أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة 12 مايو 2023م : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023م بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ 22 شوال 1444هـ ، الموافق 12 مايو 2023م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023م بصيغة word بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا ، للدكتور مسعود عرابي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023م بصيغة pdf بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا ، للدكتور مسعود عرابي

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023م ، بعنوان :

أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا ، للدكتور مسعود عرابي.

أولًا: مكانةُ أسماءِ اللهِ الحُسنَى.

ثانيًا: أثرُ أسماءِ اللهِ الحُسنَى في إيمانِ العبدِ.

ثالثًا: ثمرةُ فهمِ أسماءِ اللهِ الحُسنَى على الفردِ والمجتمعِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023م ، بعنوان :

أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:

أسماءُ اللهِ الحُسنَى وأثرُ فهمِهَا في حياتِنَا

الحمدُ للهِ الذي تقدستْ عن الأشباهِ ذاتُهُ، وتنزهتْ عن سماتِ الحدوثِ صفاتُهُ، ودلتْ على وجودهِ وعظمتهِ مخلوقاتُهُ، سبحانَهُ مِن إلهٍ تحيرتْ العقولُ في بديعِ حكمتهِ، وخضعتْ الألبابُ لرفيعِ عظمتهِ، يُعطِي ويمنعُ، ويخفضُ ويرفعُ، فلا مانعَ لِمَا يُعطِي ولا مُعطي لِمَا يمنعُ.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ .. وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.

وبعدُ …

إنّ خطبتَنَا هذه بعـونِ اللهِ ومددهِ وتوفيقهِ ورعايتهِ تدورُ حولَ هـــذه العناصرِ:

أولًا: مكانةُ أسماءِ اللهِ الحُسنَى.

ثانيًا: أثرُ أسماءِ اللهِ الحُسنَى في إيمانِ العبدِ.

ثالثًا: ثمرةُ فهمِ أسماءِ اللهِ الحُسنَى على الفردِ والمجتمعِ.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023م

أولًا: مكانةُ أسماءِ اللهِ الحُسنَى.

العلمُ النافعُ مِن فيوضاتِ الحقِّ سبحانَهُ وتعالى على الخلقِ، وهو المنضبطُ بضوابطِ الشرعِ، البعيدُ عن الضلالةِ والأهواءِ، الحافظُ للعقلِ مِن التشتتِ والإغواءِ، الجالبُ للعبدِ رضَى الخالقِ، المتحققُ به النفعُ لجميعِ الخلائقِ، الموصوفُ أصحابهُ في كلامِ مُعلمِ الناسِ الحقائق، أنّ اللهَ أرادَ بهم الخيرَ، ويُثنِي عليهم السابقُ واللاحقُ، ففي الصحيحين، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ».

فيه فضلُ العلماءِ على سائرِ الناسِ. وفضلُ الفقهِ في الدينِ على سائرِ العلومِ، وإنَّما ثبتَ فضلهُ، لأنّهُ يقودُ إلى خشيةِ اللهِ، والتزامِ طاعتهِ، وتجنبِ معاصيهِ. [ شرح البخاري، لابن بطال].

ومِن جملةِ ما امتنَّ اللهُ بهِ على أمةِ الإسلامِ، أنَّه علمَهُم أسماءهُ الحسنَى وصفاتِهِ العُلى التي يدعوهُ بهَا، لمّا علمَ سبحانَهُ مِن عجزِ خلقهِ أنْ يبلغُوا في هذا البابِ الكمالَ، بيّنَ لهم أنّ كلَّ نقصٍ عليه محالٌ، ولم يتركْ لبشرٍ أنْ يخوضَ في هذا البابِ بحالٍ، إلّا بالدليلِ البينِ الواضحِ مِن صريحِ الأقوالِ، وأنّ طريقَ ذلك هو القرآنُ الكريمُ والسنةُ الصحيحةُ الصريحةُ.

قال اللهُ تعالَى:

﴿ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ وَلِلَّهِ ﴾. [ سورة الأعــراف  ].

وليس هناكَ أعظمُ مِمّا سمّى الحقُّ بهِ نفسَهُ، وارتضاهُ لعظمتهِ، ووجّهَ خلقَهُ ليدعوهُ بهِ، فأيُّ فضلٍ أعظمُ، وأيُّ مكانةٍ أكملُ، إنّه لحريٌّ بها أنْ تكونَ الحُسنَى، ومِن ثمَّ تعبدهُم بهَا، وحضَّ عبادَهُ على لسانِ نبيِّنَا مُحمدٍ ﷺ على حفظِهَا، وهذا تشريفٌ للمسلمِ أنْ يحفظَ أسماءَ اللهِ، ثم العجيبُ أنَّهُ يجزيهِ بوافرِ العطاءِ، وإنْ كان مجردَ حفظِ أسماءهِ الحُسنَى قد كفَاُه؛ لكنّه عظيمُ الجودِ والمنِّ والسخاءِ، ففي الصحيحين، مِن حديثِ أبي هريرةَ ـــ رضي اللهُ عنهُ ـــ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:

« إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ ».

وأسماءُ اللهِ الحُسنَى، هي التي سمّى بها نفسَهُ في كتابهِ وسنةِ رسولهِ ﷺ، مندرجةً في أربعِ كلماتِ هن الباقياتُ الصالحاتُ. الكلمةُ الأولَى: قولُهُ:

سبحانَ اللهِ، ومعناهَا في كلامِ العربِ التنزيهُ والسلبُ، فهي مشتملةٌ على سلبِ النقصِ والعيبِ عن ذاتِ اللهِ تعالى وصفاتهِ

فالقدوسُ، وهو الطاهرُ مِن كلِّ عيبٍ

والسلامُ وهو الذي سلمَ مِن كلِّ آفةٍ.

الكلمةُ الثانيةُ: قولُهُ الحمدُ للهِ وهي مشتملةٌ على ضروبِ الكمالِ لذاتهِ وصفاتهِ، فما كان مِن أسمائهِ متضمنًا للإثباتِ كالعليمِ والقديرِ والسميعِ والبصيرِ فهو مندرجٌ تحتَ الكلمةِ الثانيةِ، فقد نفينَا بقولِنَا: سبحانَ اللهِ كلَّ عيبٍ عقلناهُ، وكلَّ نقصٍ فهمنَاهُ وأثبتنَا بالحمدِ كلَّ كمالٍ عرفنَاهُ، وكلَّ جلالٍ أدركنَاهُ، ووراءَ ما نفيناهُ وأثبتناهُ شأنٌ عظيمٌ قد غابَ عنّا وجهلناهُ فنحققَهُ مِن جهةِ الإجمالِ بقولِنَا اللهُ أكبرُ، وهي الكلمةُ الثالثةُ:

بمعنَى أنَّهُ أجلُّ مِمّا نفينَاهُ، وأثبتنَاهُ، وذلك معنى قولُهُ ﷺ لا أُحصِى ثناءً عليكَ أنتَ كمَا أثنيتَ على نفسِكَ، فما كانَ مِن أسمائهِ متضمنٌ المدحَ فوقَ ما عرفنَاهُ وأدركنَاهُ كالأعلى والمتعالي، فهو مندرجٌ تحتَ قولِنَا اللهُ أكبرُ، فإذا كان في الوجودِ مَن هذا شأنهُ نفينَا أنْ يكونَ في الوجودِ مَن يشاكلُهُ أو يناظرُهُ فحققنَا ذلك بقولِنَا: لا إلهَ إلّا اللهُ وهي الكلمةُ الرابعةُ: فإنّ الألوهيةَ ترجعُ إلى استحقاقِ العبوديةِ ولا يستحقُّ العبوديةَ إلّا مَن اتصفَ بجميعِ ما ذكرنَاهُ، فما كان مِن أسماءهِ متضمنًا للجميعِ على الإجمالِ كالواحدِ الأحدِ ذي الجلالِ والإكرامِ، فهو مندرجٌ تحت قولِنَا: لا إلهَ إلّا اللهُ. وإنّما استحقَّ العبوديةَ لِمَا وجبَ لهُ مِن أوصافِ الجمالِ ونعوتِ الكمالِ الذي لا يصفُهُ الواصفون ولا يعدُّهُ العادون. [ مرعاة المفاتيح، للهروي ].

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023م

ثانيًا: أثرُ أسماءِ اللهِ الحُسنَى في إيمانِ العبدِ.

لأسماءِ اللهِ الحُسنَى أثرٌ عظيمٌ في إيمانِ العبدِ، فمِمّا يَعلمُهُ الخلقُ، أنَّ مِن كمالِ فضلِ الحقِّ سبحانَهُ وتعالى عليهم أنّه كلفَهُم بالعباداتِ، وأجلُّهَا فريضةُ الصلاةِ، فهي عمودُ الإسلامِ، وأولُ ما يحاسبُ عليهِ العبدُ مِن الفرائضِ يومَ القيامةِ، وما كان ذلك إلّا لفضلِهَا، وعظيمِ شأنِهَا، فلمّا كانت كذلك قرنَهَا بالعديدِ مِن أسمائِهِ، ليستحضرَ العبدُ الخشوعَ، والتذللَ والخضوعَ، ويكونُ في معيةِ اللهِ فافتتحَهَا بالتكبيرِ، ثم افتتحَ القراءةَ بالحمدِ، ثم جعلَ في الركوعِ سبحانَ ربِّي العظيم، وفي السجودِ سبحانَ ربِّي الأعلى، واختتمَهَا بالسلامِ، وهذه بمثابةِ عهودٍ يقطعُهَا المرءُ على نفسهِ، متّى تلاهَا

فلا يتصورُ بعدَ الصلاةِ أنْ ينقضَ ما عاهدَ اللهُ عليه، فقد كبّرَهُ في أولِهَا، وحمدَهُ في ثانيهَا، واستعانَ بهِ وتركَ ما سواهُ في ثالثِهَا، ثم دعَا ربَّهُ أنْ يجنبَهُ طريقَ الزيغِ والضلالِ، وأنْ يسلكَ طريقَ المتقين، ثُم خرجَ منها بالسلامِ، فقد شهدَ لربِّهِ بالعظمةِ والعلوِّ فكيفَ يسيئُ الجوارَ، ويقطعُ الأرحامَ، أو ينقضُ العهودَ أو يخلُّ بالعقودِ، ولعظمِ الصلاةِ هيءَ لهَا المساجد، وسمّاها نسبةً إلى السجودِ، وهو أشرفُ أجزاءِ الصلاةِ، فكلمَا زادَ العبدُ انكسارًا لخالقهِ، دانتْ لهُ الدنيا، ولا يخلصُ العبدُ في صلاتهِ إلّا إذا استشعرَ أسماءَ اللهِ التي يذكرُهَا وتدبرَ معانيهَا، لذا جعلهَا الحقُّ سببًا للعصمةِ مِن الفحشاءِ والمنكرِ، فقالَ تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَر﴾. [ العنكبوت، 45 ]. أي:

في الصلاةِ منتهَى ومزدجرٍ عن معاصِي الله… قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ:

مًن لم تأمرْهُ صلاتهُ بالمعروفِ، وتنههُ عن المنكرِ، لم يزددْ بها مِن اللهِ إلّا بُعدًا. [ تفسير الطبري ]. 

فالصلاةُ لو لم تكنْ مِن العباداتِ لعُدتْ مِن صالحةِ العاداتِ، رياضةُ أبدانٍ، وطهارةُ أردانٍ، وتهذيبُ وجدانٍ، وكثيرٌ مِن الفضائلِ يشبُّ عليها الجواري والغلمان ..

انظرْ إلى جلالِ الجُمَعِ، وتأملْ أثرَهَا في المجتمعِ، وكيف ساوتْ بينَ العليةِ والزمعِ، مستْ الجباهُ الأرضَ، فالناسُ أكفاءٌ وأشباهُ الرعيةِ والولاة

خرَّ الجمعُ للمناخرِ، فالصفُّ الأولُ كالآخرِ، لم يرفعْ المتصدرُ تصدرَهُ، والمتأخرُ تأخرَهُ. [ أسواق الذهب، أحمد شوقي ].

ولتعزيزِ هذه المعانِي، وتساوي الخلقُ في هذه العبادةِ، وعظمُ الأجرِ على قدرِ الإخلاصِ والتفاني، نهَى رسولُ اللهِ أنْ يكونَ في هذا المكان تميزٌ، أو تخصيصٌ أو تحيزٌ، فقد نهَى ﷺ كما عند أبي داودَ وغيرِهِ : َأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ ». 

 وعلةُ النهيِ في استيطانِ الأماكنِ، أَنَّ الْعِبَادَةَ تَصِيرُ لَهُ طَبْعًا فِيهِ، وَتَثْقُلُ فِي غَيْرِهِ، وَالْعِبَادَةُ إِذَا صَارَتْ طَبْعًا فَسَبِيلُهَا التَّرْكُ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الشُّهْرَةِ، وَالرِّيَاءِ، وَالسُّمْعَةِ، وَالتَّقَيُّدِ بِالْعَادَاتِ، وَالْحُظُوظِ، وَالشَّهَوَاتِ، وَكُلُّ هَذِهِ آفَاتٌ، فَتَعَيَّنَ الْبُعْدُ عَمَّا أَدَّى إِلَيْهَا مَا أَمْكَنَ. [ مرقاة المصابيح].

وكلُّ هذا يتنافَى مع ما تغرسهُ الصلاةُ في نفوسِ المصلين مِن مكارمِ الأخلاقِ، فالمسجدُ مِن الإيمانِ كالروحِ للجسدِ قالَ اللهُ تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾  [ التوبة: 18 ].

فجعلَ عمارةَ المسجدِ دليلًا على الإيمانِ، بل الآيةُ تدلُّ بظاهرِهَا على حصرِ الإيمانِ فيهم؛ لأنَّ كلمةَ إنَّمَا للحصرِ.  [ تفسير الرازي ].

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023م

ثالثًا: ثمرةُ فهمِ أسماءِ اللهِ الحُسنَى على الفردِ والمجتمعِ.

وللفهمِ الصحيحِ لأسماءِ اللهِ الحُسنَى العديدُ مِن الفوائدِ والثمراتِ، والتي لا يقفُ دورُهَا على الأفرادِ بل يتعدّى إلى المجتمعاتِ، وتلك هي الغايةُ العُظمَى مِن هذه الأسماءِ الحسنى التي سمَّى بهَا ربُّنَا عزّ وجلّ نفسَهُ، فاسمُ اللهِ القديرِ، متى تدبرُهُ العبدُ استشعرَ عظمةَ اللهِ، فلم يقدمْ على ظلمٍ، فعندَ مُسلمٍ، مِن حديثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: « اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ ». فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: « أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ ». أَوْ « لَمَسَّتْكَ النَّارُ».

يعني أنَّ اللهَ ــــ عزّ وجلّ ــــ أشدُّ قدرةً عليكَ مِن قدرتِكَ على عبدِك ..

ولعلّهُ بلغَ أبو مسعودٍ مِن الضربِ قدرًا خرجَ مِن حدّ الجوازِ الشرعِي، فاحتاجَ إلى الكفارةِ، فإعتاقهُ صارَ كفارةً لجريمتهِ. لمستكَ النارُ، أي:

لو زادتْ جريمتُكَ وضربُكَ على قدرِ عصيانهِ، إلّا أنّه أبرزَهُ في صورةِ المطلقِ ليفيدَ تشديدًا. [ بذل المشهود في شرح سنن أبي داود ].

      فلمّا ذكرَّهُ رســـولُ اللهِ ﷺ بقدرةِ القديرِ ــــ عزّ وجلّ ــــ ، ردَّهُ إلى طبيعتهِ البشريةِ، وأعلمَهُ أنَّهُ مهمَا بلغتْ قدرتُهُ فاللهُ أقدرُ وأغلبُ منهُ على عبدهِ، وإنْ كان يملكُ العقابَ بالوسائلِ الدنيويةِ، فعقابُ اللهِ أشدُّ، وهو النارُ وبئسَ القرار.

ومِن ثمَّ جاءَ الحديثُ ليواسِي كلَّ مظلومٍ، وينبّه كلَّ ظالمٍ، أنّه مهمَا علَى قدرُكَ، وبلغتَ مِن السطوةِ ما تقدرُ بهِ على الخلقِ، فقدرةُ الخالقِ أعظم، فعند مسلمٍ مِن حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ».

وهَذَا الحَدِيثُ يحثُّ على مُرَاعَاةِ العواقبِ، فَإِنّ التَّعَبَ إذا أعقبَ الرَّاحَةَ هانَ، والراحةُ إِذا أثمرتْ النصبَ فَلَيْسَتْ رَاحَةً، فالعاقلُ مَن نظرَ فِي الْمَآلِ لَا فِي عَاجلِ الْحَالِ، وَقد كشفَ هَذَا الْمَعْنى الحَدِيثُ الَّذِي بعدَهُ:

« حُفتْ الْجنَّةُ بالمكارهِ، وحُفتْ النَّارُ بالشهواتِ » وَقد قَالَ الْحُكَمَاء:

لَا تنَال الرَّاحَةُ بالراحةِ، وَقلّ أَنْ يلمعَ برقُ لَذَّةٍ إِلَّا وَتَقَعُ صَاعِقَةُ نَدمٍ. [ كشف المشكل، لابن الجوزي ].

   والعفوُّ الغفورُ: هو الذي يمحُو السيئاتِ ويتجاوزُ عن المعاصي، وهو الذي مع كثرةِ ذنوبِ عبادهِ يرزقُهُم ويعافيهم بل ويمحُو سيئاتِهِم ويزيلُ آثارَ ذنوبِهِم بالكليةِ مِن ديوانِ الكرامِ الكاتبين، بل ويبدلُهَا حسناتٍ إذا رأى منهم ميلًا إلى التوبةِ النصوحِ، والعفوُ هو الذي أزالَ عن النفوسِ ظلمةَ الزلاتِ برحمتهِ وعن القلوبِ وحشةَ الغفلاتِ بكرامتهِ. الغفورُ: هو الذي يكثرُ مِن المغفرةِ والسترِ على عبادِهِ، وهذا الاسمُ ينبئُ عن مبالغةٍ ناشئةٍ بالإضافةِ إلى مغفرةٍ متكررةٍ مرةً بعدَ أُخرى فهو غفورٌ بمعنى أنّه تامُّ الغفرانِ حتى يبلغَ أقصَى درجاتِ المغفرةِ، والتخلقُ بهذا الاسمِ يستدعِي مداومةَ الاستغفارِ ومسامحةَ العبادِ فيمَا يرتكبونَهُ.

فلمَّا يرَى العبدُ الضعيفُ جمالَ عفوِ ربِّهِ ومغفرتِهِ، مع جلالِ قدرتهِ وسلطانهِ ينصرفُ إلى التسامحِ والتراحمِ

وتلك ثمرةٌ يجنيهَا صاحبُ العفوِ، ويستفيدُ منهَا مَن عندَهُ ضعفٌ ويسلمُ بها المجتمعُ مِن الآفاتِ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ :

﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : « ما هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ ” قَالَ:

إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ. [ تفسير الطبري].

وهذه كانتْ رادعةً لأميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطابِ، مِن أنْ يوقعَ الأذَى بمَن نالَ منهُ في مجلسهِ، وأمنَهُ على نفسهِ، فعندَ البخاري عن ابنِ عباسٍ ــ رضي اللهٌ عنهما ـــ قال:

« قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا»، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ:

يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، قَالَ:

سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

«فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ»، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ:

هِيْ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ:

يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ:

﴿ خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، «وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ».

فاسمُ اللهِ القادرِ يذكرُ الغلاظَ الأقوياءَ، والعفوُّ الغفورُ يذكرُ الأنقياءَ الأتقياءَ،

فيعمَّ التسامحُ والتصالحُ متى تدبرُوا هذا الأسماءَ، وتقبلُوهَا بقلبٍ سليمٍ وعن بصرٍ وبصيرةٍ.

اللهُمّ أسألُكَ باسمِكَ الأعظم وصفاتِكَ العُلى

أنْ تمنَّ علي مصرِنَا الحبيبةِ بالأمنِ والأمانِ

والتسامحِ والإحسانِ

وأنْ توفقَ ولاةَ أمورِهَا إلى رضوانِك والنجاةِ مِن نيرانِك ..

وأنْ ترزقَهُم البطانةَ الصالحةَ التي تعينُهُم على أمرِ دينهِم ودنياهُم

فإنّك سبحانَكَ على ما تشاءُ قديرٌ!

بقلم/ مسعود عرابي..

عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر ..

وخطيب مكافأة لدى وزارة الأوقاف المصرية.

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »