أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل

خطبة بعنوان: المبادرة نحو القيم والأخلاق وخدمة المجتمع، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 ربيع الأول 1438هـ – 23 ديسمبر 2016م

خطبة بعنوان: المبادرة نحو القيم والأخلاق وخدمة المجتمع، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 ربيع الأول 1438هـ – 23 ديسمبر 2016م.

لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

 

 

ولقراءة الخطبة كما يلي: 

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: أزمة الأمة أزمةٌ أخلاقيةٌ

العنصر الثاني: وسائل اكتساب الأخلاق

العنصر الثالث: المبادرة والمسارعة إلى خدمة المجتمع

 المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: أزمة الأمة أزمةٌ أخلاقيةٌ

عباد الله: إن الأزمة في حياتنا المعاصرة أزمة أخلاق؛ لأن قوام الأمم بالأخلاق وضياعها بفقدانها لأخلاقها، قال الشاعر أحمد شوقي:

إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت …………فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وقال:                   وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم………. فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــاً وَعَـــــويــــلا.

وقال:                     صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ…………… فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ

إن الأزمة الأخلاقية تولَّدت واستفحلَتْ بسببِ عدم الخوف مِن الآخرة ونسيان الموت وما بعْدَه مِن عذاب القبْر أو ثوابه، ونسيان الحِساب والجنَّة والنار، فصار أكثرُ الناس لا يخافون الله ولا يستحيون منه، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ”(البخاري)؛ فاستطاع هؤلاء أن يَخدَعوا الناس ويتلاعَبون بهم بكلِّ سُهولة؛ ممَّا شجَّعهم على ممارسةِ المزيد مِن أصناف الأخلاق السيِّئة من قتل وإفساد وتخريب، وهم يظنُّون أنهم يحقِّقون إنجازاتٍ كبيرة، يستحقُّون الاحترام والتقدير عليها، خاصَّة في ظل سكوت الصالحين، وتشجيع المنتفِعين.

وإننا لو نظرنا إلى حياتنا المعاصرة لوجدنا انفصالا بين ما نقرأه ونتعلمه ونتعبد به ؛ وبين ما نطبقه على أرض الواقع؛ وسأحكي لكم قصة تدل على مدى الانفصام والانفصال بين النظرية والتطبيق: شاب يعمل في دولة أجنبية، فأعجبته فتاة أجنبية فتقدم لخطبتها وكانت غير مسلمة، فرفض أبوه لأنها غير مسلمة، فأخذ الشاب مجموعة من الكتب تظهر سماحة الإسلام وروحه وسلوكياته وأخلاقه ثم أعطاها لها، طمعاً في إسلامها والزواج منها، فطلبت منه مهلة شهرين تقرأ الكتب وتتعرف على الإسلام وروحه وأخلاقه وسماحته، وبعد انتهاء المدة تقدم لها فرفضته قائلة: لست أنت الشخص الذي يحمل تلك الصفات التي في الكتب، ولكني أريد شخصاً بهذه الصفات!!

فكلنا نقرأ في الأخلاق!! وكلنا نحفظ آيات وأحاديث في الأخلاق!! وكلنا نسمع صورا مشرقة من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين!! ولكن هل طبقنا ذلك عمليا؟!!

أحبتى في الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الهدف من بعثته هو غرس مكارم الأخلاق في أفراد المجتمع حيث قال:” إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ  الأخلاقِ” [البخاري في الأدب المفرد وأحمد والبيهقي والحاكم وصححه ووافق الذهبي ]. قال المناوي:  “أي أُرسلت لأجل أن أكمل الأخلاق بعد ما كانت ناقصة، وأجمعها بعد التفرقة.”

وقد وقف العلماء عند هذا الحديث قائلين: لماذا حصر النبي بعثته في مكارم الأخلاق مع أنه بعث بالتوحيد والعبادات وهي أرفع منزلة وأهم من الأخلاق؟!!

والجواب: أن التوحيد والعبادات شرعت من أجل ترسيخ مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع، فالغاية والحكمة الجليلة من تشريع العبادات هي غرس الأخلاق الفاضة وتهذيب النفوس؛ كما هو معلوم في الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها.

ولأهمية الأخلاق أصبحت شعاراً للدين ( الدين المعاملة ) فلم يكن الدين صلاة ولا زكاة ولا صوما فحسب.

قال الفيروز آبادي -رحمه الله تعالى-: “اعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق؛ زاد عليك في الدين”.

لذلك عد حسن الخلق من كمال الإيمان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا؛ وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا.” [صحيح سنن الترمذي للألباني]. قال المباركفوري: ” أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا “: لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان، ” وخياركم خياركم لنسائهم “: لأنهن محل الرحمة لضعفهن.

أيها المسلمون: إن صلاح الأخلاق عامل رئيس في قوام المجتمع وبنائه وصلاحه؛ فإذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والعدل والنصح أمن الناس وحفظت الحقوق وقويت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع وقلت الرذيلة وزادت الفضيلة وقويت شوكة الإسلام ، وإذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب والخيانة والظلم والغش فسد المجتمع واختل الأمن وضاعت الحقوق وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع وضعفت الشريعة في نفوس أهلها وانقلبت الموازين؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ؛ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ؛ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ؛ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ؛ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ؛ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ “. ( أحمد والطبراني وابن ماجة والحاكم وصححه)

أيها المسلمون: إن العامل الأكبر في انتشار الإسلام في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والسلف الصالح إنما هو مكارم الأخلاق الكريمة التي لمسها المدعون في هذا الجيل الفذ من المسلمين، سواء كانت هذه الأخلاق في مجال التجارة من البيع والشراء، مثل الصدق والأمانة؛ أو في مجال الحروب والمعارك، وفي عرض الإسلام عليهم وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو المعركة، أو في حسن معاملة الأسرى، أو عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان، هذه الأخلاق وغيرها دفعت هؤلاء الناس يفكرون في هذا الدين الجديد الذى يحمله هؤلاء، وغالبًا كان ينتهي بهم المطاف إلى الدخول في هذا الدين وحب تعاليمه، ومؤاخاة المسلمين الفاتحين في الدين والعقيدة!!

هذه الأخلاق أثارت إعجاب الباحث الفرنسي كليمان هوارت حيث يقول : “لم يكن محمدٌ نبياً عادياً ، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء ، لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه … نبي ليس عادياً من يقسم أنه “لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها” ! ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في مكارم الأخلاق لأصبح العالم مسلماً”

هذه هي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو المثل الأعلى في الأخلاق؛ شهد له ربه في علاه: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)؛ ولما سئلت أمنا عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه قالت: ” كان خلقه القرآن” ( مسلم ) ؛ فالإنسان لا يكسب قلوب الناس واستمالتهم بالغلبة أو القوة أو المنصب والجاه؛ وإنما بمكارم الأخلاق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إنَّكم لن تسَعوا النَّاسَ بأموالِكم؛ ولكن يسعُهم منكم بَسْطُ الوجهِ وحُسنُ الخُلُقِ.” [أبو يعلى والبزار بسند جيد].

العنصر الثاني: وسائل اكتساب الأخلاق

أحبتي في الله: قد يقول قائل: وكيف أكتسب تلك الأخلاق الحسنة وأطبقها؟!

 أقول: هناك وسائل لتحصيل حسن الخلق تتمثل فيما يلي:

أولاً:  الدعاء بحسن الخلق: كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك. :” وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ؛ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ” (الترمذي)، وكان من دعائه أيضا – صلى الله عليه وسلم- ” اللَّهمَّ حسِّن خُلُقي كما حسَّنتَ خَلْقي “. ( ابن حبان والبيهقى) ؛ كذلك كان صلى الله عليه وسلم  يستعيذ من سوء الخلق فكان يقول : ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ ” . ( أبو داود والنسائي)

لذلك اهتم الصحابة بحسن الخلق وطلبه من الله، فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ : بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : ” اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ” (شعب الإيمان للبيهقي)

ثانيا: صحبة الأخيار: فينبغي على المرء أن يحسن اختيار الصاحب، لأنه يكون على هديه وطريقته ويتأثر بأخلاقه، كما قيل: الصاحب ساحب، حتى لو أردت أن تعرف أخلاق شخصٍ فسأل عن أصحابه.

قال الشاعر:               عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينَهُ………….فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي

وقال آخر:                 واحـذرْ مُصاحبـةَ اللئيـم فـإنّـهُ ………… يُعدي كما يُعدي الصحيـحَ الأجـربُ

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ” [ أحمد وأبوداود والترمذي والحاكم وصححه ]. قال العلماء: يعني لا تخالل إلا من رضيت دينه وأمانته فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه ومذهبه، ولا تغرر بدينك ولا تخاطر بنفسك فتخالل من ليس مرضيا في دينه ومذهبه.

وقد صور النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فقال:” مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً”( متفق عليه ) يعني: هو مستفيد على كل حال، إما أن يعطيك، وإما أن يبيع لك، وإما أن يعلق فيك رائحة طيبة، كذلك الجليس الصالح: إما أن يأمرك بالخير، وإما أن ينهاك عن الشر، وإما أن يدعوك إلى الخير ويحضك عليه، فأنت مستفيد، كذلك جليس السوء إما أن يزهدك من الخير أو يرغبك في الشر، فأنت متضرر على كل حال.

حتى أن أثر الصحبة – صالحة أو طالحة – تعدَّى من عالم الإنسان إلى عالم الكلاب. قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } ( الكهف: 22) فقد استفاد الكلب من صحبة الأخيار، وهو الآن معروف أنه من أخس الحيوانات، ومع ذلك لما صاحب الأخيار صار له شأن وذكر معهم في القرآن وأصابه ما أصابهم،كما أن الكلب المعلم لما تعلم صار له ميزة وارتفع شأنه بالعلم، وصار يصيد بالتعليم، وله حكم يختلف عن بقية الكلاب، قال تعالى: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ } [المائدة:4]، حتى الكلاب إذا تعلمت صار لها شرف ومزية على غيرها.

ثالثاً: النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح والتأمل في مواقفهم الرائعة.  ولا سيما ونحن في ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم أن نتخلق بأخلاقه ونهتدي بهديه؛ وهذا هو الاحتفال الحقيقي به صلى الله عليه وسلم؛ وكذلك مطالعة أخبار الصالحين، وقراءة سير النبلاء الفاضلين من أهل الإسلام من العلماء والعُبّاد والقادة والمصلحين، والتأسي بهم والاقتداء بجميل خصالهم.

رابعاً: التفكر في ثواب حسن الخلق وما أعده الله من النعيم: فصاحب الخلق الحسن يكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ” [ أحمد والترمذي ]؛ وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ”[ أبوداود والبيهقي والطبراني ]؛ وعَنْ أَبِي الدرداء -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم ” مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ” ( أَبُو دَاوُدَ)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ:” تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ” وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ:” الْفَمُ وَالْفَرْجُ” [ أحمد والترمذي وابن حبان والبيهقي ].

خامساً: مخالطة الناس: ذلك أن المرء بالمخالطة يرى أصنافا من الناس وأنواعًا من الأخلاق؛ فيها الحسن وفيها السيئ، فما كان منها حسنا حاول أن يتأدب ويتخلق به، وما كان منها سيئا تنفر منه الطبائع والنفوس السليمة ابتعد عنه وحذره . وقد قيل لنبي الله عيسى – عليه السلام – وقد سئل: من أدبك؟ فقال عليه السلام: “رأيت جهل الجاهل شينًا فاجتنبته”. وروي أنه عليه السلام مر بقوم من بني إسرائيل فقالوا له شراً ، فقال خيراً، فقيل له: إنهم يقولون لك شراً وتقول خيراً؟! فقال لهم عليه السلام : كل واحد ينفق مما عنده !!

سادساً: تمرين النفس على فعل الأخلاق الحسنة بالتطبيق العملي واستفراغ الوسع على ترك الأخلاق السيئة. ومجاهدة النفس وحملها على التخلق بالأخلاق الحسنة؛ فيحمل الإنسان نفسه على الحلم والصبر والبشاشة على الدوام والاستمرار؛ حتى تعتاد نفسه ذلك، فتكون تلك الأخلاق الحسنة سجية دائمة؛ إذ كثيرا ما تكون الأخلاق تكلفا وتجملا في البداية، ثم تصير طبعا وسجية للنفس في النهاية.

أيها المسلمون: علينا أن نغير ما بأنفسنا من أخلاقٍ سيئة وأحقاد منتنة وأفكار عفنة متطرفة وقلوب متشاحنة؛ وصدق الله حيث يقول: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }. (الرعد: 11).

العنصر الثالث: المبادرة والمسارعة إلى خدمة المجتمع

عباد الله: ينبغي على كل فرد من أفراد المجتمع أن يبادر ويسارع إلى خدمة وطنه ومجتمعه وبني جنسه؛ ولنا القدوة في سلفنا الصالح – رضي الله عنهم – فقد كانوا دوما في سباق إلى الخيرات ومساعدة ذوي الحاجات والمعدمين؛ فهذا أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – الذي ما وَجَد طريقاً علِم أنَّ فيها خيرًا وأجرًا وخدمة للمجتمع إلاَّ سلَكها ومشَى فيها، فحينما وجَّهَ النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى أصحابِه بعضَ الأسئلةِ عن أفعالِ الخيرِ والخدمة اليومية لأفراد المجتمع، كان أبو بكرٍ الصديق هو المجيب، قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ” مَن أصبحَ مِنكُم اليومَ صائمًا؟ “، قال أبو بَكرٍ: أنا، قال: ” فمَن تَبِع مِنكم اليومَ جنازةً؟”، قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ” فمَن أَطْعَم منكم اليومَ مِسكينًا؟ “، قال أبو بكر: أنا، قال: ” فمَن عادَ مِنكم اليومَ مريضًا؟”، قال أبو بكر: أَنا، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ” ما اجْتمَعْنَ في امرئٍ إلاَّ دخَل الجَنَّةَ .”( أخرجه مسلم). كما كان أبو بكر رضي الله عنه له السبق؛ عندما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته أن يتصدقوا تطوعاً وخدمة لأفراد المجتمع، يقول عمر: ووافق ذلك عندي مالا فقلت : اليوم أسبق أبا بكر ، فجئته بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ، عندئذ قال عمر : لا أسبقه إلى شيء أبدا ” (رواه الترمذي)

وهذا الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي يسعى لخدمة العجزة والأرامل والمقعدين من أفراد المجتمع؛ فقد روى أبو نُعيم في «حلية الأولياء» أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل فرآه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: أنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع؟!

أخي المسلم: بادر بالخيرات؛ سابق إلى جنة عرضها الأرض والسماوات؛ سارع إلى بناء أسرتك ووطنك ومجتمعك بالأعمال الخيرية النافعة؛ فإذا سمِعتَ بمشروعٍ خيريٍ أو عمل فيه صدقة جارية, فحاول أن تساهمَ فيه ولو بالقليلِ، ولا تجعل الخيرَ يفوتك دون أن تشارك، فعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ:” إِذَا فُتِحَ لأَحَدِكُمْ بَابُ خَيْرٍ، فَلْيُسْرِعْ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عَنْهُ ” (رواه أبونعيم في الحلية), وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ ، مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ”.( ابن ماجة)

فسارع في الخيرات كما سارع أسلافك، وبادر إلى الطاعات كما بادروا، وقدم لنفسك كما قدموا؛ { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المزمل: 20].

أيها المسلمون: طرق الخير والنفع وخدمة المجتمع كثيرة متاحة للجميع، ولكن أين السالكون؟ وأين السائرون؟ أبواب البر متعددة، ولكن أين المسارعون إليها؟ وأين الطارقون لها؟ وليست الأعمال الصالحة هي: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، فقط، وإنما هي كثيرة متعددة:

  • زيارة المريض عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • إحسانك إلى جارك عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • قراءتك القرآن الكريم عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • إعطاؤك الفقراء والمساكين عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • إغاثتك الملهوف عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • إنصافك المظلوم عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • تربيتك لأبنائك وبناتك على منهج الله عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • إعمار المساجد عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • طلب العلم عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • إنجازك لعملك إن كنت موظفا عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • فصلك في الشكاوى المقدمة إليك إن كنت مديرا في مؤسسة أو رئيسا في مصلحة عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك.
  • قيامك بالواجب عليك في كل جانب من جوانب الحياة عمل صالح، فسارع إليه وبادر قبل أن يفوتك. قال الشاعر :

سابِق إلى الخير وبادِر بِهِ * * * فإن مِن خَلفك ما تَعلم

وقَدِّم الخير فُكُلّ امرئ * * * على الذي قَدَّمه يُقْدِم

واعلم أن حب الخير والمسارعة إليه وخدمة المجتمع سبب لقبول الدعاء , قال تعالى: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ؛ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 89 ؛ 90).

لذا فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :” اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ .” (أخرجه أحمد والتِّرمِذي)

يَـا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً * * * يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ

يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي * * * فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني

يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً * * * عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ

فبادر – أيها الحبيب – إلى الخيرات؛ وسارع إلى الصالحات, تبنى المجتمعات؛ وتنل البركات؛ وتستجاب منك الدعوات ؛وتفرج لك الكربات؛ وتنل المرضات من رب البريات .

الدعاء،،،،                                                            وأقم الصلاة،،،،                              

    كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

                                                                                                                                  د / خالد بدير بدوي   

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »