خطبة الجمعة 9 فبراير : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024 م بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 28 رجب 1445هـ ، الموافق 9 فبراير 2024 م .
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعيةر ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024 م بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية ، للدكتور محروس حفظي :
(1) القرآنُ الكريمُ يعلمُنَا جبرَ الخاطرِ.
(2) مِن صورِ جبرِ الخواطرِ في الإسلامِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024 م بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«جبرُ الخاطرِ وأثرُهُ في توثيقِ الروابطِ الاجتماعيةِ»
بتاريخ 28 رجب 1445 هـ = الموافق 9 فبراير 2024 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كمَا ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدُ ،،،
(1) القرآنُ الكريمُ يعلمُنَا جبرَ الخاطرِ: إنَّ جبرَ الخاطرِ عبادةٌ قد يغفلُ عنها الكثيرون، وآياتُ القرآنِ الكريمِ قد حفلتْ بذكرِ كثيرٍ مِن النماذجِ التي ارتبطتْ بها هذه العبادةُ، فاللهُ – عز وجل–، جبرَ اللهُ خاطرَ إبراهيمَ – عليه السلام- لمّا لم يؤمنْ بهِ إلّا القليلُ بأنْ جعلَ كلَّ الأنبياءِ الذين جاؤوا مِن بعدهِ مِن ذريتهِ قال تعالى:﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، وجبرَ اللهُ خاطرَ الصديقِ يوسفَ – عليه السلام- لمّا سُجنَ واتهِمَ بأنْ جعلَهّ عزيزًا على مصرَ، فجاءَ إخوتُهُ يقولونَ كما قال اللهُ: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾.
وتأملْ “سورةَ عبس” حيث افتُتِحتْ بإرشادِ النبيِّ ﷺ إلى ما يجبُ عليهِ نحوَ ضعفاءِ المسلمين، وبإرساءِ القاعدةِ التي يجبُ على المسلمينَ أنْ يتبعوهَا عندَ معاملتِهِم للناسِ، والثناءِ على المؤمنينَ الصادقينَ مهما كان عجزهُم وضعفهُم والتحذيرِ مِن إهمالِ شأنهِم، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أُنْزِلَ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ المُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الآخَرِ، وَيَقُولُ: «أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟» فَيَقُولُ: لَا» (الترمذي)، فكان ﷺ بعدَ ذلك يكرمُهُ إذا رآهُ، ويقولُ لهُ:«مرحبًا بمَن عاتبنِي فيهِ ربِّي، ويبسطُ له رداءَهُ»، وفعلَ ﷺ ما يشبهُ ذلك مع جميعِ المؤمنينَ الصادقينَ الذين كانوا مِن فقراءِ المسلمين، ولم يكونُوا أصحابَ جاهٍ أو نفوذٍ أو عشيرةٍ قويةٍ فكان يجبرُ خاطرَهُم ولا يردُّ لهُم مطلبًا.
تابع / خطبة الجمعة 9 فبراير :
(2) مِن صورِ جبرِ الخواطرِ في الإسلامِ:
تعددتْ مظاهرُ جبرِ الخاطرِ في دينِنَا الحنيفِ، ومِن تلك المظاهرِ ما يلي:
أولاً: جبرُ خاطرِ الفقيرِ مِن خلالِ حثِّ الإسلامِ على الزكاةِ والصدقةِ: إنَّ الزكاةَ أحدُ أركانِ الإسلامِ الخمسِ، وأهمُّ الركائزِ الاجتماعيةِ التي تعملُ على صقلِ المجتمعاتِ والشعوبِ، وبناءِ الدولِ والأوطانِ، ولذا تجدُ السياقَ القرآنيَّ دائمًا ما يقرنُهَا في الحديثِ عن الصلاةِ في عشراتِ المواضعِ كقولِهِ سبحانَهُ: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، وهي فريضةٌ محكمةٌ فرضَهَا اللهُ على الشرائعِ السابقةِ، وذكرَهَا في وصاياه إلى رسلِه وأنبيائِه، يقولُ حكايةً عن إبراهيمَ وإسحقَ ويعقوبَ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾، وامتدحَ بها إسماعيلَ فقال: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾، والزكاةُ ليستْ تبرعًا أو تفضلًا مِن الغنيِّ على الفقيرِ، إنّمَا هي حقٌّ في أموالِ الأغنياءِ كما أخبرَ نبيُّنَا ﷺ مُعَاذًا لمّا بعثَهُ اليمنَ معلمًا وموجهًا، « فَإِنْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» (البخاري)، وقد توعدَ الإسلامُ مَن يمنعُ زكاةَ مالهِ أو يبخلُ على الناسِ بصدقتِه بوعيدينِ: أحدهُمَا: ماديٌّ: يتمثلُ في محقِ البركةِ مِن المالِ والعُمُرِ والولدِ، أمّا مَن ينشرُ زكاتَهُ، ويبذلُ مالَهُ على الناسِ فلهُ الأجرُ العظيمُ والثناءُ الجميلُ، قالَ تعالَى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، وثانيهُمَا: معنويٌّ يتجسدُ في استحقاقِهِ النارَ يومَ القيامةِ قال تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، ألَا فليسارعْ العاقلُ في جبرِ خواطرِ الفقراءِ والمحتاجين مِن خلالِ دفعِ الزكاةِ، وبذلِ الصدقاتِ قبلَ أنْ يفوتَ الأوانُ، وقبلَ أنْ يندمَ على ما قصرَ في حقِّ نفسِه، ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾؛ وهنا تعبيرٌ لطيفٌ؛ إذ الميتُ يتمنَّى الرجوعَ قائلًا: “فَأَصَّدَّقَ” دونَ غيرِهَا مِن العباداتِ؛ لمّا رأىَ مِن ثوابِ الصدقةِ هناكَ بعدَ موتِه، فخذْ بيدكِ وداومْ على الصدقةِ، وبذلِ المنفعةِ للآخرين لتلحقَ بركبِ الصالحين .
تابع / خطبة الجمعة 9 فبراير :
أخي الحبيب: اجبرْ خاطرَ الناسِ ولو بكلمةٍ طيبةٍ، فهي في بعضِ الأحيانِ أفضلُ مِن آلافِ الجنيهاتِ، فالرسولُ ﷺ عندمَا قسّمَ الغنائمَ أعطَى قومًا ضعفاءَ الإيمانِ، وكان عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ جالسًا ولم يأخذْ مِن الغنيمةِ إلّا الشيءَ اليسيرَ جدًا إنْ ذكرَ، فعن عَمْرُو قَالَ: «أَعْطَى ﷺ قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنِّي أُعْطِي قَوْمًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الخَيْرِ وَالغِنَى، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ» (البخاري)، فكان عمرُو يقولُ: «مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حُمْرَ النَّعَمِ» (البخاري)، فالكلمةُ الطيبةُ تجبرُ الخاطرَ أفضلُ أحيانًا مِن كثيرٍ مِن المالِ ومِن ثمَّ قالَ ربُّنَا: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾.
ثانياً: جبرُ خاطرِ المتألمينَ و «الإحساسُ بالآخرين، وتلمسُ الأعذارِ»: مراعاةُ مشاعرِ الناسِ يزيدُ في الودِّ، ويؤلفُ بينَ القلوبِ، وينشرُ السلامَ والطمأنينةَ في المجتمعِ، فقد لا ينسَى أحدُنَا موقفًا لشخصٍ ما راعَى فيهِ مشاعرَهُ، وشاركَهُ أفراحَهُ وأحزانَهُ، فحِينَ «تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ: وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرَ، فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ، حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، لَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ» (البخاري)، وقال عطاءُ بنُ رباحٍ: “إنَّ الرجلَ ليُحدّثنِي بالحديثِ فأُنصِت لهُ كأن لم أسمعَهُ قطّ، وقد سمعتُه قبلَ أنْ يولدَ” ، كلُّ ذلك جبرًا لخاطرِهِ، وحفظًا لماءِ الوجِه!!، ومِمّا حثّنَا عليهِ رسولُنَا ﷺ أنْ نشعرَ بآلامِ الآخرين، وأنْ نسارعَ في قضاءِ مصالحِهِم ومساعدتِهِم دونَ أنْ نُعَرِّضَهُم إلى المسألةِ التي تجرحُ مشاعرَهُم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ»، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ»(مسلم).
قد يأتِي على المرءِ شدةٌ ومسغبةٌ يضيقُ بها واسعَ رحابِه، وتمسكُ بتلابيبهِ وتصبحُ الدنيا أمامَهُ كسمِّ الخياطِ، يودُّ الخلاصَ منها بأيِّ ثمنٍ، ويحبُّ أنْ لو ابتلعتْهُ الأرضُ؛ لديونٍ تراكمتْ، وأزماتٍ بهِ حلّتْ فإذا ما أنقذَهُ دائنُهُ مِمّا هو فيه، وحطَّ عنه بعضَ دَينِهِ أو تجاوزَ لهُ عمّا شغلتْ بهِ ذمتُهُ كان كمَن ردتَ إليه الحياةَ، أو انتشلَ مِن براثنِ الهلاكِ وقد أوشكَ أنْ يغرقَ، فلا غروَ أنْ يتجاوزَ اللهُ عن سيئاتِ هذا الذي جبرَ خاطرَهُ، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ»، قَالَ: “قَالَ اللهُ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ”» (مسلم)، فانظرْ كيف أنَّ جبرَ خاطرِ المكروبِ كان سببًا في أنْ يتجاوزَ اللهُ عن سيئاتِه، ويحطَّ مِن أوزارِه، ويعفوَ برحمتِه عن هفواتِه؛ لأنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ .
تابع / خطبة الجمعة 9 فبراير :
ثالثاً: جبرُ خاطرِ المنكسرةِ قلوبُهُم مِن النساءِ والضعفاءِ، والوالدينِ والمسنين: لقد أوجبَ دينُنَا على الزوجينِ أنْ يعاملَ كلٌّ منهمَا الآخرَ بالحسنَى، وأنْ يصبرَا على بعضِهمَا فقالَ ربُّنَا: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾، فإذا استنفدت كل المحاولات واستحالت بينهما العِشرة أصبح من الحكمة مفارقة أحدهما للآخر، وهنا شرع الحق سبحانه الطلاق للرجل أو الخُلع للمرأة؛ ليكون حلًا لمثل هذه الحالات بعد استنفاد جميع الوسائل الممكنة، فأيها الأزواج إما معاشرة بمعروف أو فراق بإحسان قال سبحانه: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾، من هنا شرع الله “المتعة” لجبر خاطر المطلقة فقال سبحانه: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ ..
كما أنّ الفقراءَ المساكين إذا حضروا تقسيمَ التركةِ فلا بأسَ أنْ يُجبرَ خاطرُهُم بشيءٍ مِن المالِ مصداقًا لقولِ ربِّنَا: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ .
بل إنَّ دينَنَا دينُ الإنسانيةِ يأمرُنَا بالإحسانِ إلى الوالدينِ واحترامِهِمَا حتى ولو كانا غيرَ مسلمين أو غيرَ بارينَ بأولادِهِم؛ وفاءً بحقهِمَا، وحفظًا لجميلِ صنيعِهِمَا قالَ ربُّنَا: ﴿وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً﴾، وفي موقفٍ عمليٍّ يأمرُ رسولُنَا ﷺ بجبرِ الخاطرِ، فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: «قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ» (متفق عليه) .
بل إنَّ نبيَّنَا ﷺ يعلمُنَا جبرَ الخاطرِ حتى مع الجماداتِ فقد تحركتْ مشاعرُهُ ﷺ مع الجذعِ الذي بكَى وحنَّ شوقًا إليهِ ﷺ لكثرةِ وقوفِه عليهِ، فانظرْ كيف جبرَهُ ﷺ وحفظَ ما سلفَ مع الجذعِ فعنْ جَابِرِ«أنَّ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ قالَتْ لِرَسولِ الله يَا رسولَ الله ألاَ أجْعَلْ لَكَ شَيْئا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فإنَّ لِي غُلاما نجَّارا قَالَ: إنْ شِئْتِ قَالَ فَعَمِلَتْ لَهُ المِنْبَرَ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ ﷺ عَلَى المِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ فَصاحَتِ النخْلَةُ الَّتِي كانَ يَخْطُبُ عنْدَهَا حَتَّى كادتْ أنْ تَنْشَقَّ فنَزَلَ حَتَّى أخذَهَا فَضَمَّهَا إلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أنينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قَالَ بَكَتْ عَلى مَا كانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ» (البخاري) .
إنَّ الشيخَ المسنَّ ترضيهِ أدنَى كلمةٍ، ويجبرُ خاطرهُ ما تعطيهِ إيّاهُ ولو كان شيئًا قليلًا، وقد فهمَ رسولُنَا ﷺ طبيعتَهّم فعاملَهُم بمقتضَى تلك الجِبلَّةِ، فعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: «قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَقْبِيَةٌ “أنواع من الثياب”، فَقَالَ لِي أَبِي، مَخْرَمَةُ انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ ﷺ صَوْتَهُ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: خَبَأْتُ هَذَا لَكَ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» (مسلم)، وكان مَخْرَمَةُ رضي اللهُ عنه كبيرَ السنِّ، فسكنَ خاطرهُ، وهدأَ بالهُ، ورضيَ ورجعَ بخيرِ ما أرادَ.
أخي الكريم: إنّ عبادةَ جبرِ الخاطرِ يسيرةٌ قد تبذلُ فيهَا مالًا أو جهدًا، فيمكنُ أنْ تتحققَ بابتسامةٍ، مسحةٍ على رأسِ يتميمٍ، إماطةِ أذَى عن المارةِ، تواضعٍ مع الغيرِ ورفعِ الحرجِ عنهم، نصيحةِ الغيرِ؛ ولذا كان مِن ثوابِ فاعلِهَا أنْ يكافئَهُ اللهُ – عزّ وجلّ – بجبرِ خاطرِهِ، ويكفيهِ شرَّ المخاطرِ، وصدقَ مَن قال: “مِن سارَ جابرًا للخواطرِ أدركتهُ عنايةُ اللهِ في جوفِ المخاطرِ” فالواصلُ مستورٌ غيرُ مفضوحٍ، مجبورٌ غيرُ مكسورٍ، فرسولُنَا ﷺ في بدايةِ دعوتِه قالت السيدةُ خديجةُ – رضي اللهّ عنها- حينَ جَاءَهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ: “كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ” (البخاري) .
اللهُمَّ فرجْ همَّ المهمومين، ونفسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ ترزقَنَا حسنَ الفهمِ والعملِ، وفضلَ القبولِ، إنّكَ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، ونسألُكَ أنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف