خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023 م بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 7 ربيع الأول 1445هـ ، الموافق 22 سبتمبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023 م بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ، للدكتور محروس حفظي :
(1) معرفةُ النبيِّ ﷺ بحالِ أصحابِهِ.
(2) صورٌ مِن حالِ النبيِّ ﷺ مع أصحابِهِ.
(3) تعاملُ النبيِّ ﷺ مع المخطئينَ مِن أصحابِهِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023 م بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «حالُ النبيِّ ﷺ مع أصحابِهِ»
بتاريخ 1445 هـ = الموافق 22 سبتمبر 2023 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه
(1) معرفةُ النبيِّ ﷺ بحالِ أصحابِهِ:
كان النبيُّ ﷺ على بصيرةٍ في معرفةِ نفسياتِ أصحابِهِ وقابليتِهِم للأمورِ، فيعرفُ ما يحبونَهُ وما يكرهونَهُ، ويحرِصُ على علاجِ ما يواجههُم في حياتِهِم، كُلٌّ بحسبِ استعدادِهِ وطاقتِهِ، وكثيرًا ما تتفاوت إجاباتُهُ عن سؤلاتهِم وفقَ حالِهِم وحاجتِهِم، وقد يُحذّرُ أحدَهُم مِن أمرٍ، في حين يقدِّمُ غيرَهُ إليهِ؛ لِمَا يراهُ مِن قدرةِ واستعدادِ أحدهِم، وضعفِ الآخرِ عن أدائِه، وما كان ذلك إلّا لأنَّه وُلدَ وكبُرَ معهُم، وعاشَ في بيئتِهِم وحياتِهِم، فأدركَ مزاياهُم الشخصيةَ والنفسيةَ، فكان يُكلّفُ كُلّاً منهم حسبَ حالِهِ، فحقّقُوا أسمَى غاياتِ البطولةِ في تلك التكاليفِ بإتقانٍ وكفاءةٍ فائقةٍ، فقد استمالَ ﷺ المؤلفةَ قلوبِهم في حُنَينٍ بالمالِ؛ إذ كانت الماديةُ تستولِي على فكرِهِم، فلم يتشبعْ الإيمانُ بحلاوتِهِ في قلوبِهِم بعد، ومنعَ الأنصارَ مِن الغنائمِ في حُنينٍ لعلمِهِ بأنّ الحلاوةَ الإيمانيةَ قد بلغتْ مبلغًا عظيمًا في قلوبِهِم.
وفي يومِ أُحدٍ سألَ النبيُّ ﷺ أصحابَهُ مَن يأخذُ السيفَ منهُ، فقامَ عدةُ رجالٍ، واختارَ نبيُّ اللهِ أبَا دجانةَ الأنصارِي؛ لِمَا كان يعلمهُ مِن قوتِه وشجاعتِه، حتى فلقَ به هامَ المشركين، فواجباتُ الشجاعةِ يتولّاهَا مَن هو أهلٌ لهَا، ومِن الصحابةِ مَن لا يقوَى على القتالِ فيُبقيه النبيُّ ﷺ في المدينةِ عندَ النساءِ، كحسانِ بنِ ثابتٍ مثلًا؛ لأنَّه ﷺ لا يحمِّل أحدًا فوقَ استطاعتِه، ويُراعي قدراتِ مَن حوله، لذلك كانتْ سياستُهُ القياديةُ الحكيمةُ أنْ يضعَ الرجلَ المناسبَ في المكانِ المناسبِ، فكان يبنِي الرجالَ في أماكنِهِم التي يتقنونَ فيهَا أدوارَهُم، والأهمُّ مِن ذلك أنّهُ كان يُثنِي عليهم في مواقعِهِم بأفضلِ صفاتِهِم، ولا يلتفتُ لِما يعانونَهُ مِن النقصِ البشريٍّ، فكانَ ﷺ الأملَ لهم والدافعَ الأولَ في استنهاضِ هِمَمِهِم بعزمٍ ونشاطٍ وتفاؤلٍ، وكان يحرصُ ﷺ على انتشالِ شعورِ الضعفِ واليأسِ والبؤسِ مِن صدورِهِم، ويبثُّ الأملَ فيهم باستمرارٍ.
لقد كان لحسنِ معاملةِ النبيِّ ﷺ لأصحابهِ أثرٌ كبيرٌ في حبِّ الصحابةِ الشديدِ لهُ ﷺ يجدُ ذلك مَن يتصفحُ سيرتَهُ ﷺ ومواقفَ الصحابةِ تجاهَهُ ﷺ وكيف أنَّهم كانوا يفدونَهُ بأرواحِهِم وأموالِهِم وبكلِّ ما يملكون.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه
(2) صورٌ مِن حالِ النبيِّ ﷺ مع أصحابِهِ:
إليكَ أخي الكريم بعضَ الصورِ المضيئةِ مِن صفحاتِ معاملةِ النبيِّ ﷺ لأصحابِهِ، التي ما أحوجنَا إلى أنْ نحولَ هديَهُ وخلقَهُ ﷺ إلى سلوكٍ عمليٍّ تنتظمُ بهِ أمورُنَا ، وتسعدُ بهِ حياتُنَا:
أولًا: أنَّه كان كثيرَ التبسمِ في وجوهِهِم: كان ﷺ بسامًا يحبُ إدخالَ الفرحِ والضحكِ على قلوبِ مَن حولَهُ، مِن ذلك: مزاحُهُ مع زاهرِ بنِ حرامٍ «وَكَانَ ﷺ يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأَتَاهُ ﷺ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلَا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا، فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ ﷺ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ ﷺ يَقُولُ: مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ ﷺ: “لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ أَوْ قَالَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ» (أحمد) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي، وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» (متفق عليه)، ورأى ﷺ صهيبًا وهو يأكل تمرًا وبعينهِ رمدٌ، فقالَ لهُ ﷺ ممازحًا: «أَتَأْكُلُ التَّمْرَ وَبِكَ رَمَدٌ؟!!» فقال صهيب: «إِنَّمَا آكُلُ عَلَى شِقِّي الصَّحِيحِ لَيْسَ بِهِ رَمَدٌ»!! فَضَحِكَ ﷺ» (الحاكم) .
ثانيًا: أنَّهُ كان يستغفرُ لأصحابِهِ، ولمَن أغضبَهُ أو اثارَ حفيظتَهُ: عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً، وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (مسلم)، وكان ﷺ يقضِي حوائجَهُم ، ويتواضعُ معهُم ، ويجيبُ دعوتَهُم ، ويزورُ مرضاهُم ، ويشهدُ جنائزَهُم ، ويدعُو لهُم ولأبنائِهِم، ويشفقُ عليهِم ، ويشعرُ بآلامِهِم ، وينهاهُم عن المبالغةِ في مدحِهِ فعن ابنِ أَبِي أَوْفَى قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ» (النسائي) .
ثالثًا: أنَّه كان لا ينفردُ بالأمرِ: بل كان ﷺ يرجعُ فيهِ إلى الخبرةِ والتجربةِ والرأيِ، فكان يستشيرُ أصحابَهُ ويشركُهُم في الأمرِ امتثالًا لقولِهِ تعالَى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾؛ تطييبًا لقلوبِهِم؛ ليكونُوا فيما يفعلونَهُ أنشطَ لهُم، رغمَ أنَّه ﷺ لم يكنْ يحتاجُ لرأيهِم؛ لأنَّهُ ﷺ كان مُؤيدًا بالوحيِ مِن عندِ اللهِ تعالى، لكنه كان يستشيرُ أصحابَهُ؛ ليعلمَهُم هذا المبدأَ في حياتِهِم، حتَّى قال أبو هريرةَ: “ما رأيتُ أحدًا أكثرَ مُشاورةً لأصحابِه مِن رسولِ اللهِ ﷺ” (ابن حبان)، فاستشارَ أصحابَهُ في جميعِ غزواتِهِ إلّا الحديببة، فقد أصرَّ ﷺ على بنودِ الصلحِ التي ستُحافظُ على الأمنِ لانتشارِ الإسلامِ، وكان رأيهُ في محلِّه، فنتائجُ الصلحِ أثمرتْ الخيرَ العظيمَ للأمةِ، في حين كان رأيُ أصحابِه النصرَ العاجلَ قبلَ حلولِ أوانِه، وقد شاورَهُم يومَ بدرٍ في الذهابِ إلى العيرِ، وشاورَهُم أيضًا أين يكونُ المنزل؟ حتى أشارَ المنذرُ بنُ عمرٍو بالتقدمِ إلى أمامِ القومِ، وشاورَهُم في أُحدٍ في أنْ يقعدَ في المدينةِ أو يخرجَ إلى العدوِّ، فأشارَ جمهورُهُم بالخروجِ إليهِم، فخرجَ إليهِم .
وشاورَهُم يومَ الخندقِ في مصالحةِ الأحزابِ بثلثِ ثمارِ المدينةِ عامئذٍ، فأبَى عليه ذلك السعدان: سعدُ بنُ معاذٍ وسعدُ بنِ عبادةَ، فتركَ ذلك، وشاورَهُم يومَ الحديبيةِ في أنْ يميلَ على ذرارِي المشركين، فقال له الصديقُ: “إنا لم نجيء لقتالِ أحدٍ، وإنَّما جئنَا معتمرين”، فأجابَهُ إلى ما قال.
بل أحيانًا يستأثرُ نفسَهُ ﷺ دونَهُم بالوقوعِ في المشقةِ والجهدِ، فها هو يحملُ الحجارةَ لبناءِ المسجدِ وكأنَّهُ فردٌ معهم، لا فرقَ بينَهُ وبينَهُم، وفي يومِ الخندقِ يحفرُ بيدِهِ ويتكلفُ بعناءٍ حملِ الأحجارِ على عاتقِهِ الشريفِ حيثُ يقولُ البراءُ «كَانَ ﷺ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ، أَوْ اغْبَرَّ بَطْنُهُ، يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا، إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا» وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ:أَبَيْنَا أَبَيْنَا» (البخاري).
رابعًا: أنَّهُ لا يرضَى لأحدٍ أنْ يحتقرَ أو يسبَّ أحدًا مِن أصحابِهِ أو يحتقرَهُ، ولو كان صحابيًّا مثلهُ: كان ﷺ يعلمُهُم أنْ يحترمَ بعضُهُم بعضًا، وأنَّ مِن الصحبةِ أنْ لا يستهزئَ أحدٌ بصاحبِهِ، بل يحبهُ ويقدرهُ ويحترمهُ، ويظهرُ ذلك أمامَ الجميعِ، حبًّا لصاحبهِ فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مِمَّ تَضْحَكُونَ؟» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ» (أحمد)، فهنا نرَى كيفَ أنكرَ ﷺ هذا الموقفَ مِن الصحابةِ، وبيّنَ لهُم أنّهُ ربَّما الذي يتهزئونَ بهِ عندَ اللهِ هو أفضلُ منهُم .
تابع/ خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه
خامسًا: قيامُهُ ﷺ بحمايتِهِم: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا» (متفق عليه)، فانظرْ كيف سبقَهُم ﷺ إلى مصدرِ الصوتِ حتى يطمئنَ أصحابَهُ، ويهدئَ مِن روعِهِم يقولُ ابنُ حجرٍ: “لم تراعوا”: هي كلمةٌ تقالُ عند تسكينِ الروعِ تأنيسًا، وإظهارًا للرفقِ بالمخاطَب” أ.ه.
سادسًا: مشاركتُه ﷺ لأصحابِه في السراءِ و الضراءِ: كان النبيُّ ﷺ لا يأكلُ دونَ إشراكِ أصحابِه معه، ولما صُنِعَ لهُ طعامٌ في يومِ معركةِ الخندقِ نادَى في أصحابِه قائلًا: «يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا، فَحَيَّ هَلا بِكُمْ أي هلمُّوا مسرعين» (البخاري) .
إنَّ النبيَّ ﷺ لا ينفكُّ أنْ يشعرَ بآلامِهِم، ويجعلَ لهم مِن محنهِم منحًا، ومِن الحزنِ فرحًا، ومِن الألمِ أملًا، فعن أبي سعيدٍ قَالَ: «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ مترفقًا بحاله: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ» (مسلم)، والمعنى : أنَّه ليس لكُم زجرُه وحبسُه؛ لأنَّهُ ظهرَ إفلاسُه، بل يُخلَّى ويُمهَلُ إلى أنْ يحصلَ له مالٌ، فيأخذُ الدائنون ديونَهُم بعدَ ما يحصلُ لهُ مالٌ ، وليس معناه إبطالُ ديونِهِم .
سابعًا: التواضعُ لهُم: كان رسولُ اللهِ ﷺ مثالًا يُقتدَى بهِ في التواضعِ مع أصحابِه، فعلى الرغمِ من علوِّ مكانتِه، وعظيمِ قدرِه، إلّا أنّه كان أبعدَ الناسِ عن الكِبرِ والبطرِ، وكان يخفضُ جناحَهُ للصحابةِ، ويجلسُ بينهُم كواحدٍ منهم، ولا يتعاظمُ عليهم، ويجلسُ بينَ ظهرانِيهِم حيثُ ينتهِي به المجلسُ، حتى كان الرجلُ الغريبُ يسألُ عنهُ؛ لأنَّهُ لا يميزُهُ مِن بينِ أصحابهِ فعن أبي هريرةَ «كَانَ ﷺ يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ، فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ …» (أبو داود) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه
(3) تعاملُ النبيِّ ﷺ مع المخطئينَ مِن أصحابِهِ:
لقد كان ﷺ رفيقًا لينًا عطوفًا رحيمًا مع المذنبينَ والمخطئينَ مِن صحابتِه؛ لأنَّه يعلمُ بأنَّ الشيطانَ قد استزلَّهُم، فضعُفتْ نفوسُهُم، فوقعُوا في الذنبِ، وأنَّهُم يحتاجونَ إلى مَن يأخذُ بأيدِيهِم؛ ولقد وقعتْ عدةُ مواقفَ تبيّنُ لنَا ذلك فمنهَا: عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ «أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (البخاري)، وقد فرح ﷺ بتوبة الثلاثة الذين تخلفوا عن “تبوك” ويحكي يذلك كعب بن مالك فيقول: قَالَ كَعْبٌ: «فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، حَتَّى يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ …» (متفق عليه) .
إنَّ العاصِي كالمريضِ ابتُليَ بهذه المعصيةِ التي عافاكَ اللهُ منها فلا تسبَّهُ ولا تلعنَهُ، بل يحتاجُ إلى مَن يعينُهُ ويأخذُ بيدِهِ، فيدعُو لهُ، وليس مَن يدعُو عليهِ ويعينُ الشيطانَ عليهِ، ثم أثبتَ له الحبيبُ ﷺ أنّهُ يحبُّ اللهَ ورسولَهُ ﷺ، ولو بلغَ منهُ ما بلغَ مِن كثرةِ شربِ الخمرِ، نعم، فالمسلمُ يحبُّ اللهَ ورسولَهُ ﷺ، والمرءُ مهمَا بلغَ مِن الخطأِ ففيهِ الخير، فكثيرٌ مِمّن وقعُوا في الذنوبِ قد يريدونَ التخلصَ منهَا ولكن ابتُلُوا بها، فلنكنْ عونًا لهم للأخذِ بأيديهِم للتوبةِ، فبابُ التوبةِ مفتوحٌ، وها هو ﷺ في موقفٍ آخر يكظمُ غيظَهُ، وهو قادرٌ على أنْ ينفذَهُ، بل يعاملُ مَن أمامَهُ بالبشرِ والحبورِ رغمَ سوءِ معاملتِهِ، وفضاضةِ طبعِه.
لقد كان ﷺ رفيقًا بهم صابرًا على تعليمِهِم أو جفاءِ بعضِ مَن اعتادَ على شيءٍ مِن ذلك، فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» (مسلم)، وفي الحديثِ وجوبُ الرفقِ بالجاهلِ، فالنبيُّ ﷺ لم يعنفْهُ ولم يشددْ عليهِ.
حيث إنَّه لم يفعلْ ذلك استخفافًا وعنادًا، وهكذا يجبُ أنْ يكونَ المُنكِرُ مع الجاهلِ ولو عظُمَ ذنبهُ ما دامَ جاهلًا، فنعاملُهُ برفقٍ ولينٍ قالَ تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، وصدقَ اللهُ عزَّ وجلَّ حيثُ قالَ عن نبيِّهِ ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ .
وكان ﷺ يذمُّ الخطأَ ويشهرُ بهِ، ولا يشهرُ بصاحبِهِ، ولذلك لم يكنْ ﷺ يواجُهُ المخطئينَ بالخطأِ أمامَ الناسِ؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى تحطيمِ شخصيةِ المخطئِ وإذلالِ نفسيتِهِ، وهذا أسلوبٌ ذكيٌّ يتعلمُ منه المخطئُ دونَ أنْ ينظرَ لهُ الآخرون نظرةَ ازدراءٍ، فكثرَ في حديثِه “ما بالُ أقوامٍ يفعلونَ كذَا وكذَا” .
ومِن منهجِه أيضًا ﷺ مع المخطئين أنّهُ كان ينتهجُ معهم أسلوبًا رفيعًا في تقويمِ أخطائِهِم مِن ذلك: إقناعُهُ ﷺ لذلك الشابِ مِن قريشٍ حين جاءَ إلى النبيِّ ﷺ يطلبُ منه إباحةَ الفاحشةِ، فهذا شابٌ عارمُ الشهوةِ، صريحٌ في التعبيرِ عن نزواتِه دونَ حياءٍ، فلقيَهُ الرسولُ ﷺ بهذا الرفقِ الحسنِ والحوارِ الهادِئ، فقامَ ذلك الفتَى مقتنعًا بخطئِه عازمًا على تركهِ وعدمِ الالتفاتِ إليهِ.
كما كان يستعملُ ﷺ أسلوبَ العتابِ مع أصحابِه المخطئين بحيث يكونُ عتابًا توجيهيًّا على قدرِ الحاجةِ مِن غيرِ إسفافٍ ولا إسرافٍ، فعاتبَ ﷺ الشابَّ معاذَ بنَ جبلٍ عندما أطالَ بقومِه الصلاةَ، حيثُ جاءَ رجلٌ يشكُو معاذًا إلى الرسولِ ﷺ، فقال ﷺ: ” يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ – ثَلاَثًا – اقْرَأْ: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَنَحْوَهَا” (البخاري) .
أخي الكريم: ما ذكرنَاهُ هنا قليلٌ مِن كثيرٍ وغيضٌ مِن فيضٍ في تعاملِه ﷺ مع صحابتِه الكرام، والمتأملُ في سيرتِه وشمائلِه ﷺ ليعجبَ مِن حكمتِه في تربيةِ النفوسِ بمناهجَ تربويةٍ بليغةٍ يظهرُ ذلك جليًّا في مواقفِه التربويةِ الكثيرةِ والجديرةِ بالوقوفِ عندهَا للاستفادةِ منهَا، ولأخذِ الدروسِ والعبرِ، ومِن ثَمَّ تبقَى سيرتُه الطاهرةُ نبراسًا يضيءُ لنا الطريقَ في جميعِ مناحِي الحياةِ، وحريٌّ بنَا أنْ نتأسَّى بهِ ﷺ، ونقتفِي أثرَهُ لنكونَ مِن السعداءِ في الدنيا والآخرةِ مصداقًا لقولِ ربِّنَا: ﴿لقد كان لكُم في رسولِ اللهِ إسوةٌ حسنةٌ لِمَن كان يرجُوا اللهَ واليومَ الآخرَ وذكرَ اللهَ كثيرًا﴾.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف