خطبة بعنوان:”مصر كنانة الله في أرضه “، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 11 صفر 1438، الموافق 11 نوفمبر 2016هـ
خطبة بعنوان:”مصر كنانة الله في أرضه “، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 11 صفر 1438، الموافق 11 نوفمبر 2016هـ.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين .. يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ولك الحمد حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه .. وأشهد أن سيدننا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه القائل :” إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لها ذمة ورحما أو قال ذمة وصهرا فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها . قال فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها . ( مسلم). اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلي آلك وصحبك الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد
فيا جماعة الإسلام .
فضل الله مصر على سائر البلدان، كما فضل بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضل على ضربين: في دين أو دنيا، أو فيهما جميعاً، وقد فضل الله مصر وشهد لها في كتابه بالكرم وعظم المنزلة وذكرها باسمها وخصها دون غيرها، وكرر ذكرها، وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، تنبئ عن مصر وأحوالها، وأحوال الأنبياء بها، والأمم الخالية والملوك الماضية، والآيات البينات، يشهد لها بذلك القرآن، وكفى به شهيداً، ومع ذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في مصر وفي عجمها خاصة وذكره لقرابته ورحمهم ومباركته عليهم وعلى بلدهم وحثه على برهم ما لم يرو عنه في قوم من العجم غيرهم، وسنذكر ذلك إن شاء الله في موضعه مع ما خصها الله به من الخصب والفضل وما أنزل فيها من البركات وأخرج منها من الأنبياء والعلماء والحكماء والخواص والملوك والعجائب بما لم يخصص الله به بلداً غيرها، ولا أرضاً سواها، فإن ثرب علينا مثرب بذكر الحرمين، أو شنع مشنع، فللحرمين فضلهما الذي لا يدفع، وما خصهما الله به مما لا ينكر من موضع بيته الحرام، وقبر نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس ما فضلهما الله به بباخس فضل مصر ولا بناقص منزلتها، وإن منافعها في الحرمين لبينة لأنها تميرهما بطعامها وخصبها وكسوتها وسائر مرافقها، فلها بذلك فضل كبير، ومع ذلك فإنها تطعم أهل الدنيا ممن يرد إليها من الحاج طول مقامهم يأكلون ويتزودون من طعامها من أقصى جنوب الأرض وشمالها ممن كان من المسلمين في بلاد الهند والأندلس وما بينهما، لا ينكر هذا منكر، ولا يدفعه دافع، وكفى بذلك فضلا وبركة في دين ودنيا.
مصر الكنانة ما هانت على أحد*** الله يحرســها عطفــا ويرعــاها .
ندعوك يارب أن تحمى مرابعها*** فالشمس عين لها والليل نجواها .
والسنبلات تصلى فى مزارعها ***والعطر تسبيحها والقلب مرعاها.
*مصــر في القرآن الكريم :
أخوة الإيمان والإسلام :إن مصر لها مكانة عظيمة في الإسلام؛ ولذلك ذكرت في القرآن أكثر من ثمان وعشرين مرة تصريحاً وتلميحاً وتعريضاً منها خمس مرات صراحة،قال تعالى: “اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ”(البقرة/61).وقال تعالي :”وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً”(يونس/87). :”وقال تعالي :” وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا (يوسف/21). وقال تعالي:”ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ”(يوسف/99(. وقال تعالي:” :” أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ”(الزخرف/51).
وقد أشار القرآن ضمنا إلى مصر في كثير من الآيات منها قوله تعالى: “وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ” (يونس/93.(المقصود هنا مصر، وقوله عز وجل: “وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ”(المؤمنون/50).قال ابن عباس وسعيد بن المسيب ووهب بن منبه وغيرهم: هي مصر، وقوله تعالى: “فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ”(الشعراء/ 57-58). وقوله تعالى: “وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا”(الأعراف/137). يعني مصر، وقوله تعالى: “كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ”(الدخان/ 25-26). يعني قوم فرعون الذين سكنوا مصر ثم تركوها بعد هلاكهم.
وفي مصر مشاهد تاريخية تفيض بالذكريات الغالية، مثل نهر النيل المبارك، وطور سيناء الذي كلم الله فيه موسى تكليمًا، فمصر على أرضها ولد موسى وهارون عليهما السلام، وعاش على أرضها إبراهيم وتزوج منها، ودخلها نبي الله يعقوب عليه السلام وأولاده الأحد عشر وسبقهم إليها نبي الله يوسف عليه السلام، وقدم إليها نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام.
*مصر في السنة النبوية المطهرة:
أخوة الإيمان والإسلام :ولمكانة مصر الكبيرة فقد أوصى بها الرسول صلي الله عليه وسلم حيث قال فيما روي عن أبي ذر رضي الله عنه: “إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يُسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحمًا أو قال ذمة وصهرًا…”(مسلم). ، فالرحم هي أمنا هاجر زوجة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وأم أبينا إسماعيل عليه السلام، أما الصهر فهي السيدة “مارية القبطية” التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنجبت له ابنه إبراهيم الذي سماه على اسم أبي الأنبياء الخليل إبراهيم، كي يعلمنا رسولنا الكريم مدى احترام الإسلام لشتى الديانات وسائر الأنبياء ومذكرًا النصارى بإبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء بمن فيهم ني الله عيسى ابن مريم عليه السلام.
وما ورد في حقها من الأحاديث النبوية فقد روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، “إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحماَ فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها“( صححه الألباني). وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لها ذمة ورحما أو قال ذمة وصهرا فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها . قال فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها . ( مسلم).
وعنه صلي الله عليه وسلم ، أنه قال: ” إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض ” فقال له أبو بكر رضي الله عنه: “ولم ذلك، يا رسول الله؟ فقال: ” لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة “.( ابن عبد الحكم والدا رقطني وابن زولاق وابن عساكر وصاحب كنز العمال ). وعنه صلي الله عليه وسلم ، ، وذكر مصر: ” ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤونته ” .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما: أهل مصر أكرم عاجم كلها، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً، وأقربهم رحماً بالعرب عامة، وبقريش خاصة.
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنكم ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم، فاستوصوا بهم، فإنه قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله” (صحيح ابن حبان). يعني قبط مصر، وقال أيضاً: “الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله“.
ومن هنا لا بد أن نحرص على حماية هذا الوطن الغالي، فحب الوطن وحمايته والحفاظ عليه من الإسلام، ولا تعارض أبدًا بين هذه الوطنية والإسلام، فقد خاطب رسولنا الكريم مكة قائلا لها: “والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله، وإنك لأحب البلاد إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجْتُ”الطبراني وغيره). وهو ما يدل على حبه عليه والصلاة والسلام لوطنه الغالي مكة، اللهم اجعل هذا البلد آمنا سالما وقِهِ وأهلَه شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
*فتح مصــر:
وكان فتح مصر يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين من الهجرة. وقال ابن كثير في تاريخه: قال محمد بن إسحاق: فيها يعني سنة عشرين من الهجرة كان فتح مصر. وكذا قال الواقدي: إنها فتحت هي والإسكندرية في هده السنة. وقال أبو معشر: فتحت مصر سنة عشرين والإسكندرية في سنة خمس وعشرين.
*ذكر مصــر وفضلها على غيرها من الأمصار:
أخوة الإيمان والإسلام :
وأما ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار وما خصت به وأوثرت به على غيرها، فروى أبو بصرة الغفاري قال: مصر خزانة الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام.” : قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ “(يوسف/55). . وجاء في التوراة مكتوب: مصر خزائن الأرض كلها، فمن أراد بها سوءاً قصمه الله.
ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كل حاضر وباد من جميع الأرض.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أهل مصر أكرم عاجم كلها، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً، وأقربهم رحماً بالعرب عامة، وبقريش خاصة.وقال وهو يصفها لعمر بن الخطاب :” مصر درة ياقوته لو استخرج السلطان كنوزها لكفت الدنيا بأسرها” :”ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة.
وقال أيضا: لما خلق الله آدم، مثل له الدنيا: شرقها وغربها وسهلها وجبلها وأنهارها وبحارها وعامرها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم،. ومن يملكها من الملوك؛ فلما رأى مصر، رآها أرضاً سهلة ذات نهر جارٍ، مادته من الجنة تنحدر فيه البركة، ورأى جبلاً من جبالها مكسواً نوراً لا يخلو من نظر الرب عز وجل إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة تسقى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات؛ قال: يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسكة، تدفن فيها عرائس الجنة، أرض حافظة مطبقة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظة، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض مصر، فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلاً كثر الله رزقك، ودر ضرعك، وزكا نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولازال فيك يا مصر خير ما لم تتجبري وتتكبري أو تخوني فإذا فعلت ذلك، عراك شر ثم يغور خيرك. فكان عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والرأفة والبركة.
وقال كعب الأحبار: لولا رغبتي في بيت المقدس لما سكنت إلا مصر، فقيل له: ولم؟ قال: لأنها معافاة من الفتن، ومن أراد بها سوءاً كبه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
وروى ابن يونس عنه قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة فلينظر إلى مصر إذا زخرفت، وفي رواية: إذا أزهرت.وروى ابن يونس بإسناده إلى أبي بصرة الغفاري قال: سلطان مصر سلطان الأرض كلها.
*من ذكرهم الله تعالى في كتابه من أهل مصر
أخوة الإيمان والإسلام :
وممن ذكرهم الله تعالى في كتابه من أهل مصر، رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه.
قال تعالى: “وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ”(غافر/28).
ومنهم قارون، وكان ابن عم موسى: قال الله تعالى:”إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ”(القصص/76) .وكان قارون أيسر أهل الدنيا.
ومنهم: هامان، قال تعالى: “وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ”(غافر/36).
ومنهم فيما يقال: الخضر عليه السلام، وروى بعض أهل العلم أنه ابن فرعون موسى لصلبه، وكان آمن بموسى، وجاز البحر معه، وكان مقدما عنده، وكان نبياً.
ومنهم: وزراء فرعون وجلساؤه، ذكر الله تعالى عنهم في كتابه حسن المحضر ورجاحة العقل، قال تعالى حكاية عن فرعون:” قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ”(الشعراء/34-37).
فهل في الدنيا جلساء ملك أرجح عقلا وأحسن محضرا منهم؟ حيث أنصفوا، وأمروا أن يمتحن بمثل ما وقع لهم أنه يشبه ما جاء به، ولم يكونوا في المنزلة وقبح المحضر كوزراء نمرود، حين شاورهم في إبراهيم عليه السلام.
قال تعالى حكاية عنهم:”قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ”(الأنبياء/68).
ذكر الله عز وجل ذلك عنهم في كتابه العزيز.
ومنهم: السحرة الذين تجمعوا لموسى حين رأوا آيات موسى لم يصروا على الكفر، ولم يلبثوا أن آمنوا وسجدوا لله عز وجل.
قال تعالى في كتابه: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ “(الشعراء/46-48).وفي آيات كثيرة كرر ذكرهم وأثنى عليهم.
” فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا”(طه/72).
وروى ابن لهيعة.. : كان عدد السحرة اثني عشر ساحراً تحت يدي كل ساحر منهم عشرون عريفا. تحت يدي كل عريف منهم ألف من السحرة فكان جميع السحرة مائتي ألف وأربعين ألفا ومائتين واثنين وخمسين إنسانا بالرؤساء والعرفاء.
*دعاء الأنبياء لمصر وأهلها:
أخوة الإيمان والإسلام : كتب رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى جماعة من الملوك منهم هرقل، فما أجابه أحد منهم، وكتب إلى المقوقس صاحب مصر فأجابه عن كتابه جواباً جميلاً، وأهدى إليه ثياباً وكراعاً وجارتين من القبط؛ مارية وأختها وأهدى إليه عسلا فقبل هديته، وتسرى مارية، فأولدها ابنة إبراهيم، وأهدى أختها لحسان ابن ثابت فأولدها عبد الرحمن بن حسان.وروي أنه دعا لبنها، فقال: ” اللهم بارك في بنها وفي عسلها ” فعسلها إلى يومنا هذا خير عسل مصر.
وقال عبد الله بن عباس: دعا نوح عليه السلام لابنه بيصر بن حام – وهو أبو مصر الذي سميت مصر على اسمه – فقال: اللهم إنه قد أجاب دعوتي، فبارك فيه وفي ذريته، وأسكنه الأرض الطيبة المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد، ونهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض، وذللها لهم، وقوهم عليها، وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما: لما قسم نوح عليه السلام الأرض بين ولده، جعل لحامٍ مصر وسواحلها والغرب وشاطىء النيل، فلما قدم بيصر بن حام وبلغ العريش، قال: ” اللهم إن كانت هذه الأرض التي وعدتنا على لسان نبيك نوح وجعلتها لنا منزلاً فاصرف عنا وباها، وطيب لنا ثراها، واجمع ماها، وأنبت كلاها، وبارك لنا فيها، وتمم لنا وعدك؛ إنك على كل شيء قدير، وإنك لا تخلف الميعاد ” وجعلها بيصر لابنه مصر وسماها به. يأتي ذكر ذلك عند ذكر من ملك مصر قبل الإسلام في هذا المحل إن شاء الله تعالى. والقبط ولد مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام.
*من صاهر القبط من الأنبياء: أخوة الإيمان والإسلام :
ويكفي المصريين شرفاً وفخراً أن خير الأنبياء والمرسلين مطلقاً محمداً وإبراهيم – عليهما أفضل الصلوات والتسليم- كان تحتهما مارية وهاجر المصريتان، فأنجبت الأولى إبراهيم عليه السلام، وأنجبت الأخرى إسماعيل –عليه السلام- وهو جد نبينا صلي الله عليه وسلم فما أحسن هذا وما أعظمه. وصاهر القبط من الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، بتسريه هاجر أم إسماعيل عليهما السلام.وحَقٌّ على المصريين أن يفخروا بأن هاجر قد خَلّد الله سعيها بين الصفا والمروة جزاء طاعتها إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- وأوجب على كل رسول ونبي وسائر مَن حج البيت الحرام أن يسعى سعيها ويجهد جهدها, فما أعظم هذا وما أحسنه.
ولو لم يكن للمصريين فخر وشرف إلا أن هاجر هي جدة النبي الأعظم المفخّم المكرّم محمد صلى الله عليه وسلم لكان هذا كافيَهم، ولذلك قال فيها أبو هريرة رضي الله عنه: “تلك أمكم يا بني ماء السماء” أي العرب. وقيل إن يوسف –عليه السلام- صاهر إليهم أيضاً. ويوسف بتزوجه بنت صاحب عين شمس التي ذكرها الله في كتابه، فقال تعالى: ” وغلقت الأبواب وقالت هيت لك ” .ومحمد صلى الله عليه وسلم بتسريه مارية.
*نساء مصريات عظيمات :
ومن المصريات العظيمات أم موسى – عليه الصلاة والسلام– وقيل بنبوتها.
و آسية امرأة فرعون التي ضربها الله -سبحانه وتعالى– مثلاً في كتابه للمؤمنين وأثنى عليها، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها إحدى كوامل النسوة -رضي الله عنها- وقيل بنبوتها.
ومرت سارة زوج الخليل صلى الله عليه وسلم بمصر، ولها قصة فيها وردت فى صحيح الإمام البخاريومن المصريات الجليلات ماشطة فرعون وابنها الذي تكلم في المهد، ولها وله قصة جليلة رائعة.
*من كان بمصر من الأنبياء:
أما أهل مصر فيكفيهم شرفاً وفخراً سكنى الأنبياء بين ظهرانيهم ومرورهم ببلادهم وأما من كان بها من الأنبياء عليهم السلام،فنبي الله إدريس ..ونبي الله إبراهيم الخليل، وإسماعيل ويعقوب، ويوسف. واثنا عشر نبياً من ولد يعقوب وهم الأسباط وموسى وهارون ويوشع بن نون، وعيسى بن مريم، ودانيال، عليهم الصلاة والسلام. فهذا ما ذكر: من كان بها قبل الإسلام. ودخلها من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين: يعقوب وأولاده، وهم: يوسف، ويهوذا، وروبيل، ولاوي، وزبالون، وشمعون، ويشحر، ود نيا، ودانا، وديفتابيل، وجاد، وبنيامين. ودخلها موسى وهارون؛ وبها ولد عيسى ابن مريم.
*من دخل مصر من الصحابة:
أخوة الإيمان والإسلام :ودخل مصر من الصحابة ممن تقدم ذكرهم في فتح مصر وغيرهم جماعة: كما ورد في كتاب فضائل مصر المحروسة :ذكر أهل العلم والمعرفة والرواية أنه دخل مصر في فتحها ممن صحب رسول الله صلي الله عليه وسلم مائة رجل ونيف. وقال يزيد بن أبي حبيب: وقف على إقامة قبلة المسجد الجامع ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم .منهم الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وفضالة بن عبيد، وعقبة بن عامر وأبو ذر ومحمية بن جزء ونبيه بن صؤاب، ورافع بن مالك، وربيعة بن شرحبيل بن حسنة، وسعد بن أبي وقاص وعمرو ابن علقمة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وخارجة بن حذافة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأبو رافع مولى رسول الله صلي الله عليه وسلم ومحمد بن مسلمة، ومسلمة بن مخلد، وأبو أيوب ورويفع بن ثابت، وهبيب بن مغفل، وكعب بن ضنة، ومعاوية بن حديج، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة وغيرهم.
*من كان بمصر من الفقهاء والعلماء:
وأما من كان بها من الفقهاء والعلماء، فمنهم: يزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد، وله مذهب انفرد به. وهو الذي أخرج الرشيد من يمينه التي عجز عنها فقهاء الدنيا، ومنهم عبد الله بن وهب يفوق بتصنيفه جماعة من الفقهاء المصنفين، وله من تصنيفه نحو مائة جزء، ومنهم عبد الله بن لهيعة، له منزلة في الفقه والحديث والأخبار، ومنهم أشهب، وابن القاسم وعبد الله بن عبد الحكم، وأسد بن موسى، ومحمد بن عبد الحكم، والمزنى، والربيع المؤذن، وأحمد بن سلامة الطحاوي، وكل واحد منهم قد برع في مذهبه، ونجم على أهل عصره، ولكل واحد منهم من الكتب المصنفة ما يعجز عن نظيرها أهل النيا. ومنهم سعيد بن عفير، ويحيى بن عثمان، وابن قديد، ومحمد بن يوسف الكندي، والميسرى، وابن أبي خيثمة، وكل واحد منهم قد فاق أهل عصره وبرز عليهم في الفقه والعلم والأخبار وأيام الناس والافتنان في سائر العلوم.
*من دخل مصر من الفقهاء وغيرهم.
وأما من دخلها من الفقهاء وغيرهم، فالشعبي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومحمد بن إسماعيل بن علية، والشافعي، وحفص الفرد وإبراهيم بن أدهم، ومنصور بن عمار المتكلم.
*من كان بمصر من الزهاد:
وكان بها من الزهاد، حيوة بن شريح، وسليم بن عتر، وسليمان بن القاسم، وأبو الربيع الزبدي، وسعيد الأدم، وإدريس الخولاني وذو النون المصري وغير من ذكرناهم، ونشأ بينهم هانئ ابن المنذر. وشاعرهم: حبيب بن أوس الطائي. وفارسهم: مالك بن ناعمة، فارس الشقر. ومتكلمهم: غيلان أبو مروان، رئيس الغيلانية.
*من ولد بمصر من الخلفاء:
وولد بها من الخلفاء، عمر بن عبد العزيز، وجعفر المتوكل على الله.
*من دخل مصر من الخلفاء:
ودخلها من الخلفاء معاوية، ومروان بن الحكم، وعبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، ومروان بن محمد، والسفاح، والمنصور، والمأمون، والمعتصم، والواثق.
*ودخل مصر من الشعراء:
نصيب، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعبيد الله بن قيس الرقيات، والأحوص وعبد الله بن الزبير، وأبو ذؤيب، ومعلى الطائي، وأبو نواس، ودعبل بن علي الخزاعي، والغيداق، وزبدة، وأبو صعصعة، وأبو حجلة وأبو نجاد، وابن حذار، والحسين الجمل، وغير من ذكرناهم.
*أقباط مصــر:
أخوة الإيمان والإسلام : ولم يكتفِ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمدح مصر وأهلها؛ بل أمر بالإحسان حتى إلى أقباطها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “اللهَ اللهَ في قبطِ مصرَ! فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عُدة وعونًا في سبيل الله”. رواه الطبراني وصححه الألباني.
قد وصى رسولنا الأعظم رسول الله صلي الله عليه وسلم بأهل مصر خيراً فقال بأبي هو وأمي: “إذا فتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً”، والرحم لأن أم إسماعيل وهاجر من القبط، وفي لفظ: “فإن لهم ذمة وصهراً”، والصهر لأن مارية أم إبراهيم -رضي الله عنه-منهم، والذمة: هي الحُرمة والأمان.ولذلك قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قبط مصر أخوال قريش مرتين. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : “أحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً“.
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : “اللهَ اللهَ في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعواناً في سبيل الله”.وكل هذه أحاديث صحيحة إن شاء الله تعالى.
وأجمعت الرواة على أنه لا يعلم جماعة أسلمت في ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط، وروى أنه لم يفتتن رجل واحد منهم كما افتتن بنو إسرائيل بعبادة العجل.
وروى أن عبد الله بن عمر وقال: القبط أكرم الأعاجم محتداً، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً، وأقربهم رحماً بالعرب كافة، وبقريش خاصة. والقبط ولد مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام.
وروى عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال حين مات ابنه إبراهيم: ” لو عاش كان صديقا نبيا، وإن له لمرضعتين في الجنة، ولو عاش لعتقت القبط وما استرق أحد منهم أبدا ” .
وقد سجل التاريخ أن الأقباط قد ساعدوا المسلمين علي فتح مصر ورحبوا بهم لإنقاذهم من الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له علي أيدي الرومان ,وقد بادر عمرو بن العاص إلي إعادة البابا (بنيامين بطريرك الأقباط)إلي كرسيه بعد أن ظل هارباَ من الرومان في الصحراء لمدة اثني عشر عاماَ,كما أعاد للأقباط كنائسهم التي اغتصبها الرومان ,وخطب في أول جمعة صلاها بجامعه بالفسطاط قائلاَ:استوصوا بمن جاوركم من القبط خيراَ,فإن لكم فيهم ذمة وصهراَ,فكفوا أيديكم وعفوا ,وغضوا أبصاركم “.
ومنذ التقاء الإسلام والمسيحية علي أرض مصر ,عاش المسلمون والأقباط كأسرة كبيرة واحدة يسودها الحب والوفاء والإخلاص في كل مناحي الحياة ,وذلك باستثناء بعض عهود الضعف والتدهور التي كان الظلم فيها يقع علي الجميع (المسلمين والأقباط معاَ بلي استثناء) .
والتاريخ يشهد علي أن المسلمين والأقباط منذ الفتح الإسلامي وهم نسيج واحد :”لاحظ الاستعمار البريطاني اللورد كرومر الاندماج التام بين المسلمين والأقباط فكتب يقول:”إنه لا يوجد شيء علي الإطلاق يميز بين المسلم والقبطي في مصر لا في الشكل ولا في الزي ,ولا في العادات والتقاليد أو أسلوب المعيشة ,الشيء الوحيد الذي يميز بينهما هو أن المسلم يعبد الله في المسجد ,والقبطي يعبد الله في الكنيسة”.
*نيل مصــر:
أخوة الإيمان والإسلام :ولم يذكر الله تعالى قصة نهر في القرآن إلا نهر النيل قال جل وعلا : ” وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ “(القصص/7). يعني في نيل مصر .
وفي كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (1/ 15) :
روى يزيد بن أبي حبيب: أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل كعب الأحبار: هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبراً؟ قال: إي الذي فلق البحر لموسى عليه السلام! إني لأجد في كتاب الله عز وجل أن الله يوحي إليه في كل عام مرتين: يوحي إليه عند جريه: إن الله يأمرك أن تجري، فيجري ما كتب الله له؛ ثم يوحي إليه بعد ذلك: يا نيل عد حميداً.
وروى ابن يونس من طريق حفص بن عاصم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:” نهران من الجنة النيل والفرات”( تخريج السيوطي : صححه الألباني).
وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: نيل مصر سيد الأنهار، وسخر الله له كل نهر من المشرق إلى المغرب، فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر الله كل نهر أن يمده فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونًا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله عز وجل أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره. وقد ورد أن مصر كنانة الله في أرضه.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين ..
أما بعد فيا جماعة الإسلام .
ومنذ فجر التاريخ ومصر هي الحصن الكافي والدرع الواقي لبلاد الإسلام والعرب بفضل الله عزوجل إذ حباها بالأمن والأمان وفضلها علي غيرها من البلاد ..وجعل أهلها في رباط إلي يوم القيامة كما روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم:”إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداَ كثيفاَ فذلك الجند خير أجناد الأرض .فقال أبو بكر ولما ذلك يارسول الله؟ فقال :لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة “(كنز العمال). وعنه صلي الله عليه وسلم وذكر مصر :”ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤو نته”. والواقع يشهد بذلك فلم تكن مصر تستطيع أن تقيم حضارتها القديمة –علي هذا النحو الذي يعرفه العالم كله- إلا إذا كانت بالفعل تتمتع بالأمن والاستقرار الذي يتيح الفرصة أمام بناة الحضارة لتطوير العلوم والمعارف والآداب والفنون علي اختلاف أنواعها .والآثار المصرية الباقية تدلنا علي عظمة الإبداع الخلاق الذي تميز به المصري القديم في ظل الأمن والاستقرار معظم فترات التاريخ.وقد جعل ذلك من مصر واحة للأمن والأمان والسلام والاستقرار .وقد سجل القرآن الكريم ذلك علي لسان سيدنا يوسف عليه السلام عندما استقبل أبويه علي مشارف مصر قائلاَ:”ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ”(يوسف/99).
وهذا التعبير القرآني يذكرنا بتعبير قرآني آخر مماثل في قوله تعالي:” لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ “(الفتح /27). والقياس بطبيعة الحال مع الفارق ,ولكن التماثل في التعبير لا يخلو من دلالة .فقد أراد الله لمصر أن تكون بلداَ آمناَ.وكل من يعبث بأمن مصر فإنه يكون متجاوزا َإرادة الله .وإذا كان الله قد أراد لمصر أن تكون بلداَ آمناَ فإنه قد أراد أن يكون الدين الخاتم وهو الإسلام دين أمن وسلام للبشر جميعاَ..لقد أراد الله أن ينبهنا إلي مكانة مصر ,وما لها من أهمية بالغة ينبغي الحرص عليها .ومن هنا جاءت الإشارة إلي مصر في القرآن الكريم فقد ذكرت أكثر من خمس وعشرين مرة تصريحاَ وتعريضاَ وتلميحاَ.
أخوة الإيمان والإسلام :
وإذا كان هذا هو شأن مصر واهتمام القرآن بها في السابق فإن مصر في الألف عام الماضية وحتي يومنا هذا أراد الله لها أن تحمل أمانة الإسلام صافية مبرأة من كل الشوائب ,وذلك عن طريق الأزهر الشريف الذي حافظ علي عقيدة الإسلام الصافية بعيداَ عن المذهبيات الضيقة استناداَ إلي أصول الإسلام الصافية بعيداَ عن المذهبيات الضيقة استناداَ إلي أصول الإسلام الأساسية,وكما حافظ الأزهر أيضاَ علي اللغة العربية,لغة القرآن الكريم وهذا الفهم الصحيح للإسلام من شأنه أن يحفظ لإسلام قيمه السمحة وتعاليمه السامية في كل أرجاء المعمورة. ويعترف المسلمون في كل مكان في العالم بفضل الأزهر الشريف ,ويتطلعون دائماَ ًإلي دوره الرائد في الدفاع عن الإسلام دون تعصب لرأي من الآراء الوقوف بالإسلام عند مرحلة معينة ,في تجاهل تام لما طرأ علي العالم من متغيرات تتطلب من علماء المسلمين إعمال مبدأ الاجتهاد الإسلامي من أجل إيجاد الحلول الإسلامية لكل مستجدات العصرومتطلبات الحياة المعاصرة.
مصر رباط الإسلام :
أخوة الإيمان والإسلام :
ومصر رباط الإسلام لم يعد يقتصر –منذ أشرقت شمس الإسلام علي مصر في القرن الأول الهجري /السابع الميلادي-علي شئونها المحلية فقط ,وإنما اتسع مجاله خارج النطاق المحلي ,كما تضاعفت مسئولياته ليواجه الأوضاع الجديدة التي جعلت من مصر ,بحكم موقعها الجغرافي بين شقيقتها المجاورة من البلاد العربية ,في شبه جزيرة العرب والشام والعراق ,هي القلب والظهير أيضاَ لهذا البعد الإقليمي العربي وكذلك المملكة العربية السعودية,والمسئولة-بحكم موقعها الجغرافي أيضاَ عن سلامة تلك الأماكن المقدسة الإسلامية وحمايتها من أي عدوان .
وتأصلت هذه الحقيقة عن أمن مصر القومي بمعني أنها رباط الإسلام وقلعة الإسلام الشامخة ,منذ فجر مصر الإسلامية ,وذلك علي نحو ما جاء في أول خطاب رسمي لفاتح مصر (عمرو بن العاص)في مسجده الجامع ,حيث قال :”يا معشر الناس ..اعلموا أنكم في رباط إلي يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم ,وتشوف قلوبهم إليكم ,وإلي داركم معدن الزرع والمال والخير الواسع والبركة النامية .حدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :”إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداَ كثيفاَ فذلك الجند خير أجناد الأرض .فقال له أبو بكر :”ولم يارسول الله؟قال لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة”.
وحمل هذا المفهوم عن أمن مصر القومي باعتبارها “رباط الإسلام “حكام مصر وقادتها –خالفاَ عن سالف- منذ عمرو بن العاص في القرن الأول الهجري/السابع الميلادي حتى اليوم .
وذلك علي نحو ما تمثل في خمسة معالم كبري مجيدة ,وهي :
أولاَ:معركة “ذات الصواري”التي أطاحت في القرن الأول الهجري بتهديدات العدو الأول للإسلام وهو إمبراطورية الروم البيزنطيين ,وأتاحت للدولة الإسلامية الوليدة-بالتالي –أسباب النمو والازدهار,وبخاصة علي امتداد البحر المتوسط.
ثانياَ:قيام مصر مباشرة بعد انتصارها في معركة ذات الصواري بإعلان الجهاد الشامل من أجل تحرير جيرانها من أهالي بلاد المغرب ,من ريقة الروم البيزنطيين ,وبناء الجناح الأيسر للإسلام ,علي امتداد شمالي إفريقيا وغربي أوربا.
ثالثاَ:معركة حطين التي أطاحت في القرن الخامس الهجري /الحادي عشر الميلادي بتهديدات الصليبيين للشرق الإسلامي ,وأعادت القدس العربية إلي أصولها الراسخة في الإسلام .
رابعاَ:معركة “عين جالوت”التي أطاحت في القرن السابع الهجري /الثالث عشر الميلادي بتهديدات المغول”التتار” المدمرة لدار الإسلام وحضارته بقيادة “هلاكو”,وحولت الغزاة المغول أنفسهم إلي قوة إسلامية تسهم في إعلاء شأن الإسلام والمسلمين .
خامساَ:نصر “رمضان المجيد 1393هـ/أكتوبر 1973م “الذي قضي علي تهديدات الصهيونية للأمة الإسلامية عن طريق ترويج الأسطورة الزائفة بأن جيش إسرائيل لا يهزم.
*مصر مستهدفة
أخوة الإيمان والإسلام :
ومصر مستهدفة منذ فجر الإسلام بل منذ فجر التاريخ يطمع المستعمر في مصر لما تتميز به من مميزات عديد فموقعها الجغرافي الفريد ونيلها الجاري وأرضها الخصبة ومناخها البديع وثرواتها الكثيرة زيادة علي أن مصر هي بوابة الإسلام وهي عمود الإسلام وذروة سنامه ,كفيل بأن تكون مطمعاَ وهدفاَ لكل مستعمر حاقد ..والتاريخ يشهد علي ذلك ولكن بفضل الله وقدرته ما قصدها أحد بسؤ إلا رد الله كيده في نحره وأسألوا التاريخ عن التتار وعن الصليبين وعن العدو الصهيوني من الذي قهرهم هم أهل مصر وجنود مصر فمصر مقبرة الغزاة ..
فلنحافظ أخوة الإيمان والإسلام علي مصر الكنانة حامية الإسلام والمسلمين.. لأننا لا قدر الله إذا ما حدث لها أي شيء فلربما لا ندرك متي يكون الأمن والاستقرار ولايغرنكم دعوات هدامة من جماعات إرهابية لاهم لهم إلا تنفيذ أجندة الغرب الحاقد علي الإسلام والمسلمين الذين أرادوها فوضي خلاقة كما قالت المرأة السوداء ربيبة الصهيونية من قبل .
ولا يغرنكم أن من يدعو إلي الفوضي هم دعاة للدين ويغلفونها في ثياب الدين ,
قال علي : إذا حدثتكم عن رسول الله صلي الله عليه وسلم حديثا فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإنما الحرب خدعة سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :” يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة” (صححه الألباني).
ولكن لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين وكفانا لدغة من يومها لم نري راحة ولم نذق طعم نوم فمن غلاء للأسعار لقتل وحرق وسرق وعدم استقرار ..
فمصر العظيمة تستحق منا أن نقف بجوارها تخليداً لاسمها وذكرها في كتاب ربنا عزوجل الذي نتعبد بتلاوته ألي أن يرث الله الأرض ومن عليها واستمراراً لمسيرة العظماء قبلنا .. ولنحافظ عليها لنسلمها لأبنائنا ونوصيهم بها خير وصية :” مصر غالية فحافظوا عليها ..مصر كنانة الله في أرضه.” .
ونحفظ لها عزتها وكرامتها وامنها وأمانها واستقرارها تعبداً لله عز وجل :”وقال ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين ” فقد قدم المولي عز وجل علي لسان نبيه يوسف المشيئة علي الأمن حتي يعلم الجميع بأن مصر أمنة ليوم القيامة رغم كيد الماكرين والمتربصين.
اللهم اجعل مصر أمناً أماناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين .