خطبة الجمعة 10 نوفمبر 2023 م : الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 10 نوفمبر 2023 م بعنوان : الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 26 ربيع الآخر 1445هـ ، الموافق 10 نوفمبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 نوفمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 نوفمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 نوفمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 10 نوفمبر 2023 م بعنوان : الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها ، للدكتور محروس حفظي :
(1) إنسانيةُ الإسلامِ العالميةُ الخالدةُ.
(2) القيمُ الإنسانيةُ في الشرائعِ السماويةِ.
(3) مخاطرٌ تجاهلِ تلكً القيمِ الإنسانيةِ في الرسالاتِ السماويةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 10 نوفمبر 2023 م بعنوان : الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «الأبعادُ الإنسانيةُ ومخاطرُ تجاهلِهَا»
بتاريخ 26 ربيع الآخر 1445 هـ = الموافق 9 نوفمبر 2023 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة 10 نوفمبر 2023 م
(1) إنسانيةُ الإسلامِ العالميةُ الخالدةُ:
إنَّ الإسلامَ في مجملِهِ رسالةٌ إنسانيةٌ جاءَ ليراعِي الإنسانَ فيمَا أمرَ بهِ أو نهَى عنهُ، والمستقرىءُ للقرآنِ، والمتدبرُ لآياتِه، والناظرُ في موضوعاتِه يجدهُ إمَّا حديثًا إلى الإنسانِ، أو حديثًا عن الإنسانِ، ولذا تكررتْ كلمةُ “الإنسانِ” في القرآنِ “ثلاثًا وستينَ مرةً”، فضلًا عن ذكرهِ بألفاظٍ أخرَى مثل: “بنِي آدم” التي ذكرتْ “ستَّ مراتٍ”، وكلمةُ “الناسِ” التي تكررتْ “مائتينِ وأربعينَ مرةً” وكلمةُ “العالمين” وردتْ أكثرَ مِن “سبعينَ مرَّةً”، وإذا نظرتَ في الفقهِ وجدتَ أنّ “العباداتِ” لا تأخذُ إلَا نحوَ الربعِ أو الثلثِ مِن مجموعهِ والباقِي يتعلقُ بأحوالِ الإنسانِ مِن أحوالٍ شخصيةٍ ومعاملاتٍ وجناياتٍ وعقوباتٍ وغيرِهَا .
لقد ضربَ رسولُنَا ﷺ أروعَ الأمثلةِ في القيمِ والمعانِي الإنسانيةِ قبلَ البعثةِ وبعدهَا، وقد شهدَ له العَدُّو قبلَ القريبِ قديمًا وحديثًا يقولُ الدكتورُ«مايكل هارث» أستاذُ الرياضياتِ والفلكِ والفيزياءِ في الجامعاتِ الأمريكيةِ وخبيرِ هيئةِ الفضاءِ الأمريكيةِ: «لقد اخترتُ مُحمدًا أولَ هذه القائمةِ، ولابدَّ أنْ يندهشَ كثيرون لهذا الاختيارِ ومعهم حقٌّ في ذلك، ولكنَّ مُحمدًا هو الإنسانُ الوحيدُ في التاريخِ الذي نجحَ نجاحًا مطلقًا على المستوى الدينِي والدنيوِي» (الخالدون مائة أعظمهم محمد ص١٣) .
إنَّ رسالةَ الإسلامِ رسالةٌ عالميةٌ لم تكنْ للعربِ وحدهم، أو محدودةً بمكانٍ، أو مقيدةً بزمانٍ، ولم يكنْ القرآنُ يومًا لقومٍ بعينِهِم قالَ ربُّنَا: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾، ولذا كانتْ أحكامُ الشارعِ تدورُ مع مصلحةِ الإنسانِ وجودًا وعدمًا، فأينمَا وُجدتْ المصلحةُ فثمَّ شرعُ اللهِ، يقولُ حجةُ الإسلامِ أبو حامدٍ الغزالِي رحمَهُ اللهُ: «إن مَقْصُود الشَّارع مِنْ الْخَلْقِ خَمْسَةٌ: وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَنَفْسَهُمْ وَعَقْلَهُمْ وَنَسْلَهُمْ وَمَالَهُمْ، فَكُلُّ مَا يَتَضَمَّنُ حِفْظَ هَذِهِ الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ، وَكُلُّ مَا يُفَوِّتُ هَذِهِ الْأُصُولَ فَهُوَ مَفْسَدَةٌ وَدَفْعُهَا مَصْلَحَةٌ» (المستصفى من علم الأصول ص 174) .
لقد كرَّمَ الإسلامُ الإنسانَ مِن حيثُ إنَّه إنسانٌ بغضِّ النظرِ عن لونِه وجنسِه وعرقِه ودينِه، وساوتْ بينهُم جميعًا في أصلِ الخِلقةِ وأداءِ الحقوقِ والواجباتِ، وجعلتْ ميزانَ التفاضلِ التقوَى والعملَ الصالحَ، وأرستْ مبدأَ الوحدةِ الإنسانيةِ والأخوةِ البشريةِ، قالَ تعالَى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ﴾، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ» (أحمد) .
والمتأملُ في سيرتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجدُ أنَّ مظاهرَ تكريمِهِ للإنسانِ أكثرَ مِن أنْ تُحصَى حتى في حالِ الموتِ، فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: «كانا قَاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالاَ: إِنَّ النَّبِيَّ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا» (متفق عليه)، وأنَّ تعاملَهُ مع مخالفيهِ في العقيدةِ أثناءَ إقامتِه في المدينةِ أعظمُ شاهدٍ على ذلك، حيثُ أسسَ أعظمَ دولةٍ مدنيةٍ عرفهَا البشرُ عبرَ تاريخِهِم الطويلِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة 10 نوفمبر 2023 م
(2) القيمُ الإنسانيةُ في الشرائعِ السماويةِ.
إنَّ جميعَ الشرائعِ السماويةِ ترتكزُ على قيمٍ أخلاقيةٍ ومثلٍ عليَا تكادُ تكونُ واحدةً كالكرامةِ الإنسانيةِ، واحترامِ الحرياتِ، والعدلِ، والمساواةِ والإخاءِ، والرحمةِ والإحسانِ، والعفوِ والتسامحِ ومراعاةِ حقِّ الجوارِ، وكلُّ هذه القيمِ مرتبطةٌ ببعضِهَا ارتباطًا وثيقًا وينادِي بعضُهَا بعضًا، ولا ينكرُ ذلك إلّا جاهلٌ جهولٌ، قالَ ربُّنَا: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» (البخاري)، كما أنَّ حاجةَ الإنسانيةِ اليومَ إلى هذه القيمِ الإنسانيةِ حاجةٌ ملحةٌ بل أشدُّ مِن حاجتِهِم للماءِ والهواءِ والغذاءِ، وما أحوجهَا إلى تطبيقِ العدلِ بمفهومِهِ الشاملِ مع الصديقِ والعدوِّ، القريبِ والجافِي قال ربُّنَا:﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾، فالبعدلِ تقومُ الحضاراتُ، وتستقيمُ أمورُ الحياةِ بينَ بنِي البشرِ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا» (مسلم) .
إنَّ الإسلامَ دينٌ يدعُو جميعَ الناسِ إلى التعارفِ، قالَ ربُّنَا: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا﴾، كما أوجبَ دينُنَا التعاونَ والتكاتفَ فيمَا بينَ بنِي البشرِ جميعًا في بابِ الخيرِ والبرِّ لا الشرِّ والإثمِ، قالَ تعالَى: ﴿وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾، وقال ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ» (الترمذي)، كما حرصَ دينُنَا على تجنبِ الإيذاءِ بكافةِ صورِهِ وأشكالِهِ سواءٌ للإنسانِ أو للحيونِ بل تعدَّى ذلك فشملَ الجمادَ، وقد وضعَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدةً عظيمةً فعن ِابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (ابن ماجه)، فالضررُ نفسُهُ منتفٍ في الشرعِ وإدخالُهُ بغيرِ حقٍّ كذلك منتفٍ، وتأملْ كيف ينفرُ ربُّنَا مِن رفعِ الصوتِ، وإزعاجِ الآخرين، فيقولُ: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ﴾، وفي هذا أيّمَا تعريضٍ بأنَّ الإنسانَ حريٌّ بهِ أنْ يلتزمَ الهدوءَ، والسكينةَ والوقارَ حتى ولو كان في موضعِ شجارٍ أو خصومةٍ حتى لا يتصفَ بصفاتِ الحيوانِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ … اغْزُوا وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا» (مسلم)، ومِن وصايا أبي بكرٍ الصديقِ لقائدِ جيشِه:«لا تخونُوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا، ولا تقطعوا نخلًا ولا تـُحرقُوه، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلّا لمأكلةٍ، وسوف تمرون على قومٍ فرَّغُوا أنفسَهُم في الصوامعِ فدعوهُم وما فرّغُوا أنفسَهُم لهُ» (الحاكم وصححه) لكنْ هناكَ بعضُ الخلقِ قد انتكستْ فطرتُهُم، وضاعتْ إنسانيتُهُم، وفقدوا بشريتَهُم، فباتوا يعثونَ في الأرضِ فسادًا وقتلًا وتشريدًا لأطفالٍ ونساءٍ عُزّلٍ ألَا ساءَ فعلُهُم وباءَ صنيعُهُم وألَا يخجلُ مِمَّن يوافقهُم على فعلتِهِم هذه، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى “إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ” (البخاري).
وأمرنَا دينُنَا بالتسامحِ، والعفوِ عندَ المقدرةِ، وإقالةِ العثرةِ والزلةِ، وقبولِ العذرِ، وغفرانِ الذنبِ، والرفقِ بعباد.ك اللهِ تعالَى، قالَ ربُّنَا:﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ﴾، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لَا يَقِيلُ عَثْرَةً وَلَا يَقْبَلُ مَعْذِرَةً وَلَا يَغْفِرُ ذَنْبًا أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ» (الحاكم)، كما رغبَنَا في الرفقِ والبعدِ عن التشددِ حتى لا يصبحُ المجتمعُ عرضةً للتطرفِ والمغالاةِ، فقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (مسلم) .
لقد بالغَ الإسلامُ في نبذِ العنفِ حتى في النظرةِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَظَرَ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ نَظْرَةً يُخِيفُهُ بِهَا أَخَافَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (شعب الإيمان)، بل جعلَ مِن كمالِ الإيمانِ أنْ يسلمَ الإنسانُ مِن أذى أخيهِ الإنسانِ، فقالً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» (أحمد) .
ما أحوجَ الإنسانيةَ اليومَ أنْ تُمدَّ يدَ العونِ للضعفاءِ والمحتاجين، وتحقيقِ التكاتفِ بينَ أفرادِ المجتمعاتِ، فالإسلامُ لا يريدُ مِن الناسِ أنْ يعيشُوا في دائرةٍ منغلقةٍ على أنفسِهِم متغافلينَ واجبَهُم تجاهَ الآخرين، ولذا مَن ديدنُهُ ذلك وشيمتُهُ تلك لهو معرضٌ لسخطِ ربِّ العالمين، واستمعْ إلى هذا المشهدِ القرآنِي- الذي يجعلُ الولدانَ شيبًا- حيث جاءَ على لسانِ المتقين- على سبيلِ التوبيخِ لهؤلاءِ المجرمين- ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾، فها هُم قد اعترفُوا وأقرُّوا بأنَّ الإلقاءَ بهم في جهنمَ إنَّمَا كان بسببِ عدمِ إطعامِهِم الجائعَ، وتركهِم كسوتِهِ، ورعايةِ حالِه، بل زادَ اللهُ الأمرَ إيضاحًا فجعلَ في رقبةِ كلِّ موحدٍ بهِ حقًّا للمسكينِ أنْ يحضَّ غيرَهُ على إطعامِهِ والاهتمامِ بهِ، بل جعلَ تركَ هذا الحضِّ مِن لوازمِ الكفرِ والتكذيبِ بيومِ الوعيدِ، ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ﴾ وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ» (ابن أبي شيبة) بهذا الفهمِ الرشيدِ تُحدُّ الرذائلُ الإنسانيةُ، إذ يشعرُ كلُّ فردٍ أنَّ له حقوقًا وعليه واجبات، فينشأُ الأمنُ والأمانُ، وينتشرُ الرخاءُ والتقدمُ، ويحيا الناسُ حياةً طيبةً ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .
لقد تخطَّى الإسلامُ بقضيةِ الإنسانيةِ العالمَ البشريَّ إلى سائرِ المخلوقاتِ والعجماواتِ، فحثَّ الإنسانَ وأمرَهُ بالحفاظِ على الأرضِ التي يعيشُ عليهَا، وأوجبَ عليهِ حمايتَهَا، ونهاهُ عن الإفسادِ فيهَا فقالَ: ﴿وَلاتَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾، وهذا الذي حدَا بنبيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ تقعَ شفقتُهُ على هذا العالمِ مِن المخلوقاتِ لتشملَ رحمتُهُ كلَّ الموجوداتِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا» (متفق عليه) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة 10 نوفمبر 2023 م
(3) مخاطرُ تجاهلِ تلكَ القيمِ الإنسانيةِ في الرسالاتِ السماويةِ.
إنَّ مَن يخرجُ على تلك القيمِ الإنسانيةِ الساميةِ السابقةِ لم يخرجْ على مقتضَى الشرائعِ السماويةِ وإنَّما يخرجُ على مقتضَى البشريةِ، وينسلخُ مِن آدميتِه ومِن الفطرةِ السويةِ التي فطرَ اللهُ الناسَ عليهَا، ولهذا يقولُ ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما في الآياتِ الثلاثِ اللاتِي فِي الأنعامِ: ﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ …﴾ إلى قولِهِ سبحانَهُ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ «هن محكماتٌ وَلَم ينسخهنَّ شيءٌ مِن الكتابِ، وإنَّما سمينَ أمّ الكتابِ؛ لأنَّ تحريمَ هَؤُلاءِ الآياتِ فِي كُلِّ كتابٍ أنزلَهُ اللَّهُ عَلَى جميعِ الْأَنْبِيَاءِ، وليس مِن أَهْل دينٍ إِلَّا وَهُوَ يوصَي بهنَّ» أ.ه. (تفسير ابن جرير الطبري) .
لقد جاءَ في تعاليمِ سيدِنَا عيسى عليه السلامُ «مَن ضربكَ على خدِّكَ الأيمن فأدرْ لهُ خدَّكَ الأيسر» وتلك دعوةٌ عظيمةٌ كي تعيشَ البشريةُ في سلامٍ وصفاءٍلا نزاعٍ وشقاقٍ أو عنفٍ أو إرهابٍ.
إنَّ الصمتَ والوقوفَ مكتوفِي الأيدِي دونَ تفعيلِ القيمِ الإنسانيةِ التي نادتْ بها جميعُ الشرائعِ السماويةِ لن يجنِي العالمُ مِن جراءِ ذلك سوى الدمارِ والبوارِ والخسرانِ والفسادِ بكلِّ ما تعنيهِ تلكَ الكلمة، وقد اتفقتْ كلمةُ الشرائعِ السماويةِ على النهيِ عن الإفسادِ في الأرضِ بأيِّ صورةٍ أو وسيلةٍ ماديةٍ كانت أو معنويةٍ فهذا نبيُّ اللهِ صالحٌ عليه السلام ينهى قومُهُ: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾، وها هو موسى يخاطبُ أخاهُ هارونَ عليهما السلامُ قائلًا لهُ: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾، ويأتِي الخطابُ القرآنيُّ موجهًا للإنسانيةِ جمعاء فيقولُ ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ ولا أدلَّ على ذلك مِن أنَّ مادةَ «فسدَ» بجميعِ مشتقاتِهَا قد وردتْ في القرآنِ «خمسينَ مرةً»، وقد فرَّعَ الفقهاءُ حديثًا- استنادًا لمقاصدِ الشريعةِ – أنَّهُ لا يجوزُ استخدامُ الأسلحةِ الفتاكةِ لِمَا تحدثهُ مِن دمارٍ شاملٍ على مساحاتٍ واسعةٍ تطالُ آثارهُ كلّ إنسانٍ دونَ تمييزٍ بينَ مقاتلٍ وغيرِ مقاتلٍ، وتهلكُ الحيوانَ والنباتَ، وأضرارُهَا تبقَى أجيالًا عديدةً، ولأنَّها تهلكُ الحرثَ والنسلَ.
ما أحوجَ البشريةَ اليومَ إلى نشرِ مبادىءِ السلمِ والسلامِ، وثقافةِ قيمِ البناءِ والعمرانِ لا التدميرِ والخرابِ، وهذا ما تقرُّهُ جميعُ الشرائعِ السماويةِ، والقيمِ الإنسانيةِ، والمواثيقِ والأعرافِ الدوليةِ .
اللهُمَّ عافنَا في أبدانِنَا وأسماعِنَا وأبصارِنَا وقواتِنَا أبدًا ما أبقيتَنَا، واجعلهُ الوارثَ منَّا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ ترزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّك أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف