خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقاف

خطبة الجمعة :-فضائل الصحابة (رضي الله عنهم ) ونماذج من سيرتهم العطـــــــرة للشيخ / محمد حسـن داود “

خطبة الجمعة :-فضائل الصحابة (رضي الله عنهم ) ونماذج من سيرتهم العطـــــــرة ” للشيخ / محمد حسـن داود “

للتحميل بصيغة ورد WORD

للتحميل بصيغة PDF
العناصـــــــــــــــــر
• 1 – مكانة الصحابة وعلو منزلتهم
• 2 – من فضائل الصحابة في القران والسنة
• 3 – حب الصحابة من الإيمان
• 4 – حرمة سب الصحابة والطعن فيهم
• 5 – الحث على الاقتداء بهدى الصحابة الكرام
• 6 – نماذج من سير الصحابة الكرام
الموضـــــــــــــــــــــــــــــــوع
الحمد لله رب العالمين ،واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ،واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى اله و صحبه أجمعين.
• أما بعد
إن هذا الدين القويم الذي ارتضاه الله جل وعلا لعباده قد اختار له نبيا كريما وداعيا حكيما ومبلغا أمينا ألا وهو رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده؛ حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرا إلا دل الأمة عليه، ولا شرا إلا حذرها منه؛ ثم إن الله – جل وعلا – اختار لهذا النبي الكريم أنصارا عدولا، وصحابة كراما، عزروه وأيدوه – عليه الصلاة والسلام – وبذلوا مهجهم وأنفاسهم وأموالهم في سبيل نصرته ونصرة دينه – صلى الله عليه وسلم – ففازوا بكل فضيلة إلى رضوان الله، قال تعالى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ) الواقعة 10/14
شهد لهم ربهم وزكاهم,فقال تعالى ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب 23
فهم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين -عليهم الصلاة والسلام- فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) (النمل:59) قال : أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم ؛ وهو قول السدى والثوري . تفسير ابن كثير
وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال ( إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ،فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ،فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ،َوابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ،فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ،فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ،يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ،فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا،فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ،وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ) ,
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كان أصحاب رسول الله خير هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ونقل دينه).
إنهم صحابة رسول الله ، هذا الجيل العظيم الذي رباه النبي وأحسن تربيته، فأصبحوا صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل، تحقق فيهم رضي الله عنهم ما لم يتحقق في غيرهم فأثنى عليهم ربهم جل وعلا ثناء عطرا ليس في القرآن فقط، بل أثنى عليهم – جل وعلا – في القرآن والإنجيل والتوراة؛ قال تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الفتح29.
هم خير الأمم سابقهم ولاحقهم، أولهم وآخرهم، هم الذين أقاموا أعمدة الإسلام وشادوا قصور الدين، قطعوا حبائل الشرك، وأوصلوا دين الإسلام إلى أطراف المعمورة، فاتسعت رقعة الإسلام، وطبقت الأرض شرائع الإيمان، فهم أدق الناس فهما وأغزرهم علما وأصدقهم إيمانا وأحسنهم عملا رضي الله عنهم ورضوا عنه،قال تعالى ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ التوبة 100.
و قال تعالى( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) الفتح 18-19.
إن الصحابة رأس الأولياء وصفوة الأتقياء، قدوة المؤمنين وأسوة المسلمين ، جمعوا بين العلم بما جاء به رسول الله وبين الجهاد بين يديه، شرفهم الله بمشاهدة خاتم أنبيائه وصحبته في السراء والضراء وبذلهم أنفسهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله، حتى صاروا خيرة الخيرة وأفضل القرون بشهادة المعصوم, ففي صحيح البخاري – عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ – رضى الله عنهما – قَالَ قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم “خَيْرُكُمْ قَرْنِى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ” قَالَ عِمْرَانُ لاَ أَدْرِى أَذَكَرَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً .
وفي رواية في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟قَالَ ” قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِىءُ قَوْمٌ تَبْدُرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَتَبْدُرُ يَمِينُهُ شَهَادَتَهُ “.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم ” لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِى مَا أَتَى عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِى أُمَّتِى مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِى النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً ”
قَالُوا : « وَمَنْ هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ » , قَالَ “مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِى ” سنن الترمذي
بل إن بركتهم امتدت لتشمل جيلين بعدهم فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم- انه قَالَ :” يَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ. نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ ». الفئام : الجماعة الكثيرة . صحيح مسلم
وصفهم رسول الله بأنهم أمنة لأمته، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قُلْنَا لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَهُ الْعِشَاءَ – قَالَ – فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ « مَا زِلْتُمْ هَا هُنَا ».
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ « أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ ».قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ :
« النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِى فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِى مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِى أَمَنَةٌ لأُمَّتِى فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِى أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ». صحيح مسلم
وليس في الأمّة كالصحابهْ *** في الفضل والمعروف والإصابهْ
فإنّهم قد شاهدوا الْمُخْتَارا ***وعايَنُوا الأسرارَ والأنــــــــــوارا
وجاهدوا في الله حَتّى بانا *** دينُ الهدى وقد سما الأديانـــــا
وقد أتى في مُحْكَمِ التنزيلْ *** في فضلهم ما يشفيَ الغليـــــلْ
وفي الأحاديث وفي الآثارِ ***وفي كلام القوم والأشعـــــــــارِ
إنّ الواجب علينا أن نحفظ لهؤلاء الأخيار قدرهم، ونعرف لهم مكانتهم؛ فعَنِ ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ :قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَقِيَامِى فِيكُمْ فَقَالَ ” أَكْرِمُوا أَصْحَابِى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ “.
فكيف يحبهم رسول الله ولا نحبهم وكيف يقدرهم رسول الله ولا نقدرهم ؛ إن حب الصحابة علامة للإيمان وبغضهم علامة للنفاق كما جاء عن انس ابن مالك قال قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ” آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ ” صحيح البخاري
وعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي قال في الأنصار : ” الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله “
ولقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: حب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما سنة؟ قال: لا، فريضة
بل إن حبهم بابا إلى الجنة فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ ، قَالَ : ” وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ ” قَالَ : لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ” أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ” . قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ” ، قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ ” البخاري
كما ان من حبهم و حفظ قدرهم الدعاء لهم قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر 10
قال الإمام الرازي في “مفاتيح الغيب اعلم أن هذه الآيات قد استوعبت جميع المؤمنين لأنهم إما المهاجرون أو الأنصار أو الذين جاءوا من بعدهم ، وبين أن من شأن من جاء من بعد المهاجرين والأنصار أن يذكر السابقين وهم المهاجرون والأنصار بالدعاء والرحمة فمن لم يكن كذلك بل ذكرهم بسوء كان خارجا من جملة أقسام المؤمنين بحسب نص هذه الآية .
فالويل كل الويل لمن أبغضوا الصحابة، وتعرضوا لسبهم والطعن فيهم، وجعلوا من دينهم وعقيدتهم سب ورثة النبي ، فالصحابة ورثوا عنه الكتاب والسنة علما وفهما، وعملا وطريقة، فهم عدول وثقات، فقد عدلهم الله في كتابه ورضي عنهم وأرضاهم، فحبهم إيمان، وبغضهم وسبهم نفاق، والإعرض عنهم ضلال وهلاك، فيجب إتباعهم فيما جاءنا عنهم، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ”.
ومن ثم فالمؤمن يلزمه احترامهم، وعدم الخوض فيهم بلا أدب، وعدم التجرؤ على سبهم؛ لأن سبهم من الكبائر، وآية من آيات النفاق، فعن ابن عباس, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ , وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ” الطبراني في الكبير
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ” متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم: ” لا تَسبُّوا أَصحابي؛ فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا؛ ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفَه” رواه البخاري
وقال ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : ” لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً ، خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمُرَهُ.
بل بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن من أغضبهم كمن اغضب الله تعالى فعَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلاَلٍ فِى نَفَرٍ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا. قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ فَأَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ ». فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ قَالُوا لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أُخَىَّ.
وعنه عليه الصلاة والسلام انه قال” اللهَ الله في أصحابي، لا تتَّخذُوهم غرضًا من بعدي، فمن أحبَّهُم فبحُبِّي أحبَّهم، ومن أبغضَهم فبِبُغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللهَ، ومن آذى الله فيُوشكُ أن يأخُذه” ؛ رواه الترمذي
فو الله إني لأعجب – بعد هذا الفضل – لِأقوام يتطاولون على هؤلاء الفضلاء الأجلاء الذين حَطَّوا رحالهم في جنة رب الأرض والسماء !! نعوذ بالله
أيها الإخوة الأخيار
ما أحوجنا إلى أن نترسم خطاهم،و نقتبس آثارهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ” ( أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان) وكما قال الشاعر
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا ، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا ، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا ، وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا ، وَأَحْسَنَا حَالًا ; اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَإِقَامَةِ دِينِهِ ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ . تفسير القرطبي
وكما قال الشاعر
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
فلقد حكّم الصحابة رضي الله عنهم رسولَ الله في أنفسهم وأموالهم فقالوا: هذه أموالنا بين يدَيك فاحكُم فيها بما شئت، هذه نفوسنا بين يديك لو استعرضتَ بنا البحرَ لخضناه نقاتِل بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك؛ وما غزوة بدر عنا ببعيد، لما لقي النبي وأصحابه العدو على غير ميعاد، وعلى غير استعداد، قام فيهم رسول الله خطيبًا فقال: ((أشيروا عليّ أيها الناس))، فقام الصديق فقال وأحسن القول، ثم قام عمر فقال وأحسن القول، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد لجالدنا معك دونه حتى تبلغه. ثم قام سعد بن معاذ فقال: والله، لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: ((أجل))، قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض ـ يا رسول الله ـ لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضتَ بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبر في الحرب، صدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسِر بنا على بركة الله. فسر رسول الله ثم قال: ((سيروا وأبشروا، فإنّ الله تعالى وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم)).
وفى الطاعة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ” من أصبح منكم اليوم صائما ؟ ” قال أبو بكر : أنا ، قال : ” فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ ” قال أبو بكر : أنا ، قال : ” فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ ” قال أبو بكر : أنا ، قال : ” فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟ ” قال أبو بكر : أنا ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ” ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة . رواه مسلم
كما كان الصحابة في بذل المال والمتاع المثلَ الأعلى، فوالله الذي لا إله إلا هو لم تشهد الأرض في مسيرة بني آدم الطويلة أن توارثَ قوم فيما بينهم من غير قرابة ولا نسب ولا رابطة دم، وعن طواعية واختيار، إلا في أصحاب رسول الله ، ولم يظهر السخاء والكرم والإيثار في أمة من الأمم كما ظهر في صحابة رسول الله ، ولذلك استحقوا ثناء الله عز وجل عليهماذ يقول ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون ) الحشر9.
فهذا طلحة الانصارى كما روى عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , يَقُولُ : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ ، قَالَ أَنَسٌ : فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ سورة آل عمران آية 92 ، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ : لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ سورة آل عمران آية 92 وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا ، وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ , قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ : وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ “البخاري
وهذا ابو الدحداح كما روى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا سورة البقرة آية 245 ، قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ ؟ قَالَ : ” نَعَمْ ، يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ ، قَالَ : أَرِنَا يَدَكَ ، قَالَ : فَنَاوَلَهُ يَدَهُ ، قَالَ : قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي ، وَحَائِطُهُ فِيهِ سِتُّ مِائَةِ نَخْلَةٍ ، فَجَاءَ يَمْشِي حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ ، وَأُمُّ الدَّحْدَاحِ فِيهَا ، وَعِيَالُهَا ، فَنَادَى ، يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ ، قَالَتْ : لَبَّيْكَ ، فَقَالَ : اخْرُجِي ، فَقَدْ أَقْرَضْتُهُ رَبِّي ” .وفى رواية فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح أخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل قالت: ربح بيعك يا أبا الدحداح! ونقلت منه متاعها وصبيانها) .
وهذا ابو بكر الصديق وعمر ابن الخطاب يتسابقان فى الانفاق فعن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قال: أَمَرَنَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟” قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟” قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
وهذا لا يعنى أن عمر رضي الله عنه لم يكن سباقا إلى الخير، كلا بل كان للتنافس في نعيم الآخرة أهلا وللمسارعة إلى الخير عنوانا ولعلو الهمة دليلا فقد روى أبو نُعيم في «حلية الأولياء» أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل فرآه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: أنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع
وهذا عثمان ابن عفان رضوان الله عليه؛ كان عثمان ـ رضي الله عنه ـ تاجراً ثرياً عندما دخل الإسلام؛ فلم يبخل ذات يوم على الإسلام ودولته وفقرائه بما منحه ربه؛ فكان جواداً مبادراً وقتما يشح المال ويعم الفقر ويفقد الرجال أموالهم، فعطاء عثمان بن عفان وجهوده للإسلام سجلها التاريخ، لتظل عنواناً مهما جرى التاريخ ومهما توالت الأيام، ولقد تخلد من هذا العطاء تجهيزه لجيش العسرة، فقد دعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين للتبرع والتطوع من أجل الجيش، فأعطى كل مسلم على قدر وسعه، وساهمت النسوة بما لديهن من حلي؛ ليستعين به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في إعداد الجيش، ولكن لم يكن كل ما تم جمعه ليجهز جيش الإسلام؛ فنظر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الصفوف، وقال: من يجهز هؤلاء، ويغفر الله له؟ وما كاد عثمان يسمع نداء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا حتى سارع إلى مغفرة من الله ورضوان، فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَضَّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: مِائَةَ بَعِيرٍ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ حَضَّ الثَّانِيَةَ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: مِائَتَيْ بَعِيرٍ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ حَضَّ الثَّالِثَةَ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: ثَلاثَ مِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَنْزِلُ عَنِ الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: “مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذَا” ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ولم يتوقف عثمان ـ رضي الله عنه ـ عند هذا الحد؛ فقد كان خير معين للفقراء والأيتام والأرامل، وجاهد مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أغلب الغزوات، وهو من كان على يقين أن الله تعالى يزيد من ينفق في سبيله بأضعاف مضاعفة؛ فرفض في تجارته المثل بعشرة أمثال، وقدمها في سبيل الله، وقتما كان التجار يغنيهم ما هو أقل؛ فعن ابن عباس قال: قحط الناس في زمان أبي بكر، فقال أبو بكر: لا تمسون حتى يفرج الله عنكم. فلما كان من الغد جاء البشير إليه قال: قدمت لعثمان ألف راحلة براً وطعاماً، قال: فغدا التجار على عثمان فقرعوا عليه الباب فخرج إليهم وعليه ملاءة قد خالف بين طرفيهما على عاتقه فقال لهم: ما تريدون؟ قالوا: قد بلغنا أنه قد قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً، بعنا حتى نوسع به على فقراء المدينة، فقال لهم عثمان: ادخلوا. فدخلوا فإذا ألف وقر قد صب في دار عثمان، فقال لهم: كم تربحوني على شرائي من الشام؟ قالوا العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر، قال: قد زادوني. قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟ قال: زادني بكل درهم عشرة، عندكم زيادة؟ قالوا: لا!! قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة قال عبد الله بن عباس: فبت ليلتي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي وهو على برذون أشهب يستعجل؛ وعليه حلة من نور؛ وبيده قضيب من نور؛ وعليه نعلان شراكهما من نور، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد طال شوقي إليك، فقال صلى الله عليه وسلم: إني مبادر لأن عثمان تصدق بألف راحلة، وإن الله تعالى قد قبلها منه وزوجه بها عروسا في الجنة، وأنا ذاهب إلى عرس عثمان.”( الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري)
وفى سرعة الاستجابة لأوامر الله تعالى ورسوله الكريم تجد أن الرعيل الأول من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام قد ضربوا أروع الأمثلة في الاستسلام للوحي والتسليم لأوامر الشريعة الغراء، فقد كانوا يتقبلونها بكمال إذعان وانقياد دون اعتراض أو تلكؤٍ أو نكوص فحين نمعن النظر نجد أن الأمر لم يكن يتوقف مع الصحابة الكرام عند حدود التصديق وفقط، ولكن كان يتبع التصديق انصياع واستجابة وعمل فوري، فكان تلقي الخبر أو الأمر أو النهي يترجم من فوره مباشرة ودون أدنى تأخر إلى واقع ملموس وفعل محسوس،
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ ، وَقَالَ : ” يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ ” ، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . مسلم
وهذا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : ” كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي ، فَقَالَ : اخْرُجْ فَانْظُرْ ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ ، قَالَ : فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ : اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا فَهَرَقْتُهَا ، فَقَالُوا أَوَ قَالَ بَعْضُهُمْ : قُتِلَ فُلَانٌ قُتِلَ فُلَانٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ ” مسلم
تقول عائشةُ – رضي الله عنها -: “إن لنساءِ قُريشٍ لفَضلاً، وإني – والله – ما رأيتُ أفضلَ من نساءِ الأنصار، أشدَّ تصديقًا لكتاب الله، ولقد أُنزِلَت: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، فانقلَبَ رجالُهنَّ إليهنَّ يتلُون ما أنزلَ الله إليهنَّ فيها، ويتلُو الرجلُ على امرأتِه وابنتِه وأختِه وعلى كل ذي قرابَته، فما منهنَّ امرأةٌ إلا قامَت إلى مِرطِها المُرحَّل، فاعتجَرَت بها تصديقًا وإيمانًا بما أنزلَ الله في كتابِه، فأصبَحن وراءَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُعتجِراتٍ كأنَّ على رُؤوسهنَّ الغِربان”.
إن هؤلاء الصحابة هم منارات لنا، وهم القدوة بحق، فوجب أن نقتدي بهم ونتدبر أحوالهم حتى نعيش الإيمانيات التي كانوا يعيشونها، وحتى نصل الى درجة من درجات بلغوها فان كان قد فاتنا شرف صحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم كان لزاما علينا أن نعمل حتى لا تفوتنا اخوة المصطفى صلى الله عليه وسلم فعن أبِي هُريرةَ :” أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أتى المقبرةَ فقال : السلامُ عليكُمْ دارَ قومٍ مُؤمنينَ . وإنا، إنْ شاء اللهُ، بكمْ لاحقونَ . وددتُ أنا قدْ رأينا إخوانَنا قالوا : أولسنَا إخوانَك يا رسولَ اللهِ ؟ قال أنتمْ أصحابي . وإخوانُنا الذين لمْ يأتوا بعدُ . فقالوا : كيفَ تعرفُ منْ لم يأتِ بعدُ من أمتكِ يا رسولِ اللهِ ؟ فقال أرأيتَ لو أنَّ رجلًا لهُ خيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ . بين ظهرِي خيلٍ دهمٍ بهمْ . ألا يعرف خيلَهُ ؟ قالوا : بلى . يا رسولَ اللهِ ! قال فإنهمْ يأتونَ غرًا مُحجَّلينَ منَ الوضوءِ . وأنا فرَطُهمْ على الحوضِ . ألا ليذادنَّ رجالٌ عنْ حوضِي كما يذادُ البعيرُ الضالُّ . أُناديهم : ألا هلُمُّ ! فيقال : إنهمْ قد بدَّلوا بعدَكَ . فأقولُ : سُحقًا سُحقًا ” مسلم

===========
========
======
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ،رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ،رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ،وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا ،وَارْحَمْنَا،
اللهم اجعل مصرنا بلدا آمنا ،مطمئنا ، اللهم من أرادها بخير فوفقه إلى كل خير ، ومن أرادها بسوء فأجعل كيده فى نحره .
والحمد لله رب العالمين ،وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
==========
• كتبـــه
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
دسـوق – كفـر الشيـخ

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »