خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقاف

خطبة بعنوان ” رسالة المسجد وأثرها في صلاح الفرد والمجتمع ” للدكتور خالد بدير

خطبة بعنوان ” رسالة المسجد وأثرها في صلاح الفرد والمجتمع ” للدكتور خالد بدير.

لتحميل الخطبة أضغط هنــــــــــا

ولقراءة الخطبة كما يلي :

 

خطبة بعنوان: رسالة المسجد وأثرها في صلاح الفرد والمجتمع

  عناصر الخطبة:

 العنصر الأول: أهمية المسجد ومكانته في الإسلام.

 العنصر الثاني: آداب المسجد وحقوقه.

 العنصر الثالث: أثر رسالة المسجد في صلاح الفرد والمجتمع.

     المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: أهمية المسجد ومكانته في الإسلام:

 للمسجد أهمية كبيرة في الإسلام، ويكفي أن أول عملٍ قام به الرسول عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة هو بناء مسجد قباء ثم المسجد النبوي الشريف، و لعل في ذلك إشارة واضحة لأهمية وجود المسجد في المجتمع الإسلامي الناشئ … لقد أقام النبي دولته في المدينة على ثلاثة أسس هي قوام أي مجتمع إسلامي على مدى العصور والقرون.

الأساس الأول: المسجد ليربط العبد بخالقه ورازقه.                              الأساس الثاني: المؤاخاة ليربط المسلم بأخيه المسلم.

الأساس الثالث: المعاهدات ليربط المسلم بغير المسلم، وبذلك قامت الدولة الإسلامية وامتدت إلى جميع الأقطار والأمصار.

إن حضارة الإسلام التي أقامها لا تقوم إلا على المسجد، و لا تصلح إلا بالمسجد، ولا يكون لها نور إلا بالمسجد، فقد انطلقت معالم الإسلام من المسجد الذي كان أول شئ فعله بعد الهجرة، ليكون روضة من رياض الجنة، شيخه: من عقمت الأرحام أن تأتي بمثله محمد صلى الله عليه وسلم، وتلاميذه: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة الأجلاء، وأما مواده المقررة فهي الوحي السماوي الخالد، وأما الشهادة المطلوبة للتخرج فهي أن تكون كلمة الله هي العليا.، إن بناء المسجد لم يكن على سبيل المصادفة، ولم يكن مجرد إشارة عابرة، لكنه منهج أصيل، فلا قيام لأمة إسلامية بغير المسجد، أو قل لا قيام لأمة إسلامية بغير تفعيل دور المسجد؛ لأن المساجد الآن كثيرة، لكنّ الكثير منها غير مفعّل، ولا يقوم بدوره المنوط به، لقد جعل الرسول – بفصاحته وبلاغته – المسجدَ جامعة علمية. يقول كريسي موريسون – عالم أمريكي – في كتاب الإنسان لا يقوم وحده:” ليس العجب من محمد أن يبعث نبياً فقد بعث الله أنبياء قبله، ولكن العجب أن يبقى أربعين سنة لا يتعلم ثم يخرج إلى الناس فإذا هو أخطب خطيب، وأفتى مفتي.”، إنها حكمة الله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:1-5]، والمقصود: أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج للناس هكذا، ثم أصبح في المسجد فإذا هو أعلم الناس والله يقول: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}  [العنكبوت:48] ، ولو كنت تكتب لقالوا: كتبت القرآن ولو كنت تقرأ لقالوا: قرأت صحف الأولين، ولو كنت تقول الشعر، لقالوا: نظمت كتاب الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] ، إنك أتيت أمياً للأمة الأمية فأخرجتها من صحراء الوثنية والتخلف؛ صحراء الإبل والبقر والغنم إلى ضفاف دجلة والفرات، وإلى قرطبة وسمرقند، وطشقند والسند، يهللون ويكبرون ويسبحون بحمد الله، أليست هذه معجزة؟ بل هي أكبر معجزة في تاريخ الإنسان، يقول محمود غنيم: 

أتطلبون من المختار معجزة      يكفيه شعب من الأموات أحياه

ليس المعجزة فقط في أن تحول الطعام القليل إلى كثير، أو تفجر من الصخر ماء، لكن المعجزة الكبرى أن تخرج أمة هي تتقاتل على موارد الشاة، إلى أمة تتكلم بألسنة الدهر وتخطب على منابر التاريخ، هذه أعظم معجزة له عليه الصلاة والسلام. 

يقول شوقي:  أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له      وأنت أحييت أجيالاً من الرمم 

والمقصود: أن عيسى عليه السلام أحيا ميتاً بإذن الله، فأنت أحييت -بإذن الله- ملايين مملينة، وانطلقوا من المسجد، فما من منارة في الدنيا يذكر عليها الله ويؤذن إلا واسم الرسول صلى الله عليه وسلم معه، يقول مجاهد بن جبر رحمه الله مفسر مكة قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح:4] قال: ما ذكرت إلا ذكرت معه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. 

وشق له من اسمه ليجله      فذو العرش محمود وهذا محمد

فذكره دائماً يدوي عليه الصلاة والسلام من على المنائر.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أسس مسجده على التقوى، ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم” (مجموع الفتاوى)

يقول أحد المستشرقين ( يدعى زهير ) : ” ما زال المسلمون في قوة مادام معهم القرآن والمسجد ” .

قال الحسن البصري: [ أيها المؤمن! لن تعدم المسجد إحدى خمس فوائد أولها: مغفرة من الله تكفر ما سلف من الخطيئة، وثانيها: اكتساب رجل صالح تحبه في الله، وثالثها: أن تعرف جيرانك فتتفقد مريضهم وفقيرهم، ورابعها: أن تكف سمعك وبصرك عن الحرام، وخامسها: أن تسمع آية تهديك]

أحبتي في الله، المسجد في عهد سلفنا الصالح وصدر هذه الأمة الوضاء كان منطلَقًا للجيوش. المسجد في عهد سلفنا الصالح كان ملاذًا لهم، إذا ضاقت بهم الهموم واشتبكت الغموم أتوه وانطرحوا بين يدي ربهم، فتنفرج لهم الدنيا. المسجد في عهد سلفنا الصالح كان منارة هدى ومعهد تعليم ومدرسة تربية، لكَم تعلم فيه الجاهل، واتّعظ فيه الغافل، واسترشد فيه الضال، واهتدى فيه المنحرف. المسجد في عهد سلفنا الصالح كان مكانًا لإطعام الجائع ومواساة الفقير، فبالله أهل الصفة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كانوا؟! كانوا في المسجد. المسجد في عهد سلفنا الصالح كان يضجّ بالبكاء، وتتعالى فيه أصوات التكبير والتسبيح والثناء والألسنة الصادقة بالدعاء، فما أن يدخله الداخل حتى يزداد إيمانه، ويشتدّ في الحق بنيانه. المسجد في عهد سلفنا الصالح كان مدرسة الأجيال وملتقى الأبطال، خرج من بين جنباته المفسر للقرآن العالم به والمحدث والفقيه والخطيب والمجاهد والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرجت رحاب المساجد آنذاك قادة الدنيا الذين غيروا وجه التاريخ وأصبحت سيرتهم غُرّة في جبين الزمن وأنموذجًا لم تعرف البشرية مثله، ولكم أن تسألوا: وما هي تلك المساجد العظيمة التي أخرجت هؤلاء العظماء؟ إنها مساجد بنيت من الجريد وسعف النخيل، إنها مساجد بنيت من الطين، قد تجد فيها سراجًا ضعيفًا وقد لا تجده، إنها مساجد لم تكن مكيفة ولا منمقة ولا مزخرفة. لا، لكن أخرجت أولئك العظماء لأن العبرة بأهل الدار وليس بالدار، فهل من نظرة بعين العبرة لحال مساجدنا ومساجدهم، ما عرف التاريخ في مساجد فيها وسائل الراحة كمساجد الناس اليوم، ولكن أين الخريجون منها؟!

العنصر الثاني: آداب المسجد وحقوقه:

عباد الله، إن المساجد بيوت الله قد عظمها ربها، وقدرها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فسَنّ لها آدابا وأحكاما وفضائل يحسن بنا أن نُذكِّر بها، فمن آداب المساجد:

التنظف والتطهر والتطيب عند الإتيان إلى المساجد: قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ…} [الأعراف:31]، وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه إذا قام للمسجد لبس أحسن ثيابه وأجودها، فسئل عن ذلك فقال: إن الله جميل يجب الجمال، وإني أتجمّل لربي وهو يقول: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}. و كانت عائشة رضي الله عنها تعطر الدرهم قبل أن تعطيه للفقير، وأظنكم تتساءلون؟ لماذا تعطر الدرهم قبل أن تتصدق به؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: ( إنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يدي الفقير)، لو قيل: غداً لك مقابلة مع الوزير أو الرئيس فانظر ماذا أنت صانع في لباسك؟! فما بالك بالوقوف بين يدي الله ” ولله المثل الأعلى”، لذلك نُهى عن دخول المساجد بالرائحة الكريهة كالثوم والبصل ونحوهما، ففي صحيح مسلم يقـول صلى الله عليه وسلم : “من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم”، وفي مثله رائحة الدخان، وقد يكون أشدّ منه وأعظم إثمًا الدخول بالجوال مفتوحًا لتسمع الرنين هنا وهناك، فإن كلا من صاحب البصل أو الثوم قد آذى اثنين وهما مَن بجانبه؛ فكم يؤذي صاحب الجوال من العشرات من المصلين ويبوء بإثمهم؟! والأمر أخبث إذا كان نغمة موسيقية، فلطفك اللهم بنا ورحمتك نرجو، آخر الزمان تدخل الموسيقى المساجد! اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا. أين هذا الأدب اليوم ممن يأتون للمساجد بثياب النوم، أو بالألبسة الرياضية ولو كان في مناسبة لما لبسها؟!

تنظيف المسجد وتطييبه: فكما أن المسلم مستحب له أن يأتي للمسجد متطهرًا نظيفًا، فكذلك ينبغي أن يكون المسجد مهيّأً للمصلين بنظافته وصيانته عن كل ما يؤذيهم، ألا والله ما أعظم أجر ذلك عند الله، كفاك أن النبي صلى الله عليه وسلم حزن على المرأة السوداء التي كانت تقمّ المسجد عندما ماتت. ولما رأى بصاقاً في جدار مسجده مرة، غضب غضباً شديداً، وحك البصاق وقال: { الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا }(البخاري)

عمارة المساجد: من أهم حقوق المساجد علينا عمارتها وعدم هجرها، يقول سبحانه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]. والعمارة نوعان:

النوع الأول: العمارة الحسية وذلك ببنائها وتشييدها، ففي الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة”، فيا لها من بشرى لمن بنوا مساجد أو ساهموا فيها، فالقصور العظيمة لبنة من ذهب ولبنة من فضة، تنتظرهم في جنات النعيم ما أخلصوا النية لله تعالى فيما عملوا، الله أكبر ما صلى مصل في هذا المسجد وما دعا داع وما قرأ قارئ وما ذكر ذاكر إلا وتلك الأجور العظيمة والحسنات الكبيرة في ميزان من بنى هذا المسجد وأقامه، وهيأ لهم مكانه، من غير أن ينقص من أجر المصلين شيئًا، هل بعد هذا الفوز من فوز؟! هذا ـ وربي ـ ما جعل كثيرًا من الصالحين على مرّ التاريخ وتعاقب سنين الدهر يدفعون الأموال العظيمة في بناء المساجد، لا يراهم في ذلك إلا الذي خلقهم، لا يرجون من الناس شكورًا، وإنما يرجون من ربهم جنة وحبورًا.

النوع الثاني: العمارة المعنوية، بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن، وتلك العبادات هي مراد الشارع في بناء المساجد وإقامتها.

المشي إلى المساجد بالسَّكينةِ والوقار: فلعظم المسجد ومكانه فإن الماشي إليه ينبغي أن يتحلى بالسكينة والوقار، فلا يسرع في مسير، ولا يزعج الناس. ألا وإن من سوء الأدب أن يوقف الرجل سيارته أمام باب المسجد مباشرة بحيث يسدّ على الناس باب المسجد أو يضايقهم في الخروج منه، والسير بالأقدام إلى المسجد أفضل ما أمكن ذلك، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيتٍ من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهما تحطّ عنه خطيئة والأخرى ترفع درجة”

الدخول إلى المسجد بالقدم اليمنى والخروج بالقدم اليسرى: وذكر الدعاء الوارد في ذلك، وهي سنة تكاد تفقد عند الكثير.

صلاة تحية المسجد: فالمسجد بيت الله العظيم، فلا بد لداخله الذي يريد الجلوس فيه من تحيته وهي ركعتان، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : “إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين” (البخاري) وهو من السنة المؤكدة جدًا التي يتساهل فيها بعض الناس.

 إن لكل تحية، فتحية المسجد الصلاة، وتحية البيت الطواف، وتحية المسلم السلام، وتحية القادة في الجيش معروفة، إن قصرت فيها عوقبت، فما بالك بتحية الله؟ ولله المثل الأعلى”.

النهي عن تخطي الرقاب : لما فيه من الأذية للناس، فقد قال النبي  للمتخطي رقاب الناس: “اجلس فقد آذيت وآنيت”

النهي عن إنشاد الضالة في المسجد:فإذا ضاع له شيء بدأ يرفع صوته طالبًا لها، فهذا دعا عليه النبي صلى الله عليه و سلم قال :” من سمعتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا : لا ردها الله عليك، فإن المسجد لم تجعل لهذا .”

رفع الصوت في المسجد: حتى ولو كان بقراءة القرآن، فإذا كان مؤذياً ومشوشًا على المصلين فلا ينبغي. فعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ نَافِعٌ لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ }(متفق عليه)، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْمِعْ كَلَامَهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ (الترمذي)، لشدة خفض صوته في المسجد، وهذا ما جعل ثابت بن قيس يختبئ في بيته ويبكي ثلاث ليال، لما نزلت هذه الآية وقال: أنا خطيب الرسول وأرفع صوتي، يا ويلي حبط عملي وأنا من أهل النار، فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه. فأتاه فوجده في بيته مُنَكِّسًا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر، كان يَرْفَعُ صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حبط عمله، فهو من أهل النار. فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا، قال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: “اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة” (البخاري)

تحريم البيع و الشراء في المسجد: فإنما وضع للتسبيح والالتقاء والصلاة وذكر الله، يكفي بقية الأربع والعشرين ساعة نمضيها في الأسواق، وفي البيع والشراء والمكاتب والفصول والدنيا، والحديث والتراب، ثم تبقى هذه الدقائق لنلتقي فيها بالله رب العالمين، فتبقى خالصة لله، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي والترمذي: ” إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ” فإن من باع واشترى في المسجد ارتكب أمراً محرماً؛ لأنه خدش قداسة الشريعة، وانتهك حرمتها وصيانتها.

تحريم المسجد على الحائض والجنب:  أمر صلى الله عليه وسلم بتجنيب الحائض والجنب ومن في حكمهم المسجد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ ” (أبو داود )، ولذلك حتى مصلى العيد لا تدخله الحائض ولا الجنب، إلا عابر سبيل إذا عبر من باب إلى باب لغرض كما قال سبحانه: “إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ”  [النساء:43] أما الحائض فلا تقترب، لأن هذا مكان قداسة وسمو وخلود وطهارة، وقد نقل القرطبي عن بعض العلماء تلخيصا جيدًا ، مما ينبغي أن يراعي في الآداب والممنوعات في المسجد فقال : وقد جمع بعض العلماء في ذلك خمس عشرة خصلة، فقال: من حرمة المسجد أن يسلم وقت الدخول إن كان القوم جلوسًا ، وإن لم يكن في المسجد أحد قال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وأن يركع ركعتين قبل أن يجلس ، وألا يشتري أو يبيع ، ولا يسل فيه سهما ولا سيفا ، ولا يطلب فيه ضالة ، ولا يرفع فيه صوتا بغير ذكر الله تعالى ، ولا يتكلم فيه بأحاديث الدنيا ، ولا يتخطى رقاب الناس ، ولا ينازع في المكان ، ولا يضيق على أحد في الصف ، ولا يمر بين يدي مصل ، ولا ييصق ولا يتنخم ولا يتمخط فيه ، ولا يفرقع أصابعه ، ولا يعبث بشيء من جسده ، وأن ينزه عن النجاسات والصبيان والمجانين ، وإقامة الحدود ، وأن يكثر ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه . فإذا فعل هذه الخصال فقد أدَّى حق المسجد.

العنصر الثالث: أثر رسالة المسجد في صلاح الفرد والمجتمع:

لرسالة المسجد أثر كبير في صلاح الفرد والمجتمع في جميع مجالات الحياة كما يلي:

أثر رسالة المسجد في المجال الديني والروحي:للمسجد أثره الفعال في الجانب الروحي والعبادي، ويكفي أنك بمجرد قراءتك لأم الكتاب تفتح باباً لمناجاة ربك، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ:{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ” (مسلم)، بل إنك حينما تدخل المسجد فإنك تقوم بحرق ذنوبك خمس مرات يومياً، قال- صلى الله عليه وسلم – : ” تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا” [ صحيح الترغيب والترهيب – الألباني ]، فضلاً عن  الراحة النفسية، فكان- صلى الله عليه وسلم – إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ويقول: “أقم الصلاة يا بلال! أرحنا بها” ( أبوداود)، فالإنسان مكون من جسد وروح، فكما يغذي جسده بالطعام مرتين أو ثلاثاً يومياً، فعليه أن لا يهمل غذاء الروح وإلا أصبح حيوانيا ” إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا” (الفرقان:44)

أثر رسالة المسجد في المجال الدعوي: فالمسجد هو الأساس في المجال الدعوي ليس للمسلمين فحسب. ومن اللطائف عن المسجد: جواز إدخال الكافر للتعليم، لأن يسمع كلام الله في المسجد، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة في الصحيحين: “أن ثمامة بن أثال، وهو سيد بني حنيفة، أراد أن يهاجم الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، وكان قائد بني حنيفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أعدو عليه إن شاء الله، فأرسل عليه أبا سليمان خالداً سيف الله المسلول. فصاده خالد كما يصاد الثعلب، وأتى به إلى المدينة وربطه في المسجد، وخرج عليه الصلاة والسلام على هذا السيد، وكان من رجالات العرب، قال: يا محمد! إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم يقول -انتبه: إن عفوت عني سوف أحفظ جميلك، وإن قتلتني فلا تظن أن دمي سوف يذهب هدراً، ورائي ألوف- فتركه عليه الصلاة والسلام وصدف عنه، وكان يسمعه آيات الله البينات في الصلوات: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ  [التوبة:6] منطق العقل والحجة والبرهان لا تضربه ولا تقتله حتى تحاوره وتناقشه وتفهمه: “قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا”  [الأنعام:148]،”قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ”  [البقرة:111]، فلما سمع كلام الله ثلاثة أيام، قال: أطلقني يا محمد، فأطلقه، فذهب إلى النخل واغتسل وأتى وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.”  إن من الحكمة أن يؤتى برجل ولو كان كافراً، يسمع كلام الله، يسمع الخطبة، يسمع قراءة الإمام، فإن هذا جائز عند أهل العلم، والمقصود الأعلى في هذا: أن نسمع الناس الحجة، أن نسمعهم كلام الله، أن نبلغ دعوتنا للناس، وها هو لم نقدم للغرب شيئاً ونحن عالة عليهم في عالم المادة، فالواجب أن نقدم لهم الإيمان، كما يقول كريسي موريسون: قدمنا لكم الثلاجة والبرادة والطائرة والصاروخ وما قدمتم لنا الإيمان.

أثر رسالة المسجد في المجال العلمي: فقد جعل صلى الله عليه و سلم من المسجد جامعة لنشر العلم وتخريج العلماء، وقد كانت بلاغته و فصاحته هما السبيل لذلك، فجعله جامعة كبرى للعقائد، والأخلاق والسلوك والآداب والشعر والخطابة والطموح. 

والرسول صلى الله عليه وسلم، أكثر حلقاته وتعليمه في المسجد، وهذا هو الميراث الذي تركه، روى الطبراني بإسناد حسن عن أبي هريرة : أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها، فقال : يا أهل السوق ما أعجزكم !! قالوا : وما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال ذاك ميراث النبي، عليه السلام، يقسم وأنتم ها هنا تذهبون فتأخذوا نصيبكم منه. قالوا : وأين هو ؟ قال : فـي المسجد فخرجوا سراعاً. ووقـف أبو هريرة لم يبرح مكانه حتى رجعوا فقال لهم : ما بكم ؟ فقالوا : يا أبا هريرة قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نر شيئاً يقسم. فقال لهم أبو هريرة : وما رأيتم في المسجد أحداً ؟ قالوا : بلى، رأينا قوماً يصلون وقوماً يقرأون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة : ويحكم فذاك ميراث محمد صلى الله عليه و سلم” ، ولم يقتصر العلم على الرجل فلقد خرجت المرأة إلى المسجد لتأخذ بحظها من العلم.  فعن أبي سعيد – رضي الله عنه – قال : قال النِّساءُ لِلنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- : «غَلَبَنا عليك الرجالُ ، فاجعل لنا يوما من نَفْسِك ، فوعَدَهن يوما لَقِيهُنَّ فيه، فوعَظَهُنَّ وأمرهنَّ، فكان فيما قال لهنَّ: ما مِنكُن امرأة تقدِّم من ولدِها إلا كان لها حجابا [من النار] ، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين»(البخاري ومسلم)

أثر رسالة المسجد في المجال الطبي: فيجوز تمريض المريض في المسجد للحاجة، واستدل أهل العلم في الحديث الصحيح أن سعد بن معاذ رضي الله عنه جرح في الخندق فوضعه صلى الله عليه وسلم في المسجد ليزوره من قرب، يقول سعد بن معاذ: اللهم إن كنت أبقيت حرباً لرسولك مع يهود فأبقني، وإن كنت أنهيت الحرب فاقبضني إليك، فثار جرحه ومات، تقول عائشة: كما ذكر الذهبي في ترجمة سعد -تقول: والذي نفسي بيده، إني كنت أعرف بكاء الرسول عليه الصلاة والسلام من بكاء أبي بكر وعمر من وراء الباب، وكان أبو بكر يقول: وا كسر ظهراه عليك يا سعد، واكسر ظهراه عليك يا سعد.”

وما أكثر المراكز الطبية بالمساجد والتي تعالج المرضى المعوزين بأجور رمزية.

أثر رسالة المسجد في المجال الاقتصادي: للمسجد رسالته الاقتصادية في رعاية اليتامى والفقراء، وليست قصة أهل الصفة عنا ببعيد، فعن أَبَي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنْ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمْ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا هِرٍّ؟ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْحَقْ، وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةُ، قَالَ أَبَا هِرٍّ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي، قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ؟!! كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنْ الْبَيْتِ، قَالَ يَا أَبَا هِرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: خُذْ فَأَعْطِهِمْ قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ أَبَا هِرٍّ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: اقْعُدْ فَاشْرَبْ فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ فَقَالَ اشْرَبْ فَشَرِبْتُ فَمَا زَالَ يَقُولُ اشْرَبْ حَتَّى قُلْتُ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، قَالَ فَأَرِنِي فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ”( البخاري)

أثر رسالة المسجد في المجال الأخلاقي:  فارتياد المسجد يغرس في النفس القيم الأخلاقية، ولهذا المعنى شرعت العبادات كلها، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت:45)، فمن لم  تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، فالصلاة وحدها والتي يظن البعض أنها علاقة بين العبد وربه، هي في الحقيقة شحنة روحية هائلة ودرس أخلاقي واجتماعي ونفسي يدفع الإنسان إلى الطريق الأفضل في حياته وعلاقاته مع الآخرين بسلوك يتسامى ويتعالى لأنه يستمد توجيهه من التربية الإسلامية.

أثر رسالة المسجد في المجال الاجتماعي: فالمسجد مكان التقاء المسلمين وتقوية الأواصر بينهم. قل لي بالله عليك، لو لم تكن منتظمًا في صلاة الجماعة بالمسجد: كم تعرف ممن يصلون معك الجمعة؟! المسجد إذن يقوي وينمي الروابط والأواصر بين المسلمين، ويذيب الفوارق بينهم، فالحاكم يصلي بجوار، إن من نظام الإسلام وآدابه شيوع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين، ولكن شيوع هذه الآصرة لا يتم إلا في المسجد، فمن مظاهر ذلك أن يتلاقى المسلمون يومياً، على مرات متعددة في بيت من بيوت الله – تعالى – وقد تساقطت بينهم الفوارق، فالمسجد باجتماع المسلمين فيه يقضي على مرض التعالي والأثرة والأنانية، وقد  أبطل الإسلام  هذه الفوارق وهدمها، فعَنْ سَعْدٍ قَالَ:كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }(مسلم)

أيها المسجد يا مأوى الحنين          فيك يا مسجد فجر المؤمنيـــن

فيك أطيار الهدى قد سبَّحت       وسرى في قلبك الحب الدفين

وبلال الشوق نادى سَحَـراً          ادخلوها بســــــــــــــلامٍ آمـــــــــــــنين

أحبي في الله: هذه هي رسالة المسجد، والله لو أديت على أكمل وجه لصلح حال البلاد والعباد، ولعلنا نتساءل عن سر نجاح المسجد في أداء رسالته ومهمته في الصدر الأول؟!! نجد أن سر نجاحه يرجع أساساً إلى فهم المسلمين المستقيم لحقيقة وطبيعة الحياة الدنيا ولرسالة الإنسان فيها . فلم يحدث انفصام في شخصية المؤمن بين الدين والدنيا أو بين الروح والجسد أو بين المسجد والمجتمع، بل لقد عاش المسلمون الأول في سياج الإسلام بالمعنى الشامل فَعَلَت بهم راية الإيمان، ورفعوا منارة التوحيد ونشروا لواء العدل وجعلوا كلمة الله هي العليا، ومن أجل ذلك شرع الأذان ( الله أكبر الله أكبر ) النغمة العلوية التي تدوي في الآفاق كل يوم خمس مرات والتي ترتج لها أنحاء الوجود.

أمة الإسلام، حقًا والله، علينا أن نعيد للمسجد دوره، أن نعيد له رسالته، أن نعيد له مهمته وكيانه، والله ما ضعفت الأمة وما ذلت وما استكانت إلا يوم أن ضعفت مساجدها، مساجد اليوم لا يمكث فيها الناس أكثر من ساعة ونحوها، وثلاثة وعشرون ساعة قد عطل فيه المسجد ودوره، ونسيت وظيفته، إنها دعوة لكم جميعًا وبالأخص أئمة المساجد وطلاب العلم وممن له حظ ولو يسير فيه، اعمروا بيوت الله بالحلقات، للقرآن وللتعليم وللفقه وللتوحيد وغيرها، ليكن جماعة المسجد إخوة مترابطين متعاونين، بينهم لقاءات خير وبركة وتفقد وإعانة، قوموا بالواجب عليكم، أحيوا مساجدكم بعدما مات كثير منها، فقلما تسمع فيها حديثاً إلا في رمضان، وأحد عشر شهرًا يعلو سبات الغفلة أهل المسجد وإمامهم، أصلح الله الحال، وهدى القلوب، وأنقذها من الضلال، إنه سبحانه عزيز حكيم ذو العزة والجلال.

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »