خطبة عيد الأضحي المبارك: “عيد التضحية والفداء”، للشيخ عبد الناصر بليح
خطبة عيد الأضحي المبارك: “عيد التضحية والفداء”، للشيخ عبد الناصر بليح.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عيد التضحية والفداء:ـ
الحمد لله رب العالمين ..الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..نحمده على ما من به علينا من مواسم الخيرات وما تفضل به من جزيل العطايا والهبات.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الخلق وأفضل البريات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيراً أما بعد فيا عباد الله:”
إن يومكم هذا هو يوم عيد الأضحى والنحر وهو من أعظم أيام الله علي الإطلاق فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر “(أحمد وأبو داود والحاكم.).
و هو يوم الحج الأكبر كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” يوم النحر هو يوم الحج الأكبر”.(أبوداود). وفيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره كالوقوف بالمزدلفة ورمي جمرة العقبة الكبرى وحدها
ولأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسك الحج ويحلقون رؤوسهم ويطوفون بالبيت طواف الإفاضة ويسعون بين الصفا والمروة
وهو عيد الأضحى والنحر لأن الناس يضحون فيه وينحرون هداياهم ، وما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من إراقة دم ، وان للمضحي بكل شعرة حسنة وبكل صوفة حسنة ، وهذه الأضاحي سنة أبيكم إبراهيم ونبيكم محمد عليهما الصلاة والسلام ، وإنها لسنة مؤكدة يكره لمن قدر عليها أن يتركها وإن ذبحها لأفضل من الصدقة بثمنها لما فيها من إحياء السنة والأجر العظيم ومحبة الله لها
يوم التضحية والفداء :
هو يوم التضحية والفداء والتضحية لها معان كثيرة تضحية بالنفس وتضحية بالولد وتضحية بالمال وتضحية بالوقت والجهد ..
التضحية :“ كلمة عظيمة مدلولها واسع ومشمولها عظيم فتشمل التضحية و الانتماء والتفاني والولاء والوطنية ..الخ. طالما سمعنا هذه التعريفات وكثيراً ما وقفنا صامتين أمامها إما لأننا ذهلنا أمام صمود أبطالها الذين قاموا بها ، أو لأننا حاولنا وتحلينا بالصبر وبذلنا قصارى جهدنا لكننا عجزنا أن نكون مثلهم.
وكما تكون التَّضْحِيَةُ بِالنَّفْسِ: بَذْلُهَا فِي سَبِيلِ قَضِيَّةٍ أو فِكْرَةٍ أو مِنْ أجل الآخرين من دُونَ مُقَابِلٍ.. تَكُونُ التَّضْحِيَةُ بِالْمَالِ أو العَمَلِ أو الْمَصْلَحَةِ. وتكون التضحية بالأولاد والأهل والتضحية بالمنصب والوظيفة.والتضحية بالتعرض للابتلاء والأذى.والتضحية بمفارقة الأحباب والأقارب. التضحية بالشهوات والغرائز المباحة..الخ.
نماذج للتضحية :ـ ولنا في نبي الله إبراهيم القدوة والأسوة الحسنة . فقد أراد أن يضحي بولده فلذة كبدة تنفيذاً لأوامر ربه في الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق وصدق ..:” وفديناه بذبح عظيم” .
وهذا رسولُ الله محمد صلى الله عليه وسلَّم الذي ضرب لنا أورع الأمثلة في التضحية والفداء ما ترك معنى من معاني التضحية والفداء إلا وتحمله وبذله، لقد تحمل بنفس هادئة راضية الأذى والاضطهاد. والمقاطعة له ولأنصاره، فلا يبيع منهم ولا شراء ولا مزاوجة ولا نكاح. لقد رُجم بالأحجار حتى سالت الدماء على عقبيه فتحمل ذلك غير واهن ولا خائر وصودرت أمواله وداره فلم يحزن ولم ييأس، ودبرت المؤامرات المتنوعة لاغتياله فلم يهن ولم يحزن. – إيذاء قريش له بكافة أنواع الإيذاء ، وقال قولته المشهورة صلى الله عليه وسلم:” والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته” .
ويضطرُّ إلى مغادرة بلده الذي وُلِد فيه وترعرع وترك أقرباءه وعشيرته،ليكون وطناً أخر يجد فيه متنفساً لدعوته فيقول وهو يغادرها بِنَبْرة من الحزنِ:”واللهِ إنَّك لَخيْر أرْض الله،وأحبُّ أرْض الله إلى الله ولوْلا أنِّي أُخْرِجْت منْك ما خرجْتُ” (الترمذي).
التضحية بمتاع الدنيا الفاني: “تضحية زوجات رسول الله صلي الله عليه وسلم :”
فتعالوا بنا نستأذن بالدخول إلي بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم لننقل لكم هذه الصورة الحية من داخل بيت النبوة حيث اختار النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأهل بيته معيشة الكفاف، لا عجزاً عن حياة المتاع، فقد عاش حتى فتحت له الأرض، وكثرت غنائمها، وعم فيؤها. ومع هذا فقد كان الشهر يمضي ولا توقد في بيوته نار. مع جوده بالصدقات والهبات والهدايا. ولكن ذلك كان اختيارا للاستعلاء على متاع الحياة الدنيا ورغبة خالصة فيما عند الله. رغبة الذي يملك ولكنه يعف ويستعلي ويختار.. حتى قالت عائشة رضي الله عنها: لقد هل هلال، ثم هلال، ثم هلال ما أوقد في أبيات محمد نار عليه الصلاة والسلام فقال لها ابن أختها عروة بن الزبير: فما كان يعيشكم يا خالة؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه كان للنبي جيران من الأنصار يهدون إليه شيئاً من اللبن أو كما قالت رضي الله عنها”(البخاري وغيره).
ولكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن نساءً من البشر، لهن مشاعر البشر. وعلى فضلهن وكرامتهن وقربهن من ينابيع النبوة الكريمة، فإن الرغبة الطبيعية في متاع الحياة ظلت حية في نفوسهن. فلما أن رأين السعة والرخاء بعدما أفاض الله على رسوله وعلى المؤمنين راجعن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر النفقة. فلم يستقبل هذه المراجعة بالترحيب، إنما استقبلها بالأسى وعدم الرضى.. ولقد بلغ الأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مطالبة نسائه له بالنفقة أن احتجب عن أصحابه. وكان احتجابه عنهم أمراً صعباً عليهم يهون كل شيء دونه. وجاءوا فلم يؤذن لهم. لقد جاء القرآن الكريم ليحدد القيم الأساسية في تصور الإسلام للحياة. هذه القيم التي ينبغي أن تجد ترجمتها الحية في بيت النبي وحياته الخاصة؛ وأن تتحقق في أدق صورة وأوضحها في هذا البيت الذي كان -وسيبقى- منارة للمسلمين وللإسلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ونزلت آيتا التخيير تحددان الطريق. فإما الحياة الدنيا وزينتها، وإما الله ورسوله والدار الآخرة. وقد اخترن الله ورسوله والدار الآخرة اختيارا مطلقا بعد هذا التخيير الحاسم. وكن حيث تؤهلهن مكانتهن من رسول الله وفي ذلك الأفق العالي الكريم اللائق ببيت الرسول العظيم. “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا“(الأحزاب/28,29).
قال المفسرون إن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سألنه شيئا من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه لغيرة بعضهن على بعض فآلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهن شهرا فنزلت آية التخيير وهو قوله ﴿قل لأزواجك﴾ وكن يومئذ تسعاً” عائشة وحفصة وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية فهؤلاء من قريش وصفية بنت حيي الخيبرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية “
و عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صل الله عليه وسلم أن رسول الله صل الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله تعالى أن يخيّر أزواجه، قالت:” فبدأ بي رسول الله صل الله عليه وسلم فقال : “إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك قالت :” وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت : ثم قال : “إن الله تبارك و قال: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِك:” الآيتين، قالت عائشة رضي الله عنها فقلت : أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة “( البخاري). وفي بعض رواياته عن عائشة قالت: ثم فعل أزواج النبي صل الله عليه وسلم مثل ما فعلت”
فهكذا الناس اليوم، إذا كان الزوج عنده زوجة وهو عاجز عن نفقتها تخير، إن صبرت فجزاها الله خيراً، وإن أبت وجب عليه طلاقها حتى تجد من ينفق عليها. نعم.
#تضحيات الصحابة الكرام رضي الله عنهم :ـ أيقن هؤلاء الرجال أن الدعوة لا تنتصر إلا بالجهاد و التضحية ، والبذل وتقديم النفس و المال ، ولذلك قدم هؤلاء الرجال النفوس وبذلوا الأرواح ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، وسمعوا هاتف الرحمن يهتف بهم :” قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ “(التوبة/ 24) . فأصاخوا للنذير ، وخرجوا عن كل شئ طيبة بذلك نفوسهم ، وتركوا أموالهم وديارهم في سبيل نصرة الإسلام راضية قلوبهم مستبشرين ببيعهم الذي بايعوا الله به .
#التضحية بالمال :” تضحية سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه :ـ أخذ سيدنا أبو بكر الصديق ماله كله في الهجرة وجاء والده أبو قحافة، قائلاً لبنيه: “ما أرى أبا بكر إلا فجعكم في ماله” فاحتالت السيدة أسماء على جدها وكان أعمى فجعلت بعض الأحجار في كوة بالبيت، وألقت عليها ثوباً وأخذت بيد أبي قحافة ليمسها توهمه أنه مال. وفي غزوة تبوك حين انتدب الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين لتجهيز جيش العسرة وجد عمر بن الخطاب الفرصة سانحة للتنافس مع أبي بكر في الخير فأتى بنصف ماله وإذا به يجد أبا بكر – رضي الله عنه – قدم ماله كله فقال: “والله لا أسبقه إلى خير أبداً”. وأعتق أبو بكر رضي الله عنه – عدداً من العبيد المسلمين الضعفاء أمثال بلال بن رباح وغيره في بداية الدعوة.
#وهذا صُهَيب الرُّومي، لَمَّا أراد الهجرة، قال له كُفَّار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالُك عندنا، وبلَغْتَ الذي بلغت، ثم تريد أن تَخْرج بِمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: “أرأيتم إنْ جعلْتُ لكم مالي، أتخلُّون سبيلي؟” قالوا: نعم، قال: “فإنِّي قد جعلتُ لكم مالي”، فبلغ ذلك رسولَ الله – صلى الله عليه وسلَّم – فقال: “رَبِح صهيب” (صحيح السِّيرة النبوية).
#التضحية بالولد :” وهذه أمُّ سلمة – وهي أوَّل امرأة مهاجِرة في الإسلام – تقول: “لَمَّا أجْمَع أبو سلمة الخروج إلى المدينة، رَحَّل بعيرًا له، وحَملَنِي وحَمل معي ابنَه سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلمَّا رآه رجالُ بني المغيرة بن مَخْزوم، قاموا إليه فقالوا: هذه نفْسُك غلبْتَنا عليها، أرأيتَ صاحبتنا هذه، علامَ نترُكك تسير بها في البلاد؟ فأَخذوني، وغَضِبَتْ عند ذلك بنو عبدا لأسد، وأهوَوْا إلى سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها؛ إذْ نزعتُموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابنِي سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسَنِي بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتَّى لحق بالمدينة، ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني” فمكثَتْ سنة كاملة تبكي، حتَّى أشفقوا من حالِها، فخلَّوْا سبيلها، ورَدُّوا عليها ابنها، فجمع الله شَمْلَها بزوجها في المدينة.
#التضحية بالميراث والنفس :” تضحية مصعب ابن عمير الصحابي الجليل رضي الله عنه :ـ أول سفير للنبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أهل المدينة، الرجل الذي سجل موقفا عظيما في التضحية، مصعب كان أجمل شباب قريش، وأعطرهم، وأطيبهم، وأترفهم دلالاً، فلما خالط الإيمان بشاشة قلبه، وآمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، فسمعت به أمه فجاءت إليه فقال يا مصعب سمعت أنك آمنت بدعوة محمد قال:” نعم يا أماه قالت له أريدك أن تكفر بدعوة محمد (صلى الله عليه وسلم) فقال لها لا يكون ذلك يا أماه. قالت له: سأحرمك من نعيمك ومن ترفك، وما أنت فيه؟ فماذا يفعل مصعب هل يتخلى عن المال والجاه والترف؟ أم يتخلى عن دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وكلنا يعرف أن المال شقيق الروح، وأن المال له سحره وبيانه ، وكم رأينا في دنيا اليوم من أخوين ناما في فراش واحد ورضعا من ثدي واحد وأكلا من رغيف واحد فرق بينهما المال.. وكم رأينا أرحام تقاطعت بسبب المال.. وكم من أسرة تفرقت بسبب المال.. وكم إنسان قتل أخاه من أجل المال.. وكم من إنسان باع دينه وضميره من أجل الحصول على المال. لكن سيدنا مصعبا لم يؤثر فيه حب المال بل ضحى بالمال والترف والنعيم واختار دين محمد صلى الله عليه وسلم فقدمها وبذلها لله، فلبس أخشن اللباس، وبقي زاهداً في ذلك كله، حتى إنه رضي الله عنه لما استشهد لم يجدوا ما يكفنونه به، فكفن بعباءة إذا غطي رأسه بدت رجلاه، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه، وكان من أعطر وأثرى وأجمل وأترف شباب قريش، ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، وقف ودعا له، ثمّ تلا قوله تعالى: ” مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً “(الأحزاب: 23).
فأين الأمة من تضحية سيدنا مصعب (رضي الله عنه)؟ هذا درس عظيم في التضحية يقدمه سيدنا مصعب لكل من باع دينه من أجل المال، وكل من ضحى بدينه من أجل الوظيفة. وكل من باع دينه من أجل الجاه والمنصب. ليقول لهم: ضحوا بكل شيئ من أجل دينكم وعقيدتكم. فالدنيا زائلة والآخرة هي خير وأبقى. وكأنه يقول لكل مسلم بلسان الحال:”
تهون الحياة وكل يهــون **** ولكن إسلامنا لا يهـــــون
نضحي له بالعزيزالكريم**** ومن أجله نستحب المنون
#التضحية بليلة العمر العرس:” تضحية حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه :”عندما سمع حنظلة بن أبي عامر الراهب، داعي الجهاد ليلة زفافه، نهض من فراش عروسه إلى المعركة، دون أن يغتسل، ولقي الله شهيداً، فأخبر – صلى الله عليه وسلم – أنه رأى الملائكة تغسله بين السماء والأرض، وسمي”غسيل الملائكة”، إنه ضحى بليلة عمره، كما يقولون بل بحياته كلها وضحى بعروسه في ليلتها الأولى، لتعانقه الحور العين في جنة الفردوس،
#التضحية بالمنصب :” تضحية خالد بن الوليد :” وهذا هو سيف الله المسلول خالد بن الوليد يضحي بمنصبه في قيادة الجيوش من أجل الصالح العام وقد جاء في أسباب عزل عمر لخالد – رضي الله عنهما أقوال :”اختلف أهل السير والمغازي في السبب الذي جعل عمر يعزل خالداً عن قيادة الجيوش ، وحاصل ما ذكروا أسباب ثلاثة :
#السبب الأول:” أن عزله كان بسبب شدته ، وكان عمر – رضي الله عنه –
شديداً ؛ فما أراد أن يكون الخليفة شديداً وقائد الجيوش كذلك . وكان أبو بكر
– رضي الله عنه – ليناً فناسب أن يكون قائد جنده شديداً ، فلما ولي عمر عزل
خالداً وولَّى أبا عبيدة ، وكان أبو عبيدة ليناً ، فناسب مع أبي بكر ولينه خالد وشدته وناسب مع عمر وشدته أبو عبيدة ولينه ، رضي الله عنهم .
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى :” فلما انتهت الخلافة إلى عمر عزل
خالداً وولَّى أبا عبيدة بن الجراح ، وأمره أن يستشير خالداً ؛ فجمع للأمة بين أمانة أبي عبيدة وشجاعة خالد “(البداية والنهاية ).
#السبب الثاني:” أن عمر رضي الله عنه عزل خالداً رضي الله عنه لما كان ينفق من أموال الغنائم دون الرجوع إلى الخليفة كما روى الزبير بن بكار رحمه الله تعالى قال:”كان خالد إذا صار إليه المال قسمه في أهل الغنائم ولم يرفع إلى أبي بكر حساباً وكان فيه تَقَدُّمٌ على أبي بكريفعل أشياء لا يراها أبو بكر”.
ونقل الزبير بن بكار عن مالك بن أنس قوله : “قال عمر لأبي بكر : اكتب
إلى خالد لا يعطي شيئاً إلا بأمرك . فكتب إليه بذلك ، فأجابه خالد : إما أن تدعني
وعملي ، وإلا فشأنك بعملك . فأشار عليه عمر بعزله ، فقال أبو بكر : فمن يجزئ
عني جزاء خالد ؟ قال عمر : أنا . قال : فأنت . فتجهز عمر حتى أنيخ الظهر في
الدار ، فمشى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر فقالوا : ما شأن
عمر يخرج وأنت محتاج إليه ؟ وما بالك عزلت خالداً وقد كفاك ؟ قال : فما أصنع ؟
قالوا : تعزم على عمر فيقيم ، وتكتب إلى خالد فيقيم على عمله . ففعل ، فلما
تولّى عمر كتب إلى خالد أن لا تعطِ شاة ولا بعيراً إلا بأمري ، فكتب إليه خالد بمثل
ما كتب إلى أبي بكر . فقال عمر : ما صدقتُ اللهَ إن كنت أشرت على أبي بكر
بأمر فلم أنفذه . فعزله ، ثم كان يدعوه إلى أن يعمل فيأبى إلا أن يخليه يفعل ما يشاء ، فيأبى عمر “(الإصابة).
ويؤيد ذلك ما نُقل عن عمر من قوله:” إني ما عتبت على خالد إلا في تقدمه ،
وما كان يصنع في المال “(الإصابة).
#السبب الثالث :” أن عمر عزل خالداً – رضي الله عنهما – خشية افتتان الناس به ؛ فإن خالداً – رضي الله عنه – ما هُزم له جيش لا في الجاهلية ولا في الإسلام ،
وقد جمع الله تعالى له بين الشجاعة والقوة والرأي والمكيدة في الحرب ، وحسن
التخطيط والتدبير والعمل فيها ، وقلَّ أن تجتمع هذه الصفات في شخص واحد .
ويدل على ذلك ما يلي :”
1- أن عمر رضي الله عنه كتب إلى الأمصار:”إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا خيانة ، ولكن الناس فُتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع”(البداية والنهاية).
2- ما رواه سيف بن عمر أن عمر رضي الله عنه قال حين عزل
خالداً عن الشام ، و المثنى بن الحارثة عن العراق : ” إنما عزلتهما ليعلم الناس أن الله تعالى نصر الدين لا بنصرهما ، وأن القوة لله جميعاً “(البداية والنهاية).
وتقبل خالد العزل والتضحية بمنصبه قيادة الجيوش ولم يظهر أي عداء لعمر بن الخطاب لأنه رأي في عزله المصلحة العامة وكان عليه أن يضحي من أجل مصلحة الدين والوطن والذي يؤيد ذلك تزكية خالد لعمر عند أبي الدرداء – رضي الله عنهم – وإخباره بأن عمر باب مغلق دون الفتن والمنكرات ؛ فقد قال خالد لأبي الدرداء – رضي الله عنهما:”والله يا أبا الدرداء ! لئن مات عمر لترين أموراً تنكرها “(السير).
وفي المسند أن رجلاً قال لخالد رضي الله عنه :”يا أبا سليمان ! اتق الله ؛ فإن الفتن قد ظهرت . فقال : وابن الخطاب حي ؟ إنما تكون بعده “(أحمد والطبراني).
فلو كان خالد يعلم أن عمر إنما عزله لهوى في نفسه وليس لمصلحة رآها ؛ فهل
كان سيزكيه هذه التزكية العظيمة ؟!
كما تثبت أن عزل عمر لخالد – رضي الله عنهما – كان اجتهاداً رأى فيه عمر مصلحة الأمة ، ولم يكن لهذا العزل تأثير على بقاء المحبة والألفة بينهما إلى أن مات خالد فتولى عمر وصيته..
جزاء من قام بالتضحية :ـ التضحية من أجل الدين أحسن وأغلى ما يقدمه الإنسان إلى الله من عمل صالح، بل هي قمة العمل الصالح الذي يُرضي الله تبارك وتعالى فيجزى عليه أحسن الجزاء، قال الله تعالى:” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ، جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ “(البينة/7-8).
الخطبة الثانية :”
الحمد لله رب العالمين ,الله أكبرالله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..ونصلي ونسلم علي خير خلقه سيدنا ونبينا محمد صلي الله عليه وعلي أله وصحبه والتابعين لهم بإحسان غلي يوم الدين أما بعد فيا عباد الله!
الأضحية عنوان التضحية :ـ
إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، وهو عيد الأضحى والنحر، وإن من أعظم ما يؤدى في هذا اليوم الأضحيةَ الشرعية التي ماعمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله من إراقة دم، وإن للمضحي بكل شعرة وبكل صوفة حسنة، وهي سنة أبينا إبراهيم المؤكدة، عن عائشة أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم. إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نفسا “(الترمذي).
ويكره تركها لمن قدر عليها، وذبحها أفضل من التصدق بثمنها. وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة. والانفراد بالشاة أفضل من سبع البقرة والبدنة.
عباد الله :” ويستحب إظهار الفرح والسرور في هذا اليوم بما لا يُتجاوز فيه حد المشروع، وأن توصل الأرحام، ويعفى عن المظالم، وأن يوسع على العيال.
إخوة الإيمان والإسلام :”
علينا أن نهيئ أنفسنا للتضحية بالنفس، للتضحية بالمال، للتضحية بالأولاد، للتضحية
بالأوقات،للتضحية بالمنصب للتضحية بأغلى ما نملك لدين الله جل وعلا، وبغير هذه التضحية لا عزة لنا ولا كرامة. والله ثم والله لا عزة ولا كرامة للأمة إلا بالتضحية. فالمسلم الذي يحافظ على صلاته في وقتها هذه تضحية.
الموظف الذي يؤدي وظيفته بأمانة وإتقان هذه تضحية.
والعامل الذي يعمل بإخلاص ولايغش فهذه تضحية.
الطبيب الذي يخدم الإنسان بعلمه هذه تضحية.
الزوج الذي يعمل ليعف نفسه وأهله هذه تضحية.
الزوجة التي تطيع زوجها وتقوم على خدمتها هذه تضحية.
الولد الذي يعمل جاهدا على إرضاء أبويه هذه تضحية.
المسلم الذي يعفو ويسامح الآخرين هذه تضحية.
وكل مسلم يقدم خدمة لله ولمجتمعه ولأمته فهذه تضحية.
فأين من يسلك طريق التضحية ويسجل له موقفا ينفعه هناك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
“.اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”
عباد الله :” أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ..وقوموا إلي رحالكم فاذبحوا أضحيتكم وطيبوا بها نفساً ..
وكل عام وحضراتكم بخير .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.