِ الوسائل التي تؤدِّي به إلى الشُّعور بالرِّضا.

سُئِل أبو ذر:ماذا تحب؟ فقال:”أحبُّ الجوع،والمرض،والموت. فقيل له: هذه أشياء لا يُحبها أحد. قال:”أنا إن جُعت رقَّ قلبي،وإن مرِضت خفَّ ذنبي،وإن مُت لقِيتُ ربي”.

وقال مسروق بن الأجدع:”كان رجل بالبادية له حمار،وكلب،و دِيك،وكان الديك يوقظهم للصلاة،والكلب يحرسهم، والحمار ينقُلون عليه الماء،ويَحمل لهم خيامَهم،فجاء الثعلبُ فأخذ الديكَ فحزِنوا عليه،وكان الرجل صالحًا، فقال:”عسى أن يكون خيرًا. ثم جاء ذئب فبقر بطن الحمار فقتله،فقال الرجل: عسى أن يكون خيرًا. ثم أصيب الكلبُ بعد ذلك فقال: عسى أن يكون خيرًا.ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا سُبِىَ من كان حولهم و بقُوا سالمين. وإنما أخذ أولئك بما كان عندهم من أصوات الكلاب والحمير والديكة.

 فمن عرَفَ خفيَّ لطفِ الله رضي بفعله”. حياة الحيوان الكبرى (1/ 341).

وقال المرداوي الحنبلي:

فَمَا الْعِزُّ إلاَّ فِي الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا            بِأَدْنَى كَفَافٍ حَاصِلٍ وَالتَّزَهُّدِ.

وقال الدكتور مصطفى السباعي:”زر السجن مرة في العمر لتعرف فضل الله عليك في الحرية،و زُر المحكمةَ مرة في العام؛لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق،و زُرِ المستشفى مرة في الشهر؛لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض،و زُرِ الحديقة مرة في الأسبوع؛لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة،و زُرِ المكتبة مرة في اليوم؛لتعرف فضل الله عليك في العقل،و زُرِ ربك كل آن؛لتعرف فضل الله عليك في نعم الحياة”.

وقال الشاعر:

الناسُ هذا حظه مـال وذا * * * علم وذاك مكارم الأخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاق

فإذا رُزقتَ خليقةً محمودةً * * * فقد اصطفاك مقسم الأرزاق.

6) حسن التوكل على الله:

من توكل على الله كفاه،و من شكره زاده،و من سأله أعطاه،قال تعالى:﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾[الطلاق: 3].

وقال أبو حاتم البستي:”الواجب على العاقل لزومُ التوكل على من تكفَّل بالأرزاق؛إذ التوكل هو نظام الإيمان وقرين التوحيد،وهو السبب المؤدي إلى نفى الفقر ووجودِ الراحة،وما توكل أحد على الله ـــ جل وعلا ــــ من صحة قلبه

حتى كان الله ـــ جل وعلا ــــ بما تضمن من الكفالة أوثق عنده بما حوته يده إلا لم يكِلْهُ الله إلى عباده وآتاه رزقَه من حيث لم يحتسب،وأنشدني منصور بن محمدٍ الكريزي:

توكل على الرحمن في كل حاجة                              أردتَ؛ فإن الله يقضي ويقدرُ

متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده                           يصـــــــــــــــــــــبه وما للعــــــــبد ما يتخيَّرُ

وقد يهلِك الإنسانُ من وجه أمنِهِ                     وينجو بإذن الله من حيثُ يَحذرُ.

روضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة العقلاء(153) .

أحاديث  فى فضل الرِّضـــا مشهورة غير صحيحة:

1)الحديث القدسي المشهور:”من لم يرض بقضائى ويصبر على بلائى فليلتمس ربًّا سواى “. رواه الطبرانى في الكبير (22/807)، و هو ضعيف جدًا .

2) حديث أنس بن مالك مرفوعًا:”إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك،وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك وإني أدبر لعبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير”. رواه والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (2/232)، وأبو نعيم في «الحلية» (8/319)، ، وابن عساكر(7/95) وذكره ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/31) ، وإسناده ضعيف .

وأخرجه الخطيب فى ” التاريخ “( 6/15 ) من طريق يحيى بن عيسى الرملى حدثنا سفيان بن سعيد النورى حدثنا حماد بن زيد عن أبى قلابة عن كثير بن أفلح عن عمر بن الخطاب مرفوعًا:”أتانى جبريل فقال: يا محمد،ربك يقرأ عليك السلام ويقول:إن من عبادى من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لكفر،وإن من عبادى من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لكفر،وإن من عبادى من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر ،وإن من عبادى من لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لكفر ” .

وسنده ضعيف وعلته يحيى بن عيسى الرملى ضعفه ابن معين وقال النسائى : ليس بالقوى . وقال ابن عدى : عامة ما يرويه مما لا يتابع عليه .

3) حديث: يا ابن آدم،لا تخف من ذي سلطان، ما دام سلطاني وملكي لا يزول، لا تخف من فوات الرزق، ما دامت خزائني مملوءة لا تنفد. خلقت الأشياء كلها من أجلك،وخلقتك من أجلي،فسر في طاعتي، يُطعْك كل شيء،لي عليك فريضة،ولك علي رزق،فإن خالفتني في فريضتي،لم أخالفك في رزقك،إن رضيت بما قسمته لك،أرحت قلبك،وإن لم ترض بما قسمته لك،فوعزتي وجلالي،لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها كركض الوحوش في البرية،ولا ينالك منها إلا ما قسمته لك، وكنت عندي مذمومًا.

يا ابن آدم، خلقت السماوات السبع والأراضي السبع ولم أعي بخلقهن،أيعييني رغيف عيش أسوقه لك بلا تعب ؟

يا ابن آدم ،إنه لم أنس من عصاني ؛ فكيف من أطاعني ، وأنا رب رحيم ، وعلى كل شيء قدير ؟

يا ابن آدم ، لا تسألني رزق غد كما لم أطالبك بعمل غد.

يا ابن آدم ، أنا لك محب ؛ فبحقي عليك كن لي محبًّا”.

قال الشيخ ابن عثيمين:”هذا الحديث غير صحيح،ولا يحل نشره وتوزيعه بين المسلمين إلا مبينًا أنه غير صحيح” . فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة(3/62) .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »