خطبة بعنوان: “الفرج بعد الشدة درسٌ من الإسراء والمعراج”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 من رجب 1438هـ – 21 إبريل 2017م
خطبة بعنوان: “الفرج بعد الشدة درسٌ من الإسراء والمعراج“، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 من رجب 1438هـ – 21 إبريل 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولتحميل وقراءة خطبة العام الماضي 10 دروس من الإسراء والمعراج للدكتور خالد بدير
ولقراءة الخطبة كما يلي:
العنصر الأول: الشدائد والابتلاءات سنة من سنن الله في الحياة
العنصر الثاني: الفرج بعد الشدة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
العنصر الثالث : الفرج بعد الشدة قصص وعبر
الدرس الرابع: إن مع العسر يسرا ومع الشدة فرجاً
المقدمة: أما بعد؛؛
العنصر الأول: الشدائد والابتلاءات سنة من سنن الله في الحياة
عباد الله: إن الله- عز وجل- خلقنا في هذا الكون للابتلاء والاختبار من خلال المصائب والشدائد والمحن؛ قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك: 2). وهذا الاختبار والامتحان يكون بالخير والشر: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }(الأنبياء: 35). فالعبد لا يخلو من حالين؛ سراء أو ضراء؛ وكلاهما ابتلاء واختبار ؛ ولا ينجح فيهما إلا المؤمن؛ فَعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ!! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ!! إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!! وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!!” (مسلم)؛ وفي ذلك يقول ابن القيم: ” الإيمان يبنى على الصبر والشكر, فنصفه صبر ونصفه شكر, فعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة إيمانه” ( الفوائد).
ولقد ضرب لنا الأنبياء عليهم السلام أروع الأمثلة في الصبر على الشدائد ولا سيما أولو العزم منهم؛ قال تعالى:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}(الأحقاف: 35)؛ وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
والناظر في حياة الأنبياء – عليهم السلام – وحياة الصالحين –رضي الله عنهم أجمعين – يجد أنها مملوءة بالشدائد والكرب والتي أُعقبت بالفرج واليسر والرخاء !!
فهذا يوسف لما صار في ظلامة الجب، ثم في ضيق السجن، كرباً على كرب، وهماً على هم، فماذا حصل بعد ذلك؟ تداركته رحمة الله عز وجل، فأخرجته من ظلامة الجب، ومن ضيق السجن إلى سعة الملك، وبسط في العيش، وجمع بأهله في حال الرخاء بعد الشدة!!
وهذا يعقوب عليه الصلاة والسلام: عمي من كثرة البكاء والحزن على فقد ولديه، وابيضت عيناه فهو كظيم، تداركته رحمة الله بعد سنوات من الشدة، ومفارقة الأولاد الأحباء إلى نفسه، فجمعهم الله سبحانه بهما على غير ميعاد منهما!!
وهذا يونس في بطن الحوت: لما نزل به البلاء دعا ربه في مكان ما دعا به أحد من الناس ربه، في جوف البطن المظلم، فاستجاب الله دعاءه!! قال تعالى: { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}.( الأنبياء : 87 ؛ 88 ).
وهذه حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مملوءة بالشدائد، والأهوال، والكرب، كما سيأتي مفصلاً في عنصرنا الثاني إن شاء الله.
وهذه عائشة رضي الله عنها: لما نزل بها من الضيق الشديد عندما اتهمها المنافقون، وردد ذلك معهم الذين لم يعوا الأمور من المسلمين، ولم يتثبتوا فيها، فاتهموا تلك المسلمة العفيفة، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنها قد وقعت في الفاحشة وهي منها بريئة، فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليها فلا يكلمها، ولا يتلطف معها كما كان يتلطف، واشتعلت الفتنة من حولها، والألسن تلوك في عرضها وهي البريئة، حتى بكت الدموع أياماً متواصلة، حتى انقطع دمعها، وكان لا يأتيها النوم، ثم جاءها فرج الله بتبرئتها من فوق السبع الطباق، وفرج الله همها، وأذهب كربها!! وأنزل في ذلك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة!!
وهؤلاء الثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله علي وسلم: الذين تخلفوا، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، بعد أن عزلهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن المجتمع المسلم، ونهى الناس عن تكليمهم، فصاروا غرباء في أهلهم وذويهم، حتى وصل الحال إلى أن أمر زوجاتهم بفراقهم، فصاروا كالمبتوتين من المدينة، الذين لا يتصل بهم أحد، ولا يكلمهم أحد، حتى نزل فرج الله سبحانه وتعالى بالتوبة عليهم، فوسع الله عليهم بعد أن كانوا في ضيق، ونفس عنهم بعد أن كانوا في كربة!! قال تعالى:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (التوبة: 118)
وهؤلاء الثلاثة من بني إسرائيل الذين دخلوا في الغار فانطبقت عليهم الصخرة: فرج الله سبحانه وتعالى عليهم بعد أن أيقنوا بالموت والهلاك!
وهذا إبراهيم وسارة: نجاهما الله من الجبار الكافر الذي أراد أن يأخذهما !!
وكل ما سبق له شواهده ونصوصه من القرآن والسنة لا يتسع المقام لذكرها !!
وهكذا كانت الشدائد والابتلاءات سنة من سنن الله في الحياة !!
العنصر الثاني: الفرج بعد الشدة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
عباد الله: إن حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مليئة بالشدائد والابتلاءات منذ أن جهر بدعوته إلى الله تعالى؛ فنحن نعلم أن الله أمره بالإسرار بالدعوة ثلاث سنوات؛ حتى أُمر بالجهر بالدعوة ؛ ومن وقتها توالت عليه صلى الله عليه وسلم الشدائد والابتلاءات؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا؛ فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ؛ يَا بَنِي عَدِيٍّ؛ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا؛ فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ؟! فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟! قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا!! قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } إلى آخرها. ( متفق عليه ). ولم يكتف أبو لهب بذلك؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي في الأسواق والطرقات ينادي قائلاً: أيها الناس قولوا لا إله الله تفلحوا ؛ وكان عمه أبو لهب يمشي خلفه ويقول: لا تصدقوه فإنه كاذب!! يقول ابن كثير: ” كان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له، والازدراء به، والتنقص له ولدينه.” وكانت نهايته مشينة؛ فقد هلك أبو لهب بعد وقعة بدر بسبع ليالي بمرض معد يسمى ( العدسة ) ؛ وبقى ثلاثة أيام لا يقربه أحد حتى أنتن، فلما خاف قومه العار حفروا له حفرة ودفعوه إليها بأخشاب طويلة غليظة حتى وقع فيها؛ ثم قذفوا عليه الحجارة حتى واروه فيها؛ ولم يحمله أحد خشية العدوى؛ فهلك كما أخبر عنه القرآن الكريم ومات شر ميتة!!
وأما زوجة أبي لهب فكانت شديدة الإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول: مُذَممًا أبَينَا ودينَه قَلَينا وَأمْرَه عَصَينا ؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنها لن تراني”. وقرأ قرآنا اعتصم به، كما قال تعالى: { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } [ الإسراء : 45 ] . فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم!! فقالت: يا أبا بكر، إني أخبرت أن صاحبك هجاني؟ قال: لا ورب هذا البيت ما هجاك!! فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها!! ولم تكتف بذلك بل كانت تحمل الشوك وتطرحه في طريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأنزل الله فيها : {وامرأته حمالة الحطب }.( تفسير ابن كثير).
ويحكى أنها كان لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت : واللات والعزى لأنفقها في عداوة محمد، فأعقبها الله حبلاً في عنقها من مسد جهنم؛ فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة حطب أعيت فقعدت على حجر لتستريح, فجذبها الملك من خلفها فأهلكها (خنقها الله بحبلها) فماتت شر ميتة؛ فكان الجزاء من جنس العمل؛ فضلا عن العقاب المعد لها في الآخرة !!
أيها المسلمون: ثم توالت الشدائد والابتلاءات في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كالسب والشتم والاتهام بالسحر والجنون وإلقاء القاذورات على ظهره وهو ساجد؛ وفرض الحصار عليه وصحابته الكرام ثلاث سنوات حتى أكلوا ورق الشجر ؛ ثم وفاة عمه أبي طالب وزوجه الحانية خديجة ؛ فاضطر إلى الذهاب للطائف لعله يجد استجابة وقبولاً ؛ فردوا عليه أقبح رد!! ” فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَ اللّهُ أَرْسَلَك ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَا وَجَدَ اللّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرَك! وَقَالَ الثّالِثُ: وَاَللّهِ لَا أُكَلّمُك أَبَدًا . لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنْ اللّهِ كَمَا تَقُولُ لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدّ عَلَيْك الْكَلَامَ وَلَئِنْ كُنْت تَكْذِبُ عَلَى اللّهِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلّمَك . فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَقَدْ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ: إذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنّي!” ؛ ثم سلطوا عليه الصبيان والغلمان يرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه!!
فرجع مهموماً مغموماً رافعاً أكف الضراعة إلى الله تعالى قائلاً: “اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك .” (سيرة ابن هشام ).
فكان ذلك أشد صور الإيذاء له صلى الله عليه وسلم. فَعَن عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: ” لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ “، قَالَ: ” فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ “، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»(متفق عليه).
ثم رجع إلى مكة بعد كل هذه الشدائد ليأتيه الفرج من الله برحلة الإسراء والمعراج!!
أحبتي في الله: بعد هذه الأجواء الكالحة ، والظروف الحرجة ، يمن الله عليه صلى الله عليه وسلم برحلة تاريخية لم ينل شرفها قبله نبي مرسل ولا ملك مقرب ؛ رحلة مباركة طيبة، بدأت بأقدس بقاع الأرض، وانتهت بأعلى طبقات السماء؛ وكأن الله عز وجل أراد أن يقول لحبيبه صلى الله عليه وسلم: يا محمد إذا كان أهل مكة آذوك وطردوك فإن رب البرية لزيارته يدعوك!!
فكانت رحلة الإسراء والمعراج؛ وبعد المحن تأتي المنح؛ وبعد الشدة الفرج ؛ وبعد العسر يسرا !!
يا محمد: لا تظن بأن جفاء أهل الارض يعنى جفاء أهل السماء!! يا محمد: إن الله يدعوك اليوم ليعوضك بجفاء أهل الأرض حفاوة أهل السماء!! حيث تبدأ تلك الرحلة الأرضية السماوية؛ وهذا هو الفرج العظيم الذى أزال عن النبي صلى الله عليه وسلم كل هم وغم مر به وأزاح عنه كل أذى أصابه؛ فأى خير وفضل وشرف وتكريم من أن يكون الحبيب ضيفا على الكريم.؟!!
تنكَّر له الخلقُ فاستقبله الخالقُ!! سدَّت في وجهه أبواب الأرضِ ففتحَت له أبوابُ السماء!! أدمته الحجارة الباغية فاستقبلته القبلات الحانية!! لم يسمعه الناسُ في الطائفِ فجمع اللهُ له الأنبياء والمرسلين في “بيت المقدس” فكان لهم قائدًا وإمامًا!!
فمِن زحمةِ الابتلاء ؛ كانت رحلة الإسراء مِنْحة واصطفاء، رحمةً واجتباء!!
العنصر الثالث : الفرج بعد الشدة قصص وعبر
عباد الله: تعالوا لنقف مع حضراتكم في هذا العنصر مع صور مشرقة لأناس كانوا في شدة وهم وكيف فرج الله كربهم وأزال همهم وغمهم؟!
ومن هذه الصور: الفرج بعد الشدة كان سبباً في إسلامها:
فعَنْ عَائِشَةَ ، ” أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا ، فَكَانَتْ مَعَهُمْ ، قَالَتْ : فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ ، قَالَتْ : فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا ، فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهُوَ مُلْقًى ، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ ، قَالَتْ : فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ ، قَالَتْ : فَاتَّهَمُونِي بِهِ ، قَالَتْ : فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا ، قَالَتْ : وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ مَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ ، قَالَتْ : فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ ، زَعَمْتُمْ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَهُوَ ذَا هُوَ ، قَالَتْ : فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ ، قَالَتْ : فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي ، قَالَتْ : فَلَا تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلَّا قَالَتْ : وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي. قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ لَهَا : مَا شَأْنُكِ لَا تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا ؟ قَالَتْ : فَحَدَّثَتْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ ” .( البخاري ). فهذه الوليدة كانت كافرة واتهمت وهي بريئة؛ فدعت الله فاستجاب دعاءها؛ فجاءها الفرج بعد الشدة؛ وكان ذلك سببا في إسلامها!! يقول الحافظ ابن حجر في الفتح: ” فيه فضل الهجرة من دار الكفر، وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرا؛ لأن في السياق أن إسلامها كان بعد قدومها المدينة”.
ومنها: فرج بعد كرب ومطر وجوع :
“فعن أبي قلابة المحدث، قال: ضقت ضيقة شديدة، فأصبحت ذات يوم، والمطر يجيء كأفواه القرب، والصبيان يتضوَّرون جوعاً، وما معي حبة واحدة فما فوقها، فبقيت متحيَّراً في أمري. فخرجت، وجلست في دهليزي، وفتحت بابي، وجعلت أفكر في أمري، ونفسي تكاد تخرج غماً لما ألاقيه، وليس يسلك الطريق أحد من شدة المطر، فإذا بامرأة نبيلة، على حمار فاره، وخادم أسود آخذ بلجام الحمار، يخوض في الوحل، فلما صار بإزاء داري، سلم، وقال: أين منزل أبي قلابة؟ فقلت له: هذا منزله، وأنا هو، فسألتني عن مسألة، فأفتيتها فيها، فصادف ذلك ما أحبّت، فأخرجت من خفّها خريطة، فدفعت إليّ منها ثلاثين ديناراً. ثم قالت: يا أبا قلابة، سبحان خالقك، فقد تنوق في قبح وجهك، وانصرفت.” (أخرجه التنوخي في الفرج بعد الشدة).
ومنها: حرّ العطش وبرد الفرج:
” قال أحد السلف: كنت في طريق الحجاز فعطش الناس في مفازة تبوك، فنفذ الماء ولم يوجد إلا عند صاحب لي جمّال، فجعل يبيعه بالدنانير بأرفع الأثمان فجاء رجل كان موسوماً بالصلاح عليه قطعة نطع يحمل ركوة، ومعه شيء من دقيق فتشفّع بي إلى الجمّال أن يبيعه الماء بذلك الدقيق، فكلّمته فأبى عليّ ثم عاودته فأبى. قال: فبسط الرجل النطع ونثر عليه الدقيق ثم رمق السماء بطرفه وقال: إلهي أنا عبدك وهذا دقيقك ولا أملك غيره، وقد أبى أن يقبله. ثم ضرب بيده النطع وقال: وعزّتك وجلالك لا برحت حتى أشرب! فوالله ما تفرقنا حتى نشأ السحاب وأمطر في الحين فشرب الماء ولم يبرح.” (سراج الملوك – الطرطوشي ).
ومنها: دعاء مسبّب الأسباب:
” فقد أصاب الفقر والحاجة شيخ القراء في زمانه عاصم بن أبي إسحاق، فذهب إلى بعض إخوانه فأخبره بأمره، فرأى في وجهه الكراهة، فضاق صدره وخرج لوحده إلى الصحراء، وصلى لله ما شاء الله تعالى، ثم وضع وجهه على الأرض، وقال: يا مسبّب الأسباب! يا مفتَّح الأبواب! ويا سامع الأصوات! يا مجيب الدعوات! يا قاضي الحاجات! اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمّن سواك، يلح على الله بهذا الدعاء- حتى قال: فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعة بقربي، فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيساً أحمر، فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانون ديناراً وجوهراً ملفوفاً في قطنة، فبعت الجواهر بمال عظيم واشتريت منها عقاراً، وحمدت الله تعالى على ذلك.” (فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب/ محمد عويضة).
ومنها: إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء:
” فعن أصبغ بن زيد قال: مكثت أنا ومن عندي ثلاثاً لم نطعم شيئا –أي: من الجوع- فخرجت إلي ابنتي الصغيرة وقالت: يا أبتِ! الجوع! –تشكو الجوع- قال: فأتيت الميضأة، فتوضأت وصليت ركعتين، وأُلهمت دعاء دعوت به، في آخره: اللهم افتح عليّ منك رزقاً لا تجعل لأحد عليّ فيه مِنَّةً، ولا لك عليّ في الآخرة فيه تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين! ثم انصرفت إلى البيت، فإذا بابنتي الكبيرة وقد قامت إليّ وقالت: يا أبه! جاء رجل يقول إنّه عمي بهذه الصرة من الدراهم وبحمّال عليه دقيق، وحمّال عليه من كل شيء في السوق، وقال: أقرئوا أخي السلام وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء، تأتك حاجتك، قال أصبغ بن زيد: والله ما كان لي أخ قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير.!!”. ( المستغيثين بالله تعالى عند المهمّات والحاجات – ابن بشكوال ).
ومنها: تدلُّ العبادَ على الله ثم تنساه؟!:
” فعن شقيق البلخي قال: كنت في بيتي قاعداً فقال لي أهلي: قد ترى ما بهؤلاء الأطفال من الجوع، ولا يحل لك أن تحمل عليهم ما لا طاقة لهم به، قال: فتوضأت وكان لي صديقٌ لا يزال يقسم علي بالله إن يكن بي حاجة أعلمه بها ولا أكتمها عنه، فخطر ذكره ببالي، فلما خرجت من المنزل مررت بالمسجد، فذكرت ما روي عن أبي جعفر قال: من عرضتْ له حاجة إلى مخلوق فليبدأ فيها بالله عز وجل، قال: فدخلت المسجد فصليت ركعتين، فلما كنت في التشهد، أفرغ عليَّ النوم، فرأيت في منامي أنه قيل: يا شقيق! أتدل العباد على الله ثم تنساه؟! قال: فاستيقظت وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني به ربي، فلم أخرج من المسجد حتى صليت العشاء الآخرة، ثم تركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على الله، وانصرفت إلى المنزل فوجدت الذي أردت أن أقصد قد حركه الله وأجرى لأهلي على يديه ما أغناهم”.(مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي؛ وذكره ابن بشكوال في المستغيثين بالله ).
ومنها: استغاث بالله فأغاثه:
” كان رجلٌ من العباد مع أهله في الصحراء في جهة البادية، وكان عابداً قانتاً منيباً ذاكراً لله، قال: فانقطعت المياه المجاورة لنا وذهبت ألتمس ماء لأهلي، فوجدت أن الغدير قد جفّ، فعدت إليهم ثم التمسنا الماء يمنة ويسرة فلم نجد ولو قطرة وأدركَنا الظمأُ، واحتاج أطفالي إلى الماء، فتذكرت رب العزة سبحانه القريب المجيب، فقمت فتيممت واستقبلت القبلة وصليت ركعتين، ثم رفعت يديّ وبكيت وسالت دموعي وسألت الله بإلحاح وتذكرت قوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} قال: والله ما هو إلا أن قمت من مقامي وليس في السماء من سحاب ولا غيم، وإذا بسحابة قد توسّطت مكاني ومنزلي في الصحراء، واحتكمت على المكان ثم أنزلت ماءها، فامتلأت الغدران من حولنا وعن يميننا وعن يسارنا فشربنا واغتسلنا وتوضأنا وحمدنا الله سبحانه وتعالى، ثم ارتحلت قليلاً خلف هذا المكان، وإذا الجدب والقحط، فعلمت أن الله ساقها لي بدعائي، فحمدت الله القائل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}.( الشورى: 27).” (فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب/ محمد عويضة).
وهكذا – أيها المسلمون – كان الفرج بعد الشدة ؛ فعلينا أن نعلق قلوبنا بربنا ونحسن الظن به سبحانه فإن مع العسر يسرا ؛ وهذا ما سنعرفه بالتفصيل في عنصرنا التالي إن شاء الله تعالى.
الدرس الرابع: إن مع العسر يسرا ومع الشدة فرجاً
عباد الله: كل منا يمر بشدائد ومحن؛ شدائد متنوعة ومتفرقة ومختلفة؛ فمنكم من يمر بشدة اجتماعية؛ وآخر يمر بشدة اقتصادية؛ وثالث يمر بشدة نفسية؛ ورابع يمر بشدة مرضية …………إلخ. كل هذه الشدائد والمحن بعدها فرج قريب؛ فبعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ريّ، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضالّ، ويفكّ العاني، وينقشع الظلام { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } (المائدة: 52).
بشّر الليل بصبح صادق سوف يطارده على رؤوس الجبال ومسارب الأودية، بشّر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشّر المنكوب بلطف خفيّ وكفّ حانية وادعة؛ صبح المهمومين والمغمومين لاح، فانظر إلى الصباح وارتقب الفتح من الفتّاح، إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد، فاعلم أن وراءها رياضاً خضراء وارفة الظلال؛ وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم أنه سوف ينقطع. مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة. فلا تضق ذرعاً، فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج، الأيام دول، والدهر قُلّب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، وإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”يَا غُلامُ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ بِاللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلائِقَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُعْطُوكَ شَيْئًا لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، أَوْ يَصْرِفُوا عَنْكَ شَيْئًا أَرَادَ أَنْ يُصِيبَكَ بِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ جَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ.”( الطبراني والحاكم بسند صحيح)
دع المقادير تجري في أعنتها….. ولا تبيتن إلا خالي البال
ما بين غمضة عين وانتباهتها….. يغير الله من حال إلى حال
يقول بعض المؤلفين: إن الشدائد – مهما تعاظمت وامتدت- لا تدوم على أصحابها، ولا تخلد على مصابها، بل إنها أقوى ما تكون اشتداداً وامتداداً واسوداداً، أقرب ما تكون انقشاعاً وانفراجاً وانبلاجا، عن يسر وملاءة، وفرج وهناءة، وحياة رخيَّة مشرقة وضّاءة، فيأتي العون من الله والإحسان عند ذروة الشدة والامتحان، وهكذا نهاية كل ليل غاسق فجر صادق.
يا صاحب الهم إن الهم منفرج ********* أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيـــــــــــــاناً بصاحبه ******** لا تيــــــــأسنّ فإن الـــــــــكافي الله
الله يحـــــدث بعـــد العسر ميسرة ******** لا تجــــــــزعن فان الصانع الله
إذا ابتليت فثــــــق بالله وارض به ******* إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله مــــــــــالك غير الله من أحد******* فحـسبك الله في كـــــــــــــــــلٍ لك الله
أحبتي في الله: إن هذه الأيام أيام الصبر؛ تحتاج منكم الصبر على الشدائد؛ يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الْمُتَمَسِّكُ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَهُ كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ”قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ:”بَلْ مِنْكُمْ”قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ:”لا، بَلْ مِنْكُمْ”ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَوْ أَرْبَعًا . (الطبراني). وفي رواية:” إنكم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون.”
فإذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضف إليه حفنة من سكر، وإذا أهدى لك ثعباناً فخذ جلده الثمين واترك باقيه، وإذا لدغتك عقرب فاعلم أنه مصل واق ومناعة حصينة ضد سم الحيات؛ تكيف في ظرفك القاسي، لتخرج لنا منه زهراً وورداً وياسميناً، { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19).
اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، ويسر أمور المسلمين، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، ومن كل مرض شفاء، ومن كل دين وفاءً، ومن كل حاجة قضاءً، ومن كل ذنب مغفرة ورحمة.
الدعاء،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي