سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الثالث والعشرون: قيام الليل فضائل وآداب، للدكتور خالد بدير
رمضان المبارك : سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الثالث والعشرون: قيام الليل فضائل وآداب، للدكتور خالد بدير.
لتحميل الدرس بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الدرس بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الدرس 23 من دروس رمضان المبارك كما يلي:
سلسلة الدروس الرمضانية من دروس رمضان المبارك
الدرس الثالث والعشرون من دروس رمضان المبارك : قيام الليل فضائل وآداب
درس اليوم إن شاء الله عن : ( قيام الليل فضائل وآداب ) وحتى تعم الفائدة وتصل الفكرة كاملة نذكره في المسائل التالية:
المسألة الأولى : الحث على قيام الليل من خلال القرآن والسنة:
من أفضل الأعمال عند الله على الإطلاق – قيام الليل – ولا سيما في العشر الأواخر من رمضان المبارك .
ولقد أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (الإسراء: 79).؛ وهذا الامر وإن كان خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن عامة المسلمين يدخلون فيه بحكم أنهم مطالبون بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم.
وبين الله أن المحافظين على قيامه هم المحسنون المستحقون لخيره ورحمته فقال: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }. (الذاريات: 15 – 18) .
ومدحهم وأثنى عليهم ونظمهم في جملة عباده الأبرار فقال: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}. (الفرقان: 63).
ونفى التسوية بينهم وبين غيرهم ممن لم يتصف بوصفهم فقال: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}. (الزمر: 9)
كما تضافرت النصوص النبوية التي تحث على التهجد وقيام الليل؛ فعن عبد الله بن سلام قال: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثاً، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ؛ فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ؛ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”.(أحمد والطبراني والبيهقي وابن ماجة والترمذي وقال: هذا حديث صحيح).
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ:”عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ”. (الطبراني والبيهقي والحاكم وصححه).
وعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا – قَالَ: جَاءَ جِبرِيلُ إِلى النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعمَلْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَجزِيٌّ بِهِ، وَأَحبِبْ مَن شِئتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤمِنِ قِيَامُ اللَّيلِ، وَعِزُّهُ استِغنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ”(الطَّبَرَانيُّ ).
لذلك كان يجتهد النبي صلى الله عليه وسلم بالطاعة والعبادة والقيام في هذه العشر:
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ؛ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ؛ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ”( متفق عليه ) قال الإمام ابن حجر:” أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت وأضافه إلى الليل اتساعا لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيا ليله بحياته ، وهو نحو قوله ” لا تجعلوا بيوتكم قبورا ” أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور .” (فتح الباري)؛ وشد المئزر كناية عن بلوغ الغاية في اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر؛ يقال: شددت لهذا الأمر مئزري؛ أي: تشمرت له وتفرغت؛ وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات.
وقيام الليل هو دأب الصالحين من السلف الصالح – رضي الله عنهم – ؛ ففي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132].
وقال الحسن البصري: ” لم أجد شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل “.
وقال أبو عثمان النهدي: ” تضيّفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا “.
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى، ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام، فيقوم إلى مصلاه.
وكان طاووس يثب من على فراشه، ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين !!
المسالة الثانية: وقت قيام الليل:
وقت قيام الليل يبدأ من الانتهاء من صلاة العشاء، ويستمرّ وقتها حتى طلوع الفجر، ومن الأفضل أن يكون قيام الليل في الثّلث الأخير من الليل، وذلك لأنّ الرّب تبارك وتعالى ينزل فيه إلى السّماء الدّنيا ؛ فهذا الوقت أرجى لقبول الدعاء والتوبة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا , حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ : مِنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ , وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ “.( متفق عليه ). وعن عَمْرُو بْن عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ ؛ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ “.( الترمذي والحاكم وصححه).
فإن لم يستطع قيام الثلث الأخير قام الأوسط ؛ وإلا قام الثلث الأول؛ فالأفضلية تأتي من الثلث الأخير فالأوسط فالأول.
فإذا قام المسلم بأداء قيام الليل في أيّ وقت منها فقد أصاب السنّة، ونال الأجر إن شاء الله.
فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يَصُومَ مِنْهُ ؛ وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا ؛ وَكَانَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنْ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ ؛ وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ “. (البخاري ).
المسألة الثالثة: عدد ركعاته:
يتحقق قيام الليل ولو بركعتين؛ فأقله ركعتان ولا حد لأكثره ؛ ويمكن للمسلم أن يصلي ما يشاء، وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم:” صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصّبح صلى ركعةً واحدةً، توتر له ما قد صلى “.(متفق عليه).
وإن اقتصر على إحدى عشرة ركعةً مع الوتر فهذا هو الأفضل، وذلك لأنّها صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد قالت عائشة رضي الله عنها، وقد سئلت عن صلاته بالليل في رمضان المبارك فقالت:” ما كان رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعةً، يصلي أربعًا فلا تَسلْ عن حسنهنَّ وطُولِهِنَّ، ثم يصلي أربعًا فلا تسلْ عن حسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثم يصلي ثلاثًا “. قالت عائشة رضي الله عنها:” فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة، إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي ” . (البخاري).
وينبغي على العبد أن لا يفوت قيام الليل في رمضان ولا في غيره ؛ حتى يكتب عند الله من القائمين؛ ولا يشترط النوم ثم الاستيقاظ حتى يتحقق القيام؛ فلو شق عليك الاستيقاظ فيكفي أن تصلى ولو ركعتين قبل النوم ؛ لأن وقت القيام يبدأ من بعد الانتهاء من صلاة العشاء مباشرة كما ذكرنا .
المسألة الرابعة: آداب قيام الليل:
إنّ لقيام الليل آداباً يجب على المسلم أن يتحلى بها، ومنها:
أولاً: أن ينوي المسلم عند نومه أن يقوم الليل، وأن ينوي بنومه أن يتقوّى على الطاعة: وذلك ليحصل على الثّواب على نومه، فإذا أخذ بالأسباب وضبط منبه الاستيقاظ؛ ونوى قيام الليل ؛ وغلبه النوم أخذ الأجر كاملاً؛ لما روي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ ، وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ حَتَّى يُصْبِحَ ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ. “. (ابن ماجة والنسائي والحاكم وصححه).
ثانياً: أن يمسح النّوم عن وجهه عند الاستيقاظ: وأن يذكر الله سبحانه وتعالى، وأن يستاك، فعن عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :” مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ؛ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ؛ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ ؛ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ “.( البخاري) .
ثالثاً: أن يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين:
لأنّ هذا ما كان النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – يفعله، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :”
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ” . ( مسلم ).
رابعاً: أن يتهجّد في بيته: وهذا مستحبّ إذا كان يصلى منفرداً مع نفسه؛ لأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – كان يتهجَّد في بيته، ولحديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه – أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” … صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ “. (متفق عليه).
فإن كان هناك جماعة في المسجد في صلاة التهجد ولا سيما في العشر الأواخر من رمضان؛ وهو يتقوى بهم على القيام ؛ وحضور مجالس العلم ؛ ففي هذه الحال يكون الصلاة في المسجد أفضل ليحصل بذلك فضل الجماعة وكثرة الخطا إلى المساجد ؛ واجتماع المصلين والاستئناس بهم وغير ذلك من الفضائل .
خامساً: أن يداوم على قيام الليل وأن لا ينقطع عنه:
ومن المستحبّ أن يكون للمسلم ركعات معلومة يداوم عليها، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ؛ فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ حَتَّى كَثُرُوا ؛ فَأَقْبَلَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ؛ وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ “. ( متفق عليه ) .
سادساً: أن يترك الصّلاة في حال غلبه النّوم، وأن ينام حتّى يذهب النّوم عنه: فعَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” قَالَ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ “. ( متفق عليه ).
سابعاً: إيقاظ الأهل والأولاد لاغتنام هذه الليالي المباركة: لذلك قال سفيان الثوري رحمه الله : أحب إليّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- :” رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ، نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، ورَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى، نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ.”(أبوداود والحاكم وصححه).
إن هذه العناية بأمر الزوجة والأهل والأولاد تجعل من البيت المسلم يعيش في روحانية رمضان هذا الشهر الكريم؛ عندما يقبل الأب والأم والبنين والبنات على الصلاة والعبادة والذكر وقراءة القرآن، ولنحفزهم على ذلك الخير؛ فمن دعا إلى هدى كان له من الخير والأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً .
المسألة الخامسة: الأسباب الميسِّرة لقيام الليل:
هناك أسباب وعوامل ميسرة ومعينة على قيام الليل وتتمثل فيما يلي:
أولاً: عدم الإكثار من الأكل عند النوم: لأنه إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، قال أحدهم: من أكل كثيرًا شرب كثيرًا فنام كثيرًا فتحسَّر كثيرًا، فلا شكَّ أن كثرة الأكل تُثقل جسد الإنسان.
ثانياً: الإكثار من الدعاء: لأنَّ قيام الليل توفيقٌ من الله، هبةٌ ربَّانيَّةٌ، عطيَّةٌ رحمانيَّةٌ، فالله عزَّ وجلَّ لا يهب هذه العبادة -التي قلَّ من يطبِّقها- إلا بعد توفيق الله عزَّ وجلَّ، فتدعو الله سبحانه وتعالى وتتضرَّع إلى الله أنَّ الله يوفِّقك ويعينك، قبل أن تنام تدعو الله وتتضرَّع: يا ربّ، يا الله، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ربّ العرش العظيم، اللهم أعنِّي في هذه الليلة، اللهم أكرمني ووفِّقني وأعنِّي في هذه الليلة على الوقوف بين يديك.
ثالثاً: أكل الحلال والابتعاد عن الحرام: قال الله جلَّ وعلا: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }. ( المؤمنون: 51 ). يقول الإمام ابن كثير:” فأكل الحلال يعين على العمل الصالح “.
رابعاً: الأخذ بالقيلولة: أي: أنَّ الإنسان ينام في وسط النهار، ونومة القيلولة مستحبة عند جمهور العلماء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” قيلوا فإن الشياطين لا تقيل “. ( أبو نعيم بسند حسن). ولأن القيلولة تعطي النفس حظها من الراحة في النهار، فإذا جاء الليل استقبلت السهر بقوة ونشاط وانبساط فيقوي ذلك على الطاعة في الليل بالتهجد والمذاكرة ونحو ذلك. قال الخطيب الشربيني: يسن للمتهجد القيلولة، وهي: النوم قبل الزوال، وهي بمنزلة السحور للصائم.
ولهذا جاء في بعض الآثار: استعينوا بالقيلولة على قيام الليل، فلا بدَّ أنَّ الإنسان ينام في وسط النهار؛ لأنَّ الإنسان لو قام من الصباح -من الفجر مثلاً- إلى بعد صلاة العشاء، ما نام إلا بعد صلاة العشاء بساعتين أو ثلاث، كيف يستطيع أن يقوم الليل وهو في طيلة النهار يعمل ويكدح؟! لا شكَّ أنَّه لا يستطيع أن يقوم الليل إلا إذا شاء الله.
خامساً: الإكثار من ذكر الله جلَّ وعلا:
لأنَّ الإكثار من ذكر الله يعطي الإنسان قوَّةً، ويعطي الإنسان توفيقًا، وانتصارًا على النفس والهوى والشيطان، ولهذا أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- قبل النوم أن يسبِّحا الله سبحانه وتعالى عندما طلبت فاطمة خادمة أن تعمل في البيت لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصاهما أن يسبِّحا التسبيحات المعروفة سبحان الله 33، والحمد لله 33، والله أكبر 34.
سادساً: طهارة القلب وسلامة النفس من الحقد والحسد والضغينة: فلا شكَّ أنَّ أصحاب القلوب المريضة لا يوفَّقون إلى أجلِّ الطاعات وأعظم العبادات، فلا بدَّ أنَّ الإنسان ينقِّي قلبه، يصفِّي نفسه من هذه الأمراض: الحقد والحسد والأنانية والبغضاء والكراهية، حتى يوفِّقه ربُّه سبحانه وتعالى إلى هذه العبادة العظيمة.
سابعاً: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل:
وهذا هو أهم الأسباب: لأنَّ الذنوب والمعاصي تحجب الإنسان عن ربه تبارك وتعالى، الذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاءٍ وشقاءٍ ونكدٍ وحرمانٍ في الدنيا والآخرة، ولهذا قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: إذا لم تستطع على صيام النهار ولا قيام الليل فاعلم أنك محروم مكبَّل كبَّلتك ذنوبك، ولقد شكى بعض الناس لعبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- الصحابي الجليل قالوا: إنَّنا لا نستطيع أن نقيم الليل، قال: أقعدتكم ذنوبكم.
حتى قال الإمام الحسن البصري: إنَّ الرجل ليذنب الذنب فيُحرم قيام الليل، فإذا حُرمت قيام الليل يا عبد الله ففتِّش عن نفسك، فتِّش عن واقعك، عن حياتك، ما الذي فعلته في نهارك؟ لعلك اغتبت أحدًا، لعلك وقعت في النظر إلى حرام، لعلك فعلت ذنب أو معصية، هذا الذنب وهذه المعصية تجعلك تُحرَم من قيام الليل.
جعلنا الله وإياكم من القائمين القانتين العابدين وخصوصاً في شهر رمضان المبارك ؛؛؛؛
كتب الدرس 23 من دروس شهر رمضان المبارك : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن دروس شهر رمضان المبارك