د . عبدالرحمن سمرة يكتب : الأزهر فكرة ومنهج ودين
سيظل الأزهر الشريف – بعون الله تعالى – قبلة المسلمين الأولى في طلب العلم، وسيعود إليه مجده ودوره الريادي في قيادة الأمة، وذلك لما يحمله بين جنباته من منهج فريد يقوم على الجمع بين النقل والعقل مع تقديم قدسية النقل على اجتهاد العقل عند التعارض، كما يعتمد منهجه على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وكذلك الجمع بين الكتابين كتاب الله المسطور وهو القرآن وكتاب الله المنظور وهو الكون بما فيه، كما أن هذا المنهج الذي يعتمده الأزهر الشريف في نظرته إلى الإنسان والكون والحياة يجمع بين القرآن وصحيح السنة فكلاهما في منهج الأزهر وحي يجب اتباعه لأنهما خرجا من مشكاة واحدة، كما أن الاجتهاد في فهم هذا المنهج هو لب لباب الأزهر طالما التزم المجتهد بضوابط الاجتهاد الشرعية، ولذلك رأينا منهج الأزهر يحتضن أبناءه الأربعة وبنيهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، بل رأينا الأزهر يجمع بين جنباته – بدون تفرقة – بين السلفية المتمثلة في الحنابلة والماتريدية المتمثلة في الحنفية والأشاعرة المتمثلة في المالكية والشافعية كل ذلك في أروقة الأزهر الشريف من غير تشنج ولا تعصب بل قرأنا للحنفي الماتريدي والمالكي والشافعي الأشعريَّيْن كل يُحَدِّثُ عن الحنبلي السلفي، والحنبلي السلفي يروي عنهم ويفتي بقولهم وبعد أن ينقل فتواهم في مسألة يقول : جوابي كذلك, كما كان للأزهر دور قيادي في توجيه الأمة وتقويمها، وكان من هيبة عالم الأزهر المتصدر في بلد من بلاد المسلمين أنه إذا تعارض رأي العالم مع رأي الحاكم وعلم بذلك العامة كان الحاكم يرجع لرأي العالم خشية أن يثور عليه العامة.
أقول: قد لا يحسن بعض المنتسبين إلى الأزهر اليوم عرض منهج الأزهر،
وقد يسيئ في عرضه لذلك المنهج ، فينفر الناس من ذلك المنهج، بسبب تلبيسه الحق بالباطل كل ذلك ليس سببا في الهجوم على الأزهر أو الانتقاص من شأنه أو ازدرائه، لأن الأزهر ليس الأشخاص المنتسبين إليه فقط، وإنما الأزهر فكرة ومنهج ودين وتاريخ وحضارة، هل يُهدَمُ كل ذلك بسبب خطأ بعض المنتسبين إليه أو جهله بالواقع الذي يعيشه أو حتى كذبه أو فجوره؟!
كما أن الأمم والشعوب والدول والأفراد تمر على مدار تاريخها بأحوال مختلفة بين الصحة والمرض والشباب والشيخوخة والقوة والضعف والمنشط والمكره، والأزهر الشريف هيئة لها عمر مديد، فلم تستكثر عليها أن تمر بتلك المراحل التي هي سنة من سنن الله تعالى في خلقه.
لا تسمحوا لأحد يدغدغ مشاعركم بالنيل من الأزهر الشريف والتطاول على المنتسبين إليه, ويكفي الأزهر الشريف فخرا أنه حافظ على التراث الإسلامي من عبث العابثين ومكر الماكرين وإلحاد الملحدين وزندقة المتزندقين طيلة هذه القرون وسلمه إلى أهل هذا القرن غضا طريا استخدم معه كل وسائل الحفظ من التحقيق والتدقيق والتنميق والترقيق.. حفظ الله الأزهر الشريف منهجا وشيوخا وطلابا ومكانا ومكانة، وأعاد له دوره التليد، وأعاد الأمة إلى صوابها ورشدها وأفاقها من كبوتها وحرر بلادها السليبة وأقام فيها شرعته ومنهاجه.. آمين.