خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024 م بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 20 جمادي الأولي 1446هـ ، الموافق 22 نوفمبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : أنت عند الله غالٍ .
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024 م بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور محروس حفظي :
(1) إنسانيةُ الإسلامِ العالميةُ الخالدةُ.
(2) صورةٌ مِن التكريمِ الإلهِي للإنسانِ في الإسلامِ.
(3) أينَ نحنُ مِن هذا التكريمِ الإلهِي؟!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024 م بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«أنتَ عندَ اللهِ غالٍ»
بتاريخ 20 جمادى الأولى 1445 هـ = الموافق 22 نوفمبر 2024 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر : أنت عند الله غالٍ
(1) إنسانيةُ الإسلامِ العالميةُ الخالدةُ:
الإسلامُ في مجملهِ رسالةٌ إنسانيةٌ جاءَ ليراعِي قدسيةَ الإنسانِ فيمَا أمرَ بهِ أو نهيَ عنهُ، والمستقرىءُ للقرآنِ الكريمِ، والمتدبرُ لآياتِهِ، والناظرُ في موضوعاتِهِ يجدهُ حديثًا إلى الإنسانِ، أو حديثًا عن الإنسانِ، ولذا تكررَ لفظُ “الإنسانِ” في القرآنِ “ثلاثًا وستينَ مرةً”، فضلًا عن ذكرِهِ بألفاظ ٍأُخرَى مثل: “بنِي آدمَ” التي ذُكرتْ “ستَّ مراتٍ”، وكلمةُ “الناسِ” التي تكررتْ “مائتينِ وأربعينَ مرةً”، وكلمةُ “العالمينَ” وردتْ أكثرَ مِن “سبعينَ مرَّةً”، وإذا نظرتَ في الفقهِ وجدتَ أنَّ “العباداتِ” لا تأخذُ إلَّا نحوَ الربعِ أو الثلثِ مِن مجموعِهِ، والباقِي يتعلقُ بأحوالِ الإنسانِ المختلفةِ.
وقد ضربَ الرسولُ ﷺ أروعَ الأمثلةِ في القيمِ الإنسانيةِ قبلَ البعثةِ وبعدهَا، وقد شهدَ لهُ العَدُوُّ قبلَ القريبِ، يقولُ الدكتورُ«مايكلْ هارث»: «لقد اخترتُ مُحمداً أولَ هذه القائمةِ، ولابُدَّ أنْ يندهشَ كثيرونَ لهذا الاختيارِ ومعهُم حقٌّ في ذلكَ، ولكنَّ مُحمدًا هو الإنسانُ الوحيدُ في التاريخِ الذي نجحَ نجاحاً مطلقاً على المستوىَ الدينِي والدنيوِي» أ.ه.
إنَّ رسالةَ الإسلامِ رسالةٌ عالميةٌ لم تكنْ للعربِ وحدهُم، أو محدودةً بمكانٍ، أو مقيدةً بزمانٍ، ولم يكنْ القرآنُ يومًا لقومٍ بعينِهِم، قالَ ربُّنَا: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾، ولذا كانتْ أحكامُ الشارعِ تدورُ مع مصلحةِ الإنسانِ وجوداً وعدماً، فأينمَا وجدتْ المصلحةُ فثمَّ شرعُ اللهِ، يقولُ أبو حامدٍ الغزالِي: «إنَّ مَقْصُودَ الشَّارعِ مِنْ الْخَلْقِ خَمْسَةٌ: وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَنَفْسَهُمْ وَعَقْلَهُمْ وَنَسْلَهُمْ وَمَالَهُمْ، فَكُلُّ مَا يَتَضَمَّنُ حِفْظَ هَذِهِ الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ، وَكُلُّ مَا يُفَوِّتُ هَذِهِ الْأُصُولَ فَهُوَ مَفْسَدَةٌ وَدَفْعُهَا مَصْلَحَةٌ» أ.ه.
لقد كرّمَ الإسلامُ الإنسانَ مِن حيثُ إنّهُ إنسانٌ دونَ النظرِ عن لونِهِ أو جنسِهِ أو دينِهِ، وساوتْ بينهُم جميعًا في أصلِ الخِلقةِ وأداءِ الحقوقِ والواجباتِ، وجعلتْ ميزانَ التفاضلِ التقوىَ والعملَ الصالحَ، وأرستْ مبدأَ الوحدةِ وهو الأخوةُ البشريةُ، ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ﴾، وقال ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ» (أحمد)، والمتأملُ في سيرتِهِ ﷺ يجدُ أنَّ مظاهرَ تكريمِهِ للإنسانِ أكثرُ مِن أنْ تُحصَى حتى في حالِ الموتِ، فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: «كانا قَاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالاَ: إِنَّ النَّبِيَّ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا» (متفق عليه)، وتأملْ هذا الموقفَ الذي بيّنَ فيهِ نبيُّنَا ﷺ قيمةَ الإنسانِ وغلاوتَهُ عندَ ربِّهِ – عزَّ وجلَّ- فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ، كَانَ يُهْدِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الْهَدِيَّةَ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ زَاهِرًا بَادِينَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ»، قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ»؟ فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ كَاسِدًا، قَالَ: «لَكِنَّكَ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ»، أَوْ قَالَ ﷺ: «بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ» (ابن حبان) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر : أنت عند الله غالٍ
(2) صورةٌ مِن التكريمِ الإلهِي للإنسانِ في الإسلامِ:
لقد خلقَ اللهُ الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ، وفضلَهُ على كثيرٍ مِن خلقِهِ بأنواعٍ مِن التكريمِ، فقالَ سبحانَهُ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾، وذَكَر اللهُ عزَّ وجلَّ اعتراضَ الشيطانِ على ربِّهِ؛ لأنّهّ كَرَّمَ آدمَ، فقالَ: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾، فخلقَ اللهُ – عزّ وجلّ- الإنسانً بيدِهِ، ونفخَ فيهِ مِن روحهِ، وأسجدَ لهُ ملائكتَهُ، وهيأهُ لحملِ أمانتِهِ، وتكفّلَ برزقِهِ وهدايتِهِ، وسخرَ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ جميعاً منهُ، وأنزلَ الكتبَ، وأرسلَ الرسلَ، كلُّ هذا مِن أجلِ الإنسانِ، وأنزلَ عليهِ شريعةً ضمنتْ لهُ كلَّ الحقوقِ، وكفلتْ لهُ الحياةَ السعيدةَ، وجعلَ التعبدَ لهُ بالشريعةِ معايرَ الابتلاءِ، وآيةَ الاصطفاءِ، وعلامةَ تميزِ السعداءِ دُنيَا وأُخرَى مِن الأشقياءِ، فقالَ سبحانَهُ: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، وقال أيضاً: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ .
وفيمَا يلِي بيانٌ لبعضِ مظاهرِ هذا التكريمِ التي تُظهِرُ قداسةَ بنيانِ اللهِ – عزَّ وجلَّ- وصنعتَهُ:
أولاً: تحريمُ الاعتداءِ على الإنسانِ بأيِّ وسيلةٍ، والنهيُ الشديدُ عن ترويعِهِ والتعرضِ لهُ بمَا قد يؤذيهِ: مِن أعظمِ الحقوقِ التي ضمنتهَا الشريعةُ للإنسانِ “حقُّ الحياةِ”، فلا يجوزُ لأحدٍ أنْ يسلبَ هذه الحياةَ مِمّن وهبهَا لهُ اللهُ إلّا ما وردَ بهِ النصُّ، ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾، وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:”لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ” (مسلم)، ثُمّ إنَّ الذي يتولَّى ذلكَ هُم السلطاتُ المختصةُ كالقضاءِ وغيرِهَا مِن الجهاتِ الرسميةِ، أمَّا أنْ يُعطِيَ الإنسانُ لنفسِهِ سلطةَ التسليطِ على رقابِ الخلقِ فهذه جريمةٌ نكراءُ حتى عدَّ اللهُ مَن يقتلُ أو يتسببُ في إزهاقِ نفسٍ واحدةٍ فكأنّهُ أهلكَ البشريةَ جمعاء، قالَ تعالَى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾، ولعظمِ “حقِّ الحياةِ” كانَ أولَ شيءٍ يقتصُّ منهُ اللهُ فيمَا يتعلقُ بالخلقِ “الدماءُ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«إِنَّ أَوَّلَ مَا يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فِي الدِّمَاءِ» (الترمذي وحسنه)، وقد توعدَ القرآنُ الكريمُ مَن يعتدَّي على النَّفسِ البشريةِ بأشدِّ الوعيدِ فقالَ: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾، ولذا هو مقرونٌ بالشِّركِ باللهِ، كقولِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾، وما ذاكَ إلَّا لأهميةِ النفسِ الإنسانيةِ وقدسيتِهَا عندَ باريهَا، ولذا جعلَ نبيُّنَا ﷺ كمالَ الإيمانِ أنْ يسلمَ الخلقُ مِن أذَى الإنسانِ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» (أحمد) .
لقد بالغَ الإسلامُ في نبذِ العنفِ عن الإنسانِ حتى في النظرةِ التي يُقصَدُ بهَا الاحتقارُ، والتقليلُ مِن قيمتِهِ، فقَالَ ﷺ: «مَنْ نَظَرَ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ نَظْرَةً يُخِيفُهُ بِهَا أَخَافَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (شعب الإيمان)، بل جعلَ فعلَ ذلكَ مِن موجباتِ استحقاقِ اللعنِ والطردِ مِن رحمةِ اللهِ ولو كانَ على جهةِ المِزاحِ واللعبِ، فعن أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» (مسلم)؛ لأنّهُ لا يؤمنُ أنْ ينزغَ الشيطانُ بينهمَا، ويزينَ لهُ ما لم يكنْ يقصدُ فيوقعهُ في الشرِّ، فعن أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي، لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ» (متفق عليه) .
قال الإمامُ النووِي: (فيهِ تأكيدُ حرمةِ المسلمِ والنهيُ الشديدُ عن ترويعِهِ، وتخويفِهِ والتعرضِ لهُ بمَا قد يؤذيهِ، وفيهِ مبالغةٌ في إيضاحِ عمومِ النهيِ في كلِّ أحدٍ، سواءٌ مًن يتهمُ فيهِ ومَن لا يتهمُ، وسواءٌ كانَ هذا هزلاً ولعباً أم لا؟؛ لأنَّ ترويعَ المسلمِ حرامٌ بكلِّ حالٍ؛ ولأنّهُ قد يسبقهُ السلاحُ) أ.ه.
ثانياً: كفلتْ الشريعةُ الغراءُ حريةَ الاعتقادِ للإنسانِ: أعطَى الإسلامُ للإنسانِ حريةَ العقيدةِ، ومنعَ إكراهَهُ على اعتناقِهِ لهُ، بل جعلَ إسلامَ المُكرِهِ كعدمِهِ لا قيمةَ لهُ بإجماعِ المسلمينَ، قالَ تعالى: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾، وقد وردَ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ ما جاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَتَ الْمَرْأَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ لَا يَكَادُ يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَتَحْلِفُ: لَئِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُهَوِّدَنَّهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ إِذَا فِيهِمْ نَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْنَاؤُنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ﴾» (ابن حبان)، والآيةُ وإنْ كانَ لهَا سببُ نزولٍ لكنْ العبرةُ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السببِ، فهي تعمُّ الزمانَ والمكانَ والأشخاصَ والأحوالَ إلى يومِ القيامةِ، ومَن يدّعِي غيرَ ذلك، فالتحقيقُ العلمِيُّ ينقضُ قولَهُ، ويردُّ دعواهُ.
لقد حرمتْ الشريعةُ الإسلاميةُ كلَّ أشكالِ العنفِ والقسرِ والإرهابِ،، فهي أوضحتْ الطريقَ، وبيّنتْ المعالمَ، ثم تركتْ للإنسانِ حريةَ الاختيارِ، مع تحملِهِ نتيجةَ اختيارِهِ ﴿فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾، وبهذَا المبدأِ تعاملَ الصحابةُ في فتوحاتِهِم المختلفةِ، وقد قال المستشرقُ البريطانيُّ «توماس أرنولد» في كتابهِ الدعوةُ إلى الإسلامِ: «إنّهُ لم يعثرْ على حالةٍ واحدةٍ في تاريخِ المسلمينَ أُكرهتْ على الدخولِ في الإسلامِ، فلم تكنْ القوةُ سبيلَهُم، بل كانَ الإقناعُ والحكمةُ طريقَهُم» أ.ه.
ثالثاً: تكريمُ الشارعِ الحكيمِ للإنسانِ وصيانتُهُ حتى في مقامِ العقابِ إذا أساءَ: الإنسانُ قد يتعرضُ في حياتِهِ للمواجهةِ مع الآخرينَ لسببٍ مَا، هنا أمرَنَا دينُنَا الحنيفُ أنْ نتجنبَ إحداثَ الأذَى في بعضِ المواضعِ مِن البدنِ كالوجهَ وَذَلِكَ إِكْرَاماً لَهُ، وَلِأَنَّهُ فِيهِ محَاسِنُ الْإِنْسَانِ، وأعضاءُهُ اللطيفةُ، ومعدنُ جمالِهِ، ومنبعُ حواسهِ، وَإِذا حصلَ فِيهِ شينٌ أَو أثرٌ كَانَ أقبحَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» (مسلم)،
تابع خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر : أنت عند الله غالٍ
فلا بُدَّ مِن مراعاةِ الكرامةِ في العقوبةِ، ففِي بعضِ البُيوتاتِ تجاوزاتٌ في العقوباتِ تَتَمَثَّلُ في التَّشْهيرِ، أو القَسْوَةِ في الألفاظِ، أو الذَّمِّ الجَارِحِ، وربَّما الضَّرْبُ على الوجهِ؛ هَدْراً لكرامةِ الإنسانِ!؛ ولذا نجدُ أنَّ النبيَّ الكريمَ ﷺ نهَى عن عقوبةِ الإنسانِ بمَا يُسيءُ إلى كرامتِهِ – في حالِ ارتكابِهِ كبيرةً مِن الكبائرِ كما في قولِهِ ﷺ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا؛ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا» (متفق عليه)، فجاءَ النهيُ عن إهانَتِهَا وتَعْييرِهَا، وتوبيخِهَا بأسلوبٍ غيرِ مناسبٍ، وكذا نَهَى الرسولُ الأعظمُ ﷺ أصحابَهُ رضي اللهُ عنهُم عن إهانةِ الإنسانِ، وخَدْشِ كرامتِهِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: «أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: «اضْرِبُوهُ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ! قَالَ: «لاَ تَقُولُوا هَكَذَا، لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ» (البخاري)؛ حِفْظاً لكرامة الإنسان أنْ تُمَسَّ بِسُوء .
كما نَهَى ﷺ الرجلَ عن تقبيحِ زوجتِهِ بالكلامِ، وعن ضَرْبِ وَجْهِهَا فعن مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلاَ تُقَبِّحْ، وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ» (أبو داود)، في الحديثِ نهيٌ صريحٌ عن وصفِ المرأةِ بالقبحِ الخِلقِي أو الخُلقِي؛ لأنَّ هذا التقبيحَ سيؤثرُ – ولو على المدَى البعيدِ- في نفسيتِهَا، وسيذكرُهَا الشيطانُ هذا التقبيحَ دائماً، و فيه أيضًا نهيٌ عن ضربِ الوجهِ المكرمِ مِن اللهِ- تعالى- أو التفلِ عليهِ، لسببينِ:
الأولُ: أنَّ ضربَ الوجهِ أعظمُ إهانةً مِن ضربِ غيرهِ، والإنسانُ يجدُ هذا في نفسِهِ، لو ضربَكَ إنسانٌ على وجهِكَ صارَ هذا أشدَّ مِمّا لو ضربَكَ على ظهرِكَ. الثانِي: أنّهُ ربَّمَا يتأثرُ الوجهُ بهذا الضربِ؛ فتكونَ مغيراً للصورةِ التي خلقَ اللهُ – سبحانَهُ – آدمَ عليهَا، وهذا لا شكَّ أنّهُ أعظمُ ضرراً مِمّا لو ضربتهُ في ظهرِهِ، لنفرضَ ضربتهُ في ظهرهِ وانكسرَ ضلعُهُ هذا يجبرُ ولا يتأثرُ لكن انخدشَ، وجهُهُ يبقَى هذا دائماً مشوهاً؛ ولهذا نهي عن ضربِ وجهِ المرأةِ.
رابعاً: تعظيمُ الإنسانِ وتكريمُهُ ميتاً: كرَّمَ اللهُ هذا الإنسانَ؛ فحرَّمَ أنْ يمتدَّ إليهِ أذَى، سواءٌ بلسانِهِ أو بيدِهِ أو بأيِّ شئٍ يملكهُ أو يستطيعهُ، فجعلَ مَن يسبُّ إنساناً فاسقاً خارجاً عن شرعِ اللهِ، فعن ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قِتَالُ المُسْلِمِ أَخَاهُ كُفْرٌ، وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ» (الترمذي)، ولم يقتصرْ هذا حالَ حياتِهِ بل امتدَّ إلى ما بعدَ الموتِ، فحُرْمَةُ الْمُؤمنِ بعدَ مَوتهِ بَاقِيَةٌ، فلَا يُهَانُ مَيِّتًا كَمَا لَا يُهَانُ حَيًّا، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ ﷺ:«كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» (ابن ماجه)، كما جاءَ النهيُ عن الجلوسِ على القبرِ فعَنْ جَابِرٍ قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» (مسلم) بل عَظَّمَ ﷺ النهيَ عن القُعودِ على القبرِ فقالَ ﷺ:«لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» (مسلم) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر : أنت عند الله غالٍ
(3) أينَ نحنُ مِن هذا التكريمِ الإلهِي؟!:
كلُّ فِعْلٍ ما يتناقضُ مع كرامةِ الإنسانِ مُخالفَةٌ لأمرِ الله – سبحانه- ؛ لأنَّ الإنسانَ صنعةُ البارِي كما قالَ سبحانَهُ: ﴿قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ﴾، وجاءَ في الحديثِ الشريفِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «… فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» (مسلم)، ولَمَّا ذَكَرَ الإمامُ النوويُّ اختلافَ العلماءِ في مَرْجِعِ الضَّميرِ في قولِهِ: «صُورَتِهِ» قال: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَكُونُ الْمُرَادُ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَاخْتِصَاصٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿نَاقَةُ اللهِ﴾، وَكَمَا يُقَالُ فِي الْكَعْبَةِ: “بَيْتُ اللَّهِ”، وأيًّا كان الراجِحُ في ذلك؛ فالحديثُ يدل على تَكْريمِ الله تعالى لآدم، وذُريتِه) أ.ه.
إنَّ أذيةَ المؤمنينَ- بأيِّ شكلٍ مِن أشكالِ الأذَي المادِي أو المعنوِي- مِن أشدِّ المظالمِ، وأعظمِ المآثمِ التي توعدَ اللهُ أهلَهَا بالوعيدِ الأكيدِ، وتهددهُم بالعذابِ الشديدِ قال سبحانَهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾؛ وعَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللَّهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» (أحمد)، وقالَ الفضيلُ بنُ عياضٍ: “لا يحلُّ لكَ أنْ تُؤذِيَ كلبًا أو خنزيرًا بغيرِ حقٍّ”، فكيفَ بإيذاءِ المؤمنينَ والمؤمنات؟!؛ ولذا لَمَّا كان تفاخُرُ الناسِ بأمْرِ الجاهليةِ يقودُ إلى الاستهانةِ بكرامةِ الآخَرِينَ، نَهَى النبيُّ ﷺ عن ذلكَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ النَّاسَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ- فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُّ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلاَنِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ» (الترمذي، وابن حبان) .
ينبغِي على الآباءِ والمربينَ أنْ يعتنُوا بِبِناءِ كرامةِ الإنسانِ وتعزيزِهَا، ويُراعُوا حِفْظَ الكرامةِ في المُخاطَبَةِ والتَّوجِيهِ، فينبغِي أنْ نَخْتَارَ الألفاظَ الحَسَنةَ، واللُّغةَ الراقيةَ، والمَنْطِقَ المُهذَّبَ أثناءَ الحِوارِ مع الآخَرِين؛ حِفْظاً وصِيانةً لكرامةِ الإنسانِ؛ اسْتِجابَةً لأمْرِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ .
لا شكَّ أنَّ الأدبِ يُتَعلَّمُ أكثرَ مِن خلالِ القُدوةِ الصالحةِ، فحينَ يتحلَّى الآباءُ والمُعَلِّمونَ بِحُسْنِ الخُلُقِ، وتوقيرِ الأبناءِ والطُلاَّبِ، وحِفْظِ كرامتِهِم؛ فإنَّ هذا يُنشِّئُهُم على الأدبِ، وتوقيرِ الكِبارِ، وعندمَا يَتَعالَى الكِبارُ، ويَخْدِشونَ كَرامَةَ أولادِهِم وطُلاَّبِهِم، أو يَخْدِشُ صاحِبُ العملِ كرامةَ العاملينَ فيهَا، فإنَّ هذا يقودُ للخضوعِ كُرهاً دونَ مَحَبَّةٍ، ورُبَّمَا جَرَّ ذلك إلى ما لا يُحْمَدُ عُقباهُ!
فعلينَا جميعاً تعزيزَ فاعليةِ الإنسانِ وأدائهِ في المجتمعِ، فهذا يُحَقِّقُ لهُ قَدْراً عالياً مِن الرضَا التامِّ عن ذاتِهِ، ويُسْهِمُ في تعزيزِ انتمائِهِ لوطنِهِ؛ مِمّا يزيدُ في فاعليتِهِ وتأثيرِهِ في بنائِهِ، والذينَ يَنْشَئونَ في بِيئاتٍ لا تُشْعرهُم بكرامَتِهِم وقِيمَتِهِم سيؤثرٌ ذلك سلباً على فاعليتِهِم في الحياةِ، وحتى لو تجاوزَ هؤلاءِ الأثَرَ النَّفْسِي للشعورِ بعدمِ الكرامةِ، فإنَّ هذه التربيةَ سَتَتْرُكُ أثراً سلبياً في نوعيةِ أدائِهِم، ونظرتِهِم للحياةِ.
كما أنّنَا يجبُ علينَا أنْ نحذرَ الوِقايةَ مِن التَّكبُّرِ والتَّسلُّطِ؛ لأنَّ النَّفْسَ البشريةَ فيهَا مَيلٌ للعلوِّ، والشُّعورِ بعُلُوِّ المنزِلةِ، وربَّمَا قادَتْ هذه الغَرِيزةُ كثيراً مِن الناسِ إلى التَّكبُّرِ، والتَّسلُّطِ، وازدراءِ الآخَرِين، وهناكَ خيطٌ رَفِيعٌ بينَ الكِبْرِ، وبينَ الشُّعورِ بالكرامةِ، لذا نرى كثيراً مِمَّنْ يَتَعالَونَ، ويُخفِقونَ في التَّخلُّقِ بالتواضعِ يتحَجَّجونَ بكرامةِ النَّفْسِ!؛ ولذا جاءَ المنهجُ الربانيُّ بالاعتدالِ، فربَّى المُسْلِمَ على التواضعِ، وعَالَجَ دَاءَ الكِبْرِ والتَّعالِي، وفي الوقتِ نفسِهِ رَبَّى فيهِ العِزَّةَ والكرامةَ، والشُّعورَ بِقِيمَتِهِ الإنسانيةِ، فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ:«إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» (مسلم).
نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ كروبَنَا، وأنْ يزيلَ همومَنَا، وأنْ يذهبَ أحزانَنَا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ تجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف